مسار الصراعات في الشرق الأوسط وأفريقيا
صادر عن مركز (شاف) للدراسات المستقبلية وتحليل الأزمات والصراعات
العدد الثاني (إصدار نوفمبر)
فى هذا العدد
المقدمة
- الصراع الإثيوبي …. هل يصل لمرحلة الصدام الأخير؟
- السودان على بعد خطوات من الاحتقان وأميال من الاستقرار والتهدئة
- الانتخابات النيابية في الصومال.. خطوة واسعة في رسم ملامح مستقبل الصومال
- اتمام العملية الانتخابية النيابية في العراق.. هل يشهد العراق تحولًا في المشهد السياسي.
- تقرير عن حالة الصراع اليمني.
- جنوب السودان…. هل يمكن الحديث عن تحول ديمقراطي في ظل تحركات محدودة؟
- سوريا: هل تنجح مساع البحث عن أرضية مشتركة لتفاهمات سياسية
- الأزمة اللبنانية
- حالة الصراع الليبي
- الخاتمة والاستنتاجات
المقدمة
مازالت الساحة العربية والإفريقية تشهدان زخمًا في الاحداث السياسية، وبالتالي فقد طالت هذه التطورات دول الصراع، باعتبارها جزء من مسرح الأحداث بفعل الديناميات المرتبطة بالصراعات والتي أدت إلى إطالة أمدها، وتعدد زوايا النظر إليها، كما أدى إلى ارتقاع وتيرة الصراع بين التهدئة والتصعيد مرة أخرى، حيث أن الصراعات لا تكون بمعزل عن المحيط الإقليمي والدولي فتتأثر به وتؤثر فيه، ولعل الفرضية القائلة بأن الصراعات هي الساحة المناسبة للمنافسات الإقليمية تبرر استمرار تصاعد الاحداث وخصوبة بيئة الصراع بشكل مستمر.
وعليه فنحاول من خلال العدد الثاني من “التقرير الدوري” إثراء المحتوى العربي للمتخصصين والاكاديميين والباحثين والمهتمين على السواء من خلال تقديم أبرز الأحداث والتحركات التي شهدتها مناطق الصراع على المستويين العربي والإفريقي، من أجل توفير المادة العلمية والبحثية اللازمة لتحليل الأوضاع في مناطق الصراع والوقوف على أهم المؤثرات الداخلية والخارجية، حتى يتسنى لهم تقديم رؤى تحليله مبنية على أسس موضوعية وشاملة، وفي إطار توسعنا في تناول مناطق الصراع المختلفة فسيتم عرض وضع الصراع في تسع دول في هذا التقرير وهي على الترتيب (إثيوبيا- السودان- الصومال- العراق- اليمن- جنوب السودان- سوريا- لبنان- ليبيا).
الصراع الإثيوبي …. هل يصل لمرحلة الصدام الأخير؟
زادت الحرب الإثيوبية بإقليم “تيجراي”، خلال شهر أكتوبر، ثم انتقل الصراع من “إقليم تيجراي” لمسافة 200 كيلو مترًا من العاصمة “أديس أبابا”، والتي قد تصلها في ظل تدهور أنظمة التحكم التي يمتلكها الجيش الفيدرالي، فمنذ البداية والأحداث تجري في إثيوبيا عنوةً؛ لتنافس القوات الفيدرالية قوات “جبهة تحرير تيجراي” والقوى المتحالفة معها، ثم استقواء بعض الأطراف بالداخل بقوى خارجية؛ ما صاعد الصراع، وأثر على علاقات إثيوبيا مع جيرانها.
وهذا يجعلنا بصدد تساؤل مهم، هل يقود الصراع المسلح في إثيوبيا لسقوط الدولة؟ أم أن الحكومة الفيدرالية ستحتوي الوضع في ظل وجود ضغوط دولية وإقليمية للتهدئة ومنع تمدد الصراع؟ ومن هنا يأتي التساؤل الذي نحاول الإجابة عنه من خلال سطور التقرير التالي.
الصراع الإثيوبي بعد عامين يصل لمنعطف حرج
خلال الأيام الأخيرة، توجهت الأنظار على المستويين الإقليمي والدولي تجاه “أديس أبابا” في حالة من الترقب لما سيكون عليه الوضع بعد إعلان “جبهة تحرير شعب تيجراي” والقوات المتحالفة معها الزحف للعاصمة؛ للإطاحة برئيس الوزراء “آبي أحمد”، بعد سيطرة القوات التابعة للجبهة على عدد من المدن الاستراتيجية بالقرب من العاصمة، على سبيل المثال؛ (مدينة ديسي- مدينة كوميولشا- مدينة كيميسي) التي تمكنت جبهة تحرير شعب الأورومو من السيطرة عليها أيضًا، وتمكنت هذه القوات المتحالفة من الوصول لمسافة تبعد عن العاصمة “أديس أبابا” حوالي 200 كيلومترًا فقط؛ ما يعني كارثية الوضع في إثيوبيا إذا ما تمكنت هذه القوات من الوصول للعاصمة والسيطرة على المؤسسات المختلفة وشؤون الحكم بالبلاد؛ حيث إن تقدم هذه القوات والاستيلاء على المدن سابقة الذكر لم يخلُ من أحداث قتل وعنف، فقد وصل عدد القتلى من مدينة “كوميولشا” لـ100 شاب، أُعدِموا على يد القوات التابعة للجبهة، وفقًا لتصريح رئيس مجلس الوزراء في مطلع شهر نوفمبر 2021.
كيف تفاعلت الحكومة الإثيوبية مع زحف الجبهة هل تتفاقم الخسائر؟
ولم تقف الحكومة الإثيوبية مكتوفة الأيدي أمام هذا الزحف، فقد دعا “آبي أحمد” في 1 نوفمبر جميع القوى المؤيدة له إلى أخذ الإجراءات والاستعدادات اللازمة للالتحاق بجبهة القتال وإنقاذ الوضع في إثيوبيا، ومنع تمدده لمناطق أخرى، ودعا المواطنين للتسريع بعمل تصريحات لحمل السلاح لمشاركة القوات الفيدرالية في معركتها ضد الجبهة، كما دعا المجتمع الدولي لعدم التغاضي عن هذه الجرائم والنظر إليها بشكل موضوعي؛ لأنها تمثل تهديدًا حقيقًيا لسيادة واستقرار الدولة.
كما قامت السلطات الإثيوبية في 2 نوفمبر، بإعلان حالة الطوارئ بالبلاد لمدة 6 أشهر لحين تهدئة الوضع بالداخل، ولتمكين القوات الفيدرالية من السيطرة بالداخل والأخذ بزمام الأمور، وقد جرى تطبيق هذا القرار بعد تصديق البرلمان الإثيوبي عليه.
في 8 نوفمبر، أعلنت “جبهة تحرير أورومو” مواصلة الزحف إلى العاصمة؛ للاستيلاء عليها وإسقاط حكومة “آبي أحمد”، وفي 9 نوفمبر، أعلن المتحدث باسم الأمم المتحدة، أن هناك ما يقرب من 9 موظفين تابعين للأمم المتحدة في إثيوبيا، اُعتقلوا جراء التصعيد المستمر بالداخل، وطالبت بضرورة الإفراج عن موظفيها بشكل عاجل، وبررت الحكومة الاعتقال بمشاركتهم أعمال الإرهاب، بما يخالف حالة الطوارئ المعلنة بالبلاد، وأكدت معاقبتهم إذا ما تجاوزوا القانون، كما قامت بإجلاء 6 من الدبلوماسيين الأيرلنديين؛ اعتراضًا على موقف أيرلندا من الصراع بإثيوبيا.
ومع اشتداد المعارك وتصاعد المطالب من المجتمع الدولي بإجلاء الرعايا ووقف إطلاق النار، إضافةً لمواصلة الجبهة الزحف والاستيلاء على مدن إستراتيجية، أعلن “آبي أحمد” انضمامه لصفوف القتال وقيادة الجيش في مواجهة المتمردين.
تفاعل المجتمع الدولي مع تحذيرات “آبي أحمد” هل ستغير من وضع الصراع؟
وهو ما أدى إلى إعلان وزارة الخارجية الأمريكية ضرورة حل الوضع في إثيوبيا، ووقف العنف من قبل جميع الأطراف، ولعل ذلك يأتي في إطار التخوف الإقليمي والدولي من تمدد الصراع على الأراضي الإثيوبية، أو سريان عدوى الصراع بالمحيط الإقليمي لإثيوبيا، كما أن استمرار القتال قد يؤدي لإطالة أمد الصراع؛ ما يعني استنفاذ طاقات الدولة.
ولم تكن الخارجية الأمريكية هي الجهة الوحيدة التي طالبت بوقف إطلاق النار، بل طالب مسؤول السياسة الخارجية بالاتحاد الأوروبي أيضًا بضرورة قيام الأطراف المتحاربة بوقف كافة أشكال العنف والقتال، والسماح بتمرير المساعدات الإنسانية، ولعل الدافع واحد، وهو محاولة احتواء الصراع ومنع تمدده خارج أرضه.
وقد ألغى الرئيس الأمريكي “جو بايدن” بعض التفضيلات التجارية الخاصة بالحكومة الإثيوبية جراء الحملة العسكرية التي تقودها الحكومة في البلاد – تعليق عضوية إثيوبيا في قانون “أغوا” لفرص التنمية في أفريقيا- وما ترتب عليها من انتهاكات لحقوق الإنسان، بعد أن هددت بفرض عقوبات في حال استمرار الوضع بالتصعيد، وقد ردت الحكومة الإثيوبية على قرار التعليق بأنه مخيب للآمال، وأنه يعرض حياة مئات الآلاف لأخطار إنسانية، ويثبط عزيمة المستثمرين، وتفاعلت روسيا بنفس الطريقة حول فرض العقوبات على “إثيوبيا”، قائلةً: إن فرض العقوبات لن يوقف القتال ويحل الوضع المتأزم بالبلاد.
وبعد التصديق على إعلان حالة الطوارئ بالبلاد، دعت العديد من الدول مواطنيها لمغادرة البلاد؛ خوفًا من تفاقم الوضع الأمني، على سبيل المثال؛ (إسرائيل- الولايات المتحدة الأمريكية- المملكة العربية السعودية)، وسحبت الولايات المتحدة الأمريكية طاقمها الدبلوماسي غير الأساسي من “أديس أبابا” في 6 نوفمبر، على خلفية التصعيد المتواصل، أما بالنسبة لتفاعل الحكومة الإسرائيلية مع تقدم “قوات تيجراي” فقد عقدت اجتماعًا بين رئيس الوزراء والحكومة في 3 نوفمبر؛ لمناقشة مصير 10 آلاف يهودي إثيوبي يعيشون في خطر محدق، وبحثت طرق مساعدتهم والحفاظ عليهم في ظل الوضع المتصاعد، وانتهت إلى أن الحكومة الإسرائيلية ستتابع تطور الوضع في إثيوبيا، ورصد المخاطر الممكنة، وإجراء مراجعة دولية للوضع، ولم يقتصر الأمر على هذا الإجراء، بل طالب رجال الدين والمدنيون بإحضارهم، كما قامت بسحب عوائل دبلوماسيها في إثيوبيا أيضًا في 7 نوفمبر 2021، وفي 11 نوفمبر تعهدت بإجلاء اليهود المقيمين بإثيوبيا.
ولم يقتصر رد الفعل العالمي حول فرض العقوبات أو التقييد في بعض الأنشطة أو التنديد بالوضع الإنساني في إثيوبيا، فبعد إعلان حالة الطوارئ ومطالبة الحكومة الفيدرالية من خلال رئيس الوزراء المدنيين بالانضمام لصفوف المحاربين، فضلًا عن مطالبة العسكريين المتقاعدين بالعودة لصفوف القتال عبر تطبيق “فيسبوك”، فقامت شركة فيسبوك بحذف المنشور، وصنَّفته كمحتوى يحُضُّ على العنف؛ لذا ردَّت خدمة الاتصال الحكومي الفيدرالية بإثيوبيا، بأن هذا التصرف من قبل الشركة مُسيَّس وغير مُنْصِف، وأن ما فعله “آبي أحمد” ؛ لتجنيب البلاد حروبًا ومعارك طاحنة.
كما أوقفت “شركة تويتر” خاصة الموضوعات الرائجة في إثيوبيا؛ لتخوفها من وقوع إيذاء جسدي على خلفية الأحداث العنيفة؛ لذا أصدرت منظمة العفو الدولية تقريرًا يفيد قيام الجبهة باغتصاب مالا يقل عن 16 امرأةً بإقليم أمهرة فقط.
جهود الوساطة وفرص إنهاء القتال
في يومي (4، 5) نوفمبر، توجه المبعوث الأمريكي الخاص للقرن الأفريقي “جيفيري فليتمان” إلى إثيوبيا؛ لاستمرار الحوار حول ضرورة وقف العنف ومنع تمدد الصراع، وأكد خلال زيارته – التي استغرقت يومين- على أن الحكومة الأمريكية بذلت جهودًا كبيرة؛ لإيجاد حل للوضع، بجانب الجهود الأمريكية للوساطة، وقد دعت “أوغندا” دول شرق أفريقيا لمناقشة وضع الصراع في إثيوبيا؛ لاحتواء الوضع وحماية مصالح وأمن دول المنطقة.
كما طالب مجلس الأمن بضرورة وقف إطلاق النار وحل الأزمة في إثيوبيا والشروع في مفاوضات بين أطراف النزاع، وقد قدم الاتحاد الأفريقي ومكتب منسقة الشؤون الإنسانية بالولايات المتحدة الأمريكية تقريرًا لمجلس الأمن حول الوضع في إثيوبيا، وإمكانية السماح بوصول المساعدات الإنسانية للداخل.
في 11 نوفمبر، وضعت الحكومة الفيدرالية بعض الشروط لخوض محادثات مع “متمردو تيجراي” تمثلت بانسحاب المتمردين من منطقتي “عفر” و أمهرة”، ووقف القتال، والاعتراف بشرعية الحكومة الحالية، وردت الجبهة بأن الانسحاب من هاتين المدينتين غير مطروح إطلاقًا، وطالبت بضرورة السماح بمرور المساعدات الإنسانية للإقليم.
في 23 نوفمبر، اجتمع وزير الخارجية الأمريكي ومسؤولون من الاتحاد الأفريقي للتباحث حول أزمة إثيوبيا، وإمكانية الخروج من الصراع المحتدم بين الطرفين، وتم التأكيد على استعداد الجانب الروسي لتقديم الدعم والمساندة لكل الدول الأفريقية.
تحديات على هامش الصراع الإثيوبي
لا شك أن الصراع الإثيوبي لا يقتصر على الصراع الدائر بين القوات الفيدرالية وقوات تحرير تيجراي، بل إنها تواجه تحديًا يتعلق بـ”سد النهضة”، وضرورة الوصول لاتفاق مرضٍ بين الأطراف، ولم يخلُ الوضع في إثيوبيا من تصريحات حول أهمية السد، وعمل الحكومة الفيدرالية على حمايته، وقد أعلنت في 11 نوفمبر، عن بدْء إنتاج الطاقة من السد بحلول العام المقبل بقدرة 700 ميجا وات، وبمواصلة الزحف انتشرت القوات الفيدرالية بجانب قوات الشرطة في المناطق المحيطة بسد النهضة؛ لتوفير المناخ الآمن الملائم لاستمرار أعمال البناء به.
لم تخلُ الأحداث خلال شهر نوفمبر من التصعيد بين الحكومة الإثيوبية والحكومة السودانية حول إقليم الفشقة أيضًا، فبعد تقدم القوات الحكومية لمنطقة “بني شنقول”، أعلنت القضاء على جماعة إرهابية معارضة للحكومة، واتهمت مصر والسودان بتمويلها، وفي 27 نوفمبر، أعلن الجيش السوداني عن عملية استهدفت صدّ هجوم من عناصر الجيش الإثيوبي على الحدود الشرقية لمسافة 17 كيلو مترًا، ونتج عنها قتل 6 عناصر من الجيش السوداني؛ إضافةً إلى خسائر بالمعدات، وقد تفاعل المجتمع الدولي حول هذه التحركات ممثلًا بالاتحاد الأوروبي، بأن هذه الأفعال تهدد بتوسيع رقعة الصراع بشكل كارثي، كما أعلن “البرهان” التزام السودان بعلاقات حسن الجوار مع إثيوبيا، مع التأكيد على أن الفشقة هي أرض سودانية خالصة، ولم يتوقف الأمر عند ذلك، بل قام الجيش الإثيوبي بقصف مدفعي على الأراضي السودانية، وفي المقابل رد الجيش السوداني بقصف مدفعي مناسب.
كانت الوسائل الدعائية والإعلامية من أهم التحديات التي تواجه الحكومة الإثيوبية، خاصةً فيما يتعلق بنشر معلومات حول وضع الصراع بالداخل، فقد أصدرت الحكومة عدة بيانات حول ضرورة تحري الدقة ومنع نشر الأكاذيب حول الوضع بالداخل، ولم يقتصر الأمر على الداخل، بل أصدرت الحكومة الإثيوبية في 22 نوفمبر بيانًا تدين فيه واشنطن؛ لنشرها أخبارًا كاذبةً حول الوضع الأمني في إثيوبيا.
ختامًا، قد تستمر المعركة في إثيوبيا وقتًا طويلًا، وعلى عدة جبهات، قبل حسمها من خلال تدخلات خارجية، سواءً على المستوى الدولي أو الإقليمي، وربما يتحول الصراع إلى حرب إقليمية بفعل التحركات التي يقوم بها الجيش في مناطق السودان الشرقية.
أدى هذا الوضع لعدد من المظاهر، منها التصفيات العرقية، ونشوب حرب العصابات التي تقودها ميليشيات أمهرة؛ لمعاناة الجيش الفيدرالي من تشتيت المجهود الحربي، وقد لجأت الحكومة الإثيوبية لاستخدام الطيران المدني في نقل المعدات العسكرية؛ ما قد يؤثر على الخطوط الإثيوبية عالميًا، ويهز سمعتها الدولية، وهي التي تمثل رافدًا للاقتصاد الإثيوبي.
ومن الآثار أيضًا انخفاض الاستثمار الأجنبي بالبلاد ومخاطبة سفارات عدة رعاياها لمغادرة إثيوبيا، على رأسها السفارة الأمريكية والصينية؛ لتوقعات بانفراط عقد الأمن مع تطور الأحداث، وصعوبة أي تدخلات دولية في الوقت الحالي؛ لحماية الرعايا الأجانب.
في الاتجاه الآخر، لو عُقدت هدنة أو مصالحة بين الحكومة الفيدرالية وجبهة تيجراي، فإنه يُستبعد إعادة بقية القوميات الأُخرى لقواعدها الأولى، خارج حلبة الصراع في ظل الانقسامات العرقية والاجتماعية الراسخة والتصفيات التي تمارسها القوميات ضد بعضها.
السودان على بعد خطوات من الاحتقان وأميال من الاستقرار والتهدئة
مازال السودان يشهد تحركات على المستوى السياسي والأمني منذ أواخر أكتوبر الماضي؛ حيث أصبح المشهد في تغير متسارع، فعلى أثر الاحداث السياسية التي شهدنا في الشهر الماضي حدثت بعض المتغيرات بالجانب السياسي في السودان، والتي لاقت صداها على عدة مستويات.
لذا سنحاول في هذا الجزء من التقرير رصد وتحليل أبرز الأحداث التي شهدها السودان خلال شهر نوفمبر، وأثرت على الوضع الداخلي والخارجي، وهل فجرت قضايا أخرى متشابكة أم لا؟
المشهد السياسي السوداني شديد التسارع
على خلفية التوترات التي شهدتها منطقة “شرق السودان”؛ بسبب التهميش السياسي من قِبَل السلطة السياسية منذ سبتمبر 2021، فقد شهد شهر نوفمبر انفراجه بالمنطقة، فقد قاموا بإغلاق ميناء بورتوسودان وقطع الطرق الموجودة بالمنطقة، والتي تربط السودان بدول الجوار، كنوع من الضغط على القيادة السياسية؛ لحل الحكومة وتشكيل حكومة تكنوقراط، ولكن تم فتح الطريق وإلغاء القيود على حركة التجار المارين بالمنطقة الشرقية.
في مطلع نوفمبر 2021 أعلنت اللجنة المشتركة (5-5)، أن قوات (السودان والنيجر وتشاد) على استعداد لسحب قواتهم من ليبيا، وفي إطار التحركات التي قادها “البرهان” فقد دعت قوى الحرية والتغيير لإسقاطها وإعادة الحكومة للسلطة، كما عزمت على مواصلة أنشطتها؛ لإعادة “حمدوك” لمنصبة لأداء مهامه الوظيفية وفقًا للوثيقة الدستورية، وعلى أثر هذا الاجتماع اعتقلت قوات البرهان ثلاثة من قيادات “الحرية والتغيير” ومع تصاعد المطالب الدولية بإطلاق سراحهم هم وغيرهم من الوزراء السابقين، تم الإفراج عنهم.
بعد الأحداث التي شهدها السودان، طالبت “بريطانيا” مجلس حقوق الانسان الدولي بعمل لجنة؛ لبحث الأوضاع الإنسانية بالسودان على أثر التحرك الأخير الذي شهدته البلاد وأثر على الوضع الداخلي، وقد أصدرت في 3 نوفمبر بيانًا مشتركًا مع الإمارات والسعودية، طالبت فيه سلطة “البرهان” إعادة الوضع لما كان عليه بالسابق، وضمان انتقال سلس للسلطة من العسكريين إلى المدنيين والحفاظ على مؤسسات الدولة.
في مطلع نوفمبر، بشَّر مبعوث الولايات المتحدة الأمريكية الخاص بالسودان “فولكير بيريتيس” بأن هناك بوادر لحل الأزمة بالسودان، وأنه بدأ التوافق بين الأطراف في الظهور، وفي هذا السياق، أعلن حمدوك أنه لن يكون جزءًا من القرارات التحرك الأخيرية، بناءً على البيان الذي أُلقي في 25 أكتوبر 2021، كما أكد على شرعية الحكومة وضرورة العودة إلى الوضع الذي كان عليه السودان قبل 25 أكتوبر، كما أعلن عدم انخراطه في أي حوار سياسي مع العسكريين إلا في حالة الإفراج عن كافة المعتقلين، وإعادة المؤسسات الدستورية لوضعها فيما قبل التحرك الأخير.
أصداء تطورات المشهد السوداني
شهد السودان تحركات عديدة فيما بعد الأحداث الأخيرة، بدايةً من زيارة مسؤول قطري للبرهان؛ للتباحث حول اتجاه الوضع بالبلاد، كما شهد أيضًا زيارةً من “رئيس الموساد الإسرائيلي”؛ للحديث حول سبل الحل، ولعل زيارة المبعوث الإسرائيلي جاءت في إطار الرغبة الإسرائيلية بتعميق العلاقات بين الطرفين، ولعل عُمْق العلاقات بين إسرائيل و”البرهان” هي ما حملت إدارة بايدن لاحقًا على مطالبة الجانب الإسرائيلي بالتدخل لحل الوضع بالسودان.
وكان للأمم المتحدة وروسيا أيضًا نقاط تقارب حول الوضع بالسودان؛ حيث كان هناك توافق كبير برغبة الطرفين في تهدئة الوضع وعدم التدخل بالشأن الداخلي للسودان، وهو ما تم تأكيده خلال مكالمة هاتفية بين مبعوث الأمم المتحدة للقرن الأفريقي وبين المبعوث الروسي الخاص بشؤون الشرق الأوسط وأفريقيا، كما أكد مبعوث الأمم المتحدة أن سياسة ضبط النفس التي اتبعها الجيش السوداني في المظاهرات التي تمت في أواخر شهر أكتوبر، تنذر بالكثير من الآمال حول اتجاه الوضع للتهدئة، كما اعتبره إشارة بإمكانية تقاسم السلطة بين المدنيين، أما على مستوى بيانات “البرهان” فيما بعد الأحداث الأخيرة، فقد أدانها مبعوث الأمم المتحدة، واعتبرها غير قانونية، وقد تؤدي لتفاقم الوضع.
وفيما يخص تنفيذ الاتفاق الرامي لتعزيز التعاون العسكري بين السودان وروسيا، من خلال إنشاء مراكز للإمداد العسكري التقني، فقد أكد “البرهان” التزام السودان بالاتفاق، وتنفيذ كافة البنود المتفق عليها، وأن الوضع السياسي والأمني لن يؤثر على سير الأمر.
في الخامس من نوفمبر، في جلسة طارئة للمفوضية السامية لحقوق الإنسان؛ للتباحث حول الوضع بالسودان، أصدرت “المفوضية” بيانًا يقضي بضرورة العودة للحكم المدني، وأن يلتزم الجيش السوداني الحياد بالتعامل مع المحتجين، إضافةً للامتناع عن الاستخدام المفرط للقوة، بعد أن وثَّق المكتب التابع للمفوضية بالسودان حالات للاعتداء واستخدام القوة ضد المحتجين.
على خلفية الاتصال الهاتفي الذي تم بين “بليكن” و “البرهان” في الثالث من نوفمبر 2021، أصدر البرهان بيانًا في الخامس من نوفمبر، يقضي بالتزامه بمسار التحول الديمقراطي والحفاظ على أمن واستقرار البلاد، كما تعهد بإعادة هيكلة الحكومة.
وفيما يخص التفاعل المصري مع الملف السياسي السوداني، فقد جاء رد وزير الخارجية للتأكيد على أن مصر لا تؤيد طرفًا على حساب الطرف الآخر، وأنها تدعم استقرار وأمن السودان وترفض التدخل بشؤون الدولة.
وفي إطار تحليل تأثير الوضع الأمني والسياسي، أعلنت فرنسا أن الوضع بالسودان غير مبشر، وقد يؤدي لعرقلة اتجاه فرنسا لشطب الديون المستحقة على السودان، والمقدرة قيمتها بـ5 مليار دولار.
جهود التهدئة والتوصل إلى اتفاق سياسي
أرسلت الجامعة العربية وفدًا للسودان في 6 نوفمبر؛ من أجل التوسط لحل الوضع بالداخل وضمان انتقال سلمي للسلطة، وقد أكد “البرهان” على سعيه للتهدئة، وأنه في الطريق للإعلان عن اتفاق سياسي بخصوص الوضع بالسودان، وبعد هذا اللقاء تصاعد العديد من المطالب من الأحزاب والقوى السياسية المطالبة بضرورة تشكيل حكومة مدنية على أن يكون على رأسها عنصر مدني، وأهم هذه القوى السياسية “تجمع المهنيين السودانيين”، إضافةً لقوى أخرى وقَّعت على اتفاق السلام، ورفضت بشكل قاطع التحركات الأخيرة.
وبالحديث عن ردود الفعل حول تحركات البرهان، فنجد أن قائد قوات الدعم السريع السودانية “حميدتي” خرج في بيان ألقاه 7 نوفمبر، أكد فيه على أن خطوات البرهان تعتبر تصحيحًا لمسار الثورة، وأنه يسير باتجاه جيد، فيما يخص التحول الديمقراطي، في خطوة كانت مفاجئة على مختلف الأصعدة الداخلية والخارجية.
وقد تصاعدت الاحتجاجات بالخرطوم بدايةً من حل المجلس السيادي، وتصاعدت الدعاوى للخروج في تظاهرات؛ بغرض الضغط على سلطة البرهان؛ لإجبارها على المثول لإرادة الشعب، وقد تصاعدت هذه الحركات بشكل واضح من 7 نوفمبر حتى 17 نوفمبر.
إعلان تشكيل المجلس السيادي وتغيير المشهد في السودان
في الحادي عشر من شهر نوفمبر، أعلن “البرهان” تشكيل مجلس سيادي برئاسته لقيادة البلاد وتيسير أمورها لحين عقد انتخابات وتشكيل حكومة ديمقراطية، كما عين “حميدتي” نائبًا له، وقد أتت هذه الخطوة بعد أكثر من أسبوعين على الاحداث الأخيرة، ويلاحظ أن البرهان قد سبق وأكد عدم دخوله في أي منصب بالمرحلة الانتقالية، ولكن هذه الخطوة كانت مفاجئة للجميع، فقد عين أعضاء المجلس من بعض القوى ومن العسكريين، ولم يتم الإعلان عن ممثل المنطقة الشرقية من السودان؛ بغرض إنهاء المحادثات بين البرهان ومجلس البجا، ومن ثم الإعلان عن ممثل الشرق السوداني.
وقد شهد الشارع السوداني احتجاجات متواصلة على مثل هذه القرارات، وطالب بضرورة تشكيل حكومة تكنوقراط مدنية، وإلغاء المجلس السيادي الذي يتمتع بأغلبية عسكرية، ولكن في الحادي والعشرين من نوفمبر وقع كلٌّ من “حمدوك” و “البرهان” اتفاقًا سياسيًّا يقضي بتولي “حمدوك” رئاسة الحكومة لحين الانتخابات المقبلة، ولعل “البرهان” اتخذ هذه الخطوة في إطار رغبته باحتواء الوضع، وتجنب الاحتقان الذي شهدته البلاد، خصوصًا بعد احتجاجات 17 نوفمبر.
وقد اشتمل القرار السياسي الموقع بين الطرفين على ضرورة اعتماد الوثيقة الدستورية 2019 كأساس للحكم، وإجراء التعديلات اللازمة عليها؛ ليتسنى تحقيق قدر كبير من المشاركة السياسية، وأن يكون المجلس السيادي مشرفًا على تنفيذ مهام الفترة الانتقالية، وفقًا لما نصت عليه الوثيقة الدستورية، وقد وعد “البرهان” باعتزال منصبه العسكري والعمل السياسي بعد إجراء الانتخابات المقبلة بالسودان، والمقرر عقدها في 2023.
وقد بدأ “حمدوك” فور توقيع الاتفاق السياسي مع “البرهان” في مراجعة قوائم التعيينات والإقالات بالجيش، كما بدأ في التوجيه بحماية المظاهرات والمتظاهرين، وطالب بالإفراج عن المعتقلين الذين تم احتجازهم على أثر الاحتجاجات الأخيرة.
وقد لاقت هذه الخطة صدىً على المستوى الإقليمي والدولي، فقد رحب الكثير من الدول بالخطوة، وعلى رأسهم إسرائيل والولايات المتحدة الأمريكية، والمملكة العربية السعودية، ومصر؛ حيث رأت جميعها أنها خطوة نحو الاستقرار بالسودان، كما قامت الولايات المتحدة الأمريكية برفع مستوى التمثيل الدبلوماسي بالسودان، فعينت “سفيرًا” بعد أن كان منصب “قائم بالأعمال” منذ عام 1996، ولكن على مستوى الداخل، فقد عارضت بعض القوى السياسية هذه القرارات من بينها “تجمع المهنيين السودانيين”، كما عبر “قوى الحرية والتغيير”، والتي أكدت أن الاتفاق السياسي لم يتطرق لجذور الأزمة بالسودان.
هل المجلس السيادي مازال يواجه تحديات
ما زال المجلس السيادي يواجه بعض التحديات المتعلقة بحجم التأييد والقبول الشعبي، ففي 30 نوفمبر، شهد الشارع السوداني تظاهرات نظمها “تجمع المهنيين السودانيين”؛ للمطالبة بسحب السلطات من المجلس السيادي، وتعيين حكومة مدنية خالصة؛ للعبور بالبلاد من المرحلة الانتقالية بسلام.
وهناك تحدٍ آخر يواجه المجلس السيادي، ويتعلق بـ”المنطقة الشرقية من السودان”؛ حيث أعلن مجلس “نظارات البجا” عزمه إغلاق الموانئ الموجودة بالمنطقة الشرقية، بناءً على الاتفاق الذي تم بين الحكومة والمجلس بمؤتمر “سنكات”، الذي قضى بمنح الإقليم الشرقي حق الحكم الذاتي.
تحديات على الصعيد الإقليمي تواجه السودان
وعلى مستوى التهديدات الإقليمية، شهدت السودان خلال شهر نوفمبر تهديدًا حدوديًّا بمنطقة “الفشقة” الواقعة على الحدود مع إثيوبيا، وهي منطقة متنازع عليها بالأساس، ففي خضم المعارك الذي يشهدها الداخل الإثيوبي، وتقدم الجيش في السابع والعشرين من نوفمبر، وصلت القوات الإثيوبية على الحدود السودانية؛ ما أدى للتوغل في المنطقة الحدودية وإفشال موسم الحصاد وإفزاع المزارعين؛ لذا فقد الجيش السوداني عددًا من الجنود، إضافةً للخسائر في المعدات العسكرية، وحدث هجومان متبادلان بالمدفعية بين قوات البلدين، وقد أصدر البرهان بيانًا يؤكد فيه احترام السودان لدولة الجوار (إثيوبيا)، مع التأكيد على أن “الفشقة” أرض سودانية خالصة.
وبالأخير، لقد شهدت الساحة السودانية زخمًا في الأحداث السياسية خلال الشهر الحالي؛ ما يحملنا على القول: إن المشهد يكاد يقترب من الاكتمال إذا ما تحدثنا عن مرحلة انتقالية؛ لذا فيمكننا القول: إن الوضع قد يتخذ عدة مسارات، منها الخطير والذي يقضي بالاتجاه نحو الاستقرار وعمل التعديلات اللازمة في الفترة الانتقالية ومحاولة تنفيذ بنود الوثيقة الدستورية؛ ما يعني قبول المشهد الحالي، وقد يتجه الوضع إلى سيناريو أكثر تشاؤمًا، يتوقع خلاله انقسام التيار المدني بين مؤيد ومعارض لـ”حمدوك”؛ ما يعني أن الاتفاق السياسي قد يؤول لانقسام بالصفوف المدنية، وهو سيناريو مرجح حال تأخر حدوث اتفاق مع المنطقة الشرقية، إضافةً لتأخر إجراء إصلاحات هيكلية.
الانتخابات النيابية في الصومال.. خطوة واسعة في رسم ملامح مستقبل الصومال
تعتبر الانتخابات في الصومال هي الحدث الأبرز لشهر نوفمبر 2021، سواء الانتخابات الخاصة بمجلس الشيوخ أو الانتخابات النيابية، وخصوصًا الأخيرة التي تم الاتفاق على إجراء بشكل نهائي وذلك بعد تأجيل طال لمدة عام ونصف، وقد واجهتها العديد من التحديات، سواء تلك المرتبطة بالخلافات بين التيارات السياسية المختلفة حول أحقية الترشح للانتخابات، وحول الموقف من التمديد أو عدمه في ولاية الرئيس الصومالي عبد الله فرماجو، أو من القضايا التي ظهرت لتقطع هذا المسار وأعاقت اتخاذ أي إجراءات وخطوات نحو إجراء الانتخابات والتي كانت بين رأسي السلطة في الصومال المتمثلة في رئيس الوزراء ورئيس الدولة.
وبدء الانتخابات النيابية خطوة إيجابية في حد ذاتها بإمكانها إنهاء العديد من التوترات التي سادت المشهد خلال الأشهر الماضية، لكنها لا تعني بالتأكيد أن المشهد يسير بسلاسة وخال من التحديات، فقد طرأت العديد من التحديات المرتبطة بالعملية الانتخابية ذاتها، وبين الفصائل السياسية، وتقييمهم للطريقة التي جرت بها الانتخابات، بجانب العديد من التحديات الأمنية.
أولًا: بدء انتخابات مجلس الشعب في الصومال
في مطلع نوفمبر أصدرت لجنة الانتخابات الفيدرالية، بيانا صحفيًا رحبت فيه بانطلاق اختيار المقاعد النيابية في مجلس الشعب من الأقاليم الشمالية، وطالبت الولايات الأخرى باستكمال الترتيبات اللازمة وبدء، الانتخابات.
على أن تجرى بنظام اقتراع غير مباشر يقوم نحو 30 ألف مندوب عن القبائل باختيار 275 عضوا في مجلس الشعب وتتوزع المقاعد على الولايات بواقع: 69 لولاية جنوب غرب، و46 لأرض الصومال، و43 لولاية جوبالاند، و38 لهير شبيلي، إضافة إلى 37 بونتلاند، و37، لغلمدغ و5 لقبائل بنادر القاطنة في مقديشو.
بدء الانتخابات وتعطلها مؤقتًا: في 2 نوفمبر وفي بيان مقتضب لرئيس الوزراء الصومالي محمد حسين روبلي أكد بدء الانتخابات النيابية رسميًا، وتم بالفعل انتخاب أول عضوين لمجلس الشعب، غير أنه لم يتم الالتزام بالجدول المعلن من لجنة الانتخابات الفيدرالية، وهو ما بدأ أن يثير المخاوف حول تعطيلات جديدة تواجه عملية الانتخابات.
لذا بدء المجتمع الدولي في التحذير من هذه التأخر، وفي 7 نوفمبر أفاد تقرير صادر عن بعثة الأمم المتحدة في الصومال أن المجتمع الدولي يشعر بقلق إزاء استمرار التأخير في العملية الانتخابية الصومالية، ويحتاج إلى التعجيل، كما جرت اتصالات صومالية مع دول الجوار وعدد من الدول الأفريقية، مفادها حس الحكومة الصومالية على إنهاء عملية التأخير تلك، وهو ما استجابت إليه الحكومة الصومالية من خلال إصدار جدول جديد للانتخابات.
جدولا جديدا لتنظيم الانتخابات: في 11 نوفمبر اضطرت اللجنة العليا للانتخابات لإصدار جدولاً جديداً لتنظيم انتخابات مقاعد مجلس الشعب الصومالي، وأكدت إن الانتخابات النيابية ستبدأ في الـ 16 من نوفمبر وستنتهي في 24 ديسمبر.
وقبل بدء عملية انتخابات مجلس الشعب وفي تزامن إيجابي اكتملت عملية انتخابات مجلس الشيوخ الفيدرالية وذلك بحسب رئيس جمهورية الصومال محمد عبد الله فرماجو، الذي أِشاد بالعميلة الانتخابية وطالب رؤساء وأعضاء برلمانات الولايات للاضطلاع بمسؤولياتها في الأقاليم.
وبالعودة إلى الانتخابات البرلمانية، وبالرغم من وجود جدول زمني جديد يقر وفقا له بدء الانتخابات النيابية إلا أنها لم تبدأ في الميعاد المقرر وفي 23 انطلقت انتخابات مجلس الشعب الصومالي لاختيار 5 مقاعد نيابية الغرفة الأولى للبرلمان الفيدرالي من المنحدرين من الأقاليم الشمالية، لكنها انتظمت بعد ذلك.
ونجح بالفعل في حسم 5 مقاعد من مجلس، كما حسمت نتائج 4 مقاعد من مجلس الشعب الصومالي، في مدينة بيدوا بولاية جنوب غرب الصومال وحتى 27 نوفمبر وارتفع عدد النواب التي تم انتخابهم إلى 20 نائبا من أصل275 مقعدًا.
طعون حول نزاهة الانتخابات: وفي 25 نوفمبر، ومع بدء الإعلان عن أولى النتائج، بدأت الشكوك تثار حولها فقال اتحاد المرشحين المحتملين للرئاسة الصومالية، إن انتخابات مجلس الشعب التي انطلقت بداية نوفمبر “تفتقد إلى معايير النزاهة.
جاء ذلك في مؤتمر صحفي عقده متحدث الاتحاد، المرشح طاهر محمود جيلي، الذي وصف عملية الانتخابات بأنها تسير بصورة “غير نزيهة”، متهما النظام الحالي بـ”محاولة اختطاف الانتخابات، كما بدأت اللجنة الفيدرالية في تلقي الطعون على النتائج، وتلقت الجنة العديد من الطعون لكن كان أبزرها طعن رئيس البرلمان الصومالي السابق محمد شيخ عثمان جواري على منعه من الترشح، وبناء عليه علقت إعلان فوز محمد علي حسن، وهو أحد مرشحي إقليم جنوب غرب الصومال، ومن ضم المرشحين الذي تم التشكيك في فوزهم أيضًا ياسين عبدالله محمود المدير المؤقت لوكالة المخابرات والأمن القومي، ويثير نزاهة مسار انتخابه جدلًا واسعا في عشيرته والأوساط السياسية.
وتوالت عملية الطعن على النتائج، مع اتهامات بعدم النزاهة وبدء الدعوة في بعض الأقاليم لرفض نتائج الانتخابات، حاولت الحكومة الصومالية التفاعل بشكل إيجابي مع هذه الطعون، فخرج رئيس الوزراء الصومالي محمد حسين روبلي، بيان تهدد فيه بتنظيم انتخابات رئاسية نزيهة فيما حسمت مدينة بيدوا نتائج حصتها البرلمانية.
وحتى نهاية نوفمبر بقت الانتخابات جارية في باقي الولايات، وكلما توالي إعلان نتائج، كلما تزايدت الطعون عليها، لكن بالنظر إلى السياق الأكبر الذي تجري فيه الانتخابات، وبالنظر إلي تلك الطعون نجد أنها أمر طبيعي، وذلك لاعتبارات الخلافات السياسية التي تجري في ظلها الانتخابات في الصومال، ومن ناحية أخرى فإن كثرة الطعون هي سمة رئيسة للانتخابات في فترات التحول الديمقراطي، لكن طرق التعامل معها هو ما يحدد مدى تأُثيرها في السياق الانتخابي بشكل كامل، لذا يجب أن تأخذ على محمل الجد ويجب أن يعاد أنظر فيها على النحو الذي يضمن أن الفوز بالمقاعد لا شكوك حول نزاهته، وهو ما يخلق أرضية صلبة يمكن الوقوف عليها للاعتراف بشرعية الانتخابات ،والبناء عليها .
ثانيًا: تصاعد تحديات المشهد الأمني بالتزامن مع الانتخابات
واحدة من التحديات التي تعاني منها الدول التي تتواجد بها جماعات مسلحة، هو تزايد التحديات المرتبطة بالجانب الأمني فيها خصوصًا في الأوقات التي تجري فيها أحداث سياسية هامة كالانتخابات، إذ تنشط تلك الجماعات بشكل كبير؛ محاولة توسيع نطاق هجماتها، بالشكل الذي يؤثر على إجراء أي استحقاق وينال من فرص تأمينه، وبالتزامن مع بدء عملية الانتخابات في الصومال شهدت الأقاليم الصومالية كثافة في هجمات حركة الشباب المجاهدون.
فنفذت حركة الشباب في5 نوفمبر هجومين منفصلين استهدفا قاعدتين عسكريتين لقوات الاتحاد الأفريقي لحفظ السلام في الصومال، في منطقة “بور علو” بضواحي مدينة براوي بمحافظة شبيلي السفلى جنوبي الصومال وقدرت بعض وسائل الإعلام عدد الهجمات التي شنتها حركة الشباب في الأسبوعين الأول والثاني في نوفمبر بنحو 20 هجوما إرهابيا توزعت ما بين هجمات مباشرة على قواعد الجيش الصومال و”أميصوم”، واغتيالات ضد مدنيين وعسكريين، وتفجيرات إرهابية عبر عبوات ناسفة مزروعة وسيارات مفخخة، وقدر عدد الضحايا منها بحوالي 25 شخصا ، ونحو 30 مصابون بينهم مدنيون وعسكريون.
توالت هجمات التنظيم، وفي 20 نوفمبر أعلنت السلطات الصومالية مقتل خمسة مدنيين وإصابة 12 آخرين بانفجار عبوة ناسفة زرعتها حركة الشباب الإرهابية في سوق ببلدة بردال بمنطقة باى إحدى المحافظات الجنوبية وفي 21 نوفمبر استهدفت مدير راديو مقديشو المعروف بانتقاده لجماعة الشباب الجهادية في تفجير انتحاري، وفي 23 نوفمبر هاجمت حركة “الشباب” الصومالية قاعدة عسكرية ومطارا في إقليم جنوب غرب الصومال، وفي 25 نوفمبر هاجمت حركة “الشباب” الصومالية قاعدة أميصوم، ما تسبب بمقتل جندي ومدني وإصابة آخرين، بحسب مسؤول في الشرطة.
كانت الحكومة تحاول صد تلك الهجمات، بشن هجمات مماثلة تركز فيها علي استهداف قيادات التنظيم، لكن هجمات التنظيم كانت أوسع من حيث الكثافة العددية أو حجم الخسائر الناتجة عنها، و في 14 نوفمبر حاول الجيش استعادة سيطرة الجيش ونفذ الجيش الصومالي، سلسلة عمليات نوعية ضد حركة “الشباب” أسفرت عن مقتل 10 مسلحين وإحباط تفجيرات، وفي الأسبوع الأخير من نوفمبر أطلقت قوات الأمن الصومالية عملية أمنية خاصة ضد تنظيم “حركة الشباب” الإرهابي في مدينة أفجوي بمحافظة شبيلي السفلى جنوبي الصومال، واعتقلت ثلاثة رؤوس قيادية في التنظيم.
من ناحية أخرى وفي تقرير صادر عن المبادرة العالمية لمكافحة الجريمة المنظمة العابرة للحدود الوطنية أوضحت إن أسلحة قدمتها إيران لحلفائها الحوثيين في اليمن يجري تهريبها عبر خليج عدن إلى الصومال، وبحسب المبادرة فجرى توثيق من أكثر من 400 قطعة سلاح في 13 موقعا بأنحاء الصومال على مدى ثمانية أشهر ومخزونات من 13 قاربا اعترضتها سفن عسكرية.
ولا شك أن هذه الهجمات بجانب انتشار قطع سلاح في يد غير المخولين بحمله، مثلوا عامل رئيسي في تشكيل المشهد في الصومال لشهر نوفمبر، وجعلت التوترات فيه أكثر حضورًا، كما أنها تمثل تهديدا كبير للحكومة الصومالية، وتحدي أكبر في الجهود المطلوبة لعملية تأمين الانتخابات.
ثالثًا: الصومال وعلاقتها مع شركاؤه بالخارج
في تقييم التفاعلات الخارجية التي كانت على رٍأس السياسية الخارجية الصومالية، نجد أن هناك عدد قليل من القضايا مثلوا محور اهتمام الجانب الصومالي في العلاقات الخارجية، وقد يرجع ذلك لتوجيه المجهودات ناحية العمل الداخلي والممتثل في إجراء الانتخابات، وأهم هذه القضايا ما يلي:
التحرك لاحتواء الضرر الناتج عن أزمة التغير المناخي: في تطور خطير ومؤسف أعلن رئيس الوزراء الصومالي محمد حسين روبلي، حالة الطوارئ بسبب الجفاف الذي ضرب مناطق في البلاد، وحث روبلي، الصوماليين والمجتمع الدوّلي على مساعدة المحتاجين الذين تأثروا بالجفاف الناجم عن عدم هطول الأمطار الموسمية. وكان روبلي عقد في 10 نوفمبر، مؤتمراً للشؤون الإنسانية في مقديشو بمشاركة ممثّلين وسفراء عدّة دول ومنظمات إنسانية لبحث تداعيات الجفاف الذي يضرب مناطق عدّة جنوب البلاد. ولبحث سبل الدعم التي يمكن أن يقدمها الأطراف
وبحسب وكالة الإغاثة الأممية فإن 5.9 ملايين الصوماليين يعانون من نقص حاد في الأغذية والمياه، وتقلق من حدوث كارثة إنسانية إذا لم يتم تقديم مساعدات عاجلة إلى المتضررين، ورغم ذلك فكان حجم المساعدات التي تلقتها الصومال لهذا الشهر قليلة نسبيًا مقارنة بالشهر الماضي، وقد شملت عدد محدود من الدول منها تركيا.
خلاف حول ممارسات نائب مفوضية الاتحاد الأفريقي: في 4 نوفمبر أعلن الصومال أن نائب الممثل الخاص لرئيس المفوضية الأفريقية إلى البلاد، سيمون مولونجو، شخصا غير مرغوب فيه وأمهله 7 أيام للمغادرة. وقالت وزارة الخارجية الصومالية إنها بعثت رسالة إلى مفوضية الاتحاد الأفريقي تتهم فيها الأوغندي سيمون مولونجو بارتكاب أنشطة لا تتوافق مع تفويض بعثة التكتل في الصومال واستراتيجيتها الأمنية فيه.
وفي 10 نوفمبر ترأس السفير الدكتور محمد جاد سفير جمهورية مصر العربية لدى إثيوبيا ومندوبها الدائم لدى الاتحاد الإفريقي، وفد مجلس السلم والأمن الإفريقي في محاولة لبحث سبل إعادة ممثل المفوضية لكن بقي الوضع كما هو عليه.
وفي سياق مراقبة أعمال موظفو بعثة أميصوم أصدرت محكمة عسكرية تابعة للبعثة أحكاماً بالإعدام والسجن على 5 جنود من القوات الأوغندية متهمين بقتل 7 مدنيين بإقليم شبيلي السفلى جنوبي الصومال، ويمكن القول إن أعمال محاسبة العاملين في بعثة أميصوم يأتي في إطار محاولة ضبط عمل البعثة، وإكساب تحركاتها مشروعية بالتخلص من الموظفين المسيئين لعملها.
عودة العلاقات مع السعودية: وفي سياق منفصل أعلنت وزارة الخارجية السعودية إعادة افتتاح سفارة المملكة في العاصمة الصومالية مقديشو، بعد سنوات من إغلاقها بسبب الأحداث الأمنية، وقالت الوزارة إن جهود الحكومة الصومالية في تسهيل إجراءات إعادة افتتاح سفارة المملكة في مقديشو تؤكد عمق العلاقات بين البلدين والشعبين الشقيقين”
في النهاية يمكن القول إن الاهتمامات التي شغلت الداخل الصومالي في شهر نوفمبر اختلفت كليا عن الشهر السابق، بل واختفت قضية كانت سبب في تأجيج أزمة بين رئيس الوزراء والرئيس الصومالي، وهي قضية مقتل ” إكرام تهليل” والتي انتهت بحفظها، ومن ناحية أخرى وبمقارنة التفاعلات الخارجية بالداخلية نلاحظ انخفاض في كثافة التفاعلات الخارجية وتوجه الاهتمامات كليا إلى الداخل الصومالي فيما سيطر على المشهد الاهتمام الكبير بالانتخابات.
وفيما يتعلق بالانتخابات فهي ليست الحدث الأبرز فقد لهذا الشهر وحسب، بل الحدث الذي سيسفر عنه تغيرات كبيرة في شكل تمثيل التيارات السياسية في السلطة النيابية، وبالرغم من أن اللجنة العليا للانتخابات، حددت موعدا لانتهاء الانتخابات وهو 24 ديسمبر، لكن وفقا لقراءة المشهد الذي حضرت فيه كثافة الطعون، وتأخر في جداول انتخابات بعض الولايات، فلا يستبعد أن تستمر عمله الانتخابات حتى بداية عام 2022، وهذا سيناريو حاضر بقوة.
من ناحية أخرى يجدر الإشادة بأن إدارة الحكومة لعملية الانتخابات الحالية أمر به قدر عالي من الحساسية، يتطلب قدر كبير من الوعي بهذه الحساسية، وتعاملًا حاسمًا وافا وموضوعيًا في التعامل مع الطعون المقدمة، والتشكيكات في النزاهة؛ باتخاذ كافة الإجراءات الممكنة للتأكد بأن حسم الفوز بالمقاعد جرى دون خلاف حول نزاهته، الأمر الذي يزيد من شرعية هذه الانتخابات، ويكن من البناء عليها مستقبلًا.
اتمام العملية الانتخابية النيابية في العراق.. هل يشهد العراق تحولًا في المشهد السياسي
مازال العراق يشهد حالةً من كثافة التفاعلات بين الأطراف الداخلية، والناتجة عن تعدد الرؤى حول الانتخابات النيابية التي جرت بالعراق في مطلع أكتوبر الماضي، واستمرت قرابة شهرين، انتهت بانتهاء نوفمبر، وحاولت كل الأطراف فيها بذل الجهد؛ للحصول على أكبر تمثيل ممكن في هذه الاستحقاقات، وصاحب عملية التفاعلات تلك عدد من التوترات على المستويات السياسية والأمنية للعراق، خلقت تساؤلات رئيسية حول إمكانية حدوث تحولات سياسية بالعراق، ومدى قبول الفصائل بها، وتأثيرها على كامل المشهد.
أولًا: بين القبول والرفض.. تفاعل الفصائل حول نتائج الانتخابات
واصلت العراق السير في عملية الاستحقاقات الانتخابية النيابية التي خاضتها بشكل مبكر، في حالة من الاستجابة لمطالب الاحتجاجات التي جرت في عام 2019، بعد أن بدا خلاف كبير حول نتائجها، إضافةً لإدارة الخلاف الدائر حول نتيجة الانتخابات وتعدد الطعون بالدوائر والتشكيك بنتائجها من قِبَل بعض الفصائل.
ومنذ بداية نوفمبر، توجد حالة الاستنفار بشأن الأوضاع الأمنية وأجواء الانتخابات هي المسيطرة على المشهد، وحين كانت المفوضية مستمرة في عملية العد والفرز اليدوي للمحطات المطعون في نتائجها، من قِبَل الأجنحة السياسية؛ إذ ساور منطقة المنصور بالعاصمة بغداد، قلق الأوساط الشعبية، من عودة الميليشيات المسلحة لاستهداف البعثات الأجنبية، وانقسم الشارع العراقي بعد الإعلان القضائي إلى جانبين، الأول المتمثل في المؤيدين لنتائج الانتخابات، وعلى رأسها التيار الصدري، وآخر رافض لها.
التيار الرافض لنتائج الانتخابات: جدد أنصار الميليشيات الطائفية الرافضة لنتائج الانتخابات البرلمانية بالعراق، في 9 نوفمبر، محاولة اقتحام المنطقة الخضراء شديدة التحصين بالعاصمة بغداد، كما أصدر المكتب الإعلامي للمرجع الشيعي الأعلى بالعراق، علي السيستاني، بيانًا أعلن خلاله رفض الدخول في التحالفات التي تقود أو تمهد لتشكيل الحكومة المقبلة، كما اعتبر الأمين العام لحركة “عصائب أهل الحق” بالعراق، الشيخ قيس الخزعلي، أنّ “نتائج الانتخابات العراقية مطعونٌ فيها من كل المكوّنات، مشيرًا إلى أنّ 6200 صندوق انتخابي لم يغلق في الوقت المحدد، في وقت لوَّح فيه رئيس تحالف الفتح، هادي العامر، بمقاطعة العملية السياسية في العراق بالكامل، إذا لم تعالج الطعون في الانتخابات بشكل “حقيقي وجاد”.
وتظاهرت تلك الفصائل وأكدت أنها ستستخدم كافة الإجراءات القانونية لإلغاء العملية الانتخابية، ومنها عدم الاعتراف بنتائج الانتخابات، وذلك حتى بعد الاستجابة لإعادة الفرز اليدوي على الطعون التي قدموها، والتي نظرت فيها المفوضية.
التيار المؤيد لنتائج الانتخابات: في 8 نوفمبر، أعلنت المفوضية العليا المستقلة للانتخابات بالعراق، الانتهاء من إجراءات النظر في الطعون وملحقاتها، وما رافقها من تدقيق ومراجعة للمحطات المطعون فيها وعدها وفرزها يدويًّا، فيما أشارت لتطابق نتائج تدقيق جميع أوراق الاقتراع بالمحطات المطعون فيها.
في 11 نوفمبر، أعلن رئيس مجلس القضاء الأعلى بالعراق، القاضي فائق زيدان، عدم وجود أي دليل قانوني يثبت تزوير الانتخابات البرلمانية، كما أعلن ائتلاف الوطنية الذي يتزعمه رئيس الوزراء العراقي الأسبق، إياد علاوي، تأييده لخطاب مقتدى الصدر زعيم التيار الصدري، واعتباره ساهم بتحريك العملية السياسية وفك الجمود السياسي الذي حصل نتيجة الاعتراضات على نتائج الانتخابات، وهذا أمر إيجابي.
دعا زعيم التيار الصدري، مقتدى الصدر، في 18 نوفمبر، إلى حل الفصائل المسلحة بالعراق، سائلًا الجماعات المسلحة التي لا تتبع الحكومة تسليم أسلحتها، وكشف أن المفوضية العليا للانتخابات تتعرض لضغوط كبيرة؛ لتغيير نتائج الانتخابات البرلمانية.
وحذَّرت الممثلة الخاصة للأمين العام بالعراق (جنين هينيس-بلاس خيرت) من خطورة الوضع بالعراق بعد الانتخابات، داعيةً لتشكيل حكومة في وقت مبكر، وأبدت دعمها للانتخابات، وقيمتها بشكل عام على أنها كانت سلمية، وتمت إدارتها بشكل جيد، وتميزت بتحسينات فنية وإجرائية كبيرة.
المفوضية العليا تحسم الأمر: ردا على ما أثاره الفريقين أعلنت المفوضية العليا المستقلة للانتخابات بالعراق، في 22 نوفمبر، أن الهيئة القضائية نقضت 21 قرارًا لمجلس المفوضين، وألغت نتائج عدد من مراكز الاقتراع، وفي 26 نوفمبر ، أعلنت انتهاء جميع عمليات إعادة العد والفرز اليدوي، التي كان آخرها في محافظة نينوى، بناءً على قرار الهيئة القضائية للانتخابات، وبحضور ممثلي المرشحين الطاعنين والمراقبين الدوليين والإعلاميين المخولين، وكانت نتيجة العد والفرز اليدوي، متطابقة مع نتائج العد والفرز الإلكتروني بنسبة 100 بالمئة.
ليتم الإعلان عن النتائج النهائية للانتخابات، والتي جاء فيها أن أعداد المصوتين العراقيين بلغ 9 ملايين و629 ألفًا و601 مصوتًا، بنسبة تصويت بلغت 44%، وأن الكتلة الصدرية قد حصلت على 73 مقعدًا، وتحالف تقدم 37 مقعدًا، ائتلاف دولة القانون 33 مقعدًا.
وبذلك يكون شهر نوفمبر، شهد عددًا من التغيرات الكبيرة الخاصة بالوضع الانتخابي بالعراق، وبالرغم من أنه لم يحدث حالة من التوافق الكامل بين الفصائل العراقية حول نتائج الانتخابات ، وبقي عدد من الفصائل تتظاهر وتدعو لإعادة إجراء الانتخابات، إلا أنه يمكن القول: إن الحكومة حاولت خلال الانتخابات أخذ كافة الطعون المقدمة والبت فيها وحسمها ؛ لتقليل التحديات التي تواجه الانتخابات بكثرة الطعون عليها، وهو أمر جيد يُحسب للحكومة، وبرغم ذلك، فإن هذا لا يضمن الاستقرار كاملًا في مرحلة ما بعد الانتخابات، بل قد تستمر تلك التوترات، وهو ما يتطلب المزيد من الإجراءات والخطوات القائمة على المناقشة بين الحكومة والفصائل المختلفة.
ثانيًا: محاولة اغتيال الكاظمي ودلالتها على المشهد الأمني
محاولة اغتيال الكاظمي: في مطلع نوفمبر، وقعت محاولة اغتيال لرئيس الوزراء، في تعبير عن تدهور شديد بالأوضاع الأمنية في العراق، فاستهدفت طائرة مسيرة محملة بمتفجرات، منزل رئيس مجلس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي.
توالت ردود الفعل الدولية والإقليمية المنددة بمحاولة الاغتيال التي تعرض لها رئيس الوزراء العراقي، فقد أدانا الرئيس الأمريكي، جو بايدن، وزير الخارجية الأمريكي، أنطوني بلينكن محاولة الاغتيال، كما أدانها الأزهر الشريف وأكد وقوفه مع العراق، وكذا أدانتا دولتي لبنان والإمارات الهجوم، كما أعلنت وزارة الخارجية الإيرانية، عن دعم العراق ومساعدته بالكشف عن المتورطين فيه.
وتعددت الاتهامات لأطراف مختلفة بالداخل العراقي، ورأت وزارة الدفاع الأمريكية أن هناك مجموعات متعددة تعمل داخل العراق مدعومة من إيران، وقادرة على شن هجمات كالتي استهدفت رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي.
وبعد التحقيق في الواقعة أعلن مستشار الأمن القومي العراقي، قاسم الأعرجي، نتائج التحقيق الأولية في محاولة اغتيال رئيس الحكومة العراقية مصطفى الكاظمي، والتي أظهرت أنها تمت بطائرتين مسيرتين محلية الصنع، انطلقتا من إحدى المناطق شمال شرقي بغداد، وذلك دون توجيه الاتهام لطرف بعينه.
ويمكن اعتبار محاولة اغتيال رئيس الوزراء العراقي، هو انعكاس مباشر لتطورات الأوضاع بالداخل العراقي، وكذلك حجم الاستعدادات المسلحة التي تحظى بها الفصائل، ومدى التصعيد المستعد له، وهو ما يؤكد أن التحدي الأمني مازال التحدي الأساسي أمام الداخل العراقي بالرغم من انتهاء الانتخابات.
وفي سياق انهاء تواجد القوات الأجنبية في العراق وتحجيم انتشار داعش: أعلنت قيادة العمليات المشتركة بالعراق، في 24 نوفمبر 2021، خروج أغلب القوات القتالية الأجنبية من البلاد قبل التاريخ المحدد، وقال المتحدث باسم العمليات المشتركة، “إن ملف إنهاء الوجود الأجنبي يسير وفق الجدول المخطط له ولا توجد قواعد مخصصة لهم سوى وجودهم بشكل بسيط في عين الأسد”.
من ناحية أخرى، استمرت مساعي الجهاز الأمني في محاولة تطويق انتشار داعش، واستهداف قيادات التنظيم، فتمكن جهاز الأمن الوطني بالعراق، من الإطاحة بالمستشار العسكري لما يسمى بـ “ولاية نينوى” عقب دخوله البلاد، قادمًا من إحدى دول الجوار، وقالت خلية الإعلام الأمني التابعة لوزارة الدفاع أنها تمكنت مفارز جهاز الأمن الوطني من الإطاحة بالمستشار العسكري لما يسمى بولاية عقب دخوله البلاد قادمًا من إحدى دول الجوار.
ثالثًا: مساعٍ للتوازن بين المحيط العربي والإقليمي
مواصلة لمساعي إعادة العراق لمحيطها العربي، تستمر التفاعلات بين العراق، وباقي الدول العربية العربي خصوصًا فيما يتعلق بالتعاون في المجالات الاقتصادية والسياسية، وبالتوازي مع ذلك، نجد أن هناك انفتاحًا على التعاون مع دول محيطها الإقليمي.
فمن ناحية، أكد وزير الصناعة العراقي، منهل عزيز خباز، أهمية تبادل الخبرات البينية والاستفادة من التجربة السورية المتطورة في مجال المدن والمناطق الصناعية، وتيسير التجارة معها، كما كشف وزير النفط العراقي إحسان عبد الجبار، رئيس شركة النفط الوطنية العراقية، أن العراق يعتزم التوقيع على عقود ضخمة بعشرات المليارات من الدولارات مع شركات سعودية للاستثمار في قطاعات الغاز والطاقة النظيفة والمياه والبتروكيماويات بالبلاد، كما قال وزير الاتصالات العراقي، أركان شهاب الشيباني: إن الحكومة صدّقت على اتفاقية لإمداد لبنان بكمية تبلغ 500 ألف طن من زيت الغاز، الذي يستخدم بنسبة كبيرة في تشغيل مولدات الكهرباء الاحتياطية.
وتعليقًا على الاتفاق الأمني الذي وقع بين المغرب وإسرائيل، قال المتحدث باسم الخارجية العراقية، أحمد الصحاف في بيان: “نجدد موقف وزارة الخارجية، كما عُرف عنها، موقف العراق الثابت والداعم للقضية الفلسطينية، وتنفيذ الحقوق المشروعة الكاملة للشعب الفلسطيني”.
في الاتجاه الآخر، قالت وزارة التجارة العراقية: إنها قدمت مقترحًا إلى تركيا لتشكيل تكتل اقتصادي يضم أيضًا إيران؛ ليكون قوة اقتصادية على غرار تكتلات موجودة بأنحاء العالم، وهذا التحرك قد يفسر بأنه محاولة لاحتواء وتحديد إطار الوجود التركي الإيراني بالعراق، وربطه بالإطار الاقتصادي وإبعاده عن الإطار السياسي بشكل تدريجي.
رابعًا: أزمة المهاجرين
كانت الحكومة العراقية قررت سحب رخصة عمل القنصل البيلاروسي الفخري في بغداد مؤقتًا، مع تعليق رحلات الطيران المباشر بين العراق وبيلاروسيا، وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية العراقية، أحمد الصحاف: “إن وزارة الخارجية العراقية سحبت مؤقتًا رخصة عمل القنصل البيلاروسي الفخري في بغداد؛ لحماية المواطنين العراقيين من شبكات تهريب البشر عبر بيلاروسيا وبولندا”.
وأبدت الخارجية استعدادها لإعادة المهاجرين العراقيين الراغبين بالعودة إلى بلادهم من بيلاروسيا خلال أيام، ويحاول المهاجرون منذ شهور العبور من بيلاروسيا إلى بولندا، لكن الأزمة بلغت مستوى جديدًا، عندما قام المئات في محاولة منسقة؛ ليصدهم حرس الحدود البولندية، وبدأ العراق تيسير أول رحلة “عودة طوعية” لمهاجرين عراقيين عالقين على الحدود في بيلاروس، في 18 نوفمبر.
ختامًا، شهد شهر نوفمبر عددًا من التحولات بالمشهد السياسي، منها تأكد نتائج الانتخابات النيابية بشكل نهائي، ليعيد بذلك ترتيب التيارات السياسية في مجلس النواب، ويخلق معه عددًا من التحديات الأمنية والسياسية.
ويمكن توقع زوال حالة الاختلاف والتظاهرات السياسية التي شهدتها العراق قريبًا؛ نظرًا لاتجاه تيار واسع بقبول تلك النتائج، ومحاولة الحكومة بتقديم الضمانات وكل ما يلزم لاحتواء هذه الخلافات، كما ستبقي مدفوعة لاستمرار تقديم تلك الضمانات؛ لعودة الاستقرار للمشهد العراقي.
أما على الصعيد الأمني فيبقي التحدي قائم بل ويتوقع استمراره على المدى القريب ومن المرجح أن تسمر عمليات الاستهداف للقادة والمسؤولين العراقيين، كلما أصبح هناك قبولًا أوسع لنتائج الانتخابات على أرض الواقع، وهو ما يتطلب يقظة من الحكومة والجيش العراقي لمثل هذه التحديات والتصرف بشكل استباقي لمنعها.
تقرير عن حالة الصراع اليمني
شهد هذا الشهر تكملة مسيرة عمليات التصعيد للحرب الأهلية اليمنية المشتعلة منذ عام 2014 بين المتمردين الحوثيين والحكومة اليمنية المعترف بها دوليًّا والمدعومة بقوات التحالف بقيادة المملكة العربية السعودية.
يرصد هذا التقرير أبرز مستجدات حالة الصراع اليمني في هذا الشهر كالآتي:
أولًا: هجمات مستمرة وقصف حوثي مكثف على السعودية
تعيش اليمن ظروفًا صعبة؛ نتيجة الحرب التي فرضتها ميليشيات الحوثي بدعم لوجيستي وعسكري من النظام الإيراني، واستكمالًا لجهود الجيش اليمني، أكد الناطق الرسمي باسم الجيش اليمني، العميد عبده مجلي، أن الجيش بمختلف الجبهات يواصل تكبيد الميليشيات خسائر بالعتاد والأرواح، خصوصًا في جبهات مأرب.
وفضلًا عن تصعيد حركات الحوثيين المسلحة المدعومة من إيران لوتيرة عملياتها العسكرية بمحافظة مأرب وهجماتها الإرهابية على المدنيين، تصاعد التوتر بين السعودية والحوثيين ميدانيًّا؛ إذ أعلنت جماعة الحوثيين قصفها للعديد من الأهداف بأراضي السعودية ضمن إطار عملية عسكرية واسعة، أُطلق عليها اسم “توازن الردع الثامنة”، شملت قصف عدد من الأهداف العسكرية والحيوية في السعودية.
ووفقًا لبيان الحوثيين، شملت العملية:
- قصف قاعدة الملك خالد في الرياض بأربع طائرات مسيرة من نوع “صماد 3”.
- قصف أهداف عسكرية في مطار الملك عبد الله الدولي في جدة.
- قصف مصافي شركة “أرامكو” في جدة بأربع طائرات مسيرة نوع “صماد 2”.
- قصف هدف عسكري مهم في مطار أبها الدولي بطائرة من طراز “صماد 3”.
- قصف أهداف عسكرية مختلفة في مناطق أبها وجيزان ونجران بخمس طائرات مسيرة من نوع “قاصف 2K”.
وذكرت الجماعة، أن 14 طائرةً مسيرةً شاركت إجمالًا بالعملية المزعومة، مشددةً على قدرتها بتنفيذ المزيد من العمليات الهجومية ضد السعودية والإمارات “في إطار الدفاع المشروعة عن الشعب والوطن”.
وجاء ذلك بعد إعلان التحالف العربي عن إسقاط أربع طائرات مسيرة أطلقها الحوثيون، إضافةً لسقوط صاروخين باليستيين بالأراضي اليمنية بعد إطلاقهما من قبل الحوثيين، مؤكدًا أنه بدوره شنَّ “عمليةً نوعيةً للتعامل مع مصادر التهديد”، وتأتي هذه التطورات على خلفية تصعيد القتال في مختلف جبهات النزاع اليمني بالآونة الأخيرة، منها محافظة مأرب الإستراتيجية وسط البلاد ومحافظة الحديدة الساحلية في غربها.
وحديثًا، أعلنت وسائل إعلام سعودية رسمية، يوم الثلاثاء الموافق 30 نوفمبر، بأن التحالف العربي شنّ ضربات جوية على أهداف عسكرية للحوثيين بالعاصمة اليمنية صنعاء، من بينها موقع “سري” تابع للحرس الثوري الإيراني، وحثّ التحالف المدنيين بعدم التجمع أو الاقتراب من المواقع التي يُحتمل استهدافها.
ثانيًا: صفقة الصواريخ الأمريكية السعودية
أكدت وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاغون) يوم الخميس الموافق 4 نوفمبر، أن وزارة الخارجية الأمريكية وافقت على أول صفقة أسلحة كبيرة للمملكة العربية السعودية في عهد الرئيس الأمريكي جو بايدن من خلال بيع 280 صاروخًا (جو – جو) طراز (إيه.آي. إم – 120 سي) بقيمة تصل لـ 650 مليون دولار، وقال نيد برايس المتحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية: إن الموافقة على صفقة الصواريخ للسعودية تأتي بعد أن «شهدنا زيادة بالهجمات عبر الحدود ضد السعودية»، معتبرًا أن هذه الصواريخ «لعبت دورًا أساسيًّا باعتراض هجمات الطائرات بدون طيار التي لم تتوقف» ضد السعودية والقوات الأمريكية بالمنطقة.
جاءت ردة فعل الحوثيين عنيفة حول الصفقة التي اعتبروها تناقضًا بين التزام بايدن بالسلام في اليمن، ودعم التحالف العربي ضدهم؛ حيث اعتبر القيادي في جماعة أنصار الله الحوثية (محمد علي الحوثي) الصفقة دليلًا بعدم جدية ومصداقية بايدن وإدارته بوقف الحرب باليمن.
ثالثًا: إعادة التموضع بين مأرب والحديدة
أعلنت القوات المشتركة انسحابها من محيط ميناء الحُدَيْدَة، الذي تسيطر عليه “أنصار الله” الحوثية، وأعلنت الأمم المتحدة أن الجماعة سيطرت على تلك المواقع، وقالت القوات المشتركة: إن إعادة انتشارها يأتي ضمن قرار إخلاء المناطق المحكومة باتفاق ستوكهولم؛ لكونها محكومة باتفاق دولي يجعلها منزوعة السلاح وآمنة للمدنيين.
بالوقت ذاته، استمرت الاشتباكات بكافة الجبهات بمحافظة مأرب اليمنية، قبل أسابيع من تغيرات الحُدَيْدَة، وقد شهدت الجبهات الجنوبية لمأرب “ام ريش – ذنة” معارك عنيفة، وأعلنت حكومة الرئيس هادي بمنتصف نوفمبر، أنها عزَّزت جبهات محافظة مأرب بوحدات نوعية؛ لتغيير موازين المعركة لصالحها وتحويل مسار العمليات العسكرية، وكشف وزير الإعلام بحكومة الرئيس هادي، معمر الإرياني، عن وصول كتيبة مدرَّبة تدريبًا عاليًا ومجهزةً بالأسلحة والعتاد العسكري لمدينة مأرب؛ للانخراط بجبهات القتال.
ومنذ إعلان القوات المشتركة إعادة انتشارها، وهناك كثافة بالتفاعلات العسكرية والميدانية بين قوات التحالف والحكومة الشرعية، وجماعة الحوثي، سواءً بالداخل اليمني، أو على حدوده مع دول الجوار، وبتفاعل سريع مع التغيرات، أعلنت وزارة الخارجية الأمريكية، أن المبعوث الأمريكي الخاص لليمن “تيم ليندركينج”، بصدد الوصول للسعودية في إطار جولة تشمل البحرين؛ للانضمام لفريق مشترك بين الوكالات؛ لتنسيق مقاربات الأمن الإقليمي؛ للمخاوف المتعلقة بإيران.
وقال المتحدث الرسمي باسم قوات التحالف، العميد الركن تركي المالكي: إن إعادة انتشار تموضع القوات العسكرية للتحالف والقوات اليمنية التابعة للحكومة اليمنية بمنطقة العمليات “جاءت ضمن خطط عسكرية من قيادة القوات المشتركة للتحالف تتناسب مع الإستراتيجية العسكرية؛ لدعم الحكومة اليمنية في معركتها الوطنية بالجبهات كافة”، وأضاف أن “القوات المشتركة بالساحل الغربي نفذت إعادة انتشار وتموضع لقواتها العسكرية بتوجيهات من قيادة القوات المشتركة للتحالف، وقد اتسمت عملية إعادة التموضع بالانضباطية والمرونة بحسب ما هو مخطط له، وبما يتماشى مع الخطط المستقبلية لقوات التحالف”.
رابعًا: أول اجتماع تنسيقي بين “المقاومة الوطنية” و”الانتقالي الجنوبي”
عقد ممثلون عن المكتب السياسي للمقاومة الوطنية التي يقودها طارق صالح، وقيادات بالمجلس الانتقالي الجنوبي في اليمن، أول اجتماع لهم في عدن؛ لبحث “المواضيع ذات الاهتمام المشترك”.
اللقاء جمع عددًا من أعضاء المكتب السياسي للمقاومة الوطنية برئاسة الشيخ ناصر باجيل، مع قيادات من “الانتقالي الجنوبي” برئاسة اللواء أحمد سعيد بن بريك، رئيس الجمعية الوطنية للمجلس الانتقالي، وأحمد حامد لملس، محافظة عدن.
أكد الطرفان أهمية التنسيق المشترك، والعمل على ترجمة التوجه لتوحيد الصف الوطني في هذه المرحلة الحرجة وإيجاد آليات لتنسيق الجهود المشتركة بمختلف الجوانب.
خامسًا: اقتحام الحوثيين مقر السفارة الأمريكية في صنعاء
أفادت وسائل إعلام يمنية، أن الحوثيين اقتحموا مقر السفارة الأمريكية في حي سعوان، واعتقلوا عشرات الموظفين المحليين فيه دون صدور تعليق من الجماعة حتى اليوم.
دان مجلس الأمن الدولي اقتحام جماعة الحوثي اليمنية مقر السفارة الأمريكية بالعاصمة صنعاء واستيلاءها عليه، ودعا لانسحاب عناصر الجماعة الفوري من هناك.
سادسًا: مجاهرة النظام الإيراني بدعم الحوثيين تحدٍ صارخ للقرارات الدولية
اتهمت الحكومة اليمنية – المعترف بها دوليًّا- إيران بالتدخل في شؤون اليمن وتقويض جهود التهدئة وإحلال السلام بالبلاد.
وقال وزير الإعلام والثقافة اليمني، معمر الإرياني: إن المؤتمر الذي عقد في شهر نوفمبر بالعاصمة الإيرانية طهران، بعنوان “اليمن محور التحول والثقة”، وحضره ممثلون عن النظام والحرس الثوري والميليشيات الإيرانية بالمنطقة؛ بهدف حشد الدعم السياسي والمالي والعسكري لميليشيا الحوثي، يكشف طبيعة المعركة والعدو الفعلي الذي يواجهه اليمنيون منذ 7 سنوات، وأضاف أن “مجاهرة النظام الإيراني وميليشياته الطائفية بالمنطقة مؤخرًا، بدعم ميليشيا الحوثي الإرهابية، وتزويدها بالمال والسلاح والخبراء؛ لإطالة أمد التحرك الأخير وقتل اليمنيين، يمثل عدوانًا وتدخلًا سافرًا بشؤون دولةٍ هي عضو بالأمم المتحدة، وتحديًا صارخًا للقرارات الدولية ذات الصلة بالأزمة اليمنية”.
رابعًا: المجتمع الدولي والجهود الأممية
يشهد اليمن أسوأ أزمة إنسانية على مستوى العالم، وفق الأمم المتحدة؛ إذ تسببت الأزمة بنزوح الملايين عن منازلهم وتدمير مئات المدارس وتعطيل النظام الصحي.
أشار تقرير حديث لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي، أن حصيلة ضحايا أزمة اليمن ستسجل حتى نهاية العام 377 ألف شخص بشكل مباشر وغير مباشر، بعد 7 سنوات من اندلاعها.
- المنظمة الدولية للهجرة
أعربت المنظمة الدولية للهجرة عن قلقها من تدهور الوضع الإنساني بمحافظة مأرب اليمنية؛ حيث يتسبب النزاع المسلح في خسائر فادحة بصفوف النازحين والمهاجرين والمجتمعات التي تستضيفهم.
وقالت كريستا روتنشتاينر، رئيسة بعثة المنظمة الدولية للهجرة باليمن: “إن المنظمة قلقة للغاية بشأن احتمالية إجبار مئات الآلاف من الأشخاص على الانتقال مرةً أُخرى، إذا وصلت أحداث العنف إلى المدينة، إضافةً لارتفاع عدد الضحايا المدنيين وتدمير البنية التحتية المدنية”، داعيةً لـ”إنهاء الأعمال العدائية واحترام القانون الإنساني الدولي، وكذلك توفير موارد عاجلة لتوسيع نطاق الاستجابة”.
وتقدر مصفوفة تتبع النزوح أن 10000 شخص فروا من منازلهم في شهر سبتمبر، عندما بدأ الصراع بالتصاعد، واستمر هذا الاتجاه بمعدلات مثيرة للقلق؛ حيث تضاعف في أكتوبر، بعدما نزح ما يقرب من 20000 شخص.
- برنامج الأغذية العالمي
حذَّر برنامج الأغذية العالمي من تفاقم أزمة الجوع باليمن بين شرائح واسعة من المجتمع، في ظل الغلاء الناجم عن تدهور أسعار صرف العملة، وذكر مكتب البرنامج باليمن، أن “أزمة اليمن التي طال أمدها مدمرة لملايين العائلات، وأسعار المواد الغذائية تستمر بالارتفاع، هذا يؤدي لازدياد الجوع”.
وكان المدير التنفيذي لبرنامج الأغذية العالمي ديفيد بيزلي، قد قال في 8 نوفمبر: إن أكثر من نصف سكان اليمن (16.2 مليونًا) يواجهون خطر الجوع الحاد باستمرار الصراع الدامي في هذا البلد منذ نحو سبعة أعوام.
وأضاف بيزلي في بيان، أن برنامج الأغذية العالمي يحتاج لـ 802 مليون دولار؛ للحفاظ على مستوى المساعدات التي يقدمها خلال الستة الأشهر القادم، كما أشار بيزلي، أن النصف الأول من عام 2022 سيكون “قاسيًا” على اليمن، الذي يقف على شفا مجاعة؛ بسبب الحرب الدائرة بين تحالف تقوده السعودية والحكومة الشرعية وجماعة الحوثي.
- المبادرة العالمية لمكافحة الجريمة المنظمة العابرة للحدود
ذكرت المبادرة العالمية لمكافحة الجريمة المنظمة العابرة للحدود، أن بعض الأسلحة التي تمد بها إيران جماعة “أنصار الله” اليمنية تصل لاحقًا للصومال عبر خليج عدن.
وذكرت المنظمة التي تتخذ من جنيف مقرًا لها في دراستها، أنها رصدت خلال الأشهر الثمانية الأخيرة أكثر من 400 قطعة سلاح بـ13 موقعًا في مختلف أنحاء الصومال، يعد وجودها هناك بمثابة “بصمة إصبع” تشير لتهريب أسلحة إيرانية من اليمن إلى هذا البلد.
وأوضحت المنظمة، أن هذه الأسلحة شملت بنادق 56-1 (نسخة صينية عن بندقية كلاشنيكوف الروسية)، ويعتقد أنها تأتي من شحنات الأسلحة التي زوَّدت إيران الحوثيين بها.
وأشارت الدراسة لوجود أدلة متعددة على تزويد إيران الحوثيين بالسلاح، بالرغم من نفي طهران أي ضلوع لها بمثل هذه الأنشطة.
- المبعوث الأممي الخاص لليمن
أكدت الأمم المتحدة، أن مبعوثها الخاص لليمن هانس غروندبرغ، شدد خلال أول زيارة رسمية له إلى إيران في شهر نوفمبر، بضرورة دعم الجهود الرامية لتسوية النزاع سياسيًّا وخفض التصعيد العسكري الحالي،
وأكد مكتب المبعوث الأممي، أن غروندبرغ التقى خلال زيارته كبار المسؤولين الإيرانيين وممثلين عن المجتمع الدولي في طهران، مضيفًا أن المبعوث خلال هذه اللقاءات شدَّد بالحاجة لدعم جهود الأمم المتحدة؛ الرامية للتوصل إلى حل تفاوضي للنزاع.
وأشار البيان، أن غروندبرغ، أعرب خاصة خلال هذه اللقاءات عن بالغ قلقه إزاء التصعيد العسكري الحالي باليمن، محذِّرًا جلبه خسائر فادحة بأرواح المدنيين بمن فيهم الأطفال، ويقوض المساعي الرامية لإحلال السلام.
وشدد المبعوث، حسب البيان، بوجود حاجة ملحة لخفض التصعيد بكافة أنحاء اليمن، بما في ذلك محافظة مأرب الإستراتيجية وسط البلاد، والتي تشهد حاليًا مواجهات عنيفة بين قوات الحكومة – المعترف بها دوليًّا- وجماعة الحوثيين.
وأشار البيان، أن غروندبرغ ناقش خلال الزيارة أيضًا ضرورة معالجة الوضع الإنساني والاقتصادي المتدهور باليمن، وأهمية ضمان حرية حركة الأشخاص والسلع بالبلاد.
ونقل البيان عن المبعوث الأممي قوله: “إن سلمية واستقرار اليمن سيصب في مصلحة المنطقة بأكملها، مضيفًا: “أعتزم العمل مع دول المنطقة لمساعدة اليمن على التوصل إلى حل سلمي للنزاع”.
ختامًا… تزيد هجمات الحوثيين المستمرة على المدنيين من تفاقم الأزمة الإنسانية وتطيل من أمد الصراع اليمني، ومع تعنت الحوثيين في إحلال السلام وتقويض الجهود الأممية والدولية لحل الصراع، وتفاقم الأزمة الإنسانية، كما أدَّت الأوضاع الاقتصادية لانتشار سوء التغذية الحاد بين الأطفال وسوء الأوضاع المعيشية التي يعانيها السكان في ظل الحرب الأهلية، بالرغم من تأكيد المبعوث الأمريكي استعداد بلاده تقديم كافة أوجه الدعم والمساعدات الإنسانية لليمن، مشيرًا بعدم تحسن الأوضاع الإنسانية إلا بإحلال السلام وحل المعضلة الاقتصادية، وإحياء الأنشطة الاقتصادية وكل مصادر الطاقة.
ومن جديد، فإن تصعيد الحرب الأهلية؛ نتيجة تمرد الحوثيين المستمر، ما هو إلا تصعيد خطير، يؤكد من جديد تحدي جماعة الحوثيين السافر لإرادة المجتمع الدولي، ومع الدعم الإيراني الذي يعزز من قوة الجماعة، يؤدي لتقويض جهود التهدئة ورفع وتيرة الصراع باليمن والمنطقة، واستمرار المعاناة الإنسانية المتفاقمة لليمنيين.
جنوب السودان…. هل يمكن الحديث عن تحول ديمقراطي في ظل تحركات محدودة؟
مازال الوضع بجنوب السودان يؤكد على أن الانفصال ليس حلًّا للأزمات والمشكلات الداخلية التي تعاني منها الدول، وما زالت الولاءات التحتية تتحكم، كما أن الجنوب السوداني ما زالت حكومته غير موجودة بشكل إيجابي على أرض الواقع، وبالتالي فإن التحركات لدعم مسار التحول الديمقراطي بطيئة جدًا، وتسير على مستوى محلي بالمقاطعات دون وجود خطة أو تحركات من الحكومة في جوبا.
إن هذا الوضع يجعلنا نقول: إن مسار التحول الديمقراطي مازال يعوقه الكثير من التحديات على عدة مستويات، بدايةً من الكوارث الطبيعية أو الوضع الاقتصادي والصحي والأمني، وبالتالي لا يزال الوضع يحتاج لمزيد من التقويم والإصلاح، وسنحاول في هذا الجزء من التقرير رصد وتحليل أهم المتغيرات الطارئة على الساحة في عدة مجالات بالنسبة لجنوب السودان؛ للخروج بمجموعة من الاستنتاجات حول ما قد تؤول إليه الأمور.
القتال العشائري وتدهور الوضع الأمني داخليًّا
استقبلت مدينة كوجواك في أواخر شهر أكتوبر الماضي حوارًا حول إحلال السلام في جنوب السودان؛ لذا دعت النساء بمقاطعتي “تونج الشرقية والشمالية” الشباب لضرورة وقف القتال العشائري؛ تمهيدًا للبناء والعمل من أجل السلام بالمنطقة، ومنع تفاقم الأوضاع بشكل يهدد استقرار وأمن المواطنين، ولم تقتصر مطالبهن على الفئة الشبابية، بل طالبن زعماء المناطق والموظفين المحليين أيضًا؛ ما نتج عنه موافقة المجتمعات المحلية على تنفيذ مخرجات الحوار، والتي تضمنت وقف القتال العشائري، والتمهيد لإحلال السلام، ووقف خطابات الكراهية، وغيرها من المخرجات التي تمحورت حول التهدئة.
أعلن جهاز الشرطة في 1 نوفمبر بمقاطعة “ياي” عزمه تكوين شرطة مجتمعية تعمل على حماية المدنيين والحفاظ على ممتلكاتهم من نتائج الاشتباكات العشائرية المستمرة، وقد تساعد هذه الخطوة في حماية المدنيين وتقليل معدل الجريمة بالمقاطعة.
وأما عن جهاز الشرطة وأهم التحركات الخاصة به، فلا بُدَّ من الحديث عن بيان المتحدث باسم الجيش في جنوب السودان، حيث أكد في بيان أن قوات دفاع شعب جنوب السودان يعاني من تحديات مالية قد تؤدي لتأخير تخريج الدفعة الحالية – قوات أطراف اتفاقية السلام بمعسكرات التدريب- والتي كان من المقرر تخريجها في نوفمبر 2021.
شهدت ولاية البحيرات قرارًا من حاكم الولاية في 5 نوفمبر يقضي بإقالة ثلاث سلاطين من المقاطعات التابعة للولاية وهم؛ (رمبيك الشرقية- مالينق أقوك- مجتمع ثيك)؛ لعدم وجود مشاركات إيجابية من هؤلاء السلاطين لحل النزاعات العشائرية الدائرة بالولاية والمقاطعات التابعة.
كما شهدت مقاطع “أكوبو” التابعة لولاية “جونقلي” قتالًا عشائريًّا بالداخل؛ ما أدى لمقتل عشرة أشخاص، ولكن توقف القتال بعد تدخل الشرطة، وعاد الوضع للاستقرار النسبي، وأوضح محافظ الولاية في رده على هذه الأحداث، أن هذه الاشتباكات تمت بسبب عمليات التجنيد، وأنه لابد من الإسراع في تنفيذ اتفاق السلام، أيضًا شهدت ولاية “وراب” قتال بإحدى القرى التابعة لها، نتج عنه مقتل 19 شخصًا، وجرح أكثر من 30 آخرين.
دعت نقابة الصحفيين في جنوب السودان إلى ضرورة وضع حل لمشكلة الإفلات من العقاب في الجرائم المرتكبة ضد الصحفيين في جنوب السودان، في إشارة للمضايقات المستمرة التي يتعرض لها الصحفيون من الأجهزة الأمنية وسلطة الإعلام من تضييق وتحديد أنشطتهم وغيرها من أساليب القمع.
في الثالث والعشرين من نوفمبر، صرح نائب رئيس جنوب السودان “رياك مشار”، استبعاد إجراء انتخابات في جنوب السودان بعد انتهاء الفترة الانتقالية؛ لعدم وجود خطوات واضحة على أرض الواقع فيما يخص اتفاق السلام، وبالتالي فلا يمكن إجراء الانتخابات في ظل الأوضاع الحالية.
طالب بعض النشطاء في مجال حقوق الإنسان بضرورة تعديل القانون الخاص بعمل جهاز الأمن بجنوب السودان؛ لاستغلال أعضائه سلطتهم في القبض على المدنيين واحتجاز الأفراد دون وجه حق، بما يخالف أحكام القانون الدولي وحقوق الانسان، فلا بُدَّ من إجراء تعديل يتعلق بحجم الرقابة على الجهاز الأمني.
الأزمات الطبيعية تحدٍ مستمر للحكومة
مازال جنوب السودان يعاني من الأزمات الطبيعية ممثلة في الفيضانات أو الجفاف، وفي ظل عجز مؤسسات الدولة عن احتواء الوضع أو وضع خطط استباقية تستهدف احتواء الأزمة قبل تفاقمها؛ لذا تعرض الجنوب لفيضان مطلع شهر نوفمبر 2021؛ ما أدى لقطع الطريق بين مدينتي “واراب ومدينة أيبي”، وصعوبة في نقل البضائع بين المدينتين، ووجود قلق إزاء إمكانية ارتفاع أسعار البضائع في ظل وضع اقتصادي واجتماعي لا يسمح بتحمل تكاليف إضافية.
في 2 نوفمبر، أعلنت السلطات بولاية الوحدة، تفاقم الوضع فيها جراء الفيضانات المستمرة التي تتعرض لها المدينة، وقد أشارت إلى أن المدينة ما زالت معرضة لأخطار شديدة، قد تضر بحياة المواطنين ومصادر عيشهم، جراء الكوارث الطبيعية التي تضربها بشكل مستمر، كما أنها تهدد بقطع الطريق بين الولاية وبين السودان؛ ما يعني عزلها وإلحاق الضرر بالمواطنين والأنشطة الاقتصادية الخاصة بهم، كما أن مطار الولاية معرض لخطر الانهيار بسبب الفيضانات.
في الخامس من نوفمبر، تعرضت مقاطعة “ياي” التابعة لولاية الإستوائية الوسطى، لأمطار شديدة وعواصف أدت إلى خسارة كبيرة للتجار بأسواق المقاطعة؛ حيث خسر ما يقرب من (10 تجار) مصدر رزقهم، إضافةً للخسائر المادية المتعلقة بالمنازل بالمقاطعة، وسط صمت من المسؤولين المحليين وعلى مستوى الحكومة.
جنوب السودان عاجز عن توفير الخدمات الصحية
مازال الوضع الصحي في جنوب السودان في تردٍ مستمر؛ حيث تصاعدت مطالب نسائية في مطلع شهر نوفمبر؛ للمطالبة بضرورة إيجاد مراكز طبية لعلاج سرطان الثدي، وضرورة إطلاق حملات توعية للنساء على مستوى البلاد، وفي الوقت ذاته أعلنت مقاطعة “جونقلي” بنقص الأدوية بالمركز الصحي في “فانيقور”، وقد أوضح مسؤول المركز الصحي أن المركز يستقبل بشكل يومي ما يزيد عن 100 مريض، معظمهم مصاب بالملاريا، ويصل عدد الأطفال لحوالي 80%، وأن نقص الدواء سيؤدي إلى الموت.
ولم تكن مقاطعة “جونقلي” الوحيدة التي تعاني فيها المراكز الصحية من تقص الأدوية، فقد أعلنت أيضًا مقاطعة “بالبيت” التابعة لولاية “أعالي النيل”، تفاقم الوضع الصحي بها جراء الفيضانات التي تتعرض لها المقاطعة، كما أكدت السلطات الصحية انتشار الأمراض المنقولة بالمياه بين المواطنين.
ولم يقتصر تدهور الوضع الحالي على المراكز الصحية، بل شمل أيضًا السجون في جنوب السودان، فقد أصدر سجن “أويل المركزي” تصريحًا يؤكد فيه تدهور الوضع الصحي في السجن ونقص الدواء، وأنه لم ينل ما يزيد عن (500 نزيل) الرعاية الصحية اللازمة منذ أكثر من خمسة أشهر، ومع تزايد أعداد النزلاء بالغرفة الواحدة، فإن الوضع يتجه نحو التفاقم.
وقد حذَّرت السلطات المحلية بمقاطعة “إيود” من تفاقم الوضع الصحي جراء تلوث المياه بالنفط الخام بالمناطق التي تقع بشمال غرب المقاطعة، وقد حدث ذلك بفعل الفيضانات التي تعرضت لها البلاد؛ ما أدى لحدوث تسريبات في خام النفط وتلوث المياه؛ ما يهدد بحدوث مشاكل صحية كبيرة للمواطنين.
الوضع الاقتصادي
أعلنت حكومة جنوب السودان في 1 نوفمبر، استمرار تصدير النفط من جنوب السودان إلى السودان عبر ميناء “بوتوسودان”، وذلك على خلفية القرارات التي اتخذها البرهان بالسودان؛ ما يعني اتجاه الوضع لمزيد من الاستقرار يسمح بمرور البضائع والنفط.
أعلن التجار بمقاطعة “طمبرا” استئناف عملهم والعودة للأسواق بعد إغلاق دام طويلًا؛ نتيجة لاستمرار القتال بين القوات الحكومية والجماعات المسلحة بالمقاطعة، ولكن تم إعلان العودة للأسواق في 2 نوفمبر؛ نتيجةً لتوقف القتال بين الأطراف، وقد جاءت هذه الخطوة بعد مناقشات مطولة مع قائد الأمن بالمقاطعة.
المساعدات الإنسانية والدعم الخارجي
في إطار دعم مصر لدول الجوار، أرسلت في 9 نوفمبر طائرة عسكرية محملة بـ 12 طن من المساعدات الإغاثية للمواطنين المتضررين جراء الفيضانات المتكررة في جنوب السودان.
وفي إطار الدعم الخارجي الذي تلقته ولايات جنوب السودان، فقد قدمت الأمم المتحدة في 16 نوفمبر ممثلة بصندوق الأمم المتحدة للسكان ماكينات خياطة لأكثر من 40 سيدة وفتاة من مقاطعة أويريال” بولاية البحيرات؛ لمساعدتهن في توفير مصدر رزق لهن ولذويهن، كما قدمت مؤسسة “كارتيز السويدية الدولية” أربع محطات مياه بمقاطعة “إيكوتوس” بولاية شرق الاستوائية، وتعمل هذه المحطات بالطاقة الشمسية، كما أكدت المؤسسة عزمها حفر نقاط لمحطات مياه أُخرى؛ لتحسين جودة الخدمات التي يتلقاها السكان، كما قدمت منظمة الإغاثة الإسلامية الدعم والمساعدات الإنسانية للمواطنين العائدين لمقاطعة كاجو كيجي، بولاية “الاستوائية الوسطى”.
أهم التحركات على المستوى المحلي لدعم مسار التحول الديمقراطي
جرى عمل تقييم من قِبَل وزارة الشؤون الإنسانية بجنوب السودان للوضع الإنساني بولاية “غرب الاستوائية” في 1 نوفمبر، وذلك على أثر التوترات التي شهدتها الولاية جراء القتال العشائري الذي أدى لنزوح المئات من منازلهم، وقد انتهت زيارة التقييم بإعلان وزير الشؤون الإنسانية استعداد الحكومة للمساعدة بإحلال السلام وإيقاف القتل.
أعلنت المنظمات الإغاثية بمقاطعة “موروبو” عودة 14 ألف مواطن للمقاطعة بعد نزوحهم؛ نتيجة القتال المستمر، كما أكدت دعمها للعائدين مع إعطائهم المساعدات اللازمة، وقد أعلنت منظمات الإغاثة العاملة بولاية “بيبور” استئناف عملها بعد توقفه في أكتوبر الماضي؛ جراء التهديدات الأمنية بالولاية، وأكدت الحكومة إتمام التنسيق بين المنظمات الإغاثية وبين الحكومة، ومن المقرر عودتها قريبًا.
شهد شهر نوفمبر جهودًا لتعزيز السلام على المستوى المحلي بمقاطعة نهر “ياي”؛ حيث بذل القادة المحليون والسلاطين جهودًا محلية؛ لتعزيز سبل التعايش والحوار ودعم السلام بين مجتمعات المنطقة،
في خطوة جيدة، أعلن حاكم “البحيرات” عن خطة لنزع السلاح طواعيةً من يد المدنيين، ووضع نظام لتسجيل السلاح وتسليمه بالمدينة، على أن تستمر هذه الخطة مدة ثلاثة أشهر، وهي خطوة جيدة، لا بد من تعميمها بجميع ولايات جنوب السودان، وفي شهر نوفمبر، وبإطار اتفاق السلام، وبذل الجهود لتعزيز جهود بناء السلام والأمن، أعلنت منطقة “بيبور الكبرى” تجديد تعهدها بمنع تجنيد الأطفال، واستمرار جهودها بتسريح الأطفال من صفوف القوات المسلحة؛ لمخالفة هذا الوضع للقانون الدولي والمحلي، وبعد مرور أسبوع من هذا الإعلان، تسلمت الولاية ما يزيد عن 38 قطعة سلاح من المدنيين بمقاطعات الولاية طواعيةً، كما استضافت مقاطعة “الرنك” التابعة لولاية “أعالي النيل” منتدى السلام التفاكري في 30 نوفمبر؛ بهدف إحلال ودعم جهود بناء السلام بين المجتمعات المحلية، وقد نظم هذا المنتدى قسم الشؤون المدنية التابع للأمم المتحدة، ومن أهم مخرجاته دعم قسم الشؤون المدنية لقدرات الرجال والنساء بالمقاطعة؛ للمشاركة بعمليات إحلال السلام.
وقد دعت ولاية “غرب الاستوائية” في 29 نوفمبر، تدشين مبادرة السلام المجتمعي والانتعاش الاقتصادي، بالتعاون مع مجموعة من المنظمات غير الحكومية؛ لإيجاد حلول تشجع على تعزيز السلم المجتمعي وتنشر التسامح والتعاون، إضافةً إلى حث سلاطين المقاطعات على مساعدة المواطنين الذين نزحوا جراء التهديدات الأمنية بالمقاطعات، ودعمهم ومساعدتهم للعودة مرةً أُخرى.
شهد يوم 12 نوفمبر، عقد منتدى محافظي الولايات بجنوب السودان اجتماعًا لبحث سبل التعاون في مجالات الأمن والاتصالات، والنقل، وعبر المحافظون عن قلقهم إزاء قيام بعض الحكام المحليين باختراق القوانين، وكان من أبرز مخرجات المنتدى، تعزيز دور المجتمعات بإحلال السلام والتنمية، وضرورة تعيين ضباط إداريين وإنفاذ القانون وتوفير خدمات النقل وغيرها.
وفي إطار التحركات البسيطة على المستوى المحلي والحكومي في جنوب السودان، كان هناك بعض الخطوات التي اتخذتها الولايات فيما يتعلق بالاستعداد للانتخابات، فقد أعلن حزب الحركة الشعبية لتحرير السودان بدْء عملية التسجيل واستقطاب الأعضاء للحزب، في إطار الاستعداد لعقد المؤتمر الثالث للحركة في عام 2022 والانتخابات العامة المقرر إجراؤها في 2023.
قي النهاية يمكننا القول بأنه، لايزال الوضع في جنوب السودان دون المستوى المطلوب بعد التوقيع على اتفاق الفترة الانتقالية، ومازالت لا تسير بخطى ثابتة وقوية تجاه تنفيذ بنود الاتفاقية، سوى التحركات على مستوى بعض المقاطعات، دون وجود إصلاحات أو تعديلات على المستوى القومي من الوزرات المختلفة في الحكومة، وهو ما يجعلنا نذهب للقول: إن الأوضاع إذا ما استمرت في نفس المسار وبنفس التحركات، فإن تجربة الانتخابات العامة المقرر عقدها في 2023 لن تكون قابلة للتحقق.
سوريا: هل تنجح مساع البحث عن أرضية مشتركة لتفاهمات سياسية
بينما يشهد الصراع في سوريا حالة من التعقيد على المستويات المختلفة، تخلل هذا التعقيد -مؤخرًا-عدد من المحاولات للتفاهم بين بعض أطرافه، وهو ما يخلق حالة من الترقب حول إمكانية أن تخلق هذه التفاهمات فرص حقيقية لحلحلة الصراع في سوريا، أو حدوث تغييرات بشكل التحالفات الإقليمية والعربية بالداخل السوري، وفي هذا الصدد نسلط الضوء على أبرز القضايا التي تصدرت المشهد في سوريا خلال شهر نوفمبر.
أولًا: الهجمات والانتشار الميداني
تعددت الهجمات وغارات القصف بالداخل السوري خلال شهر نوفمبر، كان أكثر الهجمات تلك التي شنت من جانب إسرائيل؛ في استهداف لمواقع إيرانية، وتليها الهجمات التي شنها الجيش السوري ضد تنظيم داعش.
الهجمات الإسرائيلية على المواقع الإيرانية: بمطلع نوفمبر قدرت عدد الهجمات التي شنتها إسرائيل على سوريا بحوالي 23 غارة جوية على الأراضي السورية خلال العام الجاري استهدفت خلالها 64 هدفا في أكثر من منطقة في البلاد، وقد واصلت إسرائيل شن تلك الهجمات:
في 4 نوفمبر شنت ضربة إسرائيلية استهدفت منطقة في ريف دمشق تضم مخازن أسلحة وذخائر لميليشيات موالية لإيران، كما شنت هجمة أخرى في 8 نوفمبر، مستهدفًا بعض النقاط في المنطقتين الوسطى والساحلية في سوريا، وتكرر الهجوم الثالث في منتصف نوفمبر من خلال استهدف مواقع ومستودعات للسلاح تابعة للميليشيات الإيرانية في مدينة البوكمال الواقعة على الحدود السورية-العراقية بريف دير الزور الشرقي، وأوقعت قتلى. من ناحية أخرى رصدت وسائل إعلامية نشر إسرائيل لمنطاد في المنطقة الشمالية لرصد إطلاق الصواريخ والمسيّرات من الجبهتين الشمالية والشرقية.
وفي 24 نوفمبر تسبب قصف جوي نفذته طائرات إسرائيلية، على نقاط في مدينة حمص، بمقتل مدنيين اثنين، وإصابة 7 آخرين بينهم 6 جنود. وتعليقا على تلك الغارات قال رئيس أركان الجيش الإسرائيلي، أفيف كوخافي أن قواته تسرع الخطط العملية، وتستعد للتعامل مع أي تصعيد إيراني أو تهديد عسكري نووي.
التواجد الروسي العسكري: مازالت المناورات الروسية تدور على الأراضي السورية، وفي 1 نوفمبر القوات الروسية نفذت تدريبات في ريف محافظة الحسكة شمال شرق سوريا وسط استنفار عسكري بسبب تهديدات تركيا بشن عملية جديدة في المنطقة. كما أجرت المروحيات القتالية التابعة للجيش الروسي تدريبات عسكرية مكثفة في منطقة تل تمر شمال غرب الحسكة، ومنطقة عين عيسى شمالي محافظة الرقة.
وتعليقًا على الهجمات الإسرائيلية في 21 نوفمبر أكدت روسيا رفضها الهجمات الإسرائيلية على أراضي سوريا، لكنها اعتبرت أن الرد باستخدام القوة على هذه العمليات سيكون غير بناء.
في 22 نوفمبر قرر الجيش الروسي التحرك على ما يبدو بعد الهجمات الأخيرة لتنظيم داعش الإرهابي في منطقة البادية وما حولها في سوريا، وبحسب الجيش الروسي إن قوات تابعة له شرعت في تسيير دوريات على الخط الفاصل بين المنطقة التي تسيطر عليها قوات التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة في شرق سوريا وتلك الخاضعة لسيطرة القوات الروسية.
التواجد التركي: منذ مطلع نوفمبر وأعلنت تركيا أنها ستطلق والفصائل المسلحة السورية المتحالفة معها عملية عسكرية ضد “قوات سوريا الديمقراطية” وأكدت أنها وجهت الأوامر لفصائل المعارضة بالاستعداد للعملية، وبالفعل شنت في 3 نوفمبر قصف بري ضد قوات سوريا الديمقراطية، وفي 5 نوفمبر رصد قصف طال قرية الدردارة التابعة لبلدة تل تمر، ضمن مناطق نفوذ قوات سوريا الديمقراطية والقوات السورية.
التواجد الأمريكي: مازالت القوات الأمريكية تؤكد على موقفها من قوات “قسد”، والتواجد الأمريكي مازال يتجه نحو التخفيض في سوريا مقارنة بروسيا وتركيا وإيران ويواصل إبعاد نفسها تدريجيا من سوريا، وقد أكد البنتاغون عزمه على مواصلة استخدام آلية تفادي الصدام بين القوات الأمريكية والروسية في سوريا، مشيرا إلى أنها تعمل بنجاح
من ناحية أخرى وفي سياق التعليق على أعمال الولايات المتحدة في سوريا والتي تقول إنها قائمة على مواجهة تنظيم داعش، أفادت صحيفة نيويورك تايمز بأن القوات الأمريكية تسترت على غارة جوية شنتها في سوريا وقتل فيها عشرات المدنيين. وتسببت الغارة، التي شنتها المقاتلات الأمريكية على تنظيم الدولة الإسلامية، في مقتل 80 شخصا، 16 منهم فقط تأكد انتماؤهم للتنظيم المسلح، وقد طالبت الأمم المتحدة القوات الأمريكية بضرورة أن تتحمل المسؤولية عن الأعمال التي تؤدي إلى مقتل مدنيين.
وفي سياق متصل تعرّضت سوريا وروسيا خلال اجتماع لمنظمة حظر الأسلحة الكيميائية في لاهاي، لضغوط جديدة على خلفية اتّهامات لهما باستخدام أسلحة كيمياوية، وقال المدير العام للمنظمة فرناندو أرياس إن دمشق لم تصرّح إلى الآن عن كامل ترسانتها من الأسلحة الكيمياوية ولم تسمح للمفتشين بالعمل على أراضيها.
ثانيًا: البحث عن أرضية مشتركة لتفاهمات سياسية
أما على مستوى التفاهمات السياسي، فما زالت هناك عدد من التحركات المختلفة بين أطراف في الداخل السوري، غير أن معظم هذه التحركات ثنائية، وليست جماعية، وتتسم هذه التحركات بالبطء في ترتيبها، كما يمكن اعتبارها بداية لتبادل وجهات نظر الأطراف حول الحلول المطروحة.
في 4 نوفمبر قال وزير خارجية كازاخستان مختار الوردي، إن الاجتماع الدولي حول سوريا وفق صيغة أستانا، سيعقد في مدينة نور سلطان أواسط ديسمبر وقرر عقده بناء طلبات بهذا الخصوص، من الدول الضامنة التي طلبت تنظيم المفاوضات المقبلة لعملية أستانا ما زال العمل جاريا للاتفاق على مواعيد محددة، وسيحدث ذلك في أواسط ديسمبر.
وفي إطار البحث عن تفاهمات روسية إيرانية إسرائيلية جرت محادثات مباشرة وغير مباشرة بين الأطراف فحضر الوجود الإيراني في سوريا على طاولة مباحثات رئيس الوزراء الإسرائيلي، نفتالي بينيت، والرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، خلال لقائهما في مدينة سوتشي الروسية، في 22 نوفمبر. وهو ما قد ينذر بتوافق روسي إسرائيلي لإخراج إيران من سوريا، رغم اقتصار الحديث بعد الزيارة على مساعٍ روسية لوساطة إسرائيلية فيما يتعلق بعقوبات “قيصر” التي تعيق دخول الاستثمار الروسي إلى سوريا
من ناحية أخرى بحث وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان في طهران، مع وفد روسي يضم المبعوث الخاص للرئيس الروسي إلى سوريا، ألكسندر لافرنتييف، ومساعد وزير الخارجية الروسي، سيرغي فرشني، الأوضاع على الساحة السورية، وفيما يتعلق بالعلاقات الإيرانية السورية، في 15 نوفمبر اعترفت الخارجية الإيرانية، بصحة التقارير التي تحدثت عن طرد جواد غفاري، المعروف أيضا باسم “العميد أحمد مدني”، قائد قوة فيلق القدس التابعة للحرس الثوري الإيراني من سوريا.
واستمرارًا للانسحاب التدريجي من التفاعل مع الصراع السوري، أعلنت وزارة الخزانة الأمريكية، أنها قررت تعديل العقوبات المفروضة على سوريا لتوسع نطاق التفويض المتعلق بأنشطة منظمات غير حكومية معينة. وقالت وزارة الخزانة الأمريكية في بيان إنها عدلت القواعد الحالية الخاصة بالعقوبات السورية لتوسيع نطاق التصاريح للمنظمات غير الحكومية للمشاركة في معاملات وأنشطة معينة. كما عدلت التصريح العام للمنظمات غير الحكومية لتمكينها من المشاركة في معاملات وأنشطة إضافية لدعم الأعمال غير الهادفة للربح في سوريا.
ثالثًا: طرح عودة سوريا للجامعة العربية
تُثير التحركات التي يجريها السياسيون السوريون، مع نظرائهم العرب، الكثير من التساؤلات حول حجم التغيرات الطارئة بالعلاقات العربية السورية، وشكل المشهد السوري، وإمكانية حدوث تغييرات بشكل التحالفات الإقليمية والعربية بالداخل السوري، وهل تعود العلاقات الدبلوماسية بين سوريا وباقي الدول العربية؟ ومن ثم عودتها للجامعة العربية.
استقبل الرئيس السوري، بشار الأسد، 9 نوفمبر وزير الخارجية والتعاون الدولي الإماراتي، عبد الله بن زايد آل نهيان، بأول زيارة لمسؤول إماراتي رفيع منذ بدء الأزمة السورية قبل أكثر من 10 سنوات، ناقشا فيها العلاقات الثنائية بين البلدين الشقيقين، وتطوير التعاون الثنائي بمختلف المجالات ذات الاهتمام المشترك، وتكثيف الجهود لاستكشاف آفاق جديدة لهذا التعاون، أن وزارة الكهرباء السورية وتجمع شركات إماراتية وقعا اتفاقية تعاون لإنشاء محطة توليد كهروضوئية. وفي تفاعل عربي واسع مع الأحداث في أكد نائب رئيس الوزراء ووزير الخارجية الأردني، أن إعادة سوريا إلى الجامعة العربي قرار تتخذه كل دول المنظمة، فيما أكد رئيس الجزائر أن سوريا ستكون ضمن الدول الحاضرة في القمة العربية التي تستضيفها الجزائر، واعتبرت كلا من السعودية وقطر أن سوريا لم تقدم ما يدفع بقبول عودتها.
وأخيرًا، يمكن القول أن الأوضاع في سوريا، لم تشهد تغيرا كبيرا خلال هذا الشهر، فقد استمرت الهجمات والغارات بين الأطراف، مع كثافة الهجمات الإسرائيلية على المواقع الإيرانية، أما علي المستوي السياسية فأن التفاعلات التي تجري بين الأطراف ، وبالرغم من أنها لم تصل إلي أي مخرجات أو حتى خطوط عريضة مشتركة لكن يمكن القول أنها البداية لتبادل وجهات النظر بين الأطراف فهم واضح لطبيعة تطلعات الأطراف في هذه المرحلة وكيف يمكن التوفيق بينها.
ولا يستبعد أن تنتج عن هذه المشاورات إعادة صياغة التحالفات ووجهات النظر بين الأطراف المنغمسين في الصراع، خصوصا في ظل هدوء الموقف الأمريكي، والتحديات التي تواجه الموقف الإيراني، وحاجة النظام السوري للتقارب العربي.
وفيما يتعلق بعودة سوريا للجامعة العربية فلا شك أن الملف السوري من أكثر الملفات تعقيدًا بالمنطقة العربية؛ لتعدد أطراف الصراع بالداخل السوري؛ ما يجعل إعادة تشكيله وتوجيهه، وإحداث تغيرات فيه، وتوفيق أوضاع ومصالح الأطراف العربية بين بعضهم، أمرًا يستغرق وقتًا من المفاوضات، لكن يظل غير مستبعد، كما يرجح نجاح المجهودات العربية تدريجيًا، بإعادة سوريا للمحيط العربي، لكنه سيستغرق وقتًا طويلًا، ومجهودات سياسية مكثفة بين الأطراف المختلفة، قد يتم التمهيد لهذه المجهودات، إطار من التعاون الاقتصادي.
الأزمة اللبنانية
دخل لبنان في أزمة مفتوحة منذ بداية شهر نوفمبر مع الدول الخليجية التي تعتبر السوق الأساسية لمعظم صادراته بفعل تصريحات غير مسؤولة أدلى بها وزير الإعلام جورج قرداحي انتقد فيها التحالف العسكري الذي تقوده المملكة العربية السعودية ضد ميليشيا الحوثي في اليمن.
وجد وزير الإعلام اللبناني جورج قرداحي نفسه في قلب أزمة دبلوماسية وسياسية، حيث اتخذت العديد من دول الخليج إجراءات بحق لبنان، لما اعتبرته “إساءة” و”تحيز” بحق السعودية، فضلا عن ازدياد الانقسامات الداخلية في لبنان بين مؤيد ومعارض لتلك التصريحات.
أولا: عزلة عربية وانقسامات داخلية
وجدت لبنان نفسها في أزمة دبلوماسية غير مسبوقة، حيث لم تصل علاقة لبنان مع دول الخليج، إلى هذا المستوى من التراجع. ولعل أبرز ردود الأفعال الخليجية الخارجية والداخلية المتعلقة بتصريحات قرداحي كالآتي:
- ردود الأفعال الخليجية
- المملكة العربية السعودية
قامت المملكة العربية السعودية باستدعاء سفيرها في لبنان للتشاور، وكذلك طلبت من سفير لبنان لدى المملكة المغادر، كما قررت السعودية أيضا “وقف كافة الواردات اللبنانية إلى المملكة، وقررت اتخاذ عدد من الإجراءات الأخرى لتحقيق تلك الأهداف. وجاء في البيان الرسمي بهذا الصدد بأنه حرصاً على سلامة المواطنين في ظل ازدياد حالة عدم استقرار الأوضاع الأمنية في لبنان فإن حكومة المملكة تؤكد على ما سبق أن صدر بخصوص منع سفر المواطنين إلى لبنان”، مؤكدة “حرصها على المواطنين اللبنانيين المقيمين في المملكة، وأنها لا تعتبر أن ما يصدر عن السلطات اللبنانية معبرا عن مواقف الجالية اللبنانية المقيمة في المملكة”.
- الإمارات
استنكرت الخارجية الإماراتية تصريحات قرداحي واستدعت سفير لبنان لدى الإمارات وأبلغته احتجاجها واستنكارها على هذه التصريحات، كما قامت بسحب دبلوماسييها لدى بيروت، وأصدرت قرارا بمنع مواطنيها من السفر إلى لبنان، فيما أشار وزير الدولة الإماراتي، خليفة شاهين المرر، إلى “استمرارية العمل في القسم القنصلي ومركز التأشيرات في بعثة الدولة لدى بيروت خلال الفترة الحالية”، بينما أكدت وكالة الأنباء الإماراتية أن “الدولة قررت منع مواطنيها من السفر إلى جمهورية لبنان.”
- البحرين
طلبت وزارة الخارجية البحرينية، من السفير اللبناني في المنامة مغادرة المملكة، وقالت الخارجية في بيان إن قرارها يأتي “على خلفية سلسلة التصريحات والمواقف المرفوضة والمسيئة التي صدرت عن مسؤولين لبنانيين في الآونة الأخيرة”، موضحة أن “هذا القرار لا يمس بالأشقاء اللبنانيين المقيمين في المملكة”.
- قطر
أعربت وزارة الخارجية القطرية عن استنكارها لتصريحات جورج قرداحي بشأن اليمن، داعية الحكومة اللبنانية إلى اتخاذ “إجراءات رأب الصدع بين الأشقاء”، مؤكدة أن “موقف وزير الإعلام اللبناني الجديد غير مسؤول تجاه بلده وتجاه القضايا العربية على حد سواء”.
- الكويت
استدعت الخارجية الكويتية، سفيرها من لبنان، وطلبت من القائم بالأعمال اللبناني لديها مغادرة أراضيها، لافتة إلى أن “قرارها حول لبنان جاء بسبب استمرار التصريحات السلبية من المسؤولين اللبنانيين، واستنادا للعلاقة التاريخية والروابط بين الكويت والسعودية”.
- سلطنة عمان
أعربت وزارة الخارجية العمانية عن ” أسفها العميق” لتأزم العلاقات بين لبنان وعدد من الدول الخليجية، وقالت وزارة الخارجية العمانية في بيان إنها “تدعو الجميع إلى ضبط النفس والعمل على تجنب التصعيد ومعالجة الخلافات عبر الحوار والتفاهم بما يحفظ للدول وشعوبها الشقيقة مصالحها العليا في الأمن والاستقرار والتعاون القائم على الاحترام المتبادل وعدم التدخل في الشؤون الداخلية”.
- اليمن
أما اليمن، سلم سفير اليمن لدى بيروت، عبد الله الدعيس، أمين عام وزارة الخارجية اللبنانية، هاني شميطلي، رسالة احتجاج على التصريحات التي أدلى بها جورج قرداحي، وأعربت الخارجية اليمنية في رسالة الاحتجاج عن استغرابها الشديد من هذه التصريحات “التي تسيء للعلاقات اليمنية اللبنانية، وتتناسى جرائم الميليشيات الحوثية ضد الشعب اليمني وانقلابها على الحكومة الشرعية ومحاولاتها الاستيلاء على السلطة بالقوة المسلحة، واستمرار رفضها لكل دعوات السلام، في تحد واضح للقرارات الأممية كافة”.
- انقسامات في الداخل اللبناني
ازدادت الانقسامات في الداخل اللبناني على خلفية تصريحات قرداحي بين مؤيد ومعارض، حيث أبدى الرئيس اللبناني ميشال عون حرصه على إقامة أفضل علاقات ممكنة مع المملكة العربية السعودية، وأكد عون في بيان نشرته الرئاسة “حرصه على إقامة أفضل وأطيب العلاقات مع المملكة العربية السعودية الشقيقة، ومأسسة هذه العلاقات وترسيخها من خلال توقيع الاتفاقات الثنائية بين البلدين الشقيقين، بحيث لا تؤثر عليها المواقف والآراء التي تصدر عن البعض ولا تتسبب في أزمة بين البلدين، لا سيما وأن مثل هذا الأمر تكرر أكثر من مرة”، مشددا على ضرورة أن “يكون التواصل بين البلدين في المستوى الذي يطمح اليه لبنان في علاقاته مع المملكة ومع سائر دول الخليج”.
بينما أكد رئيس وزراء لبنان نجيب ميقاتي عن أسفه من إجراءات السعودية إزاء بلاده، وقال إنه يجري اتصالات للمساعدة في تهدئة الأزمة مع السعودية، مؤكدا أن “موقف وزير الإعلام جورج قرداحي، الذي أعلنه قبل توليه مهامه الوزارية، لا يمثل رأي الحكومة”، كما ناشد ميقاتي “القادة العرب العمل والمساعدة على تجاوز هذه الأزمة من أجل الحفاظ على التماسك العربي في هذه الظروف الدقيقة”، وأشار إلى أن حكومته مستمرة “في إجراء الاتصالات لمعالجة الأزمة وتداعياتها”.
وعلى الجانب الأخر في الداخل اللبناني ومن المؤيدين لتصريحات قرداحي، أكد رئيس تيار “المردة” اللبناني، سليمان فرنجية، أن جورج قرداحي، عرض عليه استقالته، إلا أنه رفض ذلك، مؤكدا على أنه لم يرتكب أي خطأ، ومعربا عن تمنياته بـ “الاستمرار بأفضل العلاقات مع الدول العربية”.
وفي المضاد، أصدر تيار “المستقبل” في لبنان بيانا شديد اللهجة، انتقد فيه “تطاول حزب الله على الأشقاء العرب وتعريضه مصالح لبنان للخطر”، في حين حمل رئيس الوزراء اللبناني الأسبق، سعد الحريري، “حزب الله” المسؤولية عن التوتر الحاد الذي نشب بين لبنان والسعودية، متهما إياه بـ “إشهار العداء للعرب ودول الخليج العربي”.
كما اتهم النائب محمد رعد، رئيس كتلة “الوفاء للمقاومة” الممثلة لـ “حزب الله” اللبناني، السعودية بمحاولة تعطيل الانتخابات النيابية اللبنانية وتخريب الاستقرار الذي عاد إلى لبنان، كما كان “حزب الله” قد أشاد بـ “الموقف الشجاع والشريف” الذي اتخذه وزير الإعلام جورج قرداحي بخصوص اليمن، والذي قوبل بردود فعل متباينة، مؤكدا أنه “يرفض بشكل قاطع أي دعوة إلى إقالة الوزير قرداحي أو دفعه إلى الاستقالة”، ووصف تلك الدعوات بأنها “اعتداء سافر على لبنان وكرامته وسيادته”.
ثانيا: الأزمة الاقتصادية في وضع حرج
تعاني لبنان من أزمة اقتصادية صنفها البنك الدولي ضمن أسوأ 3 أزمات اقتصادية في العالم، وفي هذا الصدد، أثرت تداعيات التصريحات على الصناعة اللبنانية والمنتجات الغذائية والزراعية في أمس وقت تحتاجه لبنان، لإنعاش اقتصادها من جديد.
جاء الانخفاض الملحوظ لسعر صرف الليرة اللبنانية، أمام الدولار بالسوق غير الرسمية، وذلك غداة تفاقم الأزمة الدبلوماسية بين لبنان من جهة والمملكة العربية السعودية ودول الخليج من جهة أخرى. فبلغ متوسط سعر صرف الدولار الأمريكي في بداية هذا الشهر 21 ألفا و300 ليرة لبنانية لكل دولار بزيادة تتجاوز الـ 1100 ليرة عن متوسط السعر يوم الجمعة الموافق 29 أكتوبر.
وفي 12 نوفمبر تخطى سعر الصرف عتبة الـ 23 ألف ليرة للمرة الأولى منذ يوليو إبان اعتذار سعد الحريري عن تشكيل الحكومة ثم عاد ليتأرجح سعر الصرف ما بين 22 ألفا و23 ألفا ليتسارع التدهور اعتبارا من مطلع الأسبوع الأخير لهذا الشهر مسجلا 24 ألفا، ومن ثم تخطى يوم الجمعة الموافق 26 نوفمبر إلى 25 ألف.
ويأتي تسجيل سعر الصرف القياسي هذا بعد تدهور مستمر منذ سبتمبر، حين اقترب سعر الصرف من 15 ألفا مقابل الدولار بعد الإعلان عن تشكيل حكومة جديدة برئاسة نجيب ميقاتي، في خطوة جاءت بعد أكثر من عام من شلل سياسي، إثر استقالة الحكومة السابقة بعد أيام من انفجار مرفأ بيروت المروع في أغسطس 2020.
لكن التحسن لم يطل كثيرا، وعادت الليرة لتخسر المزيد من قيمتها تدريجيا مع استمرار تداعيات الانهيار الاقتصادي وغياب أي خطط إصلاحية واضحة.
والأسوأ، بأن يؤدي القرار السعودي بوقف كافة الواردات اللبنانية إلى قرارات مماثلة من دول خليجية أخرى، فطبقا لإحصائيات عام 2018، بلغت صادرات لبنان إلى الإمارات 450 مليون دولار، فيما بلغت الصادرات إلى السعودية 212 مليون دولار، أي تشكل كلا الدولتان 23 % من إجمالي صادرات لبنان.
وقف الصادرات من لبنان إلى المملكة العربية السعودية أو الإمارات العربية المتحدة سيشكل تحدي اقتصادي شديد للقطاعات الإنتاجية في البلاد، وخاصة الزراعة والصناعة. وتباعاً بالنسبة لمجال الاستثمارات، يوجد العديد من رجال الأعمال السعوديين المستثمرون في لبنان، لا سيما في قطاعات السياحة والفنادق والإعلام وقطاعات أخرى، فمن المحتمل بأن يتم وقف تلك الاستثمارات التي شكلت حافزا لزيادة الناتج المحلي، وبالتالي فإن توقفها يعني خسارة تلك الأموال، مما يؤدي إلى انخفاض إضافي في وفرة النقد الأجنبي.
وبحسب الخبراء الاقتصاديين، فإن خسارة لبنان لـ 1.2 مليار دولار من الصادرات له انعكاسات سلبية على العمال والصناعيين والتجار والمزارعين، فلبنان عاجز عن إيجاد سوق بديلة للبضائع التي كانت تصدر إلى دول الخليج، وهذا ما سيؤدي إلى كساد البضائع من جهة وتلف الخضار والفواكه من جهة أخرى.
وعلى الهامش واصلت الحكومة اللبنانية مع فرنسا من أجل الوساطة، حيث كشفت مصادر دبلوماسية أن فرنسا طلبت من الحكومة اللبنانية عدم الاستقالة تجنبا لتداعيات الاستقالة على الانتخابات النيابية التي عول عليها المجتمع الدولي لإحداث التغيير، حيث من المتوقع بأن صندوق النقد الدولي لن يمنح لبنان أي أموال قبل إجراء الانتخابات النيابية وبشروطه أي بالاستعانة بمئات المراقبين الدوليين، كما حصل في العراق.
ثالثا: إدراج حزب الله على قوائم الإرهاب
ومن أبرز أحداث هذا الشهر أيضا هو إعلان استراليا عن وضع حزب الله اللبناني بجناحيه السياسي والعسكري على قوائم الإرهاب في خطوة وصفها مراقبون بأنها ستوسع دائرة القيود المفروضة عليه عالميا.
واتجهت التوقعات نحو مزيد من الإجراءات الحاسمة ضد حزب الله اللبناني خلال الفترة المقبلة، خاصة في القارة الأوروبية.
وقالت وزيرة الداخلية الأسترالية، كارين أندروز، إن التنظيم المسلح المدعوم من إيران “يواصل التهديد بشن هجمات إرهابية وتقديم الدعم للمنظمات الإرهابية”، ويشكل تهديدا “حقيقيا” و”موثوقا به” لأستراليا.
وقال مدير المركز الأوروبي لدراسات مكافحة الإرهاب والاستخبارات جاسم محمد إن هناك قلقا متزايدا لدى الدول الأوروبية بوجه عام من خطورة تنامي العمليات الإرهابية لحزب الله. وأضاف أن دول الاتحاد الأوروبي تصنف الجناح العسكري “إرهابيا”، لكن الإجراءات المرتقبة تتمثل في إعلان حظر كامل للجناحين السياسي والعسكري.
ووفق التقديرات، يشكل حزب الله تهديدا خطيرا لأوروبا بالتزامن مع تزايد مطالبات بعض دول أوروبا إلى جانب الولايات المتحدة بحظر الحزب بالكامل أي بجناحيه السياسي والعسكري، حيث ترى دول كالنمسا وهولندا أن التمييز بين الجناحين السياسي والعسكري سياسة خاطئة.
وكانت واشنطن دعت الأمم المتحدة إلى ضرورة إدراج حزب الله اللبناني بجناحيه السياسي والعسكري على قوائم الإرهاب، كما دعا المشرعون الأميركيون الاتحاد الأوروبي للعمل على إصدار قرار بتصنيف حزب الله منظمة إرهابية بالكامل، علما بأن الولايات المتحدة كانت قد صنفت الحزب منظمة إرهابية منذ عام 1997.
وفي يناير عام 2020، صنفت وزارة الخزانة البريطانية حزب الله بجميع أجنحته جماعة إرهابية، كما قررت تجميد أرصدته، ولم تقف بريطانيا وحدها في خط المواجهة مع شبكات حزب الله في أوروبا، حيث اتخذت الداخلية الألمانية قرارا بحظر الحزب بجناحيه العسكري والسياسي.
وحظرت النمسا نشاط حزب الله اللبناني واعتبرته منظمة إرهابية، بجناحيه السياسي والعسكري، متجاوزة في ذلك سياسة الاتحاد الأوروبي التي تكتفي بحظر الذراع العسكرية فقط. وقال وزير الخارجية النمساوي ألكسندر شالنبرغ إن “هذه الخطوة تعكس واقع الجماعة نفسها التي لا تميز بين الذراع العسكرية والسياسية”.
رحبت وزارة الخارجية الأميركية، بإعلان أستراليا عزمها تصنيف “حزب الله” كاملا منظمة إرهابية. وأكدت الخارجية الأميركية، أن “حزب الله منظمة إرهابية خطيرة تهدد المجتمع الدولي، وتقوض سيادة الجمهورية اللبنانية”. كما أكدت واشنطن أن “قدرات حزب الله العسكرية، فضلا عن آليته الدعائية وشبكاته المالية الفاسدة، تشكل عقبات رئيسية أمام السلام والاستقرار في لبنان والشرق الأوسط”.
وجاء رد “حزب الله” اللبناني على قرار السلطات الأسترالية بتصنيف الحزب بجناحيه السياسي والعسكري منظمة إرهابية، معتبرا أنه “انصياع للإملاءات الأمريكية والصهيونية”. وقال “حزب الله” في بيان: “ندين بشدة قرار السلطات الأسترالية تصنيف “حزب الله” بأسره منظمة ارهابية ويعتبره انصياعا ذليلا للإملاءات الاميركية والصهيونية وانخراطا أعمى في خدمة المصالح الإسرائيلية وسياستها القائمة على الإرهاب والقتل والمجازر”.
كما اعتبر الأمين العام لحزب الله اللبناني حسن نصر الله أن وضع الحزب على لوائح الإرهاب قد يكون مرتبطا بتطورات المنطقة أو الانتخابات النيابية 2022.
رابعا: بوادر انفراج الأزمة اللبنانية الخليجية
أعلن جورج قرادحي أعلن يوم الجمعة الموافق 3 ديسمبر، رسميا، استقالته من منصبه “حرصا على مصلحة بلدي وأهل بلدي، ولأنني لا أقبل أن أكون سببا لأذية اللبنانيين في السعودية والخليج”.
ورأى الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، أن استقالة وزير الإعلام اللبناني جورج قرداحي، ستساهم باستئناف الحوار بين لبنان والدول العربية عامة والسعودية بشكل خاص.
وأضاف ماكرون أنه يأمل أن تساعد محادثاته مع ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان في حل الخلافات التي أثارتها تصريحات القرداحي، وأن يكون قادرا على إعادة إشراك جميع دول الخليج مع لبنان لمساعدتهم على خروج لبنان من أزمته.
وصرح ماكرون قبيل مغادرته السعودية في ختام جولة خليجية قصيرة، بأن السعودية ولبنان يريدان الانخراط بشكل كامل من أجل “إعادة تواصل العلاقة” بين البلدين في أعقاب الخلاف الدبلوماسي الأخير.
في نهاية القول، أشارت تلك الأجواء المشتعلة سواء في الخارج أو الداخل اللبناني، بأن الوضع السياسي والاقتصادي المتأزم في لبنان ما هو إلا مؤشر على أن بيروت تنعزل بعيدا عن العرب، إذا مالم يتم احتواء الوضع بشكل سريع، وأخطر ما كان في تداعيات تصريحات قرداحي، هو تزامنها مع وضع لبنان الحرج اقتصاديا وأمنيا، ففضلا عن ردود الفعل الخارجية الرسمية والداخلية التي خلقت نوعا من الأزمة الدبلوماسية، طالت تداعيات الأزمة الاقتصاد المنهار. فلبنان يخسر الدولار النقدي في وقت هو بحاجة لكل دولار لتجنب مزيد من انهيار النقد الوطني وتعزيز موجوداته من العملة الصعبة.
ولكن مع استقالة القرداحي الحديثة، من المتوقع بأن تشهد الفترة المقبلة حالة من الهدوء النسبي بين دول الخليج ولبنان، بالتالي قد يكون هناك بوادر لتحسن حالة الاقتصاد اللبناني المنهار.
حالة الصراع الليبي
مع اقتراب الانتخابات الليبية يوم 24 ديسمبر القادم، والتي ستمثل علامة فارقة لمستقبل البلاد، إلا أنه مازال يوجد خلاف حول عدة ملفات، لعل من أهمها ملف انسحاب المرتزقة والقوات الأجنبية وملف الانتخابات، اللذان حصلا على حيز كبير من التصريحات المحلية والإقليمية والدولية.
أولًا: ملف انسحاب المرتزقة القوات الأجنبية
لا تزال معضلة انسحاب المرتزقة والقوات الأجنبية الشغل الشاغل والقضية المقلقة لكل الأطراف الفاعلة بالبلاد، سواء المحلية أو الدولية، ومازالت تمثل التحدي الأول والأهم الذي تُواجهه الانتخابات الرئاسية، وهو أمر يُصعِّب من مهمة إجرائها، ومن فرص احترام نتائجها، ورغم أن هناك جهودًا تُبذل لحل هذه المشكلة، سواء فيما يتعلق بالمرتزقة الأفارقة الذين يحاربون مع الشرق والغرب على السواء، أو المرتزقة الذين جلبتهم تركيا من سوريا، أو مرتزقة فاجنر الروسية، وهي مشكلة لم تُحل بعد رغم الجهود المبذولة لسحب هؤلاء.
تم عقْد اجتماع جديد للجنة العسكرية الليبية المشتركة “5+5” في تونس بالنصف الأخير لهذا الشهر؛ لبحث ملف إخراج المرتزقة والقوات الأجنبية من ليبيا، وتوصلت لاتفاق مع ممثلي الدول الثلاث بـ “إنشاء آلية اتصال وتنسيق فعالة لدعم تنفيذ خطة عملها بشأن خروج المرتزقة والمقاتلين الأجانب والقوات الأجنبية من الأراضي الليبية في عملية تدريجية ومتوازنة ومتزامنة ومتسلسلة”، حسب بيان سابق لبعثة الأمم المتحدة للدعم لدى ليبيا،
كما يُذكر أن اللجنة عقدت اجتماعًا في مطلع الشهر الجاري بالقاهرة مع ممثلي دول (السودان وتشاد والنيجر) وباستضافة من (مصر) وبتيسير من بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا، وبحضور رئيس البعثة، يان كوبیش؛ للتشاور ووضع آلية للتواصل والتنسيق؛ لإيجاد أرضية مشتركة تمكِّن هذه الدول من التعاون المشترك؛ للبدء بخطوات عملية على الأرض لخروج كافة المرتزقة والمقاتلين الأجانب الذين ينتمون لتلك الدول، بشكل يضمن استقرار الدولة الليبية وكافة دول الجوار.
وفي زيارة سابقة لرئيس المجلس الرئاسي الليبي محمد المنفي للقاهرة، صرح المتحدث باسم رئاسة الجمهورية في مصر بسام راضي، أن الرئيس السيسي يأمل بإجراء الانتخابات الوطنية بموعدها المقرر في ديسمبر 2021؛ ما أعطى رسائل إيجابية حول دعم المجلس الرئاسي في ليبيا للعملية الديمقراطية، والتزامه بتنفيذ بنود خارطة الطريق الوطنية، رغم تعدد التحديات الداخلية في هذا الشأن، ومجددًا التأكيد على دعم مصر الكامل للمسار السياسي لتسوية الأزمة الليبية، والحرص على تعزيز التنسيق الوثيق مع الجانب الليبي خلال الفترة الحالية في هذا الشأن، كما شدد الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي بضرورة إنهاء كافة التدخلات الأجنبية في ليبيا، والحفاظ على وحدة الأراضي الليبية واستعادة الأمن والاستقرار فيها.
ثانيًا: ملف الانتخابات
الاستعدادات للانتخابات الليبية تتواصل على أكثر من صعيد، في وقتٍ حسمت المفوضية العليا للانتخابات بأن لا نيّة للتأجيل.
فمن التحديات التي تواجه الانتخابات الرئاسية الليبية المزمع عقدها في 24 ديسمبر المقبل، والتي تشد أنظار العالم إلى تفاصيل سير العملية سواء حول الأسماء التي ترشحت أو مدى تطابق ملفاتهم مع قانون الانتخابات؛ حيث ترشح كل من سيف الإسلام القذافي، نجل الرئيس الليبي الراحل معمر القذافي، والقائد العسكري خليفة حفتر، ورفض الميليشيات المسلحة لهما، ورفض بعض المكونات السياسية لقوانين الانتخابات التي تسمح بقبول المرشحين، إضافةً للتدخلات الدولية.
وبالرغم من الضغط الدولي والإقليمي على ضرورة إجراء الانتخابات القادمة في موعدها، لاتزال هناك بعض الاختلافات بين الفرقاء الليبيين لعرقلة العملية الانتخابية، فأعلن عضو المجلس الرئاسي عبد الله لافي عن مبادرة لتأجيل موعد الانتخابات إلى شهر مارس من العام المقبل، واعتبرها زملاؤه في المجلس الرئاسي مبادرة شخصية لا تُعبر عن المجلس ككل.
جدال حول تعديل قانون الانتخابات
يعد إغلاق ملف القوانين الانتخابية والنزاع المحتدم بشأنها بين الأفرقاء السياسيين في الساحة الليبية خطوة جديدة تدعم فرص إجراء الانتخابات في موعدها المحدد، لكنه لا ينهي احتمال تقويضها من أطراف لم تُرضها التشريعات التي تشكل القاعدة القانونية التي ستدار بموجبها العملية الانتخابية.
هذه الاعتراضات التي جلها يأتي من المعسكر السياسي في الغرب الليبي، زادت حدتها بعد أن نسفت هذه القوانين الانتخابية التي اعتمدتها المفوضية فرص المشاركة في الانتخابات الرئاسية لرئيس الحكومة الحالي عبد الحميد الدبيبة، أقوى المرشحين الذين كان يتجهز هذا المعسكر للاجتماع على دعمه؛ لمواجهة قائد الجيش في بنغازي خليفة حفتر وسيف الإسلام القذافي.
ومع إصرار المفوضية العليا للانتخابات ومجلس النواب في طبرق على إجراء الانتخابات دون أي تعديل على قانون الانتخابات، الذي اتفقا على نصوصه بعد مشاورات طويلة، يبدو أن الرافضين لهذا القانون يتأهبون للمواجهة القانونية بالطعن عليه في المحكمة العليا؛ ما قد يشكل ضغطًا جديدًا على الجدول الزمني الضيق، الذي يعد الهاجس الأول للمفوضية الانتخابية في المرحلة الحالية.
ويدور الخلاف القانوني حول المادة 12 من القانون الانتخابي، التي تمنع شاغلي المناصب السيادية في الدولة حاليًا من الترشح للانتخابات الرئاسية، إذا لم يجمدوا مهامهم قبل موعد الانتخابات بثلاثة أشهر؛ ما يحرم أسماء بارزة من المشاركة فيها، وعلى رأسهم رئيس الوزراء عبد الحميد الدبيبة والذي وصف بأن قانون الانتخابات “معيبًا”.
لم يكن رئيس الوزراء عبد الحميد الدبيبة وحلفاؤه الطرف الوحيد المعترض على فتح باب الترشح للانتخابات وفق التشريعات التي أعلنتها المفوضية العليا، بل انضمت إليهم شريحة واسعة من الطيف السياسي في (مصراتة وطرابلس)، وأبرزهم جماعة الإخوان المسلمين، التي علق القيادي البارز فيها، عبدالرزاق العرادي، على فتح المفوضية باب الترشح للانتخابات وفق القوانين التي أعدها البرلمان، قائلًا: “أتفهم موقف الذين رحبوا بإعلان المفوضية فتح باب الترشح، لكنني لا أتفق معهم”، وأضاف، “عليهم أن يعوا أنهم من أجل مصلحة ارتأوها داسوا على الاتفاق السياسي وقبلوا بالقوانين المعيبة، مع أنهم يعلمون أنها صُممت على مقاس أطراف، ومنعت أطرافًا أخرى من المشاركة”.
المراجعة القضائية للترشحات الرئاسية
تدعم سفارات فرنسا وألمانيا وإيطاليا والمملكة المتحدة والولايات المتحدة الأمريكية المراجعة القضائية للترشحات إلى الانتخابات الرئاسية في ليبيا؛ حيث يوجد مخاوف دولية وإقليمية من أن يصبح مرشح متورط في جرائم ضد الإنسانية رئيسًا لليبيا، وجاء ذلك القرار بعد ترشح عدد من الأسماء التي قد تؤثر على استقرار البلاد المرهون بالعملية الانتخابية المقبلة.
وتسارعت التطورات حول الانتخابات الليبية الرئاسية باستبعاد سيف الإسلام القذافي من قائمة المرشحين الأولية ضمن 25 آخرين، ومحاولة إخراج المشير خليفة حفتر.
وبالرغم من تصريح مصدر بالمفوضية الليبية العليا للانتخابات في وقت سابق، بأن إجراء الاستبعاد “أولي ويمكن الطعن فيه”، إلا أن بعض أنصار نجل القذافي سيف الإسلام أحرقوا بطاقاتهم الانتخابية؛ احتجاجًا على استبعاده.
لذلك أعربت الولايات المتحدة عن مخاوفها من أعمال العنف المرتبطة بالانتخابات المرتقبة في ليبيا، بعد أنباء عن منع مسلحين سيف الإسلام القذافي من الطعن على استبعاده من السباق الرئاسي، بعد شنِّهم هجومًا على محكمة الاستئناف؛ حيث كان من المقرر إعادة النظر في قرار سابق، قضى بإقصاء سيف الإسلام القذافي من الترشح للرئاسة.
كما أعلن مستشار وزارة الخارجية الأمريكية جيفري ديلورينتيس، أن “التدخل في الانتخابات الليبية أو استخدام العنف قد يؤدي لفرض عقوبات من قبل مجلس الأمن الدولي”، فالتهديد بمقاطعة الانتخابات لن يعزز السلام، وعلى مجلس الأمن محاسبة معرقليها.
وفي وقت لاحق، قامت المباحث الجنائية الليبية بتوجيه رسالة للمفوضية العليا للانتخابات، باستبعاد المشير خليفة حفتر من قائمة المترشحين للانتخابات الرئاسية، ورفضت لجنة الطعون الابتدائية بمحكمة استئناف بنغازي الليبية الطعن المقدم من المرشح الرئاسي عبد المجيد سيف النصر ضد ترشح نظيره خليفة حفتر.
وعلى صعيد آخر، أصدر القضاء الليبي في نهاية الشهر الجاري قرارًا لإسقاط ترشيح رئيس الوزراء، عبد الحميد الدبيبة، في الانتخابات الرئاسية، وسبق أن تلقت السلطات القضائية طعنيْن ضد ترشح الدبيبة، واحد من قبل وزير الداخلية السابق، فتحي باشاغا، وآخر من المترشحين للرئاسة الليبية، رئيس تكتل “إحياء ليبيا”، عارف النايض، ورجل الأعمال، محمد المنتصر، ووزير التعليم العالي السابق، عثمان عبد الجليل، وعضو مجلس النواب الليبي، السيدة اليعقوبي، وعضو ملتقى الحوار السياسي، أحمد الشركسي.
تدخلات دولية
إن “معاهدة “كيرينالي” التي وقعتها فرنسا وإيطاليا في هذا الشهر للتعامل مع التحديات الإستراتيجية بجنوب أوروبا ومنطقة البحر المتوسط، هدفها استعادة النفوذ الأوروبي في ليبيا، من خلال دعم إجراء الانتخابات في ديسمبر المقبل؛ حيث أشار عضو مجلس النواب الليبي جبريل أوحيدة إلى أن “إيطاليا وفرنسا، وبتوافق أمريكي، تحاولان الدفع باتجاه تغيير المشهد السياسي، من خلال إجراء الانتخابات في موعدها، وإفراز وجوه جديدة، في مقابل عرقلة تركيا وروسيا لهذا التوجه من خلف الستار”، موضحًا أن “هناك أصواتًا تنادي بتأجيل الانتخابات، وهو ما سيعرقل المساعي (الأوروبية –الأمريكية)، بالرغم من أن ليبيا أمامها خيارات محددة بشأن الانتخابات”.
يُذكر أن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، الذي وقع المعاهدة مع رئيس الوزراء الإيطالي، ماريو دراغي، أكد على أن هذه المعاهدة ستلعب دورًا في مواجهة أزمة ليبيا، فضلًا عن تعزيز القدرات الدفاعية الأوروبية
ختامًا، تواجه ليبيا اختبارًا حقيقيًّا مع اختيارات محدودة، فمن المقرر أن تجري ليبيا الجولة الأولى من الانتخابات الرئاسية في 24 ديسمبر المقبل، بعد سنوات من المحاولات بقيادة الأمم المتحدة؛ لإنهاء الحرب الأهلية وتحقيق الاستقرار السياسي في البلاد، وأعلنت مفوضية الانتخابات الليبية، أن القائمة الأولية للمترشحين في الاستحقاق الرئاسي ضمت 73 شخصًا بينهم قائد “الجيش الوطني الليبي”، خليفة حفتر، ورئيس مجلس النواب، عقيلة صالح، ورئيس حكومة الوحدة الوطنية المؤقتة، عبد الحميد الدبيبة.
ومع ذلك، فإن التصويت المقبل يواجه العديد من التحديات، بما في ذلك القضايا العالقة بشأن القوانين المنظمة للانتخابات، والاقتتال الداخلي بين الجماعات المسلحة بين الحين والآخر، وتشمل العقبات الأخرى الخلاف العميق الذي ما زال قائمًا بين شرق البلاد وغربها ووجود الآلاف من المقاتلين والقوات الأجنبية.
الخاتمة والاستنتاجات
من خلال استعراض أهم المجريات في مناطق الصراع في الشرق الأوسط وأفريقيا (القرن الإفريقي تحديدًا)، نجد أن ديناميات الصراع مازالت تدور وتؤثر على الأوضاع في هذه البلدان فعلى سبيل المثال مازالت كلًا من (إثيوبيا- اليمن- جنوب السودان- لبنان) تشهد تصاعدًا في الأحداث بشكل كبير أدى إلى تعطيل جهود التسوية وحل النزاع، كما أثر بالتأكيد على الوضع الإنساني والصحي لهذه المناطق، فمثلًا جنوب السودان فما زالت تشهد تصاعدًا في القتال العشائري وسوء الأوضاع الصحية في العديد من المقاطعات، بالإضافة إلى تأثرها بالأحداث التي يشهدها السودان على المستوى الاقتصادي، دون وجود تحركات جدية إلا في بعض المقاطعات من أجل احتواء الوضع ومنع تأجيج الصراع، فمازالت الدولة تشهد المزيد من القتال العشائري في العديد من مناطقها، كما أن التحركات فيما يخص الاستعداد للانتخابات لا تتم على مستوى مركزي بل على مستوى بعض المقاطعات فقط، وهذا ما يقودنا إلى الحديث حول عدم وضوح إمكانية خوض الانتخابات في ظل التحركات المحدودة؟ وعلى الجانب الإثيوبي، من خلال قراءة المشهد الحالي يتضح أن جهود التسوية في إثيوبيا متوقفة بسبب تمسك كل طرف من أطراف الصراع بوجهة نظره ومطالبه، وبالتالي فكان من الصعب إيجاد أرضية مشتركة يمكن البناء عليها لحل أو تسوية الصراع إلا بعد فترة ليست قصيرة، كما أن التوترات الداخلية في إثيوبيا أدت أيضًا إلى توقف المفاوضات بشأن قضية “سد النهضة”، ومؤخرًا بسبب التحركات التي شهدها السودان تعثر الاستمرار في المفاوضات.
بالنسبة لليمن فمازالت هجمات الحوثيين مستمرة كما أن الجهود الدولية والاممية لم تستطيع الوصول إلى تسوية لوقف النزاع، ما يجعلنا القول بأن إن تصعيد الحرب الأهلية نتيجة تمرد الحوثيين المستمر ما هو إلا تصعيد خطير يؤكد من جديد تحدي جماعة الحوثيين السافر لإرادة المجتمع الدولي، ومع الدعم الإيراني الذي يعزز من قوة الجماعة، يؤدي إلى تقويض جهود التهدئة ورفع وتيرة الصراع في اليمن والمنطقة، واستمرار المعاناة الإنسانية المتفاقمة لليمنيين.: إعادة التموضع بين مأرب والحديدة، وكذلك الحال بالنسبة للبنان فقد شهدت أجواءً مشتعلة بعد تصريحات “جورج قرداحي” والتي تم على أثرها التأثير على القطاعات الحيوية للدولة، وهو ما يطيل أمد الصراع كما سبقت الإشارة، ولكن مع استقالة القرداحي، من المتوقع بأن تشهد الفترة المقبلة حالة من الهدوء النسبي بين دول الخليج ولبنان، بالتالي قد يكون هناك بوادر لتحسن حالة الاقتصاد اللبناني المنهار.
وعلى الجانب الآخر نجد أن السودان شهد تحركات هامة منذ أواخر شهر أكتوبر واستمرت حتى نهاية شهر نوفمبر، تم على آثرها تشكيل المجلس السيادي وإعادة “عبد الله حمدوك” لرئاسة الحكومة الحالية، واستمر العمل بالوثيقة الدستورية مع الوعد بإجراء الانتخابات في وقتها 2023، إن المشهد يكاد يقترب من الاكتمال إذا ما تحدثنا عن مرحلة انتقالية؛ لذا فيمكننا القول: إن الوضع قد يتخذ عدة مسارات، منها الخطير والذي يقضي بالاتجاه نحو الاستقرار وعمل التعديلات اللازمة في الفترة الانتقالية ومحاولة تنفيذ بنود الوثيقة الدستورية؛ ما يعني قبول المشهد الحالي، وقد يتجه الوضع إلى سيناريو أكثر تشاؤمًا، يتوقع خلاله انقسام التيار المدني بين مؤيد ومعارض لـ”حمدوك”؛ ما يعني أن الاتفاق السياسي قد يؤول لانقسام بالصفوف المدنية، وهو سيناريو مرجح حال تأخر حدوث اتفاق مع المنطقة الشرقية، إضافةً لتأخر إجراء إصلاحات هيكلية.
أما عن سوريا فنجدها تحلق خارج السرب بشكل ما هذا الشهر، حيث يمكن القول أن الأوضاع في سوريا، لم تشهد تغيرا كبيرا خلال هذا الشهر، فقد استمرت الهجمات والغارات بين الأطراف، مع كثافة الهجمات الإسرائيلية على المواقع الإيرانية، أما علي المستوي السياسية فأن التفاعلات التي تجري بين الأطراف، وبالرغم من أنها لم تصل إلي أي مخرجات أو حتى خطوط عريضة مشتركة لكن يمكن القول أنها البداية لتبادل وجهات النظر بين الأطراف فهم واضح لطبيعة تطلعات الأطراف في هذه المرحلة وكيف يمكن التوفيق بينها.
وفيما يتعلق بعودة سوريا للجامعة العربية فلا شك أن الملف السوري من أكثر الملفات تعقيدًا بالمنطقة العربية؛ لتعدد أطراف الصراع بالداخل السوري؛ ما يجعل إعادة تشكيله وتوجيهه، وإحداث تغيرات فيه، وتوفيق أوضاع ومصالح الأطراف العربية بين بعضهم، أمرًا يستغرق وقتًا من المفاوضات، لكن يظل غير مستبعد، كما يرجح نجاح المجهودات العربية تدريجيًا، بإعادة سوريا للمحيط العربي، لكنه سيستغرق وقتًا طويلًا، ومجهودات سياسية مكثفة بين الأطراف المختلفة، قد يتم التمهيد لهذه المجهودات، إطار من التعاون الاقتصادي.
وعلى صعيد الانتخابات والاستعداد لها فيمكننا الحديث عن (الصومال- العراق- ليبيا)، فقد شهدت الصومال بعض التطورات على المستوى الداخلي بشكل يختلف كليةً عن الشهر الماضي، بل هدأت الازمة المشتعلة بيم رئيس الوزراء والرئيس الصومالي على أثر حفظ قضية مقتل ” إكرام تهليل”، ومن ناحية أخرى وبمقارنة التفاعلات الخارجية بالداخلية نلاحظ انخفاض في كثافة التفاعلات الخارجية وتوجه الاهتمامات كليا إلى الداخل الصومالي فيما سيطر على المشهد الاهتمام الكبير بالانتخابات، وبالرغم من أن اللجنة العليا للانتخابات، حددت موعدا لانتهاء الانتخابات وهو 24 ديسمبر، لكن وفقا لقراءة المشهد الذي حضرت فيه كثافة الطعون، وتأخر في جداول انتخابات بعض الولايات، فلا يستبعد أن تستمر عمله الانتخابات حتى بداية عام 2022، وهذا سيناريو حاضر بقوة.
من ناحية أخرى يجدر الإشادة بأن إدارة الحكومة لعملية الانتخابات الحالية أمر به قدر عالي من الحساسية، يتطلب قدر كبير من الوعي بهذه الحساسية، وتعاملًا حاسمًا وافا وموضوعيًا في التعامل مع الطعون المقدمة، والتشكيكات في النزاهة؛ باتخاذ كافة الإجراءات الممكنة للتأكد بأن حسم الفوز بالمقاعد جرى دون خلاف حول نزاهته، الأمر الذي يزيد من شرعية هذه الانتخابات، ويكن من البناء عليها مستقبلًا.
على مستوى المشهد السياسي العراقي، فقد تأكدت نتائج الانتخابات النيابية بشكل نهائي، ليعيد بذلك ترتيب التيارات السياسية في مجلس النواب، ويخلق معه عددًا من التحديات الأمنية والسياسية، ويمكن توقع زوال حالة الاختلاف والتظاهرات السياسية التي شهدتها العراق قريبًا؛ نظرًا لاتجاه تيار واسع بقبول تلك النتائج، ومحاولة الحكومة بتقديم الضمانات وكل ما يلزم لاحتواء هذه الخلافات، كما ستبقي مدفوعة لاستمرار تقديم تلك الضمانات؛ لعودة الاستقرار للمشهد العراقي.
أما على الصعيد الأمني فيبقي التحدي قائم بل ويتوقع استمراره على المدى القريب ومن المرجح أن تسمر عمليات الاستهداف للقادة والمسؤولين العراقيين، كلما أصبح هناك قبولًا أوسع لنتائج الانتخابات على أرض الواقع، وهو ما يتطلب يقظة من الحكومة والجيش العراقي لمثل هذه التحديات والتصرف بشكل استباقي لمنعها.
أخيرًا ليبيا كيف يسير الوضع داخليًا وعلى مستوى الاستعداد للانتخابات القادمة، في إطار الإجابة عن هذا التساؤل يمكننا القول بأن ليبيا تواجه اختباراً حقيقياً مع اختيارات محدودة، فمن المقرر أن تجري ليبيا الجولة الأولى من الانتخابات الرئاسية في 24 ديسمبر المقبل، بعد سنوات من المحاولات بقيادة الأمم المتحدة لإنهاء الحرب الأهلية وتحقيق الاستقرار السياسي في البلاد. وأعلنت مفوضية الانتخابات الليبية أن القائمة الأولية للمترشحين في الاستحقاق الرئاسي ضمت 73 شخصاً بينهم قائد “الجيش الوطني الليبي”، خليفة حفتر، ورئيس مجلس النواب، عقيلة صالح، ورئيس حكومة الوحدة الوطنية المؤقتة، عبد الحميد الدبيبة، وعليه فإن عملية التصويت ما زالت تواجه العديد من التحديات الداخلية المتعلقة بوجود المرتزقة والقوات الأجنبية، واستمرار الخلافات بين المنطقة الشرقية والغربية، كما أن هناك خلافات فيما يتعلق بالقوانين المنظمة للعملية الانتخابية.
لتحميل الملف pdf اضغط بالاسفل