قمة جزائرية تحت شعار لم الشمل العربى

إعداد: جميلة حسين محمد

 

استضافت الجزائر يومى الثلاثاء والاربعاء الموافق الاول والثانى من شهر نوفمبر الجارى القمة العربية رقم 31 بعد توقفها نحو 3 سنوات بسبب جائحة كورونا، حيث تم عقد آخر قمة عربية في تونس عام 2019 وهي القمة العربية الثلاثون. وتأتى تلك القمة  بناء على رغبة الجزائر لاستعادة الدور المحورى لها في حل الأزمات في المنطقة.  وجاءت القمة في اطار تحديات داخلية معقدة تعيشها المنطقة العربية وتحديات خارجية بسبب الحرب الروسية الأوكرانية ونتائجها المتمثلة في أزمة الغذاء والطاقة. 

مستوى الحضور 

حضرت جميع الدول العربية عدا سوريا المجمدة عضويتها منذ نوفمبر عام 2011 نتيجة لاعتماد نظام بشار الأسد الحل العسكرى من أجل قمع الاحتجاجات الشعبية المطالبة بتداول سلمى للسلطة. وجاءت القمة بمشاركة ثلثى القادة العرب ل 16 دولة بعضهم يحضر لأول مرة القمة. ويأتى فى المقدمة رئيس القمة (عبد المجيد تبون) رئيس الجزائر ، (قيس سعيد) رئيس تونس ،(عبد الفتاح السيسى) رئيس مصر، (محمد ولد الشيخ الغزواني) رئيس موريتانيا، (عثماني غزالي) رئيس جزر القمر، (إسماعيل عمر جيله) رئيس جيبوتي، (حسن شيخ محمود) رئيس الصومال، (عبد اللطيف جمال رشيد) رئيس العراق، (محمود عباس) رئيس فلسطين، (محمد يونس المنفي) رئيس المجلس الرئاسي الليبي، (عبد الفتاح البرهان) رئيس مجلس السيادة الانتقالي بالسودان، (رشاد محمد العليمي) رئيس مجلس القيادة الرئاسي اليمني، (الشيخ تميم بن حمد آل ثاني) أمير قطر، (مشعل الأحمد الصباح) ولي العهد الكويتي ، (الأمير الحسين بن عبدالله الثاني) ولي العهد الأردني ، (الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم) نائب رئيس الإمارات. 

بالاضافة الى تمثيل من المستوى الثانى 5 دول أخرى بتكليف من القادة ما بين رئيس حكومة ونائب رئيس وزراء ووزير وممثلين للقادة، فيمثل لبنان (نجيب ميقاتى) رئيس الحكومة اللبنانية، والمغرب (ناصر بوريطة) وزير الخارجية المغربى، وعمان (أسعد بن طارق آل سعيد) نائب رئيس الوزراء العماني والممثل الخاص للسلطان هيثم بن طارق، أما البحرين مثلها (الشيخ محمد بن مبارك آل خليفة) نائب رئيس مجلس الوزراء البحريني والممثل الخاص للملك حمد بن عيسى آل خليفة، فى حين يمثل السعودية (الأمير فيصل بن فرحان) وزير خارجية السعودية لاعتذار ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان عن المشاركة في القمة رسميًا بسبب مشكلة صحية.

بالاضافة الى بعض الوفود الحاضرة المراقبة رئيس حركة عدم الانحياز، و رئيس الاتحاد الأفريقي  الرئيس السنغالي (ماكي سال)، والأمين العام للأمم المتحدة (أنطونيو غوتيرش)، فضلاً عن الأمين العام للجامعة (أحمد أبو الغيط)، والأمين العام لمنظمة التعاون الإسلامي (حسين إبراهيم طه).

أبرز الملفات المطروحة 

جاءت عدد من الجلسات التحضرية التى تمت على مستوى وزراء الخارجية عن الدول العربية لضبط جدول أعمال الدورة ووضع أجندة القمة وبحث أبرز الملفات والقضايا الخلافية التى تتنوع بين قضايا سياسية وأمنية واقتصادية، والتى يأتى فى مقدمتها القضية الفلسطينية من أجل عودتها إلى مكانتها الدولية والإقليمية التي تستحقها في ظل التحديات التي يعيشها الشعب الفلسطيني بسبب اعتداءات وانتهاكات الاحتلال الاسرائيلى.

والبحث فى حل العديد من الأزمات السياسية التي تعاني منها الدول العربية خاصة فى سوريا واليمن وليبيا، وكذلك مناقشة ملف سد النهضة بين مصر والسودان وإثيوبيا. وملف التدخلات التركية والايرانية، واصلاح الجامعة العربية، فضلا عن ملف الحرب الروسية الأوكرانية وتداعيتها على المنطقة. بجانب ملف الارهاب وتأثيره على المنطقة، وأزمة المناخ والطاقة والأمن الغذائى العربى الذى يعتبر من أولويات القمة التى جاءت فى 24 توصية تؤكد على ضرورة وضع استراتيجيات لتحقيق الأمن الغذائى للمنطقة فى مواجهة الأزمة الاقتصادية التى خلفت جائحة كورونا والحرب الروسية الأوكرانية.

البيان الختامي للقمة

أولا القضية الفلسطينية

كما سلف الذكر القضية الفلسطينية تعتبر من القضايا المركزية للقمة وتم التركيز فى البيان على سبل مساعدة الشعب الفلسطينى والقيادة الوطنية للحصول على حقوقه المشروعية، بجانب اعادة احياء المبادرة العربية للسلام التى تم طرحها سلفا من طرف السعودية فى قمة بيروت عام 2002 بكافة عناصرها والتى تمت الموافقة عليها بالاجماع، وقد نصت على أن الشرط المسبق للسلام الشامل مع إسرائيل وتطبيع العلاقات معها، هو إنهاء احتلالها للأراضي الفلسطينية والعربية المحتلة منذ عام 1967، بما فيها القدس الشرقية، واعترافها بدولة فلسطين وحقوق الشعب الفلسطيني غير القابلة للتصرف. كما تم الاتفاق على لجنة عربية مشتركة لتنفيذ اعلان الجزائر للمصالحة بين مختلف الفصائل الفلسطينية وحماية مدينة القدس المُحتلَّة ومقدساتها . وتضمن البيان مخاطبة المجموعة العربية للأمم المتحدة ، ومختلف الهيئات الدولية لتوقف المجتمع الدولى عن تشجيع الحكومة الاسرائيلية لاستغلال الازمة الحالية لتنفيذ مزيد من المخططات التوسعية، والتوقف عن الانتهاكات الواقعة فى الاراضى الفلسطينة المحتلة للمقدسات وحقوق الانسان وأزمة الاعتقالات. والتأكيد على تبني ودعم توجه دولة فلسطين للحصول على العضوية الكاملة في الأمم المتحدة.

ثانيا الأزمات العربية

  أكدت القمة على العمل على تعزيز العمل العربي المشترك والقيام بدور جماعى لحماية الأمن القومي العربي والمساهمة في حل وإنهاء الأزمات التي تمر بها بعض الدول العربية، ورفض التدخلات الخارجية بجميع أشكالها في الشؤون الداخلية للدول العربية وذلك من أجل تعزيز العلاقات العربية-العربية. في هذا الإطار، تم استعراض عدد من الملفات للأزمات التى تمر بها بعض الدول العربية:

1- الملف الليبى: تأتى أهمية مناقشة الملف الليبى فى القمة لمحاولة مساعدة الليبين للخروج من أزمتهم والوصول الى حل ليبى/ليبى يرضى جميع الأطراف، وفى هذا الاطار جاء البيان للحث على مبدأ الالتزام بوحدة الدولة وسلامة أراضيها ورفض كل أشكال التدخل الخارجى. هذا اضافة الى التوصية لاتخاذ كافة الاجراءات الازمة لوضع أساس دستورى من أجل اجراء انتخابات ليبية حرة وتقديم الدعم للجنة العسكرية المشتركة، والحفاظ على استقلاليه قرارها وتوحيد المؤسسات الأمنية تحت سلطة تنفيذية موحدة.والمطالبة لخروج المرتزقة والمقاتلين ومحاربة التنظيمات الارهابية النشطة فى الاراضى الليبية.

2- الملف اليمنى: أشار البيان الى الالتزام بوحدة اليمن واستقراره وسلامة أراضيه، وتأييده لموقف الحكومة اليمنية المتمسك بالسلام علىى أساس ثلاث مرجعيات متفق عليها وهى المبادرة الخارجية ومخرجات مؤتمر الحوار الوطنى الشامل وقرار مجلس الأمن ، فضلا عن التأييد للمباردة السعودية للسلام فى اليمن، وادانة ميليشيات الحوثى عن التصعيد العسكرى والقصف بالصواريخ الباليستية والطائرات المسيرة التى يتم شنها على المدنيين بجانب انتهاكتها لحقوق الانسان. مع التشديد على ضرورة تجديد الهدنة اليمنية بالاشارة الى التزام الحكومة اليمنية بها ورفض الميليشيات الحوثية تمديدها واختيار التصعيد بنحو غير مسبوق على المنشأت النفطية فى محافظتى شبوة وحضرموت وغيرها.

3- الملف اللبنانى: أشار البيان بتوفير الدعم السياسى والاقتصادى للحكومة اللبنانية بما يحقق الوحدة الوطنية اللبنانية وأمنه واستقراره، وتأكيد حق اللبنانيين في تحرير واسترجاع مزارع شبعا وتلال كفر شوبا والجزء اللبناني من بلدة الغجر، وحقهم في مقاومة أي اعتداء بالوسائل المشروعة.  قوم لبنان بتنفيذ الإصلاحات المطلوبة وأن يقوم مجلس النواب بانتخاب رئيس جديد للبلاد.

4- الأزمة السورية: أكد البيان أن حل الأزمة السورية يكمن فى الحل السياسي القائم على مشاركة جميع الأطراف السورية بما يحقق تطلعات الشعب السوري، واستمرارية الجماعة فى جهودها لانجاح المفاوضات السورية وتكثيف الجهود للتوصل الى وقف شامل لإطلاق النار في كامل الأراضي السورية والتأكيد على ضرورة إنهاء التدخلات العسكرية الخارجية في سوريا، ومغادرة القوات الأجنبية كافة لأراضيها. ولم يغفل البيان عن ايضاح قلقه من تدهور الأوضاع الإنسانية في شمال غربي سوريا، والتحذير من موجات نزوح مستقبلية نتيجة لمواصلة العمليات العسكرية التي تستهدف المستشفيات والمرافق المدنية والبنى التحتية.

ثالثا ملف التدخلات الاقليمية والدولية

رفض البيان التدخلات الاقليمية المستمرة فى المنطقة العربية والدعم للجماعات المعارضة، كما أدان أى مساندة للارهاب وتأسيس جماعات ارهابية ممولة ومدربة أضافة الى تهريب الأسلحة والمتفجرات مما يزيد من حدة النزاعات المسلحة فى المنطقة. وأكد البيان احترام سيادة الدول وحسن الجوار بما يحقق أمن واستقرار المنطقة، ومحاولة بناء علاقات اقليمية تقوم على التعاون والاحترام.

رابعا ملف الارهاب وتأثيره على المنطقة

لفت البيان  ضرورة توحيد الجهود لمكافحة الإرهاب والتطرف بجميع أشكاله وتحجيم منابع تمويله والعمل على حث المجتمع الدولي للالتزام بقواعد القانون الدولي وقرارات الأمم المتحدة ذات الصلة، خاصة فيما يتعلق بمطالبة الشركاء بعدم السماح باستخدام أراضيهم كمنصة لدعم أعمال إرهابية ضد دول أخرى. 

خامسا ملف الأمن الغذائى والطاقة والمناخ

تسعى القمة الى طرح استراتيجة جديدة  لمواجهة تحديات المناخ وأمن الطاقة ولأمن الغذائى العربيى تهدف للارتقاء بنسبة الاكتفاء الذاتى وسد الفجوة الغذائية الغير محتملة لمواجهة الأزمات الحالية ، كما صرح الأمين العام لجامعة الدول العربية(أحمد أبو الغيط) قائلاً “نأمل أن تشهد القمة العربية تدشيناً لاستراتيجية الأمن الغذائي العربي، في وقت تشتدُّ فيه الحاجة لعمل تكاملي وجماعي لمواجهة الفجوة الغذائية الخطيرة التي يُعانيها العالم العربي، فضلاً عن الأوضاع الاستثنائية والطارئة في بعض الدول العربية، ومنها الصومال على سبيل المثال، والذي يقف نحو نصف سكانه على شفا المجاعة”. وتأتى هذه الاستراتيجية فى اطار الحديث عن منطقة التجارة العربية الحرة وتنشيط عدد من الاتفاقيات العربية المشتركة مثل الاتحاد الجمركى العربى، فضلا عن طرق زيادة اللاستثمار بين الدول العربية ، وذلك بتكليف الأمانة العامة لتقديم كافة المقترحات ذات الشأن.

سادسا ملف الأمن المائى

أكد البيان على أهمية الأمن المائى للدول العربية الذى يمثل جزء أساسى للأمن القومى العربى، وضرورة تكاتف الدول العربية لحماية الحقوق المائية وفق القانون الدولى، وفى هذا الاطار أكد على أهمية عدم اتخاذ أى خطوات أحادية لملء سد النهضة، انما التوصل لعقد اتفاق قانوني ملزم لملء وتشغيل سد النهضة وفقا للقانون الدولى وبما يحفظ حقوق مصر والسودان فى مياه النيل.

 

سابعا ملفات جانبية 

أكد البيان الختامى على ضرورة إنشاء منطقة خالية من الأسلحة النووية وأسلحة الدمار الشامل بالشرق الأوسط. ودعوة جميع الأطراف المعنية للانضمام وتنفيذ معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية التي تظل حجر الأساس للنظام الدولي لمنع انتشار هذه الأسلحة. وشدد البيان على اتباع سياسية عدم الانحياز تجاه الأزمة الروسية الأوكرانية والموقف العربى المندد لاستعمال القوة ومحاولة تفعيل خيار السلام. فى حين أشار الى استمرارية تقديم الدعم الكافى للنازحين واللاجئين فى الدول المستضيفة باعتبار ان هذه القضية مسئولية جماعية وليس مسئولية الأخيرة فقط، وأن الحل يكمن فى العودة الى ديارهم مرة أخرى. 

ختاماً، فى اطار نظر البعض لقمة الجزائر باعتبارها تحرك هام لتوحيد المواقف العربية والخروج بنتائج توافقية لمواجهة أزمات المنطقة المعقدة على الرغم من أهمية الملفات المطروحة فى القمة العربية والتى تم وضع الخطوط العريضة لها من خلال الاجتماعات التحضرية المسبقة لوزراء الخارجية، الا أن نتائج القمة وأليات تنفيذها تم تحييدها لكون بعضها محل خلاف بعض الشئ بين الدول العربية، حيث تم تجنب الإشارة الصريحة إلى الملفات الخلافية الشائكة كقضية التطبيع مع إسرائيل والموقف من تدخلات بعض الدول الإقليمية مع الاكتفاء فقط برفض التدخل الاقليمى والدولى فى الملفات العربية. فنتائج القمة يمكن القول أنها تقاربية بشكل واضح شأنها شأن القمم السابقة وهى محاولة التوافق رغم وجود بعض الاختلافات بين الدول خاصة فيما يتعلق بالقضايا السياسية. ولكن النجاح الحقيقى للقمة يكمن فى اطار تجاوز البرامج والاعلانات والوصول الى عمل وتنفيذ واقعى للسياسات التى انتهجها البيان.

 

كلمات مفتاحية