إعداد: مروة سماحة
أفادت صحيفة “تايمز أوف إسرائيل” الموافق يوم الخميس الماضي، أن إسرائيل تُهدد الحكومة اللبنانية، بقصف مطار (بيروت)، وذلك على غرار ما فعلته من قبلُ في (دمشق)، إثْرَ اتهامات باستغلال مطار (بيروت)؛ لتهريب أسلحة إيرانية وأدوات حسَّاسة لـ«حزب الله»، وذلك في أعقاب إحباط إسرائيل لعملية تهريب الأسلحة الإيرانية عبر (دمشق)، وانعكاسًا لذلك، فهناك تكهُّنٌ واردٌ بإنشاء (طهران) ممرًا بديلًا؛ لتهريب الأسلحة في رحلات مدنية على طائرات؛ بالاستعانة بشركة (معراج) للطيران إلى (بيروت)، كما أعربت الصحيفة، أنه حال التبيُّن من حدوث ذلك، ستقوم إسرائيل على الفوْر، بقصف مطار (بيروت)، وهذا من شأنه، التضييق الدولي على (لبنان)، ناهيك عن عُزْلتها على الصعيد الدولي، وتصعيد التأزُّم الاقتصادي.
كانت مصادر أُخرى في (تل أبيب) قد ربطت بين الأنباء عن استخدام مطار (بيروت) لنقل شحنات أسلحة إيرانية، وبين الزيارة التي قام بها أمين عام «حزب الله»، حسن نصر الله، إلى (دمشق)، ولقائه الرئيس بشار الأسد، والجدير بالذكر، أن هذا الاتهام ليس هو الأول من نوْعه، فقد سبق وأن اتهمت إسرائيل «حزب الله» بنقل أسلحة من إيران إلى لبنان، بواسطة رحلات مدنية، هبطت في مطار (دمشق) الدولي.
ردود فعل الجانب اللبناني إزاء ذلك البيان
قابل ذلك الاتهامَ نفيٌ قاطعٌ من قِبَلِ السلطات اللبنانية، مؤكدةً أن (معراج) شركة نظامية إيرانية، بدأت بتسيير الرحلات من وإلى مطار (بيروت)، منذ نوفمبر الماضي، ومن جهةٍ أُخرى، شدَّد المدير العام للطيران المدني بلبنان، فادي الحسن، على خلوِّ هذا الاتهام من الصحة، مؤكدًا أن شركة (معراج) مستوفية الشروط الأمنية، معتبرًا أن توقيت هذا الخبر مُؤذٍ لسمعة مطار لبنان، وعلى غرار ذلك، أكد اتحاد النقل الجوي بلبنان، بأن تلك الاتهامات، عبارة عن أكاذيب مُخْتَلَقة، خالية من المصداقية، وتحدى إسرائيل، بأن تُقدِّمَ إثباتًا واحدًا، يؤكد صحة روايتها، مشيرًا إلى أن الهدف وراء ذلك، يكْمُنُ في ضرْب السياحة اللبنانية، ولا سيما مع اقتراب موسم الأعياد.
وفي سياقٍ متصلٍ، شدَّد سمير جعجع، رئيس «حزب القوات اللبنانية»، بضرورة اجتماع حكومة تصريف الأعمال؛ للبحث في تلك التهديدات، التي تمسُّ حماية الأمن القومي اللبناني.
وبالنسبة لـ«حزب الله»، فقد لاقى الأمين العام، لـ«حزب الله» تلك الاتهامات بالنفي، وأكَّد أن «حزب الله» ليس بحاجة إلى استخدام مطار (بيروت) لتمرير الأسلحة؛ مشيرًا إلى أن «حزب الله» بات مكتفيًا ذاتيًّا من الصواريخ والأسلحة، ولم يكتفِ الحزب بذلك في تصريحاته، بل قام بتبادُل التهديد مع إسرائيل، بلهجةٍ مليئةٍ بالنِّدية والوعيد، بأنه إذا دخل التهديد حيِّز الواقع، وقصفت إسرائيل مطار (بيروت)، سيضرب «حزب الله» مطار (بن غوريون) بإسرائيل.
رد فعل الجانب الإيراني إزاء اتهامات إسرائيل
أكدت شركة (معراج) الإيرانية، أن تلك الاتهامات خالية من الحقيقة، وأن شركة (معراج) غير مُدْرجة تحت العقوبات الإيرانية، وأن الهدف من ذلك، هو تشديد الحصار على إيران.
هل سيُعاد سيناريو قصف إسرائيل لمطار(بيروت) 1968 مرة أخرى؟
كانت إسرائيل قد ضربت مطار (بيروت) في أواخر عام 1968؛ ردًّا على هجومٍ، نفّذته «الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين» على طائرة مدنية إسرائيلية، قبل يوميْن من بداية القصف الإسرائيلي، وكان لهذا التنظيم الفلسطيني قواعد في لبنان، وقد ألحق ذلك الفعل خسائر فادحة للبنان؛ فتم تفخيخ وتدمير 13 طائرةً مدنيةً، في غضون أربعين دقيقةً، وكان القائم على تلك الغارة، فرقة كوماندوز إسرائيلية، واستكمالًا لذلك، فقد بلغت قيمة الطائرت المدمرة، حوالي 43 مليون دولار، وكان من بينهم، ثماني طائرات تابعة لطيران الشرق الأوسط.
والجدير بالملاحظة، أن عام 2010، يُمثِّلُ تغيُّرًا حادًّا في وتيرة الصراع «اللبناني – الإسرائيلي»؛ نتيجةً لصعود «حزب الله» وتطوُّر أسلحة الحزب ولوجيستياته، وقد أعلن الأمين العام للحزب «نصر الله»، عن معادلاته الرادعة تجاه إسرائيل، التي تستهدف البُنَى التحتية اللبنانية بالقصف، كوسيلة ضغطٍ على السلطات؛ للرضوخ لشروطهم، مشيرًا بلهجةٍ يغلب عليها التهديد، “أن استهداف إسرائيل مطار الشهيد، رفيق الحريري، في (بيروت)، سيقابل باستهداف مطار (بن غوريون) في (تل أبيب)، وأن استهداف محطات الكهرباء في لبنان، سيقابل باستهداف محطات الكهرباء في الكيان الإسرائيلي، وكذلك المرافئ البحرية”، هذه المعادلات كانت مؤشرًا كبيرًا على امتلاك المقاومة سلاحًا نوعيًّا، وهو ما يسميه العدو “الصواريخ الدقيقة”، ومن ناحيةٍ أُخرى، تفسر عدم صحة استغلال مطار (بيروت) كبنيةٍ تحتيةٍ لبنانيةٍ في عملية نقْل الأسلحة.
هل من الممكن أن تصبح الحرب ضد «حزب الله» خيارًا أمام إسرائيل؟
وبحلول عام 2011، ومع نُشُوب الصراع في سوريا، أطلقت إسرائيل إستراتيجيةً، بعنوان “المعركة بين الحروب”، ووضعت لها عنوانًا بارزًا في البداية، وهو: منع وصول سلاح كاسر للتوازن إلى المقاومة، وبشكلٍ خارجٍ عن التوقُّع، نجحت المقاومة في تخطِّي كافة إجراءات العدو العدوانية في سوريا، إبَّان تلك الحملة، وأصبح التهديد الإسرائيلي فرصةً لـ«حزب الله»؛ ما مكَّنه من تعزيز قدراته الصاروخية والجوية، وهو ما تجلَّى على لسان، حسن نصرالله، منذ عام 2018، قبل أن يؤكد عام 2022، أن المقاومة تُطوِّرُ صواريخها بدقة في لبنان، وكذلك تصنع المُسيَّرات، مبينًا بشكلٍ غير مباشرٍ، عن كميات ضخمة من هذه الأسلحة.
وتأسيسًا على ذلك، فقد كان هناك تصريحات مباشرة، من قادة إسرائيل العسكريين والسياسيين، بأن «حزب الله» لديه ترسانة صاروخية ضخمة، وفي هذا الصدد، تمادى الأمر إلى الحديث، عن ضرورة منْع تعاظُم تلك القوة داخل لبنان، ووقفوا أمام معضلة صعبة للتعامل معها؛ كوْن الضربة لأيٍّ من مواقع المقاومة، قد تؤدي إلى مواجهةٍ لا تقف عند حدِّ أيامٍ قتالية، إنما قد تنزلق إلى “حرب واسعة”.
سيناريوهات المستقبل
وفقًا لما تمَّ طرحه من معطيات، يمكن القول: إن ما تم تداوله في الصحف الإسرائيلية من اتهامات لـ«حزب الله» غير مُدْمَغٍ بدلائل ووقائع، وهو جزءٌ من محاولة محاصرة الحزب من الناحيتيْن “الإعلامية، والشعبية”، خاصةً لدى الرأي العام اللبناني المشحون ضده، ولا سيما في هذا التوقيت على الأخص، والذي يُشكِّل محطة استقطابٍ سنوية، لمناسبة الأعياد، وللسواح، كما للمغتربين على حدٍّ سواء، فضلًا عن رغبة (تل أبيب) في التضييق على إيران، وفي سياقٍ متصلٍ، فإن ما ورد من تهديداتٍ بقصف مطار (بيروت) يحتمل سيناريوهيْن :
ألا تدخل التهديدات الإسرائيلية حيِّز التطبيق
فإسرائيل تدرك جيدًا، بأن الحرب مع لبنان ستكون ظنيِّة النتائج، لا يقين فيها، وستكون أشبه بالمدمرة، وستشهد إسرائيل من خلالها، خسائر غير معروفة، في تاريخها على كافة المستويات، كما أن كل الإشارات، تقول: إن هذه المناورة تكْمُنُ في سياقٍ تدريبيٍّ اعتياديٍّ، ولعلّ ما حصل في تجربة المفاوضات البحرية، وخضوع إسرائيل للمطلب اللبناني؛ خوفًا من تدخُّل «حزب الله» العسكري، يعطي صورةً واضحةً، بأنّ إسرائيل تكاد تكون فقدت المبادرة على الحرب في الساحة الشمالية، وذلك يُعدُّ السيناريو الأكثر احتمالًا.
قصف إسرائيل مطار (بيروت) وإشعال فتيلة الحرب
انطلاقًا من سياسة إسرائيل غير المتوقعة، فمن الممكن، أن تضرب لبنان مطار (بيروت)، وذلك حين يتبين استخدام «حزب الله» للمطار في تسيير نقْل الأسلحة الإيرانية، ووفقًا لذلك، ستشهد المنطقة حربًا تُهدِّد استقرارها وأمنها، وفي النهاية، سيكون الرابح هو الخاسر، وسيتكبَّد الطرفان خسائر فادحة، ولا سيما إسرائيل؛ فمن الممكن، أن تثُورَ المقاومة الفلسطينية بداخلها، على غرار الحرب المتأججة، ويصبح الوضع خارج السيطرة، ومن ناحيةٍ أُخرى، فإن الحرب بالنسبة للجانب اللبناني «سيزيد الطينة بلة»، وستجعل لبنان منطقةً معزولةً دوليًّا، فضلًا عن زيادة التأزُّم الاقتصادي، وهذا السيناريو مستبعد.