هل ستنجح الجهود الأمريكية في تسوية الخلاف الحدودي البري بين “لبنان وإسرائيل”؟!

إعداد: مروة سماحة 

المقدمة:

فتحت زيارة هاموس هوكشتاين “كبير مستشاري البيت الأبيض” للبنان، الأبواب أمام ملفٍ شائكٍ مليءٍ بالتعقيدات السياسية، وقد تدخل فيه عدة أطراف؛ ففي ختام الزيارة، ناقش “هوكشتاين” مسألة ترسيم الحدود البرية بين الجانبيْن “اللبناني، والإسرائيلي” ومساعي الولايات المتحدة الأمريكية للتدخل كوسيطٍ في تلك القضية، إذا وافقت إسرائيل على ذلك المبدأ، وخصوصًا بعد أن كان للوساطة الأمريكية سابق نجاح في مسألة ترسيم الحدود البحرية العام الماضي، وجاء ذلك بعدما أفاد وزير الخارجية اللبناني، عبد الله بو حبيب، عن إمكانية أن يكون ترسيم الحدود أجدر الخيارات؛ لوقف استمرار وتيرة العنف، وذلك على إثْر الاشتباكات التي شهدتها قرية الغجر، التي تقع على الخط الأزرق، الذي يفصل بين “لبنان، وإسرائيل”، ويستمر التساؤل هل ستنجح جهود “هوكشتاين” هذه المرة في تسوية الخلاف، والتوصل إلى نتيجةٍ مرضيةٍ للطرفيْن، تضمن استقرار المنطقة؟

أولًا: جذور النزاع البري بين الدولتين

IMG 20230921 WA0064 هل ستنجح الجهود الأمريكية في تسوية الخلاف الحدودي البري بين "لبنان وإسرائيل"؟!

تعتبر مسألة الحدود البرية بين “لبنان، وإسرائيل” إحدى القضايا شديدة التعقيد في الشرق الأوسط، تعود هذه التعقيدات إلى عدة عوامل تاريخية وسياسية، أبرزها؛ الصراع “العربي – الإسرائيلي”، فقبل الاحتلال الإسرائيلي لفلسطين، كانت المناطق المتنازع عليها حاليًّا، المتمثلة في “مزارع شبعا، وتلال كفرشوبا، وقرية الغجر” جزءًا لا يتجزأ من الأراضي اللبنانية.

وعقب تأسيس دولة إسرائيل، شنَّت القوات الإسرائيلية حربًا ضد لبنان عام 1982، وكان الهدف من ذلك، هو القضاء على منظمة التحرير الفلسطينية وطردها من لبنان، وإبان تلك الحرب، وقع جنوب لبنان تحت الاحتلال الإسرائيلي، بما في ذلك “مدينة صور، ومزارع شبعا، وتلال كفر شوبا، والمخيمات الفلسطينية” ومناطق أخرى، وتم إقامة منطقة أمنية إسرائيلية في تلك البُقَع، وبمرور الوقت، زادت الضغوط الدولية على إسرائيل للانسحاب من لبنان، في الوقت نفسه، قادت المقاومة اللبنانية – بما في ذلك “حزب الله”، الذي تأسس 1982- حملة مسلحة ضد الاحتلال الإسرائيلي.

في 24 مايو 2000، أعلنت إسرائيل انسحابها الكامل من جنوب لبنان، وتمت هذه العملية بالتعاون مع الأمم المتحدة، وبحضور مراقبين دوليين، وتم ترسيم الخط الأزرق بين “لبنان، وإسرائيل” في عام 2000، على مسافة 120 كم، وذلك كجزء من جهود الأمم المتحدة لتأكيد انسحاب الجيش الإسرائيلي من جنوب لبنان، وتم تحديد هذا الخط بالتعاون بين الأمم المتحدة والسلطات “اللبنانية، والإسرائيلية”، والهدف من الخط الأزرق؛ هو تحديد المناطق التي يجب أن تكون تحت السيادة اللبنانية، بموجب القرار الدولي، وهو القرار رقم 425 الذي صدر عام 1978، عقب الاجتياح الإسرائيلي لمناطق في جنوب لبنان، وعقب ذلك، تولَّت اليونيفيل (قوة الأمم المتحدة المؤقتة في لبنان) مسؤولية المراقبة على الحدود؛ لحفظ الهدوء وتنفيذ قرارات مجلس الأمن الدولي.

وبالرغم من أن الأساس في ذلك الخط هو الانسحاب الإسرائيلي من كافة الأراضي اللبنانية المحتلة، إلا أن هناك بعض المناطق لا تزال تحت السيطرة الإسرائيلية، ومحل نزاع كبير – حتى الآن- بين الدولتيْن، وهما “مزارع شبعا، وتلال كفر شيبا، وقرية الغجر”؛ فتعتبر إسرائيل هذه المناطق جزءًا من الجولان التي تقع تحت النفوذ الإسرائيلي، بينما تعتبرها لبنان جزءًا لا يتجزأ من أراضيها، وتتفق معها الأمم المتحدة الأمريكية.

وبصدد استمرار النزاعات على الحدود البرية بين الطرفيْن، اندلعت حرب تموز 2006 بين “حزب الله، وإسرائيل” وكان من أبرز أسبابها؛ هو الصراع حول “مزارع شبعا، وتلال كفر شيبا”؛ حيث اعتبرت لبنان وحزب الله، أن تلك المناطق لازالت محتلة من قِبَلِ إسرائيل، وانتهت الحرب في 14 أغسطس 2006، بوساطة الأمم المتحدة، من خلال قرار مجلس الأمن رقم 1701، وهو قرار وقْف إطلاق النار، ونصَّ على نشْر قوة يونيفيل في جنوب لبنان؛ للمساعدة في حفظ الهدوء، ومنع تسلُّل مقاتلي “حزب الله” إلى المنطقة الحدودية، ولا تخلو تلك المناطق من الاشتباكات وأعمال العنف إلى يومنا هذا.

ثانيًا: أبرز التحديات التي تحُول دون تحقيق الاتفاق.

سبق وتدخلت الولايات المتحدة الأمريكية كوسيط عام 2020؛ لتسهيل عملية التفاوض بين “لبنان، وإسرائيل”؛ لحل أزمة الخلاف الحدودي البحري، وبالفعل حقَّقت نجاحًا ساحقًا، وتم التوصل إلى اتفاقٍ يضمن ترسيم الحدود البحرية بين الطرفيْن، في 11 أكتوبر 2022، ووصفه “هوكشتاين” بـ”الاتفاق التاريخي”، واعتبره حِقْبةً جديدةً في استقرار وازدهار المنطقة، ولكن يجْدُر الأخذ في الحسبان، أن السياق مختلفٌ بشكلٍ كبيرٍ؛ فحينما نأتي لملف ترسيم الحدود البرية، وذلك السياق يجعل عملية التوصل إلى اتفاق في غاية التعقيد والتشابك؛ وذلك لعدة اعتبارات، أبرزها؛ عامل السياق السياسي الذي يتمثل في:

الفراغ السياسي بلبنان

يعيش لبنان حالةً من الفراغ السياسي، منذ أن غادر الرئيس السابق، العماد ميشال عون، قصر بعبدا، يوم 31 أكتوبر، وفي أعقاب ذلك، فشل مجلس النواب اللبناني في انتخاب رئيس للبلاد على مدار أربع عشرة جلسة؛ بسبب الاستقطاب السياسي الذي تعدَّى تواجده بين النُّخب السياسية، وأصبح داخل النخبة السياسية نفسها، فضلًا عن التدخلات الدولية، وتصميم الثنائي الشيعي “حزب الله، وحركة أمل” على “سليمان فرنجية”، كرئيس للبلاد، وهو سياق سياسي مختلف؛ حيث تم توقيع اتفاق ترسيم الحدود البحرية بين الرئيس الأسبق اللبناني، ميشال عون، والرئيس الإسرائيلي السابق، يائير لبيد.

حكومة بنيامين نتنياهو في إسرائيل

بعد انتخابات الكنيست، نوفمبر 2022، تم تشكيل الحكومة اليمينة الأكثر تطرُّفًا في تاريخ إسرائيل السياسي، بزعامة بنيامين نتنياهو، والجدير بالذكر، أن تلك الحكومة وخلفيتها اليمينية، أثارت جدلًا واسعًا على الصعيديْن “المحلي، والإقليمي”، وبالفعل تشهد إسرائيل – حتى الآن- مظاهرات على خلفية خطط الحكومة؛ لإجراء التعديلات القضائية؛ التي تهدف إلى تقليص سلطة القضاء، ومؤخرًا خرجت المظاهرات من شكلها السلمي، واشتبكت القوات الإسرائيلية مع المتظاهرين، وتم اعتقال نحو 70 فردًا، أمَّا على صعيد عمليات السلام مع الجانب الفلسطيني؛ فقد زادت الاشتباكات وأعمال العنف بين “الجيش الإسرائيلي، والفلسطينيين” منذُ أن تولَّت الحكومة، كذلك زاد التوسُّع الاستيطاني الإسرائيلي، وفي ذلك السياق، رأى مراقبون أن عملية السلام بين الطرفيْن في ظل حكومة “نتنياهو” ستكون أشبه بالمستحيلة.
وفيما يخص اتفاق ترسيم الحدود البحرية بين “إسرائيل، ولبنان”، أكد “نتنياهو” عدم اعترافه بالاتفاق وبنوده، بوصفه تنازلًا كبيرًا وتهاونًا في حق إسرائيل، كما انتقد فكرة عدم عرضه على الكنيست، وأكد أنه استسلام تاريخي أمام “حزب الله”، وفي الأخير، أكد “نتنياهو” عقب تولِّيه للحكومة، عزْمه على استرجاع الحقوق الإسرائيلية، ولكن بطُرُق أخرى، خلاف انتهاك الاتفاق، وبالفعل بدأت لبنان التنقيب عن الغاز في حدودها البحرية بالفعل، وتعاقدت مع أكثر من شركة بجنسيات مختلفة.
وهذا الموقف شديد المعارضة لاتفاق ترسيم الحدود البحرية من جهة “نيتياهو”، يُعدُّ دلالةً مهمة على مدى تعقيد المسألة أمام الجانب الأمريكي؛ فلن يكون هناك أية تنازلات من جهة إسرائيل، فيما يتعلق بمناطق النزاع، لا سيما “مزارع شبعا، وتلال كفر شيبا”.

ويقابل ذلك “حزب الله”، الذي صرَّح مؤخرًا، بعدم تهاونه بأي شكلٍ فيما يتعلق بالأراضي اللبنانية، وحرصه الشديد لضم الأراضي التي تقع تحت قبعة الاحتلال الإسرائيلي.

ثالثًا: هل سيكون “حزب الله” ضريبة الاتفاق؟

على إثْر تجديد قوات اليونيفيل، وتوسيع مهامها بشكلٍ يضمن لدورياتها التحرُّك بدون التنسيق مع الجانب اللبناني مؤخرًا، يطرق في الأذهان، احتمالية أن يكون تحجيم تسليح “حزب الله” هو المراد الأمريكي والضريبة الإسرائيلية؛ لإتمام الاتفاق، واستعادة لبنان لأراضيها المحتلة، بشكلٍ يضمن تحقيق الاستقرار في المنطقة، وتجنُّب إسرائيل اشتباكات “حزب الله”، وتداعيات وجوده في الجنوب، وبهذا الشكل، لن يكون هناك أي مبررٍ لتواجد “حزب الله” وميليشياته، عقب استعادة لبنان لكافة أراضيها المتنازع عليها. ويمكن القول: إن تلك الرؤى ضعيفة للغاية من الناحية الواقعية؛ فـ”حزب الله” ليس مجرد ميليشيا مسلحة وحسب، بل هو قوة مقاومة لها تاريخٌ كبيرٌ في منطقة الجنوب، ضد الاعتداءات الإسرائيلية، وهذا يبرر حشده الشعبي القوي في الجنوب، كما أنه يمثل رمزًا صارخًا للهوية اللبنانية والعملية السياسية داخلها.

ختامًا:

من خلال ما تم ذكره في المعطيات السابقة، يمكن القول: إن البيئة السياسية في “لبنان، وإسرائيل” حاليًا غير حاضنة بشتَّى الصور للوساطة الأمريكية لإمكانية التوصُّل إلى اتفاق ترسيم حدود برية بين الدولتيْن، وبالتالي، فمن المتوقع، أن تبوء محاولة “هوكشتاين” بالفشل ، وذلك على خلفية الشُّغُور السياسي بلبنان، وإصرار “حزب الله” على عدم تقديم أية تنازلات، فيما يخص “مزارع شبعا، وتلال كفر شيبا”، فضلًا عن حكومة “بنيامين نتنياهو” اليمينية، الأكثر تطرُّفًا بإسرائيل، وتعنُّتها الشديد، فيما يخص مسألة ترسيم الحدود “اللبنانية – الإسرائيلية”.

كلمات مفتاحية