التقارب الخليجي اليوناني: دلالات وملامح خاصة

إعداد: رضوى الشريف

لا شك بأن العلاقات الخليجية -اليونانية تشهد نموا وتطورا في الفترة الأخيرة، ففي خطى متقدمة تسير العلاقات نحو تعزيز آفاق التعاون الاقتصادي في جميع المجالات، بما فيها الجانب الاستثماري والتجاري بقطاعات الطاقة والسياحة والتجارة والخدمات اللوجيستية والرقمنة، وغيرها من القطاعات الواعدة والمشتركة بين البلدين.

وتأتي الزيارتين الأخيرتين للملكة العربية والسعودية لليونان كعلامة فارقة في تميز العلاقات التي تربط إثينا بدول الخليج.

الزيارة السعودية

كانت زيارة ولي العهد السعودي محمد بن سلمان إلى اليونان 26 يوليو الماضي هي أول زيارة له إلى بلد أوروبي منذ عام 2018.

وكان من أبرز مذكرات التعاون التي تم توقيعها اتفاقية تعاون في المجال العسكري بين البلدين فضلا عن أخرى لمحاربة الجريمة.

وشملت مجالات التعاون أيضاً المجال الاقتصادي، من خلال التوقيع على اتفاقية لحماية وتشجيع الاستثمار. وتضمنت التوقيعات إدراج اتفاقيةٍ للتفاهم والتعاون في المجال الصحي، بالإضافة لمذكرة تفاهم في مجال التعاون العلمي والتقني.

دوافع أمنية للتقارب

يشعر البلدان بتهديدات ملموسة، ففي حين أن السياسة الخارجية والدفاعية السعودية مدفوعة بالقلق حول تنامي نفوذ إيران؛ فإن تطلعات تركيا ومطامعها هي الموضوع المهيمن على سياسة أثينا. والدافع الرئيسي لتعميق العلاقات بين اليونان والسعودية هو تبادل الاعتراف بالتهديدات التي يخشاها كل طرف وما يرتبط بذلك من الاستعداد للدعم قولا وفعلا.

الزيارة الإماراتية

وتأتي زيارة الإمارات الأخيرة إلى اليونان الجمعة 26 أغسطس تتويجاً للمضي قدماً نحو علاقات أوسع لمستقبل الاستثمار بين أبوظبي وأثينا وسبل تعزيزها في مختلف المجالات، ومناقشة القضايا ذات الاهتمام المشترك.

وشهدت الشهور الأخيرة تطورات واضحة في العلاقات بين الإمارات واليونان، خاصّة في مجالات التّجارة والتّنمية الاقتصادية حيث وقعت حكومة الإمارات وجمهورية اليونان مذكرة تفاهم في مجال التحديث والتطوير الحكومي وتطوير العمل المشترك لتعزيز القدرات المؤسسية، تشمل مجالات الخدمات الحكومية والمسرعات الحكومية والبرمجة والخدمات الذكية والأداء الحكومي والابتكار والتميز والاستشراف الاستراتيجي والتخطيط والإدارة الاستراتيجية والتعاون في تطوير الأنشطة الرقمية.

أبعاد التقارب الخليجي اليوناني على التقارب الخليجي التركي

بادئ ذي بدء، يجدر الإشارة أولا على التوتر المشهود بين تركيا واليونان ونزاع الدولتان الجارتان والمنضويتان في حلف شمال الأطلسي حول الحدود البحرية وحقوق التنقيب عن الطاقة في أجزاء من بحر إيجه وشرق البحر المتوسط. وكان آخر تلك التوترات، أن اليونان دعت في رسالة إلى الأمين العام للأمم المتحدة في نهاية شهر مايو الماضي “تركيا رسميا إلى وقف التشكيك في سيادتها على جزر بحر ايجه”. وأكدت السلطات التركية من جانبها مؤخرًا أنها لن تعقد لقاءات ثنائيّة مستقبلية مع اليونان متهمة إياها بتسليح جزر بحر إيجه التي تفصل بين البلدين، في انتهاك لاتفاقيات السلام الموقعة بعد الحربين العالميتين الأولى والثانية.

وعلى الصعيد الثاني، وبعد عقد من التوتر شهدت العلاقات بين تركيا والدول العربية الرائدة تطورات إيجابية مهمة خلال العام الماضي، ويأتي ذلك بعد الانفراجة التي بدأت بالإمارات العربية المتحدة ثم السعودية. وفيما تتحرك تركيا تجاه البلدين من منظور اقتصادي هناك أيضا أبعاد جيواستراتيجية. إذ عزز ذوبان الجليد بين أنقرة وأبوظبي والرياض فرصة استمرار التقارب الأخير بين إسرائيل وتركيا لأنه يشجع أنقرة على اتخاذ موقف أكثر اعتدالًا بشأن القضايا الإقليمية التي تهم إسرائيل.

ويذكر أن زيارة السعودية لليونان جاءت عقب زيارتها لتركيا في شهر يوليو الماضي، وكان ذلك بمثابة محاولة من ولي العهد لإرسال رسائل طمأنة لكل من اليونان وقبرص بأن المملكة ليس لديها نية لإزعاج البلدين في تحسن علاقتها مع أنقرة.

الدوافع السعودية للتقارب مع تركيا، قد يكون في مقدمتها الحصول على المسيرة التركية الشهيرة Bayraktar TB2، وأيضا فكرة تشكيل محور سني ضد إيران.

وفي المقابل فإن دوافع تركيا لإصلاح العلاقة مع السعودية تتمثل في السعي لتخفيف الأزمة المالية في تركيا، علاوة على ذلك يمكن للسلام مع المملكة أن يخفف من مشاكل تركيا الإقليمية إلى حد ما لأن أنقرة ستواجه عقبات في مختلف الدول العربية ما دامت على خلاف مع الرياض.

من ناحية أخرى تريد تركيا تطبيع علاقاتها مع مصر وإسرائيل والدول الخليجية الثقيلة من أجل قلب التوازن في شرق البحر المتوسط ​​لصالحها، وهو ما يجعل اليونان في حالة تأهب ضد فقدان أصدقائها العرب.

“صفر أعداء وأكبر عدد من الأصدقاء”

أما بالنسبة للإمارات، فتنتهج أبوظبي بشكل خاص في الفترة الأخيرة نهجا خاصا وهو “صفر أعداء وأكبر عدد من الأصدقاء” بشكل يخدم مصالحها في المقام الأساسي، وبالرغم أيضا من تقارب تركيا والإمارات إلا أن زيارة أبوظبي لأثينا كانت تهدف في ثناياها أيضا ترسيخ حضور الإمارات في شرق المتوسط وطمأنة اليونان أن التقارب الإماراتي التركي لن يتم على حساب علاقة الإمارات المتميزة معها؛ فللإمارات حضور استراتيجي واستثماري كبير في شرق المتوسط ولديها أصدقاء وأقامت شراكات مع مصر وإسرائيل وسوريا وتركيا واليونان وقبرص، وحضورها القوي في شرق المتوسط يوازي حضورها الاستراتيجي الضخم في القرن الأفريقي، كل ذلك جزء من صعودها كقوة إقليمية وتفكيرها الاستراتيجي المستقبلي.

في النهاية، يمكن القول إن العلاقة الحالية التي تربط دول الخليج بتركيا من ناحية واليونان من ناحية أخرى تركز على التعاون الاقتصادي مع ترك الجوانب السياسية المركزية مفتوحة، جنبًا إلى جنب مع الشكوك الأساسية المتبادلة فيما يتعلق بطموحات ودوافع الجانبين على المدى الطويل، حيث يأتي التحدي الأكبر الذي يربط علاقة تركيا بالخليج في سياق شرق البحر الأبيض المتوسط؛ فمواصلة تركيا بتقديم مواقف لا هوادة فيها تجاه اليونان وقبرص أيضا، يمكن أن يؤدي إلى تفاقم التوترات بين أنقرة ودول الخليج.

لذلك من غير المرجح أن يحقق التقارب الخليجي عموما مع أنقرة بحدوث تغيير استراتيجي في نهج تركيا الإقليمي، فلا يزال الوجود العسكري التركي في الخليج والتحرشات البحرية التركية في شرق المتوسط وتدخلها في ليبيا يشكل تهديدًا.

ومن غير المرجح أيضا أن يتغير التوازن في شرق البحر المتوسط ​​بسهولة لصالح تركيا على المدى القصير، حتى لو استمرت علاقات تركيا مع مصر وإسرائيل والخليج في التحسن.

 

 

كلمات مفتاحية