بقلم السفير محمد العرابي: وزير خارجية مصر الأسبق
شهدت العشر سنوات الاخيرة شهية متزايدة للدول الاقليمية في الجوار العربي، فكانت العشر سنوات الاخيرة بمثابة إعادة رسم مراكز القوى بالمنطقة، نتيجة قدر هائل من التشابك والعلاقات المتوازية والمتداخلة بين أربع دول فاعلة بالمنطقة العربية وهي مصر، والسعودية، والامارات وقطر، وأربع دول في الجوار وهي ، إيران،و تركيا،و إسرائيل واثيوبيا، وفي هذا الصدد ومع إقبال عام جديد نسلط الضوء على مستقبل العلاقات مع دول الجوار الأربع ، ونحاول استشراف مواقفها من أبرز القضايا والملفات المطروحة وأبرز ملامح سياستها الخارجية.
ملامح علاقة الدول الفاعلة تجاه إيران
كان التدخل الإيراني يطلق عليه التدخل الخشن، فتصاعد التواجد الإيراني في لبنان واليمن له تأثير مباشر على الأمن القومي العربي بصفة عامة وأمن كل دولة بشكل خاص، وقد شهد عام 2021 محادثات مُعلنة وغير مُعلنة، جمعت بين مسؤولين من السعودية وإيران، إلا أنها لم تصل إلى تسوية ممكنة وذلك نتيجة وجود ملفات معقدة على طاولة المفاوضات الإيرانية السعودية مثل: الملف اليمني، وحزب الله اللبناني، وأكبر من هذا كله هو نفوذ إيران النووي الخطير.
فمفاوضات فيينا لم تصل إلى حل واضح للضغط على إيران للرجوع إلى الاتفاق النووي، وقدرة إيران على امتلاكها لسلاح نووي تقترب بشكل سريع على غرار كوريا الشمالية، وهذا يخل بالتوازن الاستراتيجي بالمنطقة؛ لذا ترى دول المنطقة خاصةً إسرائيل والسعودية، اللذان يُعدَّان أكثر دول المنطقة اهتمامًا بمنع إيران امتلاك السلاح النووي، وأكثرهما تضررًا التأكيد على أن عدم وضع قيود على الملف النووي الإيراني؛ فقد يشكل ذلك تهديدًا حقيقي لأمن المنطقة ككل.
ومن الواضح أن إيران لم ولن تتخلى من جانبها عن أهدافها التوسعية والتي قد تمتد إلى البحر الأحمر والدول الأفريقية المتاخمة لمضيق باب المندب، ويمكن القول إن إيران تجيد شراء الوقت وتستخدم التفاوض لكي تكسب الوقت وتعزز من مواقعها في أماكن عدة.
الدور التركي بين الإقبال والإدبار
بقراءة الدور التركي خلال الأعوام العشر الأخيرة يلاحظ أن كان لتركيا تواجد وانتشار واسعين في سوريا والعراق بالإضافة إلى ليبيا والصومال وتنوع تواجدها بين العسكري والأمني والاقتصادي والتنموي، و جميعها يصب في صالح مواقفها وتوجهها السياسي كفاعل في المنطقة، كما زاد التواجد التركي في قطر، وزاد تأثيره -مع الجانب الإيراني- علي حماس، ولا شك أن تواجدها في هذه المناطق غير موازين الصراعات داخل هذه الدول.
ومؤخرا برزت رغبة تركيا في التواجد في لبنان لكنه تواجد أقل نسبيا من تواجدها في باقي الدول ، سواء من حيث الأدوات المستخدمة فيه أو ومن حيث جوانب التواجد ، ومن ناحية أخر نجد أن هناك محاولات تركية حثيثة للتواجد في تونس، والذي يمكن أن نستشفها من خلال تفاعلها مع الأزمة التونسية والذي وصفته بعض المؤسسات التركية الرسمية بأنه بـ”انقلاب ضد النظام الدستوري” ، والتعاطي التركي من الأزمة التونسية يؤكد أن هناك تحفز تركي تجاه الأزمة.
ومعه يتوقع أن الأداء التركي سيكون أهدأ قليلًا من الشكل الذي عهدناه خلال السنوات الأخيرة، خصوصًا في ظل الإتجاه لضبط المشهد السياسي والاقتصادي الداخليين، بالإضافة إلى حالة من الترقب لما يمكن أن يكون عليه الدور التركي في ظل حالة إعادة صياغة التحالفات التي تشهدها منطقة الشرق الأوسط.
اثيوبيا بين تصفير النزاعات والبحث عن دور إقليمي
لأثيوبيا مصالح تتشابك مع كثير من الفاعلين الأساسيين في المنطقة، وعلى رأسهم (مصر-إيران- تركيا- إسرائيل)، ولعل ذلك يتجلى بوضوح في زيارة “آبي أحمد” في أغسطس 2021 لتركيا والتي تعتبر أول زيارة له بعد فوز حزبه بالانتخابات البرلمانية الأخيرة في إثيوبيا، للتباحث حول تطورات الأوضاع في إثيوبيا، وقد سبقها مطالبة “آبي أحمد” من القيادة التركية التوسط في النزاع الحدودي مع السودان على إقليم “الفشقة”، ووقعت خلال الزيارة أربع اتفاقيات، ومؤخرًا فقد اعتمدت القوات الحكومية الإثيوبي في معاركها ضد قوات “جبهة تيجراي” على المسيرات العسكرية التركية والتي كانت سببًا رئيسيًا لنجاح العملية العسكرية الأولى للقوات الإثيوبية.
على صعيد آخر نجد أن العلاقات بين إثيوبيا وإيران جيدة حيث أن إيران زودت إثيوبيا بطائرات مسيرة أيضًا لتستخدمها في حربها ضد قوات تحرير شعب تيجراي، بالإضافة إلى أن وقوع الدولتين في دائرة العقوبات الأمريكية من الممكن أن يقوي العلاقات بينهم من خلال الالتفاف حول هذا العقوبات، والتعاون مع الصين في مقابل الولايات المتحدة، خاصة وأن الصين تمتلك منطقة صناعية في طهران، بالإضافة إلى أنها تدعم الحكومة الإثيوبية ترفض العقوبات الواقعة عليها، وأخيرًا فإثيوبيا تتشابك علاقتها مع الفاعل الثالث الإقليمي المتمثل في إسرائيل التي تعتبر أهم موردي الأسلحة لإثيوبيا، بالإضافة إلى لإثيوبيا تطور نوع من الطائرات المسيرة بالتعاون مع إسرائيل.
وبالتالي في إثيوبيا شأنها شأن باقي القوى الإقليمية المؤثرة في الشرق الأوسط نجد أنها اكتسبت قدرًا من النفوذ خلال العشر سنوات الأخيرة، على المستويين الإقليمي والدولي وإن كان بدرجات متفاوتة إلا أنه يظل موجودًا، وهذا بالتأكيد يؤثر على الدول المجاورة لهذه القوى سواء مجتمعة أو كل دولة على حدة.
ملامح الدور الإسرائيلي
كانت اسرائيل تشعر براحة استراتيجية خلال العقد الماضي وحققت بعض المكاسب بنهج التطبيع مع بعض الدول العربية ومنها دول فاعله، إلا أن البرنامج النووي الايراني سبب لها تخوف استراتيجي بالغ، وإسرائيل على يقين بأن إيران تستخدم “الابتزاز النووي” كتكتيك في مفاوضاتها مما يضعف موقف الدول المشاركة في مؤتمر فيينا و يعزز من التهديد الإيراني. فتبقى إسرائيل في استمرار على حث الولايات المتحدة بإنهاء المحادثات واتخاذ إجراءات ضد إيران، بما في ذلك فرض عقوبات أشد والاستعداد لهجمات عسكرية محتملة.
و يكون السيناريو الأكثر واقعية هو استمرارية التطبيع و توثيق العلاقات الثنائية مع دول الخليج العربي لمحاولة تشكيل جبهة موحدة لردع النفوذ الإيراني و أي تهديدات أمنية ناتجة عنها، لكن يبقى الوضع على الساحة أكثر تعقيدا.
وبرغم عدم تطبيع العلاقات بشكل رسمي بين المملكة العربية السعودية و إسرائيل، إلا أنهما يتشاركا مخاوف بشأن التهديد من إيران في أكثر من ملف، من البرنامج النووي إلى النفوذ الإيراني في سوريا، لبنان و اليمن. ولكن في ظل التمسك بالقضية الفلسطينية و انتهاكات مستمرة لإسرائيل في قطاعي غزة و الضفة الغربية، فمن المتوقع استمرار دبلوماسية الباب الخلفي حيث أن تستمر الاتصالات و المفاوضات الثنائية بشأن التهديد الإيراني في السر، خلف الأبواب المغلقة كما عليه الوضع الآن، وعلى الرغم من التاريخ الطويل في المواجهة بين إسرائيل ومختلف الفصائل الفلسطينية، فيبقى الوضع الراهن مستمر وتتراوح وتيرته بين التصعيد والتهدئة.
إجمالا يمكن القول العلاقات الدولية في طور إعادة الصياغة، وفي ها السياق يُرجح تراجع غلواء شهية دول الجوار الاربعة، وفي المقابل زيادة شهية الدول الفاعلة في العالم العربي للدخول في العقد الجديد بسياسة براغماتية وأكثر تماسكا، ويأتي هذا التراجع في ظل وجود عمل عربي استراتيجي مشترك، فضلا عن تزايد الضغوط الدولية عليها، حيث أن كل دولة لديها ملف يشكل ازعاج للمجتمع الدولي.
كما تبقى قضية استقرار المنطقة أمرا ملحا وتستطيع دول الاقليم الفاعلة أن تقود هذا التوجه عن طريق مد أزرع التعاون وتحقيق التنمية والتعاون في هذا الشأن، واختلاف التوجهات الاستراتيجية سيدفع الجميع -والمقصود هنا دول الإقليم ودول الجوار -إلى البحث في وسيلة لاستغلال التشابك واختلاف التوجهات إلى خروج نظام إقليمي جديد، يعتمد على معرفة كل دولة من الجانبين الخطوط الحمراء الذي يفضل عدم تجاوزها في إطار مبدأ استبعاد المواجهات العسكرية سواء في ارض عربية او أحد دول الجوار او البحر الاحمر او شرق المتوسط.
كما أن العام الجديد 2022 سيكون بداية اضطراب ووهن في داخل دول الجوار وخاصة إيران وتركيا واثيوبيا،وغير متوقع أن يشهد العام انفراجة حقيقية في العلاقات بين الدول الفاعلة ودول الجوار، ولكن لا يمكن توقع امتداد أكثر لدول الجوار في دول المنطقة، مع توقع بعض الرشد في سياسة تركيا نحو المنطقة.
ومازالت قضايا المنطقة العربية مثل القضية الفلسطينية وسوريا وليبيا واليمن مرشحة لإطالة امدها وعدم دخولها في إطار الحل الشامل النهائي، وقد يحمل العام مقاربات أكثر دفئا، ولكن بدون زيادة في سياسة التطبيع مع اسرائيل، وفيما يتعلق بقضية السد الأثيوبي فيرجح تزايد الضغوط السعودية الاماراتية القطرية على إثيوبيا، إلا أن اضطراب الأوضاع في السودان واثيوبيا نفسها في يدفعه تأخير البدء في محاولة التوصل إلى اتفاق نهائي لموضوع السد الإثيوبي.