هل سيقود تسليح المدنيين في السودان إلى حرب أهلية قادمة؟

إعداد: شيماء ماهر

باحثة متخصصة في الشؤون الأفريقية

تأخذ الحرب السودانية منحنى جديدًا يزيد من تعقيداتها، فأصبح اقتناء السلاح الناري من ضمن أولويات غالبية السودانيين بمعظم مدن ولايات البلاد؛ الأمر الذي يُنْذِرُ بحرب أهلية، خاصَّةً مع زيادة التأثيرات السلبية التي قد تنْجُمُ عن ذلك؛ حيث تتصاعد وتيرة الصراعات بين المجموعات الأهلية، لا سيما ولايات دارفور ومدينة الجنينة على وجه التحديد، واحتمالية تحوُّله إلى منطقة صراع إقليمي، وسوف يؤدي ذلك إلى إطالة أَمَدِ الصراع في السودان على كافَّةِ الاحتمالات؛ الأمر الذي يجعل مستقبل الدولة السودانية على المحكِّ.

دعوات تسليح المدنيين تتزايد مع اتساع نطاق الحرب

تتصاعد الدعوات إلى تسليح المدنيين في السودان، خاصَّةً مع تقدُّم قوات الدعم السريع نحو الجنوب، وسيطرتهم على أجزاء كبيرة من ولاية الجزيرة، كالعاصمة ود مدني، وواصلت تقدُّمها في اتجاه الجنوب، وسيطرت على عدة مناطق في ولاية سنار المجاورة، وفي هذا الأثناء، أطلقت مجموعات تسمي نفسها ” المقاومة الشعبية لتسليح المدنيين” دعوات لتسليح المدنيين في ولايات النيل الأبيض ونهر النيل والقضارف الشمالية وكسلا والبحر الأحمر، وجميعها مناطق تابعة لسيطرة الجيش، ورحَّب قائد الجيش السوداني عبدالفتاح البرهان، بهذه الخطوة، ففي كلمته لمناسبة الذكري 68 لاستقلال السودان، دعا إلى تسليح المواطنين؛ لمواجهة قوات الدعم السريع، خاصَّةً بعد الانتصارات المتتالية، التي حقَّقها الجيش السوداني، ورأى أن من حقِّ كُلِّ مواطن أن يدافع عن نفسه وداره وماله وعرضه؛ لأن المرتزقة استهدفوا المواطنين ونهبوا ممتلكاتهم ومنازلهم.

وتقوم قوات الدعم السريع أيضًا بدعوة من يشاء من سكان المناطق التي تسيطر عليها إلى التطوُّع لديها لتسليحهم، وقدمت لهم بنادق كلاشينكوف وعربات، واشترطت على الشباب التطوُّع لديها لحمايتها من اللصوص وأعمال النهب المنتشرة فيها، وتبرّر السبب من وراء ذلك، أن يقوم هؤلاء الأشخاص بحماية مناطقهم.

دوافع تسليح المدنيين السودانيين

تتعدد الدوافع المختلفة جرَّاء تسليح المدنيين من منطقة إلى أخرى، فعلى سبيل المثال، في ولايات دارفور ينتشر السلاح بين المواطنين والمجموعات الأهلية، وتمَّ استخدامه في الصراعات القبلية المميتة بالإقليم في وقتٍ لاحقٍ، ويمثل انتشار العصابات المسلحة في الخرطوم وبعض المدن الأخرى من أبرز دوافع المواطنين في الحصول على الأسلحة؛ من أجل حماية أنفسهم وممتلكاتهم، في ظل عجْز قوات الشرطة والأجهزة الأمنية المعنيّة عن تأمين حياة المدنيين منذ اندلاع الحرب السودانية، في منتصف أبريل الماضي، وتزامنت رغبة المدنيين في الحصول على السلاح مع دعواتٍ أطلقها وزير الدفاع السوداني ياسين إبراهيم ياسين؛ لتسليح كل من يستطيع حمل السلاح من الشعب السوداني، ونداءات مماثلة من حاكم إقليم دار فور مني اركو مناوي، الذي حثَّ مواطنيه على التسلح لحماية أنفسهم وممتلكاتهم من أعمال النَّهْب.

كما أن هناك دافعيْن أساسيين يدفعان المدنيين إلى حمْل السلاح، الأول: سياسي نابع من تطلُّع الجيش إلى إعادة التوازن إلى ديناميكيات السلطة بعد خسارته عدة قواعد في مواقع استراتيجية، مثل الخرطوم والجزيرة وأربع ولايات من أصل خمس في إقليم دارفور، ومن خلال تشجيع التعبئة المدنية ودعم الحركات المسلحة، يعتقد الجيش أنه قادر على القيام بالهجوم في الصراع، والثاني: وجودي مرتبط بتصميم المواطنين السودانيين على الدفاع عن أنفسهم وممتلكاتهم ومجتمعاتهم ضد التوغُّلات المتوقعة لقوات الدعم السريع، ويعكس ذلك عدم ثقتهم في قدرة الجيش على حمايتهم

مخاطر تسليح المدنيين في السودان

توجد العديد من المخاطر السلبية التي قد تنْجُمُ عن تسليح المدنيين، وسوف نقوم بتوضيحها على النحو الآتي:

تردِّي الأوضاع الأمنية واحتمالية نشوب حرب أهلية

في ظل عدم الاستقرار الأمني الذي تعاني منه بعض الولايات في السودان، بالإضافة إلى توافُر عددٍ كبيرٍ من الأسلحة المتنوعة من قِبَلِ دول الجوار الجغرافي، وفي ظل استمرار المواجهات المسلحة بين الجيش وقوات الدعم السريع لفترة طويلة نِسْبيًّا، فإنها يمكن أن تتحوَّل إلى حربٍ أهليةٍ شاملةٍ، خاصَّةً في ظلِّ عُمْق الانقسامات الرأسية في المجتمع السوداني من ناحية، خاصَّةً أن اتساع نطاق القتال سوف يسمح لقوى قبليّة أو عرقيّة بالتدخُّل، من خلال دعْم أحد الأطراف وفْقا لمصالحها؛ ما يُغذِّي استمرار القتال، مثلما حدث في إقليم دارفور.

وقد تنشط حركات التمرُّد المسلحة لدعم أحد الأطراف؛ ما يُعزِّزُ تدخُّل قوى خارجية؛ لدعم أحد الأطراف التي تبحث عن دعمٍ عسكريٍّ واقتصاديٍّ من قِبَلِ أطراف خارجية؛ من أجل تعزيز قدرتها على مواجهة الخصم، والاستمرار في القتال المسلح، ولدى السودان تجارب سابقة من تسليح المدنيين وما نتج عنها من صراعات مسلحة، مثلما حدث في إقليم دارفور غربي البلاد؛ حيث اندلاع النزاع في عام 2003م، ووفقًا للأمم المتحدة، راح ضحية النزاع 300 ألف قتيل ونزوح 2.5 مليون شخص من منازلهم، كما أن تسليح المواطنين؛ يعني تحويلهم إلى مقاتلين؛ ما يفقدهم الحماية القانونية المكفولة للأشخاص غير المقاتلين، وفقًا لنصوص القانون الدولي الإنساني واتفاقيات جنيف وغيرها.

احتمالية التنافس المجتمعي بين القبائل

أدَّى تسييس دور القبيلة في السودان خلال حكم “البشير” إلى تنامي الشعور بالهوية القبليّة على حساب الهوية المجتمعية؛ الأمر الذي أدَّى إلى تفاقم الاستقطابات المجتمعية؛ ما جعل القبليّة أساسًا للتناحُر السياسي والمجتمعي، واتخاذ الصراع الشكل القبلي، واتضح ذلك في شرق السودان؛ إذ تتنافس القبائل في الإقليم على الموارد للحصول على الحكم الذاتي وتقرير المصير، ونظرًا للتهميش الذي عانى منه إقليم شرق السودان، اتجهت بعض القبائل الموجودة به إلى تبنِّي العمل المسلح ضد القبائل الموجودة في الخرطوم، وفي ظلِّ استمرار دعوات تسليح المدنيين، من الممكن أن يتزايد الصراع بين مُكوِّنات الإقليم؛ الأمر الذي يُنْذِرُ بإمكانية حدوث حرب أهلية.

إمكانية تحوُّل الصراع في السودان إلى نزاعٍ إقليميٍّ

على الرغم من أن النزاع في السودان بالأساس صراع داخلي تتنافس فيه قيادات الهرم على السلطة، إلا أن كثرة التدخُّلات الخارجية، خاصَّةً من قِبَلِ دول الجوار السوداني، مثل إريتريا وأثيوبيا، عَمَّقَ من الاختلافات المجتمعية في الداخل السوداني، كما أن بعض القبائل في الشرق لها امتدادات في إريتريا وأثيوبيا، فضلًا عن أن هناك قوى دولية وإقليمية ترغب في استغلال ما يحدث في السودان، في إيجاد موطئ قدمٍ لها على ساحل البحر الأحمر، مثل روسيا وتركيا وإيران، من خلال  ستغلال إشكاليات التناحر القبليّ، لتفعيل الاتفاقات السابقة مع نظام البشير، بشأن إنشاء قواعد عسكرية في بورتسودان أو ميناء سواكن؛ الأمر الذي قد يؤدي إلى حربٍ تتمدد تأثيراتها إلى الجوار الجغرافي للسودان.

تمدُّد نشاط التنظيمات الإرهابية

يُتوقع أن ينْجُمَ مستقبلًا من عمليات التجنيد واسعة النطاق للأطفال والمدنيين، بجانب عمليات توزيع السلاح على المواطنين، والتي لا يوجد قانون واضح لدى طرفيْ الصراع يُقنِّنُ طُرُق توزيعها وإعادة جمْعها عندما تضع الحرب أوزارها، وفي كثير من الأحيان، يضطر معظم المجندين من هاتيْن الفئتيْن؛ الأطفال والمدنيين إلى بيْع ما يحصلون عليه من بنادق آلية وذخائر؛ للحصول على بعض المال؛ من أجل تلبية احتياجاتهم الأساسية؛ الأمر الذي يُنْذِرُ بإمكانية تسرُّبها إلى الجماعات الإرهابية داخل البلاد وفي محيطها الإقليمي، وقد ينتج عن ذلك، تهديد الأمن القومي لدول الجوار، وغالبيتها تعيش أوضاعًا أمنيةً بالغة الهشاشة والضعف.

تنامي مخاوف تهريب الأسلحة غير المشروعة

تسود مخاوف بشأن أن يتكرر في السودان مثلما حدث في ليبيا، في ظل انتشار ظاهرة التسلُّح الفردي بمعظم ولايات السودان؛ نتيجة النزاعات والصراعات بين الجماعات الرعوية والزراعية على الموارد، وتحديدًا على الأراضي الزراعية ومساحات المراعي، وما فاقمته ظاهرة التغيُّر المناخي من تداعيات على تأجيج هذه الصراعات، كما فشلت الحكومات السابقة في الحصول على نتائج من مشاريعها لجمْع الأسلحة من القبائل المحلية، كما بدأت بالفعل مشكلة الأسلحة غير القانونية في جميع أنحاء منطقة القرن الأفريقي؛ بسبب سهولة اختراق الحدود، واستمرار العنف في أماكن، مثل الصومال وجنوب السودان.

مستقبل الأضاع في السودان في ظل دعوات تسليح المدنيين في السودان

في ظل كثرة الدعوات لتسليح المدنيين السودانيين في العديد من الولايات، فمن المحتمل أن تسليح المدنيين لن يساهم في الحسْم العسكري الذي يُؤمله الطرفان المتحاربان، بل على العكس سيؤدي إلى حرب أهلية واسعة، في ظل العصبية القبلية التي تُهيمن على النسيج المجتمعي، ففي حالة مساندة قبيلة أحد طرفي النزاع، ستقوم القبيلة المعادية لها بمساندة الطرف الآخر، بل إن بعض الإثنيّات في دول الجوار الجغرافي للسودان، سوف تستفيد من هذا الوضع، خاصَّةً تلك الإثنيات ذات التداخلات العرقيّة في مناطق التَّماس الحدودية مع السودان، وهو ما يمكن أن يُشكِّلَ تهديدًا كبيرًا لاستقرار دول الجوار؛ فالقبائل ذات الأصول الأفريقية في غرب السودان، خصوصًا في المناطق الملتهبة مثل دارفور، تجد فرصتها في الالتحام بقبائل المنطقة، مستفيدة في ذلك من الهشاشة الأمنية المتزايدة، وكذلك ستفعل القبائل في شرق السودان، خاصَّةً تلك المتداخلة مع القبائل الأثيوبية؛ ما يجعل مناطق النزاعات والصراعات المتجددة، في منطقة الفشقة وغيرها، بيئةً خصبةً لتوالد مجتمع بإمكانه فرْض واقعٍ جديدٍ على السودان.

ومن ثمَّ فإن عدم التوصُّل إلى حلٍّ سلمي للأزمة السودانية، من خلال المفاوضات؛ سوف يؤدي ذلك إلى إطالة أَمَدِ الصراع في السودان على كافَّة الاحتمالات؛ إذ إن دعوات أصحاب الحرب والعنصرية، قد تُعيد ترتيب القوى والاصطفاف القبلي في شرق السودان، وفي أقاليمه الأخرى، وفي ظل عدم تمكُّن القوى الاجتماعية السودانية من تجاوز خلافاتها التاريخية، فمن المحتمل أن يؤدي تسليح المدنيين إلى تكرار سيناريو ما حدث في إقليم دارفو.

ختامًا

يتضح أن السودان يدخل في حلقةٍ مفرغةٍ من العنف والاقتتال، الذي يسمح  بتفجير الأوضاع الأمنية في العديد من الأقاليم، في ظل ما تشهده هذه الأقاليم من تصاعُد الصراع على السلطة دون الوطنية بين النُّخب السياسية المحلية المتنافسة والميليشيات؛ لتأسيس سيطرةٍ محليةٍ على الأرض، أو لتأكيد السلطة بالقوة، ويُمثِّلُ تسليح المدنيين السودانيين انتحارًا للدولة السودانية، ويُنْذِرُ بسيناريو تقسيمٍ محتملٍ في البلاد، ربما يدفع نحو تقسيمات أخرى في البلاد خلال المرحلة المقبلة، ويستبعد تسوية الأزمة السودانية اعتمادًا على الداخل، في ظل غياب الإرادة السياسية للطرفيْن المتنازعيْن، وتمسُّك كُلِّ طرف بموقفه، المتمثل في القضاء على الطرف الآخر، بما يجعلها مباراة صفرية، ستكون نتائجها كارثية على أمن ووحدة السودان.

كلمات مفتاحية