حسناء تمام كمال
تشهد منطقة القرن الأفريقي، حالةً من التوتُّرات المتنوعة، خصوصًا الحدودية، التي تجدَّدت مؤخرًا؛ بفعل حالة نشاط بعض الحركات المسلحة من ناحية، وتعدُّد هجمات الفاعلين في بعض النِّزاعات من جهةٍ أُخرى، وفي هذا السياق، نجد أن تحركات «حركة الشباب» بتوسيع مدى عملياتها، والتمدُّد داخل إثيوبيا، من التطورات النوعية التي شهدتها هذه التوتُّرات الحدودية؛ إذ لُوحظ تمدُّدٌ واسعٌ لـ«حركة الشباب المجاهدين» داخل إثيوبيا، وهنا نقف على طبيعة هذا التحرُّك، وتاثيره على العلاقة بين الطرفيْن، والسيناريوهات المطروحة.
أولًا: تطورات متسارعة
بدأ الأمر في 20 يوليو الماضي، حين شنَّت «حركة الشباب»، هجومًا واسع النطاق على سلسلةٍ من القرى، الواقعة على طول الحدود «الصومالية – الإثيوبية»، وقد قامت الحركة بتوغُّلات غير مسبوقة في إثيوبيا، واشتبكت مع قوات «ليو» شبه العسكرية، مع تصريحاتٍ من الحكومة الإثيوبية، بأنها قاتلت الجهاديين داخل حدودها.
عقب ذلك، وفي 25 يوليو، تم تأكُّد تسلُّل 200 مسلح من «حركة الشباب» الإرهابية إلى عُمْق إثيوبيا، وقال على جيتي عثمان، محافظ إقليم «هيران» الصومالي: إن الإرهابيين عَبَروا من الحدود المشتركة مع إثيوبيا في محافظة «هيران» وسط الصومال، من جهة إثيوبيا، صرَّح مسؤولون إثيوبييون في إقليم «أوجادين»، عن سعيهم تأسيس منطقة عازلة داخل الصومال؛ لتحجيم نشاط «حركة الشباب» الإرهابية؛ وهو ما اعتبره الجانب الصومالي خرْقًا لسيادة البلاد.
وفي 6 أغسطس، أعلنت سلطات المنطقة الصوماليّة في إثيوبيا، أنّها «دمّرت» مجموعة من «حركة الشباب» الإرهابية، دخلت إليها من الصومال المجاورة، في توغُّلٍ نادرٍ داخل الأراضي الإثيوبيّة، من جهةٍ أُخرى، وفي 7 أغسطس، جرى تشكيل حكومة الصومال؛ إذ شهدت الحكومة الصومالية الجديدة، برئاسة حمزة عبدي بري، مفاجأةً، باختيار الرجل الثاني بـ«حركة الشباب» سابقًا، وزيرًا للأوقاف، وفي 9 أغسطس، تجدَّدت الاشتباكات، واعتقلت الحكومة الإثيوبية آلافًا من الأشخاص، يُشتبه في انتمائهم إلى ميليشيات، أو تنظيمات إرهابية، في إطار سعيها؛ لإنهاء عدم استقرار في البلاد.
ثانيًا: دوافع «حركة الشباب»
استغلال الوضع في «أوروميا»: بالنظر إلى الواقع الإثيوبي، نجد أنه بالرغم من وجود القليل من الأدلة على وجود روابط بين «جبهة تحرير أورومو» والجماعات الجهادية العنيفة، فإن أجزاء من «أوروميا» مجاورة لـ«أوجادين»، وبالتالي، فاحتمالية التقارُب بناءً على العمل الجهادي مطروحة، ولا يخفى أن تمرُّد جيش «تحرير الأورومو» في «أوروميا» وولايات «أمهرة» المجاورة، قد لا يقل في خطورته عن صراع الـ«تيجراي»، باعتباره الشغل الشاغل للحكومة الفيدرالية.
استغلال الصراع مع «تيجراي»: من جهةٍ أُخرى، فلا شك أن حالة الصراع مع الـ«تيجراي» الذي بدأ في أواخر عام 2020، هو بيئة خصبة ل«تنظيم الشباب»؛ لاستغلال هذا الصراع؛ لصالح التمدُّد في إثيوبيا؛ إيقانًا منه بالأولويات التي تُولِيها الحكومات للصراعات مع الـ«تيجراي».
إثْقال ميزانها في عملية التسوية مع الحكومة الصومالية: منذ بدْءِ إجراءات العملية الانتخابية في الصومال، وصولًا إلى اختيار رئيس الحكومة، ومنحها الثقة، تشنُّ «حركة الشباب» ضربات عنيفة ومباشرة، لـ«المؤسسات، والمسؤولين الرسميين» في الصومال، كان منها، «قذْف مقر البرلمان، ومنازل المسؤولين»؛ هدفه بشكل أساسي، فرْض نفسها كطرفٍ في معادلة التسوية في الصومال، والضغط بـ«ما تمتلكته من أودات، وتثيره من تهديدات».
تفاعُل مع مقتل زعيم القاعدة «الظواهري»: بالرغم أن عملية الدخول للحدود الإثيوبية، جاءت في وقتٍ سابقٍ لمقتل زعيم تنظيم القاعدة «أيمن الظواهري»، لكن لا يمكن إغفال أن «حركة الشباب» هي فرع القاعدة في شرق أفريقيا، ومن ثَمَّ، فموْت رئيس التنظيم يُعدُّ دافعًا لزيادة العمليات التنظيمية الانتقامية؛ للرد على عملية مقتل زعيم التنظيم؛ وهو ما شجَّع «حركة الشباب»، على مواصلة وتكثيف نشاطها بالتمدُّد في الداخل الإثيوبي، منذ مطلع أغسطس، وبعد إعلان مقتل «الظواهري».
ثالثًا: تأثير التمدُّد على العلاقات «الإثيوبية – الصومالية»
تأثيره على الصومال:
لا شك أن هذا التمدُّد في «حركة تنظيم الشباب» هو تمدُّدٌ مُزْعِجٌ بالنسبة للصومال؛ لما يمثله ذلك من عِبْءٍ في ضرورة الحدِّ من خطر التمدُّد؛ فزيادة نفوذ «حركة الشباب» تخلق احتياجًا لمجهوداتٍ مضاعفةٍ، تُوقِفُ هذا التمدُّد؛ الأمر الذي يمثل ضغطًا على احتياجات الداخل الصومالي خصوصًا، ومزاحمة الحاجة الصومالية العاجلة لمواجهة المجاعة، التي تمَّ إعلانها في أواخر يوليو، فبحسب إعلان حسن شيخ محمود، أن بلاده تمرُّ رسميًّا بـ«مجاعة»، وأنه وقَعَت وفيات مرتبطة بالجوع في البلاد، التي لم تعِشْ الهدوء منذ عقود؛ جرَّاء الصراعات.
كما أن هذا التمدُّد ضاغط بالنسبة للحكومة المُشكَّلة حديثًا، فإعلان الحكومة الجديدة، التي تمَ منْحها الثقة من البرلمان داخليًّا، خصوصًا أنه في مفاجأة غير متوقعة، تضمنت تشكيلة الحكومة الصومالية الجديدة، وافدًا جديدًا، طالما ارتبط اسمه في السنوات الماضية بحركة «الشباب»؛ إذ اختار رئيس الوزراء الصومالي، حمزة عبدي بري، الشيخ مختار روبو أبو منصور، وزيرًا للأوقاف والشؤون الدينية، في حكومته، التي أعلن عن تشكيلها، وهو قيادي سابق في «حركة الشباب».
وبالتالي، فإن توسُّع «حركة الشباب» يضع رئيس الحكومة ورئيس الصومال في وضع الاختيار، بين الاستمرار في الانفتاح على المعارضة، أو التعامُل بمعاملة التطويق، وكذلك بين الانفتاح على مواصلة التغيير، والتعامُل بحذر مع التهديد المتصاعد.
تأثيره على إثيوبيا:
في هذا الاتجاه، يمكن الإشارة إلى التخوف الإثيوبي من البُعْد ذاته، المتعلق بأمنها، أولها: أن يزيد لدى الحكومة الإثيوبية تحدي تعدُّد جبهات الصراع، المسؤولة عن مواجهتها، واحتوائها، منها، الـ«تيجراي» من جهة، و«أوروميا» من جهةٍ أُخرى، و«الشباب» من جهةٍ ثالثة، بجانب التخوُّف من التحالفات الثنائية بين تلك الجهات؛ وهو ما يعني تفاقُم الصراعات الداخلية في إثيوبيا.
وربما تؤدي هذه الأزمات الأمنية المتزامنة إلى إجهاد قدرة الدولة الإثيوبية، على إرسال تعزيزات إلى المنطقة الصومالية أو الصومال، ضد «حركة الشباب»، ناهيك عن معالجة أوجُه القُصُور في التعامُل مع إقليم «أوجادين»، الذي يساهم في إشعال فتيل التمرُّد.
تأثيره على الطرفيْن
توتُّرٌ دبلوماسيٌ بين «إثيوبيا، والصومال»: اعتبرت الصومال، أن الرد الإثيوبي الأُحادي على «حركة الشباب»، والتطلُّعات الخاصة بإقامة منطقة آمنة، تعدٍّ على السيادة الصومالية، وبداية غير مبشرة؛ تُنْذِر بتوتُّرٍ، قد يصيب العلاقات «الإثيوبية – الصومالية»، ويُعرْقِل التعاون الدبلوماسي، كما يُغذِّي هذا التوتُّر الفتور الذي بدا على العلاقات «الصومالية – الإثيوبية»، في ظلِّ تولِّي الرئيس الصومالي، حسن شيخ محمود، وتصاعُد المنافسة «الإثيوبية – الكينية» على النفوذ في الصومال.
استدعاء حرب «أوجادين» من الذاكرة: إقليم «أوجادين» الذي تقدَّمت فيه «حركة الشباب»، في حدِّ ذاته، مدعاة لتذكر فترة عصيبة، في تاريخ العلاقات بين الطرفيْن؛ إذ دارات فيه حرب «أوجادين» في الثمانينيات، وهي حربٌ اندلعت بين الصومال وجارتها إثيوبيا؛ بسبب النِّزاع على تبعية إقليم «أوجادين»، الذي تقْطُنُه القومية الصومالية، وبدأت فيها القوات الصومالية الهجوم بعد فشل الحلول السياسية، انتهى بإدارة إثيوبيا لـ«أوجادين»، مثيرةً بذلك مع جيرانها الصوماليين نزاعًا مستمرًا.
وتكرار التدخلات في «أوجادين»، في ظل عدم التنسيق الدبلوماسي بين الطرفيْن، سيؤدي إلى جعْل «أوجادين» منطقة اشتباك وصراع جديدة، ربما تختلف طبيعة الصراع المُسْتَجَد عن ذلك الذي اندلع في الثمانينيات، لكن يبقى الإقليم أرضيةً للخلاف، ومساحةً لتجدُّد التوتُّر.
تأثُّر الجانب الاقتصادي: يعتبر حوض «أوجادين» واحدًا من المناطق الغنية بالموارد «البترولية، والنفطية»، وهو مساحة لعمل العديد من الشركات الأجنبية فيه، منها، «الصينية، والأمريكية»، ويعتبر الإقليم مصدرًا لاستخدام موارد من «النفط، والغاز الطبيعي»، في استثمارات «الأسمدة، والطاقة»، فضلًا عن كونه مصدرًا للتعاون والشراكة بين المؤسسات الاستثمارية الدولية وإثيوبيا، ومن ثّمَّ، فالتوتُّر في هذا الإقليم واستمراره؛ يعني عملية طرْد للشراكات، وتأثيرًا سلبيًّا على موارد إثيوبيا.
سيناريوهات مطروحة:
في البداية: يمكن التأكيد على أن خير وسيلة لاحتواء هذا التطوُّر الحاد، هو العمل «الإثيوبي – الصومالي» المشترك؛ فهو من شأنه، احتواء التوتُّر الدبلوماسي بين الطرفيْن، وما قد يسفر عنه من تَبِعَاتٍ على الطرفيْن؛ جرَّاء هذا التصعيد، كما أنه يُعزِّز إمكانات الطرفيْن كجانبٍ مُتَّحدٍ، يعمل على الحدِّ من أنشطة الحركة، ورغم تلك المعطيات للوضع الراهن، يحتوي المشهد على عددٍ من السيناريوهات، أبرزها الآتي:
نجاح جزئي في الاحتواء: يتوقع هذا السيناريو، استمرار ردة الفعل الإثيوبية السريعة المتتابعة على توسُّع الحركة، سيؤدي إلى تحجيم أنشطتها، وهدم ما تحاول «حركة الشباب» تحقيقه من تواجُد تنظيمي مؤسس في إثيوبيا، على أن يتوقع استمرار توجيه الضربات للداخل الإثيوبي، وهذا في حدِّ ذاته، يُعتبرُ نجاحًا جُزْئيًّا للتعامل مع هذا التطوُّر النوعي في انتشار التنظيم، ويبقى نجاح هذا السيناريو، مرتبطًا – إلى حدٍّ كبيرٍ- بنجاح التنسيق بين الأطراف المعنية، في الاستئصال السريع لهذا الانتشار، وهذا السيناريو غير مُسْتبْعَد
فشل الاحتواء وتفاقُم الوضع: يتوقع هذا السيناريو، أن تعدُّد جبهات القتال في إثيوبيا، وتدهور الأوضاع الإنسانية في الصومال، قد يُحِدُّ من القدرة على توجيه التعامُل «الأمني، والسياسي» المناسب؛ لتمدُّد التنظيم ،خصوصًا في ظلِّ حالة عدم التنسيق بين «إثيوبيا، والصومال»؛ الأمر الذي يؤدي إلى توسُّع تمدُّد التنظيم، وهذا السيناريو يبقى ليس بعيدًا.
عدم التأثُّر: ويرجح هذا السيناريو، أن «حركة الشباب» ستُقلُّ نشاطها تدريجيًّا، وأنها لن تواصل التمدُّد في الداخل الإثيوبي؛ لما له من ارتباط بقدراتها التنظيمية، ومن ثَمَّ، فإن إطار عملياتها سيبقى لفترة محدودة، وبالتالي، فإنها غير قادرة على تغيير الوضع كليًّا في «أوجادين»، وهذا السيناريو يبقى مُسْتَبْعَدًا؛ لما تراه الحركة من توقيتٍ مناسبٍ للتمدُّد؛ استغلالًا لحالة التوتُّر، التي يعيشها كلٌّ من «إثيوبيا، والصومال»، وللمرحلة التي يمر بها التنظيم، على مستوى شرق أفريقيا، أو في سياق علاقته بالتنظيم الأم، ومقتل زعيم التنظيم، وما ارتبط بها من محاولات الردِّ، وهذا السيناريو مُسْتَبْعَدٌ.