صراع النفوذ الدولى على إقليم الساحل الأفريقي

 

إعداد :مصطفى أحمد مقلد

مقدمة:

مع الانقلابات العسكرية فى مالى وبوركينا فاسو، أصبحت منطقة الساحل مرة أخرى بؤرة للإهتمام العالمى، كان عدم الإستقرار وانعدام الأمن فى ازدياد فى منطقة الساحل، وتفاقم الوضع بسبب الفقر وعدم المساواة والتهميش، تمتد منطقة الساحل فى قلب إفريقيا من الساحل الغربى على المحيط الأطلسى إلى الساحل الشرقى على البحر الأحمر، وهي منطقة يبلغ عدد سكانها حوالي 100 مليون نسمة من أكثر الناس حرمانًا وتهميشًا وفقراً في العالم، كما تسهم معدلات البطالة المرتفعة وضعف الحكم والإضطرابات السياسية والتهديدات من الجماعات الإسلامية المتطرفة فى زعزعة الاستقرار الإقليمى.

منطقة الساحل الأفريقى تمثل تحدياً كبيراً أمام جهود تطور أفريقيا، باعتبار دول تلك المنطقة الشاسعة تفتقر إلى وجود أنظمة سياسية قوية قادرة على فرض النظام داخل حدودها، حيث أصبحت ملاذاً آمناً للجماعات الإرهابية والإجرامية وأنشطة تجارة البشر والسلاح، لذلك تحاول القوى الكبرى إدارة تلك المشكلات وتشكيل تحالفات تحقق مصالحها، مثل استعانة روسيا بقوات “فاغنر”، والانسحاب العسكرى الفرنسي من مالي، الذى تراه فرنسا تخلي عن أدوارها التقليدية في المنطقة، فى سعيها لوضع إستراتيجية جديدة فى إطار شبكات المصالح داخل القارة الأفريقية للعودة والمنافسة على النفوذ فى منطقة الساحل بشكل خاص وإفريقيا بشكل عام.

كما أنه لا يمكن الاستفادة من فرص التنمية في أفريقيا إن لم يتم ضبط منطقة الساحل، بالنظر إليها كمنطقة عبور تجارية دولية مستقبلاً تربط بين المحيط الأطلسي والبحر الأحمر.

الاوضاع فى منطقة الساحل:

تعمل الجريمة المنظمة والجماعات المسلحة غير الحكومية على زيادة نفوذها والاستيلاء على السلطة، وكذلك يوسع تنظيم الدولة الإسلامية انتشاره عبر إفريقيا. في عام 2020 كان 24 مليون شخص بحاجة إلى المساعدة الإنسانية والحماية في منطقة الساحل – وهو أعلى رقم تم تسجيله على الإطلاق.

الجماعات المتشددة تزدهر فى المناطق الحدودية المهملة حيث يكون وجود الدولة ضعيفًا، وتؤدى المنافسة المتزايدة على الموارد إلى تفاقم الصراعات، ويتم جذب الشباب والفقراء بسهولة إلى الجريمة والعنف، كذلك تمنح الحدود الوطنية أيضًا الجماعات غير الشرعية ميزة إستراتيجية حيث يتوقف وصول الدولة عند هذا الحد، بحيث تتمكن هذه المجموعات من عبور الحدود بسهولة.

 

 

من الوضوح بمكان أن الاستجابات الوطنية لقضايا الأمن والتنمية غير فعالة، بالإضافة إلى ذلك، فإن الاستجابات الإقليمية المنسقة التي غالبًا ما تتبع نهج أمنى، مثل فرقة العمل المشتركة متعددة الجنسيات فى منطقة بحيرة تشاد أو مجموعة الساحل الخمسة، تخمد الصراعات مع ترك الأسباب الجذرية دون معالجة.

يطالب الشركاء الأجانب كأوروبا المزيد من الالتزام بالإصلاح من جانب الحكومات الوطنية، وصنع سياسات أكثر فعالية وحوكمة أفضل لأليات الحكم، بهدف أن تكون الحكومات في منطقة الساحل قادرة على أن تنظم السلع العامة مثل الأمن والبنية التحتية والتعليم، لكن هذه المطالبات غالبًا ما تثبت أنها صيغة فارغة تتجاهل السياسة المحلية، أي الصراعات التي تشكل إمكانيات وطرائق الحكومة.

بالتالى هناك تفسيران للحكم السيئ إلى حيث يفتقر الفاعلون المحليون إلى الإرادة السياسية للانخراط في الحكم المناسب، أو أنهم يفتقرون إلى القدرات اللازمة للقيام بذلك.

إن التأكيد على وجود نقص في الإرادة السياسية، والذي غالبًا ما يرتبط بالفساد والمحسوبية، يؤدى في كثير من الأحيان إلى مناشدات بأنه يجب على الأطراف الخارجية زيادة الضغط على الجهات الفاعلة المحلية لتغيير سلوكهم. في مالى، على سبيل المثال، هناك مثال نموذجى يتعلق بالضغط الخارجى على الحكومة والمتمردين الشماليين لتنفيذ اتفاق السلام المتعثر الذي وقعوا عليه فى عام 2005. وفي حالات استثنائية، يرتبط الدعم الخارجى بتغييرات في سلوك الجهات الفاعلة المحلية (المشروطية).

ومع ذلك، فإن النخب السياسية فى الساحل تدرك جيدًا المخاوف الأوروبية بشأن الهجرة والإرهاب من المنطقة، لذلك فهم يميلون إلى عدم أخذ الشروط على محمل الجد، فهم يرون أن لديهم نفوذًا ويستفيدون من اعتمادهم الخارجى، لأن الأزمات والصراعات تجلب مساعدات مادية ومالية كبيرة إلى البلاد. فمثلا فى مالى : يحاول المجتمع الدولى عبثًا الضغط من أجل تنفيذ اتفاقية سلام باستخدام مجموعة واسعة ومتنامية من الأدوات لممارسة الضغط (بما في ذلك عقوبات الأمم المتحدة).

التنافس الدولى على إقليم الساحل:

لدى الصين وروسيا اهتمام متجدد بالدول الهشة مثل الموجودة فى منطقة الساحل، تقدم الدول الهشة العديد من الفرص الجذابة لروسيا والصين مثل القواعد العسكرية والأصول الإستراتيجية  كالموانئ والبنية التحتية للاتصالات وموارد طبيعية بالإضافة للدعم السياسى الدولى كالأصوات في المؤسسات المتعددة الأطراف.

إن التدخل الروسي المتزايد في إفريقيا بشكل عام ومنطقة الساحل بشكل خاص واضح، حيث تمثل إفريقيا سوقًا فريدًا لروسيا لبيع المعدات العسكرية وتقديم التدريب العسكرى، وعلى الرغم من أن ما تسعى إليه روسيا في منطقة الساحل وعلاقاتها مع دول الساحل لا يزال غامضًا، إلا أن رفع مستوى علاقتها العسكرية مع دول الساحل – المستعمرات السابقة التي لا تزال تحافظ على روابط مع فرنسا – سيمثل أيضًا فوزًا جيوسياسيًا ملحوظًا.

ويشير مراقبون إلى أن “زيادة التوغل الروسى فى المنطقة يحدث عبر القوات غير الرسمية “فاغنر”، وربما ستكون هناك كذلك زيادة فى التوغل الصينى بشكل أو بآخر ولو بالدعم، بخاصة لقاعدة جيبوتى.

الجديد فى الأمر هو البيان الختامى للاجتماع الأخير الذي عُقد فى إسبانيا، فقد وسع من اهتماماته ولم يقتصر على روسيا، وإنما انتبه إلى الفراغ الأمنى الذي سيخلقه الإنسحاب الفرنسى، ما يشير إلى احتمالية توجه الحلف إلى منطقة الساحل والصحراء بذريعة استتباب الأمن فى المنطقة، لكن الهدف الحقيقي هو قطع الطريق على النفوذ الروسي.

 بناء النفوذ الروسى:

تتسلل روسيا الى منطقة الساحل لمحاولة كسب نفوذ فى إقليم ينفرد الغرب به، وتأتى مجموعة “فاغنر” كرأس حربة فى استراتيجية روسيا لتحقيق ذلك النفوذ، فى جمهورية إفريقيا الوسطى، كانت مجموعة فاغنر تدعم الحكومة الضعيفة للرئيس “فوستين أرشانج تواديرا” ، التي تمتد سلطتها قليلاً إلى ما وراء العاصمة، ضد مجموعات متمردة مختلفة منذ عام 2018، مقابل الحصول على تراخيص تعدين الماس والذهب.

اتُهمت شركة الأمن الروسية على نطاق واسع بارتكاب انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان ومضايقة قوات حفظ السلام والصحفيين وعمال الإغاثة والأقليات،كما أن وجود فاغنر يضع حكومة جمهورية إفريقيا الوسطى على خلاف مع الأمم المتحدة والحكومات الغربية، التى تطالب بشكل متزايد جمهورية إفريقيا الوسطى بإنهاء تعاملها مع الشركة الروسية أو المخاطرة بفقدان مساعدتها.

من بين أحدث عمليات الانتشار المقلقة لمجموعة فاغنر فى إفريقيا “مالى” حيث لا يزال الحكم سيئ وغير خاضع للمساءلة، وتنشط فى البلاد مجموعة معقدة من الجماعات الإرهابية الجهادية العديدة. مثل: تنظيم القاعدة، جماعة نصرة الإسلام، تنظيم الدولة الإسلامية، بجانب حركات الطوارق الإقليمية وغيرها من حركات الاستقلال الذاتى.

تشارك فرنسا عسكريًا فى مالى منذ عام 2013، بدعم من دول أوروبية أخرى والولايات المتحدة وكذلك دول إفريقية فى إطار قوة المهام المشتركة G5 الساحل، لكنها لم تحقق أى هزيمة حاسمة للمسلحين.

المجلس العسكري الذى استولى على السلطة في أغسطس 2020، وهو ضعيف بالفعل، يتحول إلى الروس. ولجأ إلى مجموعة فاغنر قوامها 1000 متعاقد لتدريب الجنود الماليين وحماية المسؤولين الحكوميين في البلاد، على أن تكون مناجم اليورانيوم والماس والذهب مكافآت محتملة، مثل هذا الوجود من شأنه أن يقوض بشدة استدامة وفعالية عمليات دعم مكافحة التمرد والإرهاب الغربية ، كما أنه من المحتمل أن يسهم في زيادة تدهور حقوق الإنسان في مالي. وأنكرت الحكومة المالية أى وجود لمجموعة فاغنر فى مواجهة كل من الضغط الغربي والاحتجاج المحلى.

إن أى جهود لتقييد روسيا والصين تتطلب توفير بدائل للحكومات الإفريقية، والمساعدة فى الحفاظ على المعايير الأساسية للمساعدات الدولية، وتجنب أزمة ديون كبيرة، كما أن الحفاظ على مشاركة وثيقة مع الدول الهشة لا يعنى توسيع الوجود العسكرى على نطاق واسع كأداة رئيسية للرد، فهذه الإستراتيجية لم تكن جيدة الإعداد، ولم تكن مستدامة من الناحية السياسية.

سعى أمريكا لإحتواء النفوذ الروسى:

ظل دعم ترامب لأى شيء يتجاوز المبادرات الأمنية فى المنطقة غائبًا إلى حد كبير، وخلال ذلك الوقت، لم تحصل المنطقة على إهتمام أمريكى بقدر الاهتمام الأوروبى، نظرًا لعقد المجتمع الدولى مؤتمرات مانحين رئيسية لمبادرات مثل “تحالف الساحل” أو لدعم مجموعة الساحل الخمس، وغالبًا ما كانت الولايات المتحدة ممثلة بمسؤولين على مستوى أدنى من أولئك الموجودين من دول أخرى.

حددت إدارة بايدن لهجة مختلفة، فى التأكيد على أهمية تجديد السياسة الخارجية الأمريكية تجاه إفريقيا، بما في ذلك منطقة الساحل من خلال دعم المؤسسات الإفريقية، والمشاركة فى مجموعة متنوعة من القضايا خارج السياسة الأمنية، وتعزيز الدعم الأمريكى للعمليات العسكرية الفرنسية، باعتبار أن التعاون الوثيق بين أوروبا والولايات المتحدة ضرورى خاصة وسط مخاوف بشأن النفوذ المتزايد فى إفريقيا لروسيا والصين وتركيا.

أشارت مولي فيي “مساعدة وزير الخارجية الأميركي للشؤون الأفريقية” إلى وجود استراتيجية جديدة مشتركة مع الوكالات الأميركية فى منطقة الساحل تهدف إلى بناء قدرات الحكومات لإستعادة الثقة العامة على الصعيدين الوطنى والمحلى من خلال تقديم عادل للخدمات الحكومية وإنفاذ القانون والعدالة، بجانب توفير الموارد والإرشادات اللازمة لتشجيع المساءلة، وتدابير مكافحة الفساد، والحوار بين العواصم والأطراف والمجتمعات، معتبرة أن هذه هي مفاتيح كسب دعم السكان المدنيين.

لكن مهمة واشنطن لا يبدو أنها ستكون سهلة، حيث سبقتها موسكو بخطوات، بعد أن قلصت الولايات المتحدة وجودها العسكرى فى إفريقيا خلال السنوات الأخيرة، وتبقت فقط بعثة الأمم المتحدة “مينوسما” كسبيل لمراقبة تحركات الروس، كما أن تلك الآلية مهددة أيضاً نظراً إلى رفض حكومة المجلس العسكري الحاكم السماح لها بحرية الحركة بدعوى “الحفاظ على سيادة مالي”.

اشتعال التنافس:

يأتي التنافس الروسى الأميركى فى منطقة الساحل نتاجاً للتراجع المتزايد للدور الفرنسى، الذى ظل مهيمناً على الوضع في مستعمراتها السابقة منذ الاستقلال فى ستينيات القرن الماضى، وبدا ذلك بوضوح فى موجة الإنقلابات العسكرية خلال العامين الماضيين فى مالى وبوركينا فاسو وغينيا، وربطت تقارير إعلامية منفذيها بموسكو، وإن كانت لا توجد تأكيدات لذلك.

 

ويمكن القول إن فرنسا والغرب بوجه عام قد خسر أربعة حلفاء خلال عامين هم “إدريس ديبي” الرئيس التشادى الذى سقط خلال مواجهات مع المتمردين شمال البلاد فى أبريل من العام الماضى، و”إبراهيم كيتا” الذى أطيح به فى إنقلاب عسكرى فى أغسطس 2020، والرئيس البوركينى “روش مارك كريستيان كابورى” المطاح به فى إنقلاب عسكرى مطلع العام الحالى، و”ألفا كوندى” رئيس غينيا الذى فقد منصبه إثر إنقلاب عسكرى فى سبتمبر 2021.

وتبرز أسباب عدة لتراجع الدور الفرنسى فى مستعمراتها السابقة، منها تنامى الشعور الشعبى الرافض للوجود الفرنسى، ما بدا في حديث عدد من الشباب الأفريقي لماكرون خلال قمة “فرنسا – أفريقيا” العام الماضى، حيث طالبوا الرئيس الفرنسى بالاعتذار عن الاستعمار ووقف مساندة الحكام الديكتاتوريين، ما شكل موقفاً محرجاً لماكرون ويحمل دلالات عدة للنظرة الأفريقية لفرنسا. وعليه، اتهم “ماكرون” موسكو باتباع استراتيجية تهدف لتأجيج المشاعر المعادية لباريس فى إفريقيا.

بجانب تنامى نفوذ دول أخرى على حساب الدور التقليدى لفرنسا مثل تركيا والصين وروسيا، إضافة لفشل السياسات الأمنية الفرنسية فى القضاء على خطر الإرهاب والتطرف، إذ لم تفلح عملية “برخان” طيلة تسع سنوات فى منع تمدد الإرهابيين وإنتقالهم فى المنطقة الممتدة من تشاد ومالى وحتى بوركينا فاسو.

تراجع فرنسى أم إعادة ترتيب أوراق؟:

طرح الرئيس الفرنسى فكرة الحاجة إلى “عهد جديد” مع القارة الإفريقية، عبر التواصل مع الشباب الإفريقى ودعوته الاتحاد الأوروبى إلى “إعادة النظر في تحالف جديد بينهما”، لكنه قام أيضاً ببعض الممارسات المناقضة مثل تصريحه حول “الأمة الجزائرية” الذي أثار أزمة كبيرة العام 2021، وتصريحه بأن قادة دول الساحل والصحراء “مدينة له” بسبب مشاركة باريس في جهود محاربة الإرهابيين.

وفى دراسة عن سياسة فرنسا تجاه أفريقيا نشرها معهد كارنيغي للسلام الدولى، أعدها “كورنتين كوهين”، الزميل الباحث في إدارة السياسة والعلاقات الدولية بجامعة أوكسفورد، إن فترة رئاسة ماكرون الثانية فرصة مناسبة لإعادة تصور تواصل فرنسا الدبلوماسى مع الدول الإفريقية، مضيفاً أنه على الرغم من إظهار ماكرون رغبة واضحة في تعويض أخطاء الماضي، “ما زالت بعض أوجه طموحات سياسته غارقة في أساليب عفا عليها الزمن”، مؤكداً ضرورة تحديد الأساليب التى نجحت والأخرى التي لم تنجح لضمان تعزيز فرنسا نفوذها القوى فى الدول الإفريقية.

وفى نفس السياق، أعلنت فرنسا إنهاء مهمة قوة “تاكوبا” العاملة في منطقة الساحل الإفريقى، بهدف إعادة تنظيم انتشار القوات العسكرية الفرنسية فى منطقة الساحل، فى 30 يونيو المنقضى وهو ما يتماشى مع توجه باريس خلال الأعوام الأخيرة بالنظر إلى قرار “ماكرون” العام الماضى، خفض عدد القوات العسكرية المحاربة للجماعات الإرهابية فى منطقة الساحل الإفريقية، بالتالى إغلاق القواعد العسكرية التابعة لبلاده فى شمال مالى.

حيث صرح الجنرال لوران ميشون، قائد عملية “برخان” الفرنسية بأن بلاده تتجه لخفض عدد جنودها فى منطقة الساحل إلى ثلاثة آلاف بعدما وصلت لخمسة آلاف، فى إطار إعادة تنظيم انتشارها العسكرى بالإنسحاب من أقصى شمال مالي (تمبكتو، وكيدال، وتيساليت)، بالتعاون مع سلطات مالى وبعثة الأمم المتحدة في البلاد “مينوسما”، والأوروبيين المشاركين في قوة تاكوبا، ويشمل ذلك إعادة هيكلة كل من القيادة والقوات، وسيكون هناك عدد أقل من القوات التقليدية، ومزيد من القوات الخاصة المكلفة مهام الشراكة القتالية التي تعمل ضمن قوة “تاكوبا” الأوروبية.

وعليه، يرى “ماكرون” ضرورة إنشاء الدول الإفريقية إدارات فى المناطق التي تستردها عسكرياً، باعتبار أن الأمر يتعلق بمنع الإرهابيين من جعل منطقة الساحل وغرب أفريقيا أرضاً جديدة للتوسع ، على أساس أن ذلك مسؤولية دول المنطقة بالمقام الأول بجانب أداء دورها فى توفير الأمن والخدمات للسكان.

يشير مراقبون إلى أن قرار إنهاء مهمة “عملية تاكوبا” فى منطقة الساحل الإفريقى يرجع إلى أسباب هيكلية داخلية لهذه القوة العسكرية، مثل غياب التفاهم بين الدول الأوروبية المشاركة فى هذه المهمة، إضافة إلى أسباب استراتيجية متمثلة فى التدخل الأجنبى من قبل روسيا ممثل فى قوة فاغنر التي أصبحت تتمدد بشكل سريع في منطقة الساحل.

كذلك نتيجة قطع دول الساحل صلتها مع فرنسا بعد أن أعلنت الأخيرة الانسحاب من مالى فى مارس 2022، وذلك نتيجة الإطاحة بالحكومة المالية فى إنقلاب مزدوج عامي 2020 و2021، ما أدى إلى وصول المجلس العسكري إلى السلطة، الذى يرفض إجراء الانتخابات ويستفيد من المشاعر المعادية للفرنسيين المتزايدة في المنطقة.

يرى فريق أخر أن قرار إنهاء مهمة “قوة تاكوبا” تحصيل حاصل، نظراً إلى تراجع النفوذ الفرنسى الأوروبى فى منطقة الساحل الإفريقى والصحراء الكبرى، والتسلسل الزمنى للتدخل الفرنسى فى منطقة الساحل الذى تم عبر مراحل، ففرنسا أنشأت قوة “سرفال” ثم قوة “برخان”، وبعدها قوة “تاكوبا”، وذلك بعد أن أعلن ماكرون فى الولاية السابقة أن بلاده تستعد للإنسحاب من مالى، ومن جهة أخرى طالب المجلس العسكرى الإنتقالى المالى برحيل فرنسا، إضافة إلى النخب المالية، وكذا شعوب الساحل والصحراء، باعتبار أن التدخل العسكرى الفرنسى كلف المجتمعات مزيداً من الهجمات التى تضاعفت بشكل كبير، باعتبار أن التعامل مع الأوضاع الأمنية فى منطقة الساحل والصحراء بمنطق العسكرة بالعسكرة، أحد أسباب فشل التجربة الفرنسية التى اعتمدت المقاربة العسكرية الصرفة فى المنطقة.

تزايد ضغوط تغير المناخ في منطقة الساحل:

تزيد تأثيرات تغير المناخ من تفاقم عدم الإستقرار فى المنطقة، يتوقع الخبراء أن الكوارث الطبيعية ستكون أكثر تواتراً وشدة فى السنوات القادمة، مما يهدد توافر الموارد الطبيعية الحيوية، فى منطقة تعتمد فيها سبل عيش الناس وقدرتهم على الصمود بشكل كبير على الموارد الطبيعية خاصة وأن درجات الحرارة المرتفعة تقلل من موارد المياه والغلات الزراعية.

بشكل عام، يمكن أن يكلف تغير المناخ أفريقيا خسارة فى الإنتاج الزراعى ما بين 17 إلى 28 فى المائة، مقابل 3 إلى 16 في المائة على المستوى العالمى، وستؤدى هذه الخسارة فى الإنتاج إلى زيادة تعريض الأمن الغذائى للخطر.

فى الواقع، هناك أدلة قوية على أن تغير المناخ يؤدي إلى تجفيف مصادر الرزق وبالتالى يغذى الصراع: حيث وجدت دراسة أجريت عام 2004 أن زيادة درجة مئوية واحدة تؤدى إلى زيادة فى حوادث الحرب الأهلية بنسبة 4.5 في المائة.

تقدم مالي توضيحًا ممتازًا للعلاقة المعقدة بين تغير المناخ وسبل العيش والصراع في منطقة الساحل، منذ بداية العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، شهد هذا البلد، الذي تضرر بشدة من تغير المناخ، عدة أنواع من العنف، بما فى ذلك أعمال الشغب فى المدن الكبرى، والعنف الطائفى، والتمرد الجهادى، والانقلاب العسكرى.

وتوضح أنماط النزاعات المجتمعية في مالى كيف تتفاعل العوامل العرقية والدينية، إلى جانب فشل الحكومة، مع تغير المناخ لإثارة الخلافات، أحد الأمثلة على ذلك ينبع من نهر النيجر، الذى يدعم النشاط الزراعى المكثف من جانب كل من المزارعين والرعاة، بينما يزرع المزارعون الأرز، يقوم الرعاة بزراعة البرغو، وهو محصول علف للماشية يستخدم لإطعام القطعان خلال موسم الجفاف، ينمو البرغو فى مياه أعمق من الأرز، وخلال فترات الجفاف – التي تتكرر بشكل متزايد بسبب تغير المناخ – غالبًا ما يتعدى مزارعو الأرز على حقول البرغو، مما يؤدي إلى صراعات مجتمعية بين الرعاة والمزارعين، يوضح ذلك كيف يمكن لندرة المياه الناجمة عن تغير المناخ أن تؤجج الصراعات.

ختاما، يمكن اعتبار أن استبدال روسيا أو أية دولة بالوجود الفرنسى فى منطقة الساحل “استعمار جديد”، مثلما كانت بعض الأطراف الأفريقية تصف القوات الفرنسية في السنوات الأخيرة، حيث أن باريس كانت تساند مكافحة الإرهاب خصوصاً مع امتلاكها معلومات استخباراتية تساعدها في القضاء على المتطرفين، الدول الإفريقية يمكنها الاستفادة من كل من روسيا وأميركا فى تدريب عسكرييها والعمل على محاربة المتشددين، وبذلك تكون انتفعت من الطرفين من دون الدخول فى صراعات لا طائل منها.

 

 

 

 

 

 

 

المصادر:

1)Political turmoil in the Sahel: Does climate change play a role?.. https://2u.pw/a3FD2

2)Toward a regional response to fragility, conflict, and violence in West Africa: ‘Think Regionally and Act Locally.. https://2u.pw/984vD

3)Why Discussions about Sahel Policy Are Going around in Circles.. https://2u.pw/6Hry8

4)Events of last six months show fragile countries must remain priority for the US and its allies.. https://2u.pw/i2ubB

5)Russia’s Wagner Group in Africa: Influence, commercial concessions, rights violations, and counterinsurgency failure.. https://2u.pw/2DIDE

6)How France and the US can work to stabilise the Sahel.. https://2u.pw/on37c

7)الساحل الأفريقي بين مد روسي وجزر غربي.. https://2u.pw/CPYUT

8)هل يصبح الساحل الأفريقي ساحة صراع جديدة بين روسيا و”الناتو”؟.. https://2u.pw/ITmtS

9)هل سقطت فرنسا في مستنقع الساحل الأفريقي؟.. https://2u.pw/S7zLh

 

كلمات مفتاحية