إعداد : رضوى الشريف
بعد أسبوعٍ من تفجير فى قلب إسطنبول، أُسقط قتلى وجرحى، اتهمت أنقرة حزب العمال الكردستانى بتنفيذه، أعلنت وزارة الدفاع التركية، أن مقاتلاتها شنّت غارات، فى ساعة متأخرة من مساء السبت 20 نوفمبر، على معاقل ما سمَّتْها التنظيمات الإرهابية، شمالى سوريا والعراق، فى إشارةٍ إلى حزب العمال الكردستانى وحلفائه.
وقالت الوزارة التي نشرت المشاهد الأولى للغارات: إن العملية التي سمَّتْها “المخلب السيف”؛ تهدف للقصاص لما وصفته بالهجوم الغادر، فى إشارةٍ إلى انفجار إسطنبول الأخير.
وبعد ساعةٍ من بدْء العملية التركية، اعتبر القائد العام لقوات سوريا الديمقراطية، مظلوم عبدى، أن القصف التركى يهدد المنطقة بأسرها، وأنه لا يصُبُّ فى مصلحة أىّ طرفٍ، مشيرًا إلى بذْل جهودٍ فى سبيل تجنُّب وقوع كارثةٍ كبرى، وفق قوله.
ووفق إحصائيات “المرصد السوري لحقوق الإنسان”، بلغت حصيلة القتلى فى شمال سوريا إلى الآن 35 قتيلًا، ولا تزال مرشحةً للارتفاع لوجود نحو 35 جريحًا ومفقودًا.
دعوات دولية لضبط الأنفس
تواجه الضربات الجوية التركية فى شمال العراق وسوريا، رفضًا دوليًّا متصاعدًا، خصوصًا بعد الإعلان عن تدمير بُنى تحتية، من بينها: “صوامع غلال، ومحطة كهرباء، ومستشفى”، وتسجيل قتلى فى صفوف المدنيين.
إلى ذلك، أعلن متحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية، أنّ الولايات المتحدة تعارض أىّ عمل عسكرى يزعزع استقرار الوضع فى سوريا، مضيفًا، أنّ واشنطن أبلغت أنقرة ببواعث قلقها الشديدة من تأثير مثل هذا الهجوم على هدف محاربة تنظيم “داعش”.
من جهتها، دعت ألمانيا إلى ردٍّ “مناسب” يتوافق مع القانون الدولى، بعدما نفَّذت تركيا ضربات جوية على قواعد للمقاتلين الأكراد فى شمال سوريا والعراق.
وفى وقتٍ سابقٍ من يوم الثلاثاء 22 نوفمبر، قال مبعوث الرئيس الروسى الخاص إلى سوريا، ألكسندر لافرنتييف: إن موسكو تدعو أنقرة إلى ضبْط النفس، ومنع التصعيد على خلفية الضربات على سوريا والعراق.
وأشار “لافرينتييف” إلى أن تركيا لم تخطر روسيا مسبقًا بالعملية الجوية فى سوريا والعراق، وستناقش هذه المسألة خلال الاجتماع حول سوريا فى أستانا.
دوافع تركية
وفي تحليل أسباب هذه العملية التركية، تأتى هذه العملية على أنها جزءٌ من محاولة التصدى لحزب العمال الكردستانى، وبالرغم من أنها ليست طريقةً للردِّ على اعتداء شارع الاستقلال بإسطنبول، إلا أن أنقرة تتخذ من انفجار إسطنبول ذريعةً لإظهار الأكراد، بأنهم يُشكِّلون تهديدًا للدولة التركية، وبناءً على ذلك تستند أنقرة فى عملياتها ضد الأكراد على مبدأ الدفاع عن النفس المنصوص عليها فى ميثاق الأمم المتحدة، وضمان سلامة الحدود، والقضاء على الإرهاب.
كما أن الاضطرابات الداخلية فى إيران والوضع السياسى المتوتر فى إقليم كردستان، والتغيُّرات السياسية التى حصلت فى بغداد، تمنح أنقرة فرصةً للاندفاع والتوسُّع، خاصةً أنها لديها طموحات تاريخية لا تُخْفيها فى الإقليم ومواقفها المضادة لطموحات الشعب الكردى.
هل ستُقْدِمُ تركيا على توسيع عمليتها ضد الأكراد؟
بالرغم من أن وزارة الدفاع التركية لم تُحدِّد حتى الآن المسار الزمنى المخصص لعمليتها الجديدة، فيما ألمح الرئيس التركى، رجب طيب أردوغان، فى أولى تصريحاته حول هذا الموضوع إلى إمكانية شنِّ هجومٍ برىٍّ.
تعتبر هذه العملية بدايةً لنوعٍ جديدٍ من العمليات التركية الشاملة فى الإقليم؛ لذلك لا يوجد مجال للاستهانة بالتهديدات التركية، واستبعاد إقدام أنقرة على القيام بها؛ حيث تترافق تلك التهديدات مع تصعيدٍ عسكرىٍّ متكررٍ، شمل خطوط التماس، منذ مطلع شهر أبريل الماضى، وتركيا التي كانت قد طرحت، فى السنوات الأولى من عمر الحرب السورية، فكرة إقامة منطقةٍ عازلةٍ شمالى سوريا؛ بهدفٍ مُعْلنٍ، هو حماية المدنيين، شنَّت منذ عام 2016، ثلاث عمليات عسكرية فى الشمال السورى؛ هدفها القضاء على المسلحين الأكراد، وإبعاد سيطرتهم عن المناطق القريبة من حدودها هي: “عملية درع الفرات” (بين مدينتي أعزاز وجرابلس) عام 2016، وعملية “غصن الزيتون” (عفرين) عام 2018، وعملية “نبع السلام” (بين مدينتي تل أبيض ورأس العين) عام 2019.
وتخضع المناطق التى كانت مسرحًا للعمليات الثلاث – الآن- إلى سيطرة فصائل المعارضة السورية المدعومة من أنقرة، وهى تجاور مناطق ما زالت خاضعة لسيطرة قوات سورية الديمقراطية، ذات الأغلبية الكردية.
وعلى غرار تلك العمليات القتالية التي شنَّها الجيش التركى السابق ذكرها، يبدو جليًّا إعداد إسطنبول لخطة توسُّعية، تضع لمساتها الأخيرة.
وبالرغم من أن المتحدّث الرسمى باسم قوات سوريا الديمقراطية كان قد شدَّد بعدم وجود أىِّ تغييراتٍ فى مواقع انتشار القوى الدولية؛ أىْ قوات التحالف الدولى الذى تقوده واشنطن، وتتواجد عناصره فى مناطق سيطرة “قوات سوريا الديمقراطية”، إلا أن القوات الكردية تتأهب للمواجهة التى ترى حدوثها وشيكًا، وينقسم متابعو المشهد هناك، حول الرهان على دعم واشنطن ودول التحالف لقوات سوريا الديمقراطية، والبعض الآخر يبادر بترجيح تخلِّى الولايات المتحدة عنهم، مقابل مكاسب فى الصراع “الأوروبي – الأمريكى – الروسى” المشتعل في أوكرانيا، والقابل للتوسع.
في النهاية:
يمكن القول: إن التصعيدات التركية الحالية تأتى لتجدد رؤية المخطط التركى التوسُّعى، ولاستكمال خطتها فى إنشاء منطقةٍ آمنةٍ ممتدةٍ من معاقل “العمالى” فى جبال كردستان إلى حدودها الجنوبية مع سوريا، مستغلةً بذلك تغيير الظروف الدولية التى أدَّت إلى إطاحة كل التعهُّدات والسيناريوهات ومجريات التسويات السياسية، وكذلك العمليات الميدانية، ودخول روسيا فى الحرب الأوكرانية، المستمرة منذ شهر فبراير الماضى، يشجع بعض الدول لإعادة النظر فى خططها التوسُّعية، ويجعل الأمر يتطور بشكلٍ غير مخططٍ له.