مِصْرُ والاتحَادُ الأُوروبيُ: نَحْوَ مُسْتقبلٍ اقْتِصَاديٍ مُشتركٍ

إعداد: عمر عبدالهادي

فيِ عَالمٍ يَسْعىَ فِيهِ الجَميعُ إلى تَعْزيزِ العَلاقَاتِ التِجَاريةِ والاقْتِصَاديةِ، تَبْرزُ الشَرَاكةُ بينَ مِصرَ والاتحادِ الأوروبيِ كمِثالٍ على تَحالُفٍ اسْتراتيجيٍ يَحمِلُ الكَثير َمِنَ الإمْكاناتِ الوَاعِدةِ.  تاريخياً، تَمَيزتْ العلاقاتُ المِصريةُ الأُوروبيةُ بالتعاونِ في مجالاتٍ عديدةٍ، بدءًا مِنَ التبادلِ التِجاريِ والثَقَافيِ ووصولاّ إلى التنسيقِ السياسيِ. ومَعَ تَزَايدِ وَتيِرةِ العَوْلمةِ والتَحَدياتِ العالميةِ المُشتركةِ، باتَ مِنَ الضَروريِ تَعٰميقُ هذهِ الشراكةِ وبِناءِ جسورٍ مِنَ التعاونِ الاقتصاديِ الأَوْثقِ.

تَفَاصيلُ الاتفاقِ الاقتصاديِ  بَيْنَ مِصْرَ و الاتحادِ الأوروبيِ

تَتَمَحورُ الاتفاقيةُ الاقتصاديةُ بينَ مِصر َو الاتحادِ الأوروبيِ حَوْلَ الحُزمةِ الماليةِ المُقَدمةِ و التي تَبلغُ قِيمتُها 7.4 مليار يورو) ما يُساويِ حَواليِ 8.1 مليار دولار(. ينقسمُ المبلغُ الإجماليُ للصفقةِ الى 5 مليار يورو في شكلِ قروضٍ ميسرةٍ (بفائدةٍ منخفضةِ)، 1.8 مليار استثماراتٍ في مجالِ الطاقةِ المُتجددةِ و 600 مليون يورو  في شكلِ منحٍ. سيُصرفُ منها مليارُ دولار هذا العامِ و الباقيِ سيُقَسمُ حتى سنةِ 2027.

الجزءُ الثاني منَ الاتفاقِ الاقتصاديِ، يتضمنُ عقدَ مؤتمرٍ استثماريٍ في النصفِ الثانيِ من العامِ الجاريِ بهدفِ تعزيزِ و تمكينِ الاستثماراتِ الأوروبيةِ في مصرَ. و أضافَ بيانُ الاتحادِ الأوروبيِ الى أهميةِ استغلالِ المنطقةِ الاقتصاديةِ بقناةِ السويسِ لتعزيزِ سلاسلِ الإمدادِ الأوروبيةِ. إلى جانبِ الربطِ الكهربائيِ ما بينَ مصر َو الاتحادِ من خلالِ دولةِ اليونان.

الأثرُ على سوقِ الصرفِ  الأجنبيِ

الاتفاقُ يحتويِ على تدفقٍ من اليورو إلى داخلِ الاقتصادِ المصريِ مما سيزيدُ المعروضَ من العُمْلاتِ الأجنبيةِ مُقابلَ الجُنيهِ المِصريِ. طبقاً لمنهجيةِ تحديدِ سعرِ الصرفِ المُستندةِ لمِيزانِ المدفوعاتِ التي تعاملُ سعرَ الصرفِ كأيِ سعرٍ آخرَ يُحَددُ منْ خلالِ العرضِ و الطلبِ. هذهِ الزيادةُ مُنَ المعروضِ سترفعُ منٍ قيمةِ الجُنيهِ معَ افتراضِ بقاءِ العواملِ الأخرىَ ثابتةٍ.

إلى جانبِ التدفقِ الماليِ المباشرِ، الربطُ الكهربائيُ بينَ مصرَ و الاتحادِ الأوروبيِ الذي سيتيحُ لمصرَ تصديرَ الفائضِ من امكانيتِها الإنتاجيةِ الى دولِ اوروبا باليورو. ممَا سيرفعُ ايضاً منْ قيمةِ الجنيهِ و سيكونُ مصدراً جديداً للنقدِ الأجنبيِ إنْ استطاعتْ مصرُ توفيرَ الكهرباءِ بسعرٍ تنافسيٍ. مع العلمِ انَّ الاتفاقَ يحددُ الصادراتِ منَ الكهرباءِ النظيفةِ التي سيزيدُ من َالطلبِ عليَها في المستقبلِ حيثُ تستهدفُ الدولُ الأوروبيةُ تقليلَ الاعتمادِ على مصادرِ الطاقةِ المُلوثةِ للبيئةِ. و يُوجدُ لدي مصرَ افضليةٌ تنافسيةٌ في انتاجِ الطاقةِ المتجددةِ بسعرٍ تنافسيٌ.

اُثرُ الترابطِ الاقتصاديِ بينَ مصرَ و الاتحادِ الأوروبيِ 

يتضمنُ الاتفاقُ مشاركةَ و مساندةَ الاتحادِ الأوروبيِ في المؤتمرِ الاستثماريِ في آوَاخرِ العامِ الجاريِ على النحوِ المذكورِ سابقاً ممَا سيساندُ في ضَخِ الاستثماراتِ المُباشرةِ الأوروبيةِ إلى مصرَ ممَا سَيَسدُ منْ فجوةِ التمويلِ المصريِ التي قُدِرَتْ بحَواليِ 17 مليارَ دولارٍ خلالَ 4 أعوامٍ تطبقاً لبيانِ صُندوقِ النقدِ الدوليِ. علماً بأنَّ فَجْوةَ التمويلِ هي الفرقُ ما بينَ النقدِ الأجنبيِ المطلوبِ لتمويلِ سدادِ الديونِ و الوارداتِ، و دخْلِ الدولةِ منَ العُملاتِ الأجنبيةِ لتلبيةِ هذا الطلبِ.

ذكَرَ بيانُ الاتحادِ الأوروبيِ خصيصاً المنطقةَ الاقتصاديةَ لقناةِ السويسِ و اهميِتها لسلاسلِ الإمدادِ الأوروبيةِ و هي عدةُ مناطقَ على ضِفافِ قناةِ السويسِ و البحرِ الأحمرِ أُنشئتْ في 2002. و تحظىَ المنطقةُ بصلاحياتٍ و قواعدَ خاصةٍ مستقلةٍ بموجبِ القانونِ لتشجيعِ الاستثماراتِ في هذهِ المناطقِ تفادياً للبيروقراطيةِ البطيئةِ المُعِيقةِ للنشاطِ الاقتصاديِ. حيثُ تحظىَ المنطقةُ بنظامٍ جُمركيٍ خاصٍ و نظامِ ضرائبَ خاصٍ.  و قَدْ أبدتْ المَناطقُ الاقْتِصاديةُ الخاصةُ نجَاحاتٍ كبيرةٍ في دولٍ عدةٍ من أهمِها مدينةُ “شينزن” (shenzen) في الصينِ التي تحولتْ مِنْ قريةٍ صغيرةٍ الى أهمِ المُدنِ للإلكترونياتِ الحديثةِ حولَ العالمِ حيثُ ضَختْ العَديدُ من الشَركاتِ العَالميةِ استثْمَارَاتِها فيها تفادياً للعَائقِ الأكبرِ الذي كانَ يمنعُ الاستفادةَ من تَكلْفةِ العِماَلةِ الرخيصةِ و هوَ الإطارُ القانونيُ الاشتراكيُ. و على نفسِ المنوالِ، المنطقةُ الاقتصاديةُ لقناةِ السويسِ تحملُ القابليةَ لتكونَ النواةَ للتحولِ الاقتصاديِ المصريِ بالمساندةِ الأوروبيةِ التي ستستعاد على جلب الثقة المطلوبة للمنطقةِ لتُزيلَ العائقَ أمامَ الشركاتِ و المؤسساتِ العالميةِ للاستفادةِ مِنَ المكانِ الاستراتيجيِ المصريِ الذي يمرُ به اغلبيةُ سلاسلِ الامدادِ العالميةِ.

بالإضافةِ الي أنَّ رفعَ مُستوىَ الشراكةِ بينَ مصرَ و الاتحاد ِالاوروبيِ سيُعطىِ للمستثمرِ الأوروبيِ ثقةً أكبرَ في الاقتصادِ المصريِ بسببِ ترابطِ المصالحِ بينَ الدولةِ و الاتحادِ.

رأسُ الحكمةِ و الاتفاقُ الأوروبيُ: أهميةُ الطبيعةِ المختلفةِ للاتفاقِ الأوروبيِ

تتميزُ طبيعةُ الاتفاقِ الأوروبيِ بالتركيزِ على تكنولوجياتِ الطاقةِ المتجددةِ و زيادةِ الاستفادةِ منها و المساعدةِ التِقَنيةِ المُقدمةِ منَ الجانبِ الأوروبيِ. بالمقارنةِ باتفاقِ رأسِ الحكمةِ الذي يتناولُ استثماراتٍ في مجالِ الإنشاءِ الذي يُعتبرُ قطاعاً متطوراً في مصرَ. فقطاعُ الطاقةِ المتجددةِ بطبيعتهِ يُعتبرُ قطاعاً ناشئاً في جميعِ أنحاءِ العالمِ وفي مصرَ بالاضافةِ الي جزءٍ كبيرٍمنَ النشاطِ فيه يتطرقُ للبحثِ العلميِ و اكتشافِ و تطويرِ تكنولوجياتٍ جديدةٍ و متطورةٍ. لذلكَ فنموُ هذا القطاعِ في مصرَ سيساعدُ على تطويرِ منظومةِ البحثِ العلميِ في البلدِ لخدمةِ هذا القطاعِ الناشئِ. و تبعياتِ هذا التطويرِ إنْ نجحَ هو زيادةُ القدرةِ التصنيعيةِ في مصرَ و الزيادةِ من إمكانيةِ مصرَ في انتاجِ منتجاتٍ أكثرَ تطوراً تُدِرُ عائداً اكبر َللبلادِ مثلَ شرائحِ الكمبيوترِ.

كلمات مفتاحية