توترات المشهد السياسي العراقي واعتزال الصدر العمل السياسي.. هل يمكن أن يعود الصدر مجددا ؟

إعداد: أكرم السيد علي

  • تطورات الأحداث 

زاد المشهد السياسي العراقي تعقيدا بإعلان زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر اعتزاله العمل السياسي وإغلاق مقرات التيار ، وهو ما أدخل البلاد في حالة من الفوضى المعبرة عن وصول المشهد السياسي العراقي إلى انسداد سياسي وصل إلى ذروته. 

حيث خرج أنصار التيار الصدري إلى المنطقة الخضراء – تلك المنطقة البالغة الأهمية لما تضم من مقرات حكومية – حيث اقتحم المتظاهرون القصر الجمهوري مؤديا ذلك إلى مقتل وإصابة العشرات في اشتباكات بين المتظاهرين وقوات الأمن ، وهو ما دفع السلطات العراقية إلى إعلان حظر التجول الشامل بدءً من بعد ظهيرة الأربعاء.

 

  • أبعاد مذهبية وراء اعتزال الصدر 

جاءت إشارة الصدر في بيان اعتزاله الحياة السياسية بأن ” النجف العراقية هي المرجعية ”  والنجف العراقية هي أحد أهم المدن في العراق ، حيث يوجد بها مرقد الإمام علي أول الأئمة عند الشيعة. 

تلك الإشارة إلى النجف جاءت في مقابل مناهضة التيار الصدري للاتجاه الحليف للمرجعية الإيرانية -الدينية والسياسية- المتمثلة في موقف الإطار التنسيقي الحليف لإيران. لذا فإن البعد المذهبي في قرار اعتزال الصدر بشكل خاص وفي الأزمة السياسية العراقية بشكل عام لا يجب إهماله على أية حال. 

كما تجدر الإشارة إلى أن الدعوة إلى ضرورة وجود حد ونهاية للتواجد الإيراني في الحياة السياسية العراقية هي بطبيعة الحال دعوة واضحة لإعادة تشكيل نظام سياسي جديد ، وهو ما أيدته قطاعات شعبية وأخرى حزبية على رأسها التيار الصدري وحراك تشرين والمستقلون.

 

  • اعتزال الصدر .. مناورة 

بالنظر إلى السوابق التاريخية لمواقف التيار الصدري المتمثلة في إعلانه عدم مشاركته في الانتخابات البرلمانية الماضية ومن ثم عدوله عن هذا القرار ومشاركته بقوة في الانتخابات ، فإنه من المحتمل أن يكون هذا القرار باعتزال الحياة السياسية هو من قبيل المناورة المقصودة من التيار الصدري ، ويؤيد احتمال أن يكون قرار التيار الصدري مناورة ليس أكثر حالة الفوضي والارتباك التي شهدتها العراق بعد بيان الاعتزال ، وهو ما يوضح للقوى السياسية ولعموم المواطنين العراقيين مدى أهمية التيار الصدر في الحياة السياسية العراقية مشاركا وفاعلا فيها ، وأن أي محاولة لإهماله أو تشكيل حكومة بعيدا عنه هي محاولة من شأنها أن تؤدي بالدولة العراقية إلى مشهد فوضوي كان يوم أمس الاثنين نموذجا مصغرا منه ولما يمكن أن يحدث في حال استمرار تجاهل التيار الصدري من المعادلة السياسية العراقية. 

 

  • قرار الاعتزال .. قطعي 

وعلى الرغم من حالة عدم اليقين التي يشهدها المشهد السياسي العراقي ، إلا أنه قد ذهب بعض المحللين إلى الاعتقاد بأن اعتزال التيار الصدري هو قرار قاطع ، لكن هذا لا يعني بأن التيار الصدري قد اتخذ قرارا بعدم تفاعله واشتباكه مع الأوضاع الراهنة التي تشهدها الحياة السياسية العراقية.

 فالتيار الصدري على الرغم من إعلانه اليوم اعتزاله الحياة السياسية إلا أنه بهذا القرار وما قد يترتب عنه من اختلال في المشهد السياسي قد ظهرت بوادره قد اكتسب بعدا وطنيا متمثلا في مناهضته للهيمنة الإيرانية وأن الدافع الأساسي من وراء الاعتزال هي مصلحة وطنية لها كل الأولوية في مقابل تدخلات خارجية إيرانية في الدولة العراقية يرفضها التيار الصدري.

 إذن ، اعتزال التيار الصدري الحياة السياسية اليوم هو تغيير في كيفية تفاعل هذا التيار مع الوضع السياسي الراهن وليس انعزالا عنه ، فمن غير المتوقع أن يمتلك تيار كالتيار الصدري تأثيرا سياسيا وشعبيا وحتى أمنيا متمثلا في الذراع المسلح له ” سرايا السلام ” وأن يقوم بإهمال كل هذه الأدوات في وضع محتدم كهذا ، كل تلك الأدوات المذكورة يدرك التيار الصدري جيدا كيف يتم استخدامها للتأثير في مجريات الأحداث وإن كان قد أعلن الصدر اعتزال الحياة السياسية على المستوى الرسمي.

 

  • هل توجد انفراجة قريبة للأزمة 

لا تنذر الساحة السياسية العراقية بانفراجة قريبة من شأنها إيجاد حل للمتاهة السياسية التي تشهدها البلاد ، ففي حين تدعو الرئاسات العراقية الأربع إلى انتهاج مسار الحوار الوطني كمخرج للأزمة ، وكذا تجديد الدعم في رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي ، والحفاظ على الأمن والاستقرار عبر احترام النهج الدستوري.
تأتي دعوات التيار الصدري على النقيض تماما من هذا ، حيث يدعو التيار الصدر إلى ضرورة انسحاب القوى السياسية العراقية المتواجدة منذ سقوط صدام حسين بما في ذلك التيار الصدري نفسه من المشهد السياسي ومن ثم الشروع في تأسيس عقد سياسي جديد يضع المصلحة الوطنية العراقية في المقدمة وهذا من شأنه أن يدفع بالبلاد إلى استقرار سياسي مأمول.

 

خطاب الصدر عقب تصاعد أحداث العنف

تبرأ زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر في خطاب موجه لأنصار التيار الصدري والشعب العراقي بمختلف مكوناته ، تبرأ من أحداث العنف والاقتتال التي شهدتها مناطق متفرقة في البلاد عقب إعلانه اعتزاله العمل السياسي مشيرا إلى أنه على الرغم من كونه من الداعين إلى ثورة الشعب العراقي من أجل إقامة نظام سياسي جديد إلا أنه لا يقصد بدعوته إلى الثورة أن تتحول الأعمال الاحتجاجية إلى عنف واقتتال بين أفراد الشعب ، حيث قال ” الثورة التي يشوبها عنف ليست بثورة ” موضحا أنه ينتقد التيار الصدري نفسه – الذي هو زعيم له – بسبب تفاعل بعض من أنصار التيار مع أحداث العنف الدائرة على الأرض.

 

الصدر واحتوائه للأزمة

أراد الصدر أن يخرج من هذه الأزمة وتطوراتها الأخيرة بصفته الداعي إلى السلمية والحريص على عدم إراقة دماء أفراد الشعب العراقي ، فعلى الرغم من كونه الداعي في بداية الأمر إلى الثورة على النظام السياسي الحالي ، أشار الصدر في خطابه إلى أنه ومن اللحظة الحالية لا يريد مظاهرات أو اعتصامات حتى لو كانت هذه المظاهرات والاعتصامات بصورة سلمية داعيا أنصاره للانسحاب الفوري وإلا تبرأ منهم ، موجها التحية إلى القوات الأمنية والحشد الشعبي وقائد القوات المسلحة لمواقفهم الشريفة ، لذا فإنه يتضح بأن كل هذه التصريحات التي صدرت عنه في هذا الخطاب هي محاولات غرضها تهدئة الأوضاع المشتعلة على الأرض والحفاظ على الشكل العام للتيار الصدري كونه رافضا للعنف. وعلى الرغم من استجابة أنصار التيار إلى دعوة الصدر للانسحاب ، وسيادة جو من الهدوء النسبي على الأرض بعد هذا الانسحاب إلا أنه حالة من عدم اليقين بشأن إيجاد حل ومخرج من الأزمة الحالية لا تزال سائدة في ظل تمسك كلا من الإطار التنسيقي والتيار الصدري بموقفه وعدم نجاح آلية الحوار الوطني إلى الوصول إلى وفاق وطني حول كيفية الخروج من الأزمة الراهنة

 

كلمات مفتاحية