الجمهورية الجديدة . . . التجربة المصرية

بقلم حسام عيسى  (باحث في العلوم السياسية و العلاقات الدولية)

تبقى دائمًا حريةُ الإنسانِ منْ أثمنِ الأشياءِ، وتكونُ هذه الحرية الشخصية يسعى فيها إلى حقِ المساواةِ بينَ جميعِ أفرادِ المجتمعِ، ولكنْ في تحقيقِ المساواةِ بينَ أفرادِ المجتمعِ، يكونُ في الوقتِ نفسِه تقييدًا منْ حريتهِ الشخصيةِ، في احترامِ القانونِ وعدمِ خرقِ القوانينِ التي أقرَّها المجتمعُ، وحتى التي تقيدُ حريةَ بعضِ الأفرادِ ، مثالٌ ؛ قوانين الضرائبِ؛ وهيَ استقطاعُ المالِ منْ الأغنياءِ؛ منْ أجلِ المساهمةِ في بناءِ الدولةِ، ومنْ أجلِ رفعِ المعاناةِ عنْ الفقراءِ، والأمثلة كثيرة منْ الأمورِ المتداخلةِ في تنازلِ الفردِ عنْ بعضٍ منْ حرياتهِ للمجتمعِ، وتنازلٍ أكثرَ منْ أجلِ الدولةِ، ولكنْ عندما يدفعُ الإنسانُ فريضةَ الدفاعِ عنْ الوطنِ، عندما يكونُ جنديًّا في الجيشِ، فإن الإنسان يضحي بروحهِ وحياتهِ وبكلِ ما يملكُ منْ أجلِ حريةِ الوطنِ وعدمِ استعماره، وذلكَ إذا  استُعمِرتْ الدولةُ، وتمَ احتلالها منْ دولةٍ أخرى، فإنَ المستعمرَ ومحتلَ البلادِ يسلبُ حريةَ الفردِ؛ ليكونَ عبدًا عندَ الدولةِ المستعمرةِ، وبذلكَ يفقدُ الإنسانُ حريتهُ وحقهُ في المساواةِ وجميع الحقوقِ الإنسانيةِ – والاستعمار هنا قدْ يكونُ عسكريًّا أوْ اقتصاديًّا أوْ اجتماعيًّا .

منْ أجلِ ذلكَ، تبقى حرية الدولةِ أثمنَ وأغلى على الإنسانِ منْ حريتهِ الشخصيةِ، والتي فيها يضحي الإنسانُ بروحهِ؛ منْ أجلِ الوطنِ. حيثُ أوضحَ العالمُ “هاري. أرَ . يارجرْ ” في كتابه “الإستراتيجيةِ ومحترفو الأمنِ القوميِ”، 2011 م ، ص 23 ، ما تتصدر به أولويات الدولِ في الأهمية، هو تحقيقُ الأمنِ، المتمثل في المحافظةِ على البقاءِ والاستقرارِ للدولِ .

كما تأتي النظرياتُ السياسةُ الخارجيةُ تقرُّ ذلكَ المفهوم، على سبيلِ المثالِ، في كتابِ “نظرية السياسةِ الخارجيةِ” للعلماءِ “جلينْ بالمرْ ” و “كليفتونْ مورجانْ” 2011 م ، ص 39، والتي أقرَّ فيها العلماءُ على فرضياتِ النظريةِ الواقعيةِ الجديدةِ في شقيْها الدفاعي والهجومي؛ حيثُ أكَّدَ العلماءُ، تقومُ الدولُ الوطنيةُ أفعالها على أساسِ حمايةِ أمنِ واستقرارِ الدولةِ الوطنيةِ، والمحافظة على بقائها، فيكون سعيُ الدولِ الأول، هوَ تحقيقُ الأمنِ، ويأتي الأمنُ عنْ طريقِ إستراتيجيةٍ شاملةٍ؛ لتحقيقِ القوى؛ منْ أجلِ الحصولِ على الأمنِ، وحماية سيادةِ الدولةِ .

 

  • النتيجةُ الأولى: – إنَ أولى أولوياتِ مهامِ الأمنِ القوميِ للدولِ الوطنيةِ، هوَ البقاءُ والاستقرارُ، والذي يحققها هوَ الأمنُ، ولكيْ نصلَ للأمنِ، لا بُدَّ منْ الحصولِ على القوى .
  • يوضح العلماءُ، أنَّ منْ أهمِ محدداتِ النظمِ السياسيةِ للدولِ الوطنيةِ في أدائها وتوجهاتها الداخليةِ وفي إدارتها للدولِ هيَ البيئةُ الدوليةُ؛ حيثُ أقرَّ العالم “هانزْ يواكيمْ مورجنثاوْ”، في كتابه “السياسةِ بينَ الأممِ”، 1948م، والأبُ الروحيُ للنظريةِ الواقعيةِ الكلاسيكيةِ، في أجزائه الثلاثة، وخاصةً في الجزءِ الثالث، فصلُ الحكومةِ العالميةِ، ص 95، التي أقرَّ فيها المبادئ الستة الحاكمة للعلاقاتِ الدوليةِ، المؤثرة على طبيعةِ النظامِ السياسيِ، وطريقة حكمه، إنَّ السياسةَ مثل المجتمعِ بشكلٍ عامٍ، تحكمها قوانينُ موضوعيةٌ  لها جذورها في الطبيعةِ البشريةِ، وأن مفهومَ المصلحةِ هوَ المحددُ للحصولِ على القوةِ، وهيَ المحركُ الأساسيُ للدولِ في بيئةٍ معدومةٍ الأخلاقياتِ والقيمِ؛ ما يخلقُ محدداتٍ على إدارةِ الدولِ تجاهَ هذا الصراعِ بينَ الدولِ في البيئةِ الدوليةِ؛ ما ينعكسُ ذلكَ تحديًّا على الحكمِ وإدارةِ الشعوبِ .
  •  يوضح العالمُ “فرانسيسْ فوكوياما”، في كتابه “نهاية التاريخِ”، 1993م، الجزء الثالث، في مناقشةِ ونقدِ فكرِ كلٍّ منْ “توماسْ هوبزْ” و”جونْ لوكْ”، في فكرةِ الدولِ عنْ الأمنِ القوميِ، هوَ الحافظْ على البقاءِ والاستقرارِ في بيئةٍ عشوائيةٍ بدونِ حاكمٍ، ومنْ أجلِ هذا الهدفِ تقومُ عليهِ الصراعاتُ بينَ الدولِ؛ منْ أجلِ البقاءِ والحمايةِ؛ ما يؤثرُ ذلكَ على زيادةِ التحدياتِ على النظامِ السياسيِ والمجتمعِ والفردِ، وفيها ينتقدُ فوكوياما الليبراليةَ، في ديمقراطيتها ونظامها الضعيفِ المخترقِ .
  • كما يقرُ أيضًا العالم “جونْ ميرشايمرْ”، في كتابهِ “مأساة سياسةِ القوى العظمى”، 2012م ، صاحب النظريةِ الواقعيةِ الهجوميةِ، التي أوضحَ فيها في جزء، فرضيات النظريةِ الواقعيةِ، أنَّ أساسَ العلاقاتِ الدوليةِ هوَ الصراعُ، ومنْ يحكمُ هذا الصراع هوَ مقدارُ قوةِ الدولِ؛ حيثُ إنَّ الدولَ هدفها هوَ السعيُ لتكون الأقوى، والوسيلة للوصولِ لهذا الهدفِ هوَ الحصولُ على زيادةٍ في القوةِ؛ حتى أصبحَ هدفُ الدولِ في الحصولِ على القوةِ وسيلةً وغايةً؛ ما يؤثرُ ذلكَ على زيادةِ التحديات على الحكمِ داخلَ النظمِ السياسيةِ؛ حيثُ إنَّ البيئةَ الدوليةَ هيَ الحاكمةُ والمحددةُ للنظامِ السياسيِ لإدارةِ الدولِ .
  • لقدْ دلَّلَ العالمُ، “صمويلْ هنتجتونْ”، في كتابهِ “صدام الحضاراتِ – إعادة النظامِ العالميِ” ، 1999م، في تنبؤ واضحٍ لما سوفَ يكونُ عليهِ النَّسقُ الدوليُّ بعدَ الهيمنةِ الأمريكيةِ، تحتَ عنوان؛ نظام الحضاراتِ الناشىء، ص 203، الذي يقرُ فيهِ؛ منْ السهلِ تغييرُ الأنظمةِ السياسيةِ، ولكنْ منْ الصعبِ تغيير الهوية الاجتماعية والنظم الاجتماعية، يؤكد فيها أنَّ الصراعَ القادمَ هوَ صراعُ فكر بينَ الدولِ، ومنْ لهُ الهويةُ الوطنيةُ يكونُ القادر على الصمودِ أمامَ التحدياتِ الدوليةِ في ظلِ هيمنةِ الدولةِ الواحدةِ، كما يقولُ العالمُ “صمويلْ هنتجتونْ” ، أيضًا في نفسِ الكتابِ، وتحتَ عنوانٍ، حقوق الإنسانِ والديمقراطية، ص 309، أنَّ أكثرَ منْ ثلاثينَ دولةً استطاعتْ أمريكا فرض عليها الديمقراطيةُ الأمريكيةُ، وتمَ تغييرُ أنظمتها السياسيةِ، ولمْ تحققْ أيَّ تقدمٍ أوْ تنميةٍ ولا استقرار ، وهيَ ما تسعى أمريكا لتنفيذهِ بفرضِ الديمقراطيةِ الأمريكيةِ على الدولِ؛ لكيْ تستطيعَ السيطرة على إرادتها السياسيةِ، ويسهلُ التحكمُ فيها؛ لتحققَ المصالحَ الأمريكيةَ، دون استخدام القوةِ العسكريةِ وتكلفتها الماديةِ والبشريةِ، وهنا يقرُّ الكاتبُ، أنَّ الدولَ المهيمنةَ تفرضُ سياسةً داخليةً على النظامِ السياسيِ التي تحققُ مصالحها، وهذا تحدٍ آخرَ على الدولِ الوطنيةِ منْ قِبَلِ الدولةِ المهيمنةِ .
  • لقدْ برهنَ العالمُ “د . نصر محمد عارف”، في كتابه “إبستلموجيا السياسة المقارنة”، 2002 م ، في المبحثِ الأولِ، ماهيةُ المقاربةِ: المفهوم – المبررات – المقاصد، ص 103 ، والمبحثُ الثاني، المقاربةُ عبرَ الدولِ أوْ القومياتِ ص 125، أنهُ منْ الصعبِ تصديرُ النظمِ السياسيةِ منْ بيئةٍ إلى بيئةٍ أخرى؛ وذلكَ لاختلافِ مكوناتِ البيئةِ الاجتماعيةِ منْ دولةٍ إلى أخرى، ومنْ منطقةٍ إلى أخرى؛ وذلكَ لاختلافِ العاداتِ والتقاليدِ ومفهومِ المصلحةِ، واختلافِ مفاهيمِ الهويةِ الإثنيةِ؛ ما يثبتُ أنَ تصديرَ الديمقراطيةِ الغربيةِ للمجتمعاتِ الشرقيةِ، ما هوَ إلا فقطْ منْ أجلِ السيطرةِ وفرضِ الإرادةِ السياسيةِ، وليسَ لمصلحةِ الشعوبِ، وأنَّ هذهِ المفاهيم عِبْءٌ على الشعوبِ في فهمها ووعيها لديمقراطيةٍ، تمَ نشأتها في أرضٍ غيرِ الأرضِ؛ ما يسببُ إرباكًا اجتماعيًّا للدولةِ؛ ما يمثلُ ذلكَ أيضًا تحديًا على الدولِ الوطنيةِ، منْ قِبَلِ البيئةِ الدوليةِ عندَ القدرةِ على استيعابِ المفاهيمِ الغربيةِ في إدارةِ الدولِ .

 

  • النتيجةُ الثانيةُ: – أنَّ البيئةَ الدولية، هيَ المحددُ الأساسيُ لإدارةِ النظمِ السياسيةِ للدولِ الوطنيةِ، وخاصةً في ظلِ المهيمنِ الأمريكيِ للعالمِ .
  • منْ ميثاقِ الأممِ المتحدةِ، الفصلُ الأولُ، البندُ الثالثُ، “تعمل الأممُ المتحدةُ على تحقيقِ التعاونِ الدوليِ، وعلى حلِ المسائلِ الدوليةِ ذاتِ الصبغةِ الاقتصاديةِ والاجتماعيةِ والثقافيةِ والإنسانيةِ، وعلى تعزيزِ احترامِ حقوقِ الإنسانِ والحرياتِ الأساسيةِ للناسِ جميعًا، والتشجيع على ذلكَ إطلاقًا بلا تمييزِ بسببِ (الجنسِ أوْ اللغةِ أوْ الدينِ)، ولا تفريقَ بينَ الرجالِ والنساءِ “بهذا البندِ اكتسبتْ الأممُ المتحدةُ مشاركةَ الحكوماتِ في إدارةِ الشعوبِ في حالةِ أيِ حدثٍ يمسُ حقوقَ الإنسانِ في أيِ دولةٍ، منْ وجهةِ نظرِ دولِ مجلسِ الأمنِ أوْ الأقوى؛ وتعريف حقوقِ الإنسانِ فضفاضةً، الكل يصورها حسبَ فكرهِ وطريقةِ تعاملهِ، وبفكرِ الأقوى يضعُ قانونهُ الخاص الذي يفرضهُ على الأضعفِ، لقدْ فرضَ هذا البند قيودًا إضافيةً على حريةِ الحكوماتِ في مواجهة الشعوبِ، وسمحَ للدولِ الأقوى بالتدخل في الشؤونِ الداخليةِ للدولِ الأضعفِ؛ بحجة حقوقُ الإنسانِ .

 

  • النتيجةُ الثالثةُ: – تعطي الأممُ المتحدُ الشرعيةَ منْ خلالِ مجلسِ الأمنِ للتدخل في الشؤونِ الداخليةِ للدولِ، بسبب حمايةِ حقوقِ الإنسانِ، وأنَّ منْ يحددُ تلكَ الحمايةِ همْ دولُ مجلسِ الأمنِ الخمسِ، وبذلكَ تكونُ الأممُ المتحدةُ قد شرعنت التدخلِ في الشؤونِ الداخليةِ للدولِ الضعيفةِ منْ قِبَلِ الدولِ الكبرى، وخاصةً منْ يهيمنُ على قراراتِ مجلسِ الأمنِ هيَ الولاياتُ المتحدةُ الأمريكيةُ وحلفاؤها (بريطانيا وفرنسا) .
  • منْ الحقائقِ السياسيةِ: – منْ السهلِ تغييرُ النظمِ السياسيةِ للدولِ الوطنيةِ، ولكنْ منْ الصعبِ تغييرُ النظمِ الاجتماعيةِ لتلكَ الدولِ؛ حيثُ تكمنُ قوة الدولِ في أنظمتها الاجتماعيةِ وهويتها الوطنيةِ .
  • لقدْ أقرَّ العالمُ “ألكسندرْ وندتْ”، في كتابه “النظرية الاجتماعية للسياسةِ الدوليةِ”، 2006 م، البابُ الأولُ، فوقية الأفكارِ، ص 139، وفيها يوضحُ ؛ أنَّ ثقافةَ المجتمعِ وهويته القومية، المتمثلة في وحدةِ الصفِ وتجانسهِ المجتمعيِ وترابط المجتمع مع نظامهِ السياسيِ، هوَ القادرُ على الوقوفِ أمامَ التحدياتِ الدوليةِ التي فرضَت سياسةً ونظامًا تُجبرُ بهِ الدول على اتباعها، وفيه يقرُ العالمُ؛ أنَ هناكَ محددات داخلية في قلبِ المجتمعِ، تكونُ ضاغطةً على النظامِ السياسيِ، أيضًا تحدُّ منْ حريةِ العملِ، وتنزعُ منهُ الإرادة السياسية في بعضِ الأحيانِ .
  • كما أقرَّ العالمُ “كينيثْ . ن . والتزْ ” ، رائدُ النظريةِ البنيويةِ للتحليلِ السياسيِ، في كتابه “الإنسان والدولة والحرب”، في التصورِ الأولِ، ص ، 52 ، أنَّ دوافعَ الدولِ تأتي منْ بنائها الاجتماعيِ، التي تفرزُ الطبيعة البيروقراطية في إدارةِ الدولة، وفيها تعتمدُ الدولةُ على قوتها الداخليةِ، منْ خلالِ تلكَ القوةِ الداخليةِ للدولةِ يستطيعُ صانع القرارِ في تحديدِ الأولوياتِ، بناءً على بيروقراطيةِ الإدارةِ في الدولةِ، وأنَ النظريةَ البنيويةَ توضحُ؛ أنَ قوةَ الدولةِ تأتي منْ خلالِ نظامها البنيويِ الاجتماعيِ في الإدارةِ، وهيَ تنبعُ منْ التركيبةِ الاجتماعيةِ في بنائها الاجتماعيِ .
  • وقدْ قالها منْ قبل العالم؛ “فريدريكْ راتزلْ”، في كتابه “الجغرافيا السياسية”، 1897 م، وفيها أقرَّ، أنَّ منْ عواملِ قوةِ الدولةِ، هيَ تجانسُ نظامهِ الاجتماعيِ المتوافقِ معَ محيطهِ الجغرافيِ؛ حيثُ إنَ قوةَ الدولةِ تأتي منْ نظامها الاجتماعِي؛ حيثُ إنَ الدولةَ مثل الكائنِ الحيِ الذي يدفعُ الحكوماتِ إلى التوسعِ منْ خلالِ الثقافةِ والحضارةِ والترابطِ المجتمعيِ للنظامِ الاجتماعيِ .
  • كما جمعَ العالمُ؛ “إيانْ كريبِ”، في كتابه الجامعِ لعلماء الاجتماعِ رواد، “النظريةُ الوظيفيةُ البنائيةُ”، تحتَ عنوان؛ “النظرية الاجتماعية منْ بارسونزْ إلى هابرماسْ”، 1999م، تلكَ النظرية التي تقرُّ بأنَ طبيعةَ الوظيفةِ في النظامِ السياسيِ، هيَ المحركُ الأساسيُ لقوةِ الدولةِ، تلكَ الوظيفةِ تعتمدُ في المقامِ الأولِ على طبيعةِ النظامِ الاجتماعيِ وتناسقهِ في تجانسهِ وكيفيةِ توظيفِ الأفرادِ لإدارةِ الدولةِ؛ حيثُ تكمنُ قوة الدولةِ في قدرتها على توظيفِ إمكانيتها الاجتماعيةِ .

 

  • النتيجةُ الرابعةُ: – تقرُّ نظريات التحليلِ السياسيِ منْ البنائيةِ والبنيويةِ والبنائيةِ الوظيفيةِ على أنَ قوةَ الدولةِ تأتي منْ نظامها الاجتماعيِ .

إنَ النظامَ الاجتماعيَ له أهميةٌ قصوى لدى الدولةِ الوطنيةِ؛ حيثُ يعرفُ عالم الاجتماعِ “إيفانزْ بريتشاردْ”، أنَ النظامَ الاجتماعيَ يتكونُ منْ مجموعةِ العلاقاتِ التي بينَ الجماعاتِ الاجتماعيةِ، التي تتمتعُ بدرجةٍ عاليةٍ منْ القدرةِ على البقاءِ والاستمرارِ في الوجودِ على أنْ تكونَ مقننةً منْ قِبَلِ الدولِ، بالإضافةِ إلى أصحابِ الفكرِ والقياداتِ العامةِ المجتمعيةِ .

حيثُ تتكونُ تلكَ النظم الاجتماعية منْ الأحزابِ السياسيةِ والنقاباتِ والجمعياتِ الأهليةِ؛ حيثُ تقودُ الأحزابُ السياسيةُ النظم الاجتماعية، حسبَ النظامِ الديمقراطيِ الليبراليِ؛ لذا وجبَ علينا البحثُ والدراسةُ وتقييمُ الأداءِ، للمحركِ الأساسيِ للنظامِ الاجتماعيِ، ألا و هو الأحزاب السياسية في تعددها؛ حتى تستطيعَ تلكَ الأحزاب القدرة على مواجهةِ تلكَ التحدياتِ، و للوصولِ إلى تقيم أداء التعدديةِ الحزبيةِ، لا بُدَّ منْ وضعِ أسسِ تقييمٍ منهجيةٍ؛ لقياسِ الأداءِ الحزبيِ لكلِ مرحلةٍ زمنيةٍ على حدةٍ، سواء بنظامِ الحكمِ أوْ مرحلةٍ زمنيةٍ مرتبطةٍ بالبيئةِ الدوليةِ الحاكمةِ .

حتى يكونَ التقييمُ حياديًّا، لا بُدَّ منْ معرفةِ الوظيفةِ وآليةِ التنفيذِ الحزبيةِ والهدفِ المرادِ تحقيقهُ وتقييمها بشكلٍ مستقلٍ، وبعد ذلكَ؛ دراسة أداءِ الأحزابِ فيما تمَّ تنفيذهُ وفيما هوَ مرسومُ لها، وبعدَ ذلكَ؛ دراسة هذا الأداءِ ومعرفة سلبياتهِ وإيجابياتهِ، وأثره على النظامِ السياسيِ والنظامِ الاجتماعيِ والبيئةِ الدوليةِ .

لتأصيل مفهومِ البيئةِ الحزبيةِ في تعددها ومنْ حيثُ أدائها ووظيفتها وآليةِ تنفيذِ الأهدافِ والغرضِ منها، فلا بُدَّ من معرفةِ الأصولِ والأعمدَ التي ترتكزُ عليها هذهِ الأحزابِ في منهجيتها، وذلكَ يكونُ منْ خلالِ المعرفةِ للمفاهيمِ الفكريةِ لكلٍ منْ الأيديولوجيةِ الليبراليةِ صاحبة فكرةِ النظامِ الديمقراطيِ، والبيئة الاجتماعية التي تقومُ عليها التعدديةُ الحزبيةُ، ومعرفة مدى تأثيرِ البيئةِ الدوليةِ على الأحزابِ، وما مقدار اعتمادِ النظامِ السياسيِ على الأحزابِ .

  • مفهومُ الأيديولوجيةِ الليبراليةِ – حيثُ قدمَ الفيلسوفُ “جونْ لوكْ”، في كتابِه “الحكومة المدنية وصلتها بالعقدِ الاجتماعيِ”،الأسسُ والمبادئُ الأيديولوجيةُ الليبراليةُ والتي أيدها الفيلسوفُ “جانْ جاكْ روسو” والفيلسوفُ “ديكارتْ”، وآخرينَ الذينَ أسَّسوا فكر الأيديولوجيةِ الليبراليةِ ــــ نستقطعُ منها أساس هذا الفكر في مجملِ أفكارهِ عنْ الحريةِ – منْ حيثُ القدرة والحرية في التعبيرِ عنْ الرأيِ والمشاركة والحكم والاقتصاد والمساواة معَ كيفيةِ حكمِ الشعبِ وإدارته للدولةِ ومعَ تطورِ فكرِ الليبراليةِ الكلاسيكيةِ إلى الليبراليةِ الحديثةِ وما بعدَ الحداثةِ؛ حيثُ تعتمدُ الليبراليةُ في كلِ مرحلةٍ على فكرةِ الفصلِ بينَ السلطاتِ، وعنْ مجملِ معاني الحريةِ معَ تقنيناتها في كلِ مرحلةٍ منْ التطورِ، الذي قدمهُ العالمُ الفرنسيُ “مونتسكيو ” في كتابه “روح القانونِ” عامَ 1748 م .

حيثُ إنَ الفصلَ بينَ السلطةِ القضائيةِ والسلطةِ التشريعيةِ والسلطةِ التنفيذيةِ منْ خلالِ فكرةِ الحريةِ، والفصلِ بينَ السلطاتِ تكونُ الديمقراطيةُ ونظم الحكم ما بينَ رئاسيةٍ وبرلمانيةٍ وشبه رئاسية تتغيرُ بهمْ طبيعة ووظيفة الرئيسِ والبرلمانِ ونظامِ الأحزابِ تحت مظلةٍ منْ الأفكارِ الأيديولوجيةِ الليبرالية.

  • لقدْ وضحَ كتابُ “توماسْ هوبزْ ومذهبه في الأخلاقِ والسياسةِ”، 2007 م، ص 65، أنَ الإنسانَ هوَ الوحدةُ الطبيعيةُ في الدولةِ، وهوَ المكوِّنُ الرئيسيُ لها، وأنَّ ثقافةَ وفكرَ الإنسانِ هيَ المحددةُ لفكرِ الدولةِ؛ لذلكَ تركز النظم الاجتماعية على الفردِ وثقافتهِ ودرجةِ الوعيِ والإدراكِ والمعرفةِ؛ حيثُ الوعيُ لهُ عاملٌ مؤثرٌ في العمليةِ الديمقراطيةِ، وطريقة الحكمِ في الدولةِ .
  • كما ذكرَ “جونْ ستيورتْ ملَ” في كتابه “أسس الليبراليةِ السياسيةِ”، 1996م، في القسمِ الثاني، في فصوله الخمسِ، ص 113 حتى 231، في علاقةِ الحريةِ بالفردِ وأنواعِ الحريةِ وعلاقةِ هذهِ الحريةِ بالمجتمعِ، كما ذكرَ في نفسِ الكتابِ في القسمِ الأولِ، الفصلُ الثاني، على أيِ أساسٍ يرتبطُ الفردُ بالمجتمعِ والنظامِ التي تقومُ على أساسِ المصلحةِ العامةِ التي بداخلها المنفعة الشخصية تلكَ المنفعةِ هيَ منْ المحدداتِ الرئيسيةِ للحريةِ، سواء للفردِ أوْ للمجتمعِ أوْ للدولةِ.
  • لقدْ أكدَ هذهِ الأفكار العالم الألماني، ماكسيميليانْ كارلْ إميلْ فيبرْ، وشهرتهُ “ماكسْ فيبرْ” في كتابهِ “العلمِ والسياسةِ بوصفهمْ حرفة”، ص 261 – 370؛ حيثُ يوضحُ منْ خلالِ مائةِ صفحةٍ؛ كيفية العلاقةِ ما بينَ الحريةِ والدولةِ والمنفعةِ والمصلحةِ، وما بينَ السلطةِ التنفيذيةِ والسلطةِ التشريعيةِ يكونُ كيفية إدارةِ الحاكم؛ حيثُ تكونُ السلطةُ القضائيةُ ممثلة القانونِ المحدد بينَ السلطاتِ، منْ خلالِ دستورٍ يقرهُ المجتمعُ، المنبثقُ منْ الأفكارِ الأيديولوجيةِ الليبراليةِ الديمقراطيةِ، القائمة على حريةِ الفردِ بحدودِ المنفعةِ، وكيفَ تعطي الدولةُ تلكَ المنفعةِ للفردِ بالمشاركةِ في الحكمِ؟ منْ خلالِ الأحزابِ السياسيةِ بالدفاعِ عنْ مصلحةِ المنفعةِ الشخصيةِ ومنفعة الدولةِ منْ خلالِ الوعيِ بالأفكارِ الليبراليةِ، وكيفية الدفاعِ عنْ الدولةِ في تبريرِ قراراتها والتي تحققُ منفعتهُ الشخصيةَ ومنفعةَ الدولةِ، وفي الوقتِ نفسِه كيفَ يكونُ ناقدًا لتلك الأفكار؛ منْ أجلِ الأفضلِ للفردِ والمجتمعِ والدولةِ، عنْ طريقِ الفهمِ والوعيِ الكاملِ بالمحيطِ البيئيِ للدولةِ؟ .

 

  • النتيجةُ الخامسةُ: – تقوم الديمقراطيةُ على وعي الفردِ الذي يشكلُ وعيَ المجتمعِ، ومنه يستطيعُ أن يحكم ويدير الدولةَ، وبذلكَ يتنازلُ الفردُ عن جزءٍ منْ حريتهِ؛ منْ أجلِ المجتمعِ، ويتنازلُ أكثرُ منْ حريته؛ منْ أجلِ الدولةِ، تلكَ الدولة التي تسعى لتحقيقِ مصالح وطموحاتِ أفرادها، وتحميهمْ منْ خلالِ القوانينِ الميسرةِ؛ لتحقيقِ أهدافِ الدولةِ، تلكَ الأهداف تحققُ طموحاتِ الفردِ .
  •  تركز الأيديولوجيةُ الليبراليةُ السياسيةُ في نظامِ الحكمِ، على فكرةٍ أساسيةٍ منبسطةٍ منْ الفكرِ الأيديولوجيِ، وهوَ القدرةُ على “تبريرِ القرارِ”، منْ خلالِ عددٍ منْ الأفكارِ، تتمحورُ حولها الديمقراطيةُ الليبراليةُ، في تعددِ الأحزابِ، ولكنْ أحبُ أنْ أركِّزَ على هذهِ الفكرةِ، التي أيدها العالمُ (كارلْ ماركسْ، والعالمُ أنجلزْ) أصحاب الفكرِ الاشتراكيِ، أنَ الفكرَ الأيديولوجي قائمٌ على “تبريرِ الواقعِ”، ويأتي التبريرُ منْ خلالِ عددٍ منْ المفاهيمِ المتداخلةِ في جوانبِ الفكرِ الأيديولوجيِ لليبراليةِ، وذلكَ منْ خلالِ فكرةٍ: – “للحقيقةِ ستة أوجهِ، مثل الصندوقِ لهُ ستة أوجهٍ، لا يستطيعُ أحدٌ أنْ يرى جميع أوجهِ الحقيقةِ إلا صانعُ القرارِ “الفيلسوفِ” أرسطو “فتأتي الأيديولوجياتِ في مجملها بمحاولةِ تبريرِ القرارِ منْ خلالِ عددٍ منْ الأفكارِ التي يؤمنُ بها، ومنْ خلالِ الأفكارِ التي ينشأ عليها، أوْ منْ خلالِ التوجيهِ الفكريِ في التنشئةِ الاجتماعيةِ بداخلِ النظامِ الاجتماعيِ .
  • قدمَ “جورجْ سورنسنْ ” في كتابه “الديمقراطية والتحول الديمقراطيِ – السيرورات والمأمول في عالمٍ متغيرٍ”، الفصلُ الأولُ، ص 17 – 50، وفيه يوضحُ فلسفةَ العملِ الديمقراطيِ في بيئةٍ ليبراليةٍ بنظامٍ اقتصاديٍ رأسماليٍ، يدعمُ حريةَ الفردِ بأشكالها، في طريقةِ إدارةِ الشعبِ للحكمِ، وطريقةِ تقديمِ منْ ينوبُ عنهُ، ومنْ خلالِ الدستورِ الحاكمِ لكلِ قواعدِ إدارةِ الدولةِ في طريقةِ الحكمِ والتنظيمِ الاقتصاديِ والاجتماعيِ، وفي ظلِ كيفية مباشرة الفردِ في ممارسةِ حرياتهِ التي كفلها القانونُ .
  • يقدم العالمُ “موريسْ دوفرجية” في كتابهِ “المؤسسات السياسية والقانون الدستوريِ”، 1992 م، الفصلُ الثاني، عناصر النمطِ الديمقراطيِ، ص 57 – 141، يوضح فيها طريقة أداءِ الأحزابِ وعملِ البرلمانِ، وطرق توظيفِ الأحزابِ لخدمةِ المجتمعِ، وطرق الترشيحِ وكيفية إدارةِ العملِ الديمقراطيِ، ومنهاجية الأفكارِ في إدارةِ الدولةِ.
  • كما يقدمُ “مريجشىْ كيمبْ” في كتابهِ “حوارِ الأحزابِ السياسيةِ – دليل ميسر”، في حواليْ مائةِ صفحةٍ، كيفية الحوارِ بينَ الأحزابِ؛ لإنتاجِ حياةٍ ديمقراطيةٍ بعيدةٍ عنْ العنصريةِ، وتقسيمِ المجتمعِ، والعمل على التنافسِ لتقديمِ الأفضلِ للمجتمعِ بعيدًا عنْ المصالحِ الحزبيةِ والمصالحِ الشخصيةِ التي قدْ تضرُ المجتمعَ والدولةَ .
  • يوضح العالمُ “موريسْ ديفرجية” في كتابهِ “الأحزاب السياسية”، 2011، على مدارِ أكثرَ منْ أربعمائةِ صفحةٍ، تاريخ عملِ الأحزابِ المختلفةِ في معظمِ دولِ العالمِ، وكيفية اختلافها منْ دولةٍ إلى أخرى، وطبيعة إنشائها والمراد منها وطرق بنائها وتكوينها، سواء الحزبُ الواحدُ أوْ بالتعدديةِ الحزبيةِ، وكيفية التعاملِ معها وكيفية تكوينها، حسبَ البيئةِ الاجتماعيةِ الملائمةِ للمجتمعِ الفئويِ، والمناسب لأفكارِ الجماعةِ المنتسبةِ لها، قدْ تكونُ تلكَ الأحزاب منْ عواملِ تقسيمِ المجتمعِ، ومنْ تعريفِ الأحزابِ السياسيةِ، أنَ الحزبَ هوَ تنظيمٌ سياسيٌ يتكونُ منْ مجموعةٍ منْ الأفرادِ، تجمعهمْ رؤى وأفكار، يسعونَ إلى تحقيقها، منْ خلالِ حصولهمْ على السلطةِ لتنفيذها .
  • النتيجةُ السادسةُ: – تقوم النظمُ السياسيةُ الديمقراطيةُ على التعددِ الحزبيِ معَ توضيحٍ بكيفيةِ إدارةِ الحكمِ، والنظم المختلفة، وأيضًا بأحزابٍ مختلفة الفكرِ، قدْ تكونُ مختلفةً في الأيديولوجيةِ؛ ما قدْ يؤدي في بعضِ الأحيانِ لحالةٍ انقساميةٍ في المجتمعِ؛ ما يؤدي إلى عدمِ تجانسِ المجتمعِ وفقدانِ قوةِ الدولةِ .
  • لقدْ قدمَ ” كارلْ بوبرْ ” في كتابه “مائةِ عامِ منْ التنويرِ”، 2017 ، ص 127 – 180 فصلًا، بعنوانِ “المجتمع المفتوح وأعداؤهُ”، أنَ هناكَ منْ يتربصُ للنظامِ السياسيِ، وأنَ الديمقراطيةَ بأسلوبها وأفكارها تعطي محددات لحريةِ الدولةِ، وبالتالي، تضعُ قيودًا على حريةِ الفردِ، وقيودًا على إدارةِ الدولةِ .
  • كما يوضحُ “الدكتور إسماعيلْ صبري مقلد” في كتابهِ “العلاقات السياسية الدولية”، 1991، المبحثُ الثاني، إثرَ القوميةِ في العلاقاتِ الدوليةِ، ص 94 – 124، على مدى تأثيرِ البيئةِ الدوليةِ على النظامِ السياسيِ بداخلِ الدولِ القوميةِ، في تحديدِ طريقةِ الحكمِ، وكيفيةِ مواجهةِ التحدياتِ الدوليةِ، ومدى قدرةِ الشعوبِ على مواجهةِ تلكَ التحدياتِ بالعالمِ المتغيرِ دوليًّا في متطلباتهِ .
  • يضع الفيلسوفُ “جانْ جاكْ روسو” في كتابهِ “العقد الاجتماعيِ”، 1762، في البابِ الثالثِ، ص 81 – 134، فلسفة إدارةِ الدولةِ فيما بينَ سلطاتهِ التشريعيةِ والتنفيذيةِ والقضائيةِ منْ ناحيةِ، وبينَ المجتمع منْ جهةٍ أخرى، وعلى أساس أنَ جميعَ النظمِ السياسيةِ منْ (ديمقراطيةٍ وديكتاتوريةٍ وشموليةٍ)، اتباع فلسفةِ إدارةِ المجتمعِ، حسبَ عاداتهِ وتقاليدهِ وتفاعلاتهِ الذاتيةِ والماديةِ والمعنويةِ؛ لينتج منْ خلالِ هذا التفاعلِ طريقة حكمٍ تناسب طبيعته الاجتماعية بداخلِ الدولةِ، وإنْ تعددتْ القومياتُ بداخلِ الدولةِ الواحدةِ .
  • أكدَ كلٌّ منْ “أليكسْ مينتسْ” و “كارلْ دي روينَ الابنُ” في كتابهما “فهم القرارِ في السياسةِ الخارجيةِ”، 2016، الفصلُ الرابعُ، محددات صنعِ القرارِ في السياسةِ الخارجيةِ، ص 157 – 244، أنَّ على متخذ القرارِ في النظامِ السياسيِ مواجهة عددٍ كبيرٍ منْ المحدداتِ، التي تقودُ فرصةَ الاختيارِ والبدائل حين يتخذ القرارُ منْ محدداتِ الثقافةِ الشخصيةِ المتأثرةِ بالتنشئةِ الاجتماعيةِ والهويةِ الوطنيةِ معَ الثقافةِ العامةِ للمجتمعِ، بالإضافةِ إلى التحدياتِ والمتطلباتِ الاجتماعيةِ والالتزاماتِ التي على النظامِ السياسيِ، ويكون ذلكَ كلهُ في إطارِ التحدياتِ الدوليةِ المرتكزةِ على عواملِ قوةِ الدولةِ في مواجهةِ تلكَ التحدياتِ الدوليةِ المفروضةِ على النظامِ السياسيِ .
  • يكشف المؤلفُ “جريجْ بالاست” الأمريكيِ الجنسيةِ في كتابه “أفضل ديمقراطية يستطيعُ المالُ شراءها”، 2004، الفصلُ الثاني، ص 91 – 114، يقول: إنَّ ما يتمُ فعلهُ منْ شراءِ الأصواتِ، ومنْ جمعِ الأموالِ والتبرعاتِ في الحملةِ الانتخابيةِ الرئاسيةِ، وكيفَ توزع الأدوار؛ منْ أجلِ السيطرةِ على أصواتِ الانتخاباتِ، وكيفَ يتقاسمُ أصحاب الأموالِ والشركات منْ البترولِ والسلاحِ والشركات المتعددة الجنسية الأدوارَ في دعمِ المرشحِ؛ منْ أجلِ السيطرةِ على الأصواتِ، وذلكَ للحصولِ على امتيازاتٍ تجاريةٍ وماليةٍ، ويسردُ المؤلفُ ما حدثَ في انتخاباتِ جورجْ بوشْ الابنِ ومنافسة آل جورْ في الانتخاباتِ الأولى، يقرُ المؤلفُ في كتابه، أنَ الديمقراطيةَ تباعُ وتشترى لمنْ يستطيعُ أنْ يدفعَ؛ حتى يسيطرَ على مفاتيحِ الانتخاباتِ؛ حيثُ إنَ العمليةَ الانتخابيةَ ما هيَ إلا عملية تجارية بينَ رجالِ المالِ والأعمالِ؛ حيثُ تبتعدُ كلَ البعدِ عنْ المصالحِ المجتمعيةِ، ولكنْ تأخذُ هذهِ المصالحِ المجتمعيةِ لتجميلِ المرحلةِ الانتخابيةِ؛ حيثُ لا تأتي الانتخاباتُ بالأفضلِ في معظمِ الأوقاتِ وفي أغلبِ الأحيانِ .
  • النتيجةُ السابعةُ: – أنَّ الديمقراطيةَ الغربيةَ، وبالأخصِ الديمقراطية الأمريكية ليستْ هيَ الأفضلُ للحكمِ، وأنَّ نظمَ الحكم تختلفُ حسبَ الطبيعةِ الاجتماعيةِ للمجتمعاتْ، كما أنَ البيئةَ الدوليةَ للدولِ الديمقرطية تضع قيودًا ومحدداتٍ على الدولةِ وعلى حريةِ الفردِ.
  • يوضح كتابُ “أطروحات فوكوياما وهنتجتونْ والنظامُ العالميُ الجديدُ”، 2015، في الفصلِ الثاني، المبحثُ الثاني، ص 70، أنَ نظامَ الهيمنةِ الأمريكيةِ والتحكمِ الأمريكيِ في إدارةِ العالمِ؛ نتيجةً لذلكَ انهارتْ الأيديولوجياتِ بأنواعها سواء الاشتراكية أوْ الليبرالية، وأصبحَ العالمُ يدارُ بفكرِ الرأسماليةِ الاقتصادية، وبنظام التكلفةِ والمكسبِ؛ ما يزيدُ الأعباءَ والتحدياتِ على النظمِ السياسيةِ فيما بينَ السعيِ للتنميةِ الاقتصاديةِ أوْ السعيِ للحصولِ على القوةِ والتسلحِ، وهذا يزيدُ أيضًا منْ الأعباءِ الفرديةِ وتحديات على المجتمعاتِ والنظامِ السياسيِ المطالب بتوفيرِ تلكَ المتطلباتِ، وإن عدم تحقيقِ تلكَ المتطلباتِ يذهبُ بشرعيتها وبأحقيتها في إدارتها للنظامِ السياسيِ للدولةِ .
  • لقدْ أوضحَ المؤلفُ “بسكالْ سلانْ” في كتابهِ “الليبرالية” تحتَ عنوان، عولمة أمِ اندماج، ص 514، وفي عنوان “نظام مجتمعٍ حرٍ”، ص 563، الذي يقرُ فيهِ المؤلفُ؛ على أنَّ نظامَ إجبارِ الدولِ أنْ تفتحَ أبوابها؛ منْ أجلِ الاندماجِ في العولمةِ والتجارةِ الحرةِ يسقطُ الدولَ الوطنيةَ ذات السيادةِ منْ خلالِ إلغاءِ النظمِ والحواجزِ الجمركيةِ، وبذلكَ تسقطُ مفاهيم السيادةِ، وقدْ تتلاشى الدولُ الوطنيةُ ولتبقى الدول العالمية أيْ الدول الأقوى اقتصاديًّا – هذهِ التحديات توضعُ أمامَ النظمِ السياسيةِ في مواجهةِ احتياجاتِ الشعوبِ، وعدم قدرةِ الدولةِ على تلبيةِ احتياجاتِ ومتطلباتِ الشعوبِ، ومنْ هذهِ الاحتياجاتِ يتمُ السيطرة على الدولِ اقتصاديًّا، وسلبِ إرادتها السياسيةِ بدونِ استخدامِ السلاحِ والحروبِ.
  • لقدْ شرحَ كتابُ “العولمة الاقتصادية والأمن الدولي مدخلٌ إلى الجيواقتصادي” للعالمِ الحائزِ على جائزةِ نوبلْ في الاقتصادِ “جاكْ فونتانالْ”، 2009، الفصلُ الثاني، ص 39، وفيه يوضحُ الكاتبُ؛ الصعوبات التي تواجهُ النظم السياسية في الاندفاعِ العالميِ لاختراقِ اقتصادياتِ الدولِ، وأنْ الدول تقفُ عاجزةً أمامَ هذا التوغلِ الاقتصاديِ بداخلِ الدولِ؛ للسيطرةِ الماليةِ والاقتصاديةِ، والسيطرةِ على القيمةِ النقديةِ للعملةِ المحليةِ غير القادرةِ على الإنتاجِ.
  • يوضح الكتابُ “مسألة العولمةِ – وإمكانيات التحكمِ” للمؤلفان، “بولْ هيرستْ” و “جراهامْ توميسوتْ”، 1999، الفصلُ الثاني، ص 77 – 112، وفيه يوضحُ؛ كيفيةَ انتشارِ شركاتٍ متعددة الجنسياتِ في الدولِ الوطنيةِ بشكلٍ كبيرٍ إما بالتجارةِ أوْ بالصناعةِ بدرجةٍ تعتمدُ الدولُ الوطنيةُ عليها في دخلها القوميِ، ومؤثرة على المجتمعِ، ويضيفُ الفصلُ الثالثُ، ص 133 – 140، مدى تداخلِ هذهِ الشركاتِ العابرةِ للدولِ والمتعددةِ الجنسياتِ في قلبِ الاقتصادِ داخل الدولِ الوطنيةِ، بشكلٍ يهددُ الأمن القومي كما ذكرهُ (الكاتبُ جاكْ فونتانالْ) في كتابه (العولمةِ الاقتصاديةِ والأمنِ الدوليِ ـــ مدخلٌ إلى الجيو اقتصادي)، ويضيفُ الكاتبُ في الفصلِ السادسِ، ص 175 – 218، أدوات تلكَ الشركات المتعددة الجنسيات في التحكمِ الاقتصاديِ على المستوى الدوليِ والإقليمي، ويشرحُ في الفصلِ الثامنِ، ص 247 – 286، كيفية التحكمِ الماليِ والاقتصاديِ منْ قِبَلِ الشركاتِ المتعددةِ الجنسيات، على الدولِ الوطنيةِ، والتدخلِ في أسسِ السياساتِ الاقتصاديةِ والماليةِ، بما يخدمُ مصالحَ تلك الشركاتِ على حسابِ الدولِ الوطنيةِ، بواسطةِ الدولِ العالميةِ الاتجاه أوْ الدولِ المهيمنةِ اقتصاديًّا .
  • النتيجةُ الثامنةُ: – أنَ الدولَ الوطنيةَ تعاني منْ اختراقاتٍ كثيرةٍ، سواء منْ حيثُ النواحي الاجتماعية وأعبائها الاقتصاديةِ أوْ الاختراقِ الاقتصاديِ منْ قِبَلِ البيئةِ الدوليةِ منْ نظامِ العولمةِ والنظامِ الرأسماليِ، ومنْ قِبَلِ الشركاتِ المتعددةِ الجنسياتِ، والتي تقودُ العالمَ الآنَ؛ ما قدْ يؤدي لبعضِ الدولِ الوطنيةِ إلى سلبِ إرادتها السياسيةِ، أوْ أنْ تكونَ من الدولِ الفاشلةِ أوْ دولٍ منزوعة السيادةِ.
  • يبرهن العالمُ “نيكولاس جويات” في كتابهِ “قرنٌ آخر منْ الهيمنةِ الأمريكيةِ”، 2004 م، في البابِ الأولِ، ص 29، تحتَ عنوان، “الاقتصادُ الكوكبيُ”، وفيه يوضحُ؛ كيفَ استطاعتْ أمريكا السيطرة الاقتصادية على العالمِ، وفرضَ نظامها وطريقة السيطرةِ عليها وعلى الدولِ وعلى الشركاتِ المتعددِة الجنسياتِ، كما يوضحُ؛ في البابِ الثالثِ، ص 171، القوة العسكرية الأمريكية المتفوقة بعددٍ من المراحلِ عنْ أقربِ منافسيها في التفوقِ الإستراتيجيِ والتكنولوجيِ .
  • قدمَ “د . محمد يوسف” في كتابهِ “الهيمنة الأمريكية على الأممِ المتحدةِ ومستقبل الصراعِ الدولي”، 2014 م، وفيها يوضحُ موقع منظمةِ الأممِ المتحدةِ في الإستراتيجيةِ الأمريكيةِ، بوصفها إحدى أدواتِ الهيمنةِ الأمريكيةِ على العالمِ والتفردِ بالقرارِ الدوليِ، ويعرض مظاهرَ هذهِ الهيمنةِ؛ لتحقيقِ مصالحها الإستراتيجيةِ، ويقدم الكتابُ أخيرًا ؛ رؤيةً استشرافيةً لمستقبلِ الصراعِ الدوليِ، وما يتبعهُ منْ تغيرٍ في العلاقاتِ الدوليةِ، وانفرادِ أمريكا بإدارةِ العالمِ .
  • كما قدمتْ الكاتبةُ “سمر طاهر” في كتابها “الإعلامِ في عصرِ العولمةِ والهيمنةِ الأمريكيةِ”، 2011 م، وفي البابِ الثالثِ، ص 45، تحتَ عنوانِ “كيفَ أصبحتْ أمريكا سيدةَ الإعلامِ في العالمِ اليوم؟ وتقول: لقدْ استطاعتْ أمريكا أنْ تسيطرَ على الإعلامِ الدوليِ، وأنْ تترجم سيادتها على العالمِ اقتصاديًّا وعسكريًّا، وتوضحُ ذلكَ في نطاقٍ تسهل السيطرة عليهِ، منْ خلالِ القريةِ الكونيةِ، التي استطاعتْ أنْ توجدها في العالمِ اليوم، منْ خلالِ العولمةِ الإعلاميةِ، وعنْ طريقِ الإنترنت وسهولةِ نقلِ المعلوماتِ؛ حتى تستطيعَ التأثيرَ على المجتمعِ العالميِ .
  • النتيجةُ التاسعةُ: – أنَ منْ يهيمنُ على العالمِ الآنِ، هيَ الولاياتُ المتحدةُ الأمريكيةُ، ولعقودٍ قادمةٍ؛ وذلكَ للتفوقِ الاقتصاديِ الذي تديرهُ أمريكا، والتفوق الهائلُ عسكريًّا، وحسن استخدامِها لحلفائها، والتفوقِ الإستراتيجيِ على كلِ المنافسينَ المحتملينَ، أيْ نعيش الآنْ منْ خلالِ نظامٍ أمريكيٍ للعالمِ يحققُ مصالحها؛ لتحافظَ على الهيمنةِ العالميةِ.
  • الاستنتاجُ مما سبقَ منْ نتائجَ: –

أولًا: – أنهُ في ظلِ السيطرةِ الأمريكيةِ على العالمِ بقوتها العسكريةِ وتفوقها الاقتصاديِ وبنظامها السياسيِ وديمقراطيتها وبالعولمةِ المفروضةِ على العالمِ منْ قبلها وبتحكمها في الشركاتِ العابرةِ للدولِ، تمثلُ الولاياتُ المتحدةُ الأمريكيةُ أحدَ أهمِ الأسبابِ في تحديدِ سياسةِ النظامِ السياسيِ للدولِ؛ حيثُ لا تستطيعُ أيُ دولةٍ في فرضِ سياسةِ نظامها على أمريكا .

ثانيًا: – تسعى أمريكا بفرضِ الديمقراطيةِ الأمريكيةِ؛ منْ أجلِ سهولةِ الاختراقِ والإدارةِ السياسيةِ على الدولِ، بدونِ استخدامِ التكلفةِ العسكريةِ، وذلكَ منْ خلالِ العولمةِ الأمريكيةِ وبنظامها الاقتصاديِ، مدعومةً بقوتها العسكريةِ، وسيطرتها على التجارةِ العالميةِ والتكنولوجيا المتطورةِ والاستثمارِ الدوليِ؛ منْ أجلِ السيطرةِ والإمبرياليةِ الاقتصاديةِ .

ثالثًا: – منْ خلالِ السيطرةِ الاقتصاديةِ لأمريكا عالميًّا، تستطيعُ أمريكا التأثيرَ بالسلب على الدولِ اقتصاديًّا، ومنْ خلالِ فرضِ ديمقراطيتها، تستطيعُ قلبَ النظامِ الاجتماعيِ على النظامِ السياسيِ، عنْ طريقِ حقوقِ الإنسانِ وتفرقةِ المجتمعِ داخليًّا، واستغلالِ فقره وجهله وزرعِ الإرهابِ الفكريِ والعسكريِ والدينيِ، وخلْقِ عدمِ الاستقرارِ الجغرافيِ على حدودِ الدولِ، وخلقِ تذبذبٍ فكريٍ بداخلِ المجتمعاتِ بالدولِ.

  • النتيجةُ العاشرةُ: – إنَّ الدولةَ الوطنيةَ تعيشُ في حالةٍ كثيرة التحدياتِ؛ منْ أجلِ السيطرةِ عليها، وسلبِ حريتها وإرادتها السياسيةِ.

التحدي الأولُ: – حاجةُ الدولِ الاقتصاديةِ؛ ما يجعلُ الدول في احتياجٍ ماديٍ لصاحبِ الوفرةِ الاقتصاديةِ للدولِ عالمية الاتجاهِ؛ ما يتيحُ فرضَ الوصايةِ السياسيةِ على تلكَ الدولِ الفقيرةِ .

التحدي الثاني: – الاحتياجُ المجتمعيُ لمتطلباتهِ الحياتيةِ للدولِ يخلقُ مجتمعًا ناقمًا على نظامهِ السياسيِ؛ ما يزيدُ منْ الفجوةِ الترابطيةِ بينَ النظامِ السياسيِ وبينَ النظامِ الاجتماعيِ؛ ما يضعفُ شرعيتهُ، ويسهلُ تغييرهُ ويسيطرُ على الدولِ .

# التحدي الثالثُ: – أنَّ الهيمنةَ الأمريكيةَ خلقتْ تحديًا قويًا على الدولِ الوطنيةِ منْ حيثُ نظام العولمةِ الاقتصاديِ وبالسياسةِ الديمقراطيةِ الأمريكيةِ وبقوةِ الشركاتِ المتعددةِ الجنسياتِ تعملُ على اختراق الدولِ الوطنيةِ؛ لسلبِ حريتها السياسيةِ، وإخضاعها للسيطرةِ؛ منْ أجلِ تحقيقِ المصالحِ الأمريكيةِ .

# التحدي الرابعُ : – عدمُ الوعيِ والإدراكِ المجتمعيِ بتلكَ التحدياتِ، يخلقُ مجتمعًا يسهلُ قيادتهُ وسلبُ إرادتهِ، وخلقُ مجتمعٍ فئويٍ متشرذم، ويسقط الدولَ وتتلاشى .

نتيجةً لذلكَ:- عدمُ قدرةِ الدولِ في استخدامِ قوتها الإستراتيجيةِ الشاملةِ، والتي تقدرُ بها أنْ تستجمعَ كل إمكانياتها في توظيفِ مواردها الطبيعيةِ وغيرِ الطبيعيةِ والبشريةِ والجغرافيةِ؛ للوقوفِ أمامَ تلكَ التحدياتِ .

  • الواجب فعلهُ والعملُ عليهِ هوَ: –

أولًا: – أنهُ منْ يستطيعُ الوقوف أمامَ هذهِ التحدياتِ الدوليةِ والداخليةِ منْ عسكريةٍ واقتصاديةٍ واجتماعيةٍ، هوَ أنْ يكونَ المجتمعُ في الأكثريةِ متجانسًا ومتوحدًا فكريًّا؛ لذا وجبَ على كلِ عناصرِ المجتمعِ المدنيِ منْ أحزابٍ ونقاباتٍ وجمعياتٍ أهليةٍ، المعرفة والوعي والإدراك بالتحديات التي تواجهها الدولة؛ منْ أجلِ التصدي المجتمعيِ لتلكَ التحدياتِ، والعملِ على خلْقِ مجتمعٍ متحدٍ فكريًّا ومتجانسٍ اجتماعيًّا .

ثانيًا: – أنْ يعملَ النظامُ السياسيُ على التقربِ إلى نظامهِ الاجتماعيِ في تحقيقِ مصالحةِ وطموحاتهِ؛ منْ أجلِ تلاحمِ النظامِ السياسيِ معَ النظامِ الاجتماعيِ؛ لأنه السبيل القادر على التصدي لتلكَ التحدياتِ؛ حيثُ إنَّ قوةَ الدولةِ تأتي منْ تلاحمِ النظامِ السياسيِ بالنظامِ الاجتماعيِ .

 ثالثًا: – يعمل النظامُ الاجتماعيُ على دعمِ النظامِ السياسيِ، وأنْ يكونَ متلاحمًا معهُ؛ منْ أجلِ القدرةِ على الوقوفِ أمامَ تلكَ التحدياتِ الدوليةِ والداخليةِ، ويعملُ على إزالةِ سلبيتهِ وتقويمها لصالحِ المجتمعِ والدولةِ .

على المجتمعِ بكافةِ أعمدتهِ الإدراك التام، بثلاثِ تحدياتٍ رئيسيةٍ:-

1 – التحدياتُ الدوليةُ .

2 – توحيدُ الفكرِ المجتمعيِ .

3 – تلاحمُ المجتمعِ معَ نظامهِ السياسيِ .

على أنْ يكونَ كلُ ذلكَ تحتَ مظلةِ نظامٍ يسعى لتحقيقِ الأمنِ والاستقرارِ للدولةِ الوطنيةِ، والسعيِ إلى تحقيقِ مصالحِ المجتمعِ؛ منْ أجلِ تلاحمِ النظامِ السياسيِ في قلبِ النظامِ الاجتماعيِ المحققِ لطموحاتهِ .

ويكون ذلكَ منْ خلال : –

1 – مشروع قومي للتنشئةِ السياسيةِ، يُوضَحُ بشكلٍ مبسطٍ، حسبَ فكرته ومرحلته السِّنية، وعنْ طريقِ أصحابِ الفكرِ المتخصصينَ؛ لنشرِ تلكَ الإستراتيجيةِ معَ بدايةِ تكوينِ الجمهوريةِ الجديدةِ، تكونُ هذهِ التنشئة هيَ الحاميةُ والمدافعةُ عنْ الانتماءِ والولاءِ لبقاءِ الدولةِ أولًا، والعملُ على تكوينِ ملامحِ الهويةِ الوطنيةِ .

2 – تكون أحدُ روافد تلكَ التنشئةِ السياسيةِ الاجتماعيةِ هيَ الأحزابُ السياسيةُ يكونُ وظائفها الأساسية تربية الكوادرِ السياسيةِ على تلكَ المبادئِ التي تدعمُ الدولةُ الوطنيةُ، مرتكزةً على هذهِ التحدياتِ، وكيفية التصدي لها؛ لخلقِ مجتمعٍ متجانسٍ قادرٍ على التغلبِ على تلكَ التحدياتِ، ويكونُ لديهِ الوعيُ والقوةُ؛ ليساندَ ويدعمَ الدولةَ الوطنيةَ، بالإضافةِ إلى المهامِ الأخرى منْ أنْ تكونَ الأحزابُ أداةً موصلةً لمطالبِ المجتمعِ إلى السلطةِ التنفيذيةِ، وتكون الأحزاب هيَ الموصلةُ لأداءِ السلطةِ التنفيذيةِ للمجتمعِ بشفافيةٍ كاملةٍ .

3- تكوينُ وإدارةُ الأحزابِ بشكلٍ ديمقراطيٍ ليبراليٍ متلائمٍ معَ طبيعةِ الدولةِ الوطنيةِ اجتماعيا، على أنْ يكونَ بها تعدديةٌ حزبيةٌ تكونُ فيهِ محاكاةٌ لديمقراطية الغربِ، على أنْ تكونَ المعارضةُ متناوبةً تخدمُ فيها الهدف الأسمى، وهوَ دعمُ ومساندةُ الدولةِ الوطنيةِ، وتأصيل التجانسِ المجتمعيِ، وتلاحمه معَ النظامِ السياسيِ .

4 – يكون منْ أهمِ وظائفِ الأحزابِ هوَ تقديمُ الأوجهِ المختلفةِ للقراراتِ التي يتمُ اتخاذها منْ قِبَلِ الدولةِ الوطنيةِ؛ للوصولِ لأبعد مدى للحقيقةِ؛ منْ أجلِ مصلحةِ الأكثريةِ في المجتمعِ، معَ تبادلِ هذا الأدوار ما بينَ الأحزابِ، وتبادلِ دورِ المعارضةِ في الأمورِ التي منْ شأنها أنْ تقوى وتزيد منْ تحقيقِ أهدافِ الدولةِ أولًا، ثمَ المجتمع المدنيِ كافةً .

5 – منْ خلالِ العرضِ السابقِ، تخلقُ الوظائفُ الأساسيةُ وآليةُ التنفيذِ وأهدافِ الأحزابِ السياسيةِ والمجتمعِ المدنيِ بكافةِ أعمدتهِ، على أنْ تكونَ الأحزابُ بشكلها المتعددِ مشروعًا قوميًّا، تكونُ هذهِ المبادئ هيَ أساسُ تواجدها، هذهِ الأهداف هيَ – دعمُ الدولةِ الوطنيةِ، وخلْق مجتمعٍ متجانسٍ، يكونُ متلاحمًا معَ النظامِ السياسيِ، ولديهِ القدرةُ على التصدي للتحديات الدوليةِ والداخليةِ بمنهاجيةِ العمل والفكرِ .

# قدمَ الدكتور عصمتْ سيفْ الدولة في كتابهِ “الأحزاب ومشكلة الديمقراطيةِ في مصرَ” ، 2013 م، تحتَ عنوانِ “التقدم إلى الخلفِ”، ص 135، إنَّ الفلسفةَ الدستوريةَ لدستورِ 1971 في تحديدِ أهدافِ الأحزابِ المصريةِ ما بعدَ الاشتراكيةِ وتقديمِ الديمقراطيةِ الليبراليةِ بتعدديةِ الأحزابِ التي قامتْ على تكوينِ الأحزابِ بشكلٍ متعددٍ، تمثلُ صورةً للديمقراطيةِ الغربيةِ، ولا تحققُ ديمقراطيةً حقيقيةً للدولةِ المصريةِ .

# قدمَ “عبد الحميد زايد” في كتابه “المال السياسيِ في الأحزابِ بعد ثورةِ يناير”، 2020، أظهرتْ تلكَ الفترة ما بعدَ ثورة يناير هشاشةَ التنظيماتِ السياسيةِ، وإعلاء قيمةِ الأشخاصِ على التنظيماتِ، دونَ النظرِ للدولةِ، وأصبحتْ العمليةُ السياسيةُ بواقعها التقليديِ على المحكِ، ويؤكد الكاتبُ أنَّ سلامةَ الحياةِ السياسيةِ لنْ تكونَ ممكنةً، طالما كانَ استخدامُ المالِ غير مقيدٍ، وسيُعادُ إنتاجُ نظام سياسي لا يمثلُ الشعب، حتى وإنْ تمَّ اختيارهُ عبرَ صناديقِ الاقتراعِ الحرِ .

# في كتابِ “الصراعِ على السلفيةِ – قراءة في الأيديولوجيةِ والخلافاتِ وخارطة الانتشارِ” للدكتورِ محمد أبو رمان، 2013 في الفصلِ الثالثِ، تحتَ عنوان؛ التحولات السلفية في الربيعِ العربي، ص 143 – 172، يوضح كيفية تسلل السلفية إلى الشارعِ المصريِ مستغلةً البيئة المصرية الجاهلة فكريًّا، وتسلقها المشهد البرلماني المصري، كما يوضحُ الفصلُ الرابعُ، ص 173 – 188، كيفية استغلالِ السلفيةِ للديمقراطيةِ في تصدرِ المشهدِ السياسيِ، مستغلةً الأيديولوجية الدينية وليسَ فكرًا سياسيًّا، ومرتكزة فقطْ على الجانبِ الدينيِ؛ ما يوضحُ عيوبَ الديمقراطيةِ، واختراقها وعدم وعيِ المجتمعِ المصريِ بتحدياتهِ؛ ما أدى إلى انقساميةٍ مجتمعيةٍ داخلَ المجتمعِ المصريِ .

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

يرى الباحثُ الآتي: –

في مقاربةٍ للأحزابِ المصريةِ منْ تاريخِ الاستقلالِ عامٍ 1952 وحتى الآنَ، لمْ يستطيعْ الدستورُ ولا صانع القرارِ في رسمِ صورةٍ للأحزابِ تخدمُ فيها الدولة المصرية، منْ حيثُ الوظائف والهدف، ولمْ تحققْ وحدة التجانسِ الشعبيِ، وبالتالي، نجدُ أنَّ مردودَ تاريخِ الأحزابِ للمجتمعِ المدنيِ في مصرَ في معظمهِ سلبيّ، منْ حيثُ الفترة، سواء الحزبُ الواحدُ أوْ في شكلهِ الصوريِ المتعددِ الأحزاب .

  • أنَّ الأحزابَ الدينيةَ في مصرَ تخلقُ عدمَ تجانسٍ وانشقاقًا مجتمعيًّا وتقسيمه إلى (سلفي ومسيحي ومسلم وإخواني)، وهذا خطرٌ على الدولةِ الوطنيةِ .
  • أنَّ البدايةَ في تحديدِ وظيفة ومهام وأهدافِ الأحزابِ وأعمدةِ المجتمعِ المدنيِ التي وضعتْ في الدستورِ بطريقةٍ لا تتناسبُ معَ وضعِ الدولةِ الوطنيةِ، منْ حيثُ التحديات الدولية وتحديات الموقعِ الجغرافيِ والتحدياتِ الاجتماعيةِ، ولمْ تنظرْ في التحدياتِ الداخليةِ، بالعملِ على توحيدِ الصفِ المجتمعيِ، ولمْ تدركْ أهمية الهويةِ الوطنيةِ المصريةِ، ولكنْ اهتم المشرعُ في الدستورِ برسمِ صوري للديمقراطيةِ للأحزابِ تتوافقُ فقطْ معَ الديمقراطيةِ الغربيةِ، وليستْ معَ الطبيعةِ المصريةِ؛ لذلكَ أتتْ الأحزابُ في مجملِ وظائفها ومهامها وأهدافها لا تحققُ المردودَ الذي يدعمُ الدولةَ الوطنيةَ المصريةَ، أوْ آمال المجتمعِ المصريِ في تحقيقِ طموحاتهِ وتلبيةِ رغباتهِ، أوْ على الأقلِ تنالُ رضا الأغلبيةِ المجتمعيةِ، وهذا واضحٌ في انخفاضِ مؤشرِ المشاركةِ الانتخابيةِ منْ مرةٍ إلى أخرى، منْ نسبةِ مشاركةٍ تتراوحُ 47 % في انتخاباتِ الرئاسيةِ لعامِ 2014 إلى نسبةِ مشاركةِ حواليْ 8 % في انتخاباتٍ مجلس الشيوخ عامَ 2020، ومنْ ناحيةٍ أخرى، لمْ تستطعْ الأحزابُ أنْ تكونَ قادرةً على قيادة المجتمع المدني والدولة؛ حتى تستطيعَ الوقوفَ أمامَ التحدياتِ الدوليةِ والإقليميةِ والتحدياتِ الداخليةِ .
  • أنَ المجتمعَ المدنيَ بمعظمِ طوائفهِ ــــــ ما بعد ثورةِ 30 يونية – لمْ يقدمْ أيَّ شيءٍ للدولةِ ولا للمجتمعِ ذاتهِ، وإنما هوَ عِبْءٌ ثقيلٌ على التاريخِ السياسيِ في عهدِ ما بعد ثورةِ 30 يونية .

 إنَّ البدايةَ مع الفلسفةِ القانونية للدستور في تحديد الهدف و المراد من  الأحزابِ وطبيعةِ عملِ أعمدةِ المجتمعِ المدنيِ التي تمَّ تقديمها على أن تكون شكلًا منْ أشكالِ الديمقراطيةِ فقطْ، ولكنها منزوعة المضمونِ والهدفِ والوظيفةِ، وتلخصتْ وظيفتها لخدمةِ المصالحِ الشخصيةِ دونَ الدولةِ، وتصدرتْ فيها القياداتُ الانتفاعيةُ؛ ما قدمَ للمجتمعِ صورةً ذهنيةً سلبيةً للأحزابِ في نظامها المتعددِ، فأصبحتْ الأحزابُ صورةً للمصالحِ الشخصيةِ الانتهازيةِ الانتفاعيةِ؛ ما أثرَ بالسلبِ على كافةِ أعمدةِ المجتمعِ المدني .

 

 

 

 

كلمات مفتاحية