هل سيشكل تعليق “معاهدة ستارت” ورقة ضغط على الغرب للتخلى عن دعم أوكرانيا؟

إعداد: دينا لملوم 

فى ظل الظروف التى يعانيها العالم جراء الحرب الروسية الأوكرانية، وقيام دول “حلف الناتو” بدعم أوكرانيا فى مواجهة روسيا، استخدم الرئيس الروسى “بوتين” الردع النووى من خلال تعليقه لمعاهدة الحد من الأسلحة الهجومية الإستراتيجية، والتى تعرف بـ “ستارت”؛ لذا فإن الأوضاع تُنذر باحتمالية زيادة عمليات الاختراق النووى، ونشأة قوى دولية تسعى لمزيد من التسلح النووى.

التعريف بمعاهدة “ستارت”:

هى معاهدة تتعلق بخفض عدد الرؤوس الحربية الإستراتيجية بين الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا، وبدأت بشكل فعلى فى ثمانينيات القرن المُنصرم، وسميت آنذاك بـ”ستارت1″، ونصت على الحد من انتشار أكثر من 6000 رأس نووى فوق 1600 صاروخ باليستى عابر للقارات.

وفى عام 1991، تم التوقيع على معاهدة “ستارت 2″، حيث اتفقت “موسكو وواشنطن” على خفض عدد الرؤوس الحربية الإستراتيجية إلى 3500 بحلول عام 2003.

أما فى عام 2010، فقد تم التوقيع على معاهدة “ستارت 3″، أو ما يعرف بـ “نيو ستارت”، ودخلت حيز النفاذ عام 2011، وتم الاتفاق فيها على نشر ما لا يزيد على 1550 رأسًا نوويًا، فضلًا عن 700 صاروخ طويل المدى، وقاذفات القنابل، وخفض عدد منصات الإطلاق والقاذفات الثقيلة إلى 800 قطعة، وسمحت المعاهدة لكلا الطرفين بإجراء ما يقرب من 18 عملية تفتيش، للتأكد من مدى التزام الطرف الآخر ببنود المعاهدة، وكان من المقرر انتهاء موعد هذه الاتفاقية فى فبراير 2021، وقد اقترح الطرفان تمديد المعاهدة لمدة خمس سنوات، أى حتى عام 2026، ولكن سرعان ما قامت “موسكو” بتعليق العمل بها فى فبراير 2023.

يذكر أن روسيا والولايات المتحدة الأمريكية يمتلكان حوالى 90% من الرؤوس الحربية النووية فى العالم.

أسباب تعليق معاهدة “نيو ستارت”:

على الرغم من اتفاق “موسكو وواشنطن” على قيام كل طرف بتفتيش المنشآت النووية التابعة لكل للطرف الآخر، إلا أنه وفقًا لتصريحات المتحدث باسم الخارجية الأمريكية، فإن روسيا عملت على عرقلة عمليات التفتيش على أراضيها، وأصرّت “واشنطن” على مواصلة التفتيش؛ حتى تتأكد أنها ما زالت فى مأمن، ولا توجد أى تهديدات نووية من شأنها المساس باستقرارها، وقد كانت هناك مزاعم بأن أمريكا تقوم بإجراء عمليات استخباراتية على الأراضى الروسية تحت مظلة عمليات التفتيش، الأمر الذى من شأنه خلق حالة من الغضب لدى “موسكو [1]“، وجاء ذلك تزامنًا مع سلسلة العقوبات التى فرضتها الولايات المتحدة الأمريكية على روسيا جراء تدخلها فى أوكرانيا.

وجاءت تصريحات “بوتين” لتوجه أصابع الاتهام للغرب، وعلى رأسهم الولايات المتحدة بأنهم يستخدمون أوكرانيا كساحة للحرب، واتخاذها كذريعة للتدخل فى الشؤون الدولية، لذا فسرعان ما قامت “موسكو” بتعليق اتفاقية “ستارت الجديدة”، ردًا على المواقف الغربية ضدها، والتى اعتبرتها مبررًا لغزو أوكرانيا.

جدير بالذكر أن عمليات التفتيش ظلت مستمرة بين الطرفين، إلا أنها توقفت عام 2020، بسبب جائحة كورونا.

مصير معاهدة “ستارت” فى ظل الحرب الأوكرانية:

فى خضم الحرب الروسية الأوكرانية، وقيام الولايات المتحدة بإمداد “كييف” بالأسلحة بعيدة المدى وعالية الدقة، وأنظمة الدفاع الجوى المتطورة، هذا بالإضافة إلى قيام الغرب باتباع نفس المسار، وفرض عقوبات على روسيا جراء غزوها لأوكرانيا، أدى ذلك لتصعيد الموقف وزيادة حدة التوترات بين “موسكو وواشنطن”، ولكن قد تكون نتائج هذا التعليق ليست فى صالح “موسكو”، فقد تقوم واشنطن بزيادة أعداد الرؤوس الحربية من الصواريخ الباليستية العابرة للقارات، فى الوقت الذى تتواجد فيه 1550 رأسًا نوويًا غير كافى لتدمير كلا الطرفين فقط، بل العالم بأسره.

وتجدر الإشارة إلى أن هذه المعاهدة تمثل الاتفاقية الوحيدة المتبقية لمراقبة الأسلحة النووية بين روسيا والولايات المتحدة، بعد انسحابهما عام 2019 من معاهدة الأسلحة النووية متوسطة المدى التى تم توقيعها بينهما عام 1987.

زيادة الاختراق النووى عبر العالم:

يرى خبراء فى الشؤون الأمريكية والعلاقات الدولية، أن تعليق معاهدة “ستارت” قد يكون ذريعة لروسيا لكى تستأنف أنشطتها النووية، وبالتالى فى ظل تلك الأجواء التى قد تُنذر بانهيار المعاهدة وعدم تجديدها، نجد أن ثمة تداعيات خطيرة تهدد الأمن والاستقرار العالمى، وتلوح بزيادة الانتشار النووى فى العالم، ومن ثم إتاحة الفرصة لباقى الدول بإجراء التجارب النووية وامتلاك السلاح النووى، وهو ما اتضح بشكل فعلى فى إعراب الصين عن رغبتها فى بناء ترسانة كالتى تملكها موسكو أو واشنطن، كما أن إيران مؤخرًا باتت تحرز تقدمًا ملحوظًا فى عمليات تخصيب “اليورانيوم”، الذى يمهد لصنع أسلحة نووية، علاوة على ذلك فقد سعت كوريا الشمالية نحو المضى قُدمًا فى اختبار صواريخها الباليستية العابرة للقارات، وكل هذه المؤشرات تُنذر بأن العالم على وشك الدخول فى حقبة جديدة من الاختراق النووى[2].

وختامًا:-

نجد أن روسيا تسعى بشتى الطرق للضغط على الغرب وعلى رأسه الولايات المتحدة الأمريكية؛ من أجل التوقف عن دعم أوكرانيا؛ لذا فقد لجأت إلى تعليق معاهدة “ستارت الجديدة”، معتقدةً أن ذلك بمثابة ورقة ضغط على الغرب، إلا أن ذلك قد لا يؤدى إلى تحقيق الأهداف المرجوة لموسكو، بل قد يدفع هذا التعنت إلى دخول العالم فى أزمة سباق تسلح بين قوتين نوويتين عظمتين، وظهور قوى أخرى على الساحة، مثل إيران وكوريا الشمالية والصين، أيضًا عدم قدرة روسيا على استخدام السلاح النووى ضد أوكرانيا؛ نظرًا لما قد يعقبه من ردود مماثلة من قبل المجتمع الدولى، والناتو بشكل خاص، ومن غير المتوقع أن تتوقف دول شمال الأطلسى عن دعم أوكرانيا، والسياسة التى انتهجتها روسيا بتعليق معاهدة ستارت لن تكون ورقة رابحة، ولن تزيد الغرب إلا تعنتًا، كما أنها تعطى الفرصة لزيادة الاختراق النووى، ومن ثم دخول العالم فى نفق مظلم من التخبطات وتعميق الأزمة فى أوكرانيا.

[1] فهيم الصوراني، محمد المنشاوي، مخاوف من إلغاء اتفاقية ستارت الجديدة..هل تعيد حرب أوكرانيا سباق التسلح النووى الروسى الأميركي؟، الجزيرة، 2/2/2023، https://bit.ly/3ZaygL9

[2] David E. Sanger, Putin’s Move on Nuclear Treaty May Signal End to Formal Arms Control, The New York times, 21/2/2023, https://www.nytimes.com/2023/02/21/world/europe/putin-new-start-treaty.html

كلمات مفتاحية