قراءة تحليلية حول خطاب النصر لـ«بوتين»

إعداد: هنا أشرف

وجَّه الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، في “خطاب النصر” بموسكو، بعدما حقَّق فوزًا ساحقًا في الانتخابات الرئاسية، رسائل عديدة قوية للداخل والخارج، وذكر استطلاع لآراء الناخبين لدى خروجهم من مراكز الاقتراع، أجرته مؤسسة الرأي العام أن «بوتين» بنسبة 87.8 % من الأصوات، وهي أعلى نتيجة على الإطلاق في روسيا ما بعد الاتحاد السوفيتي.

ومنح مركز أبحاث الرأي العام الروسي «بوتين» 87 % من الأصوات، وتشير النتائج الأوَّليّة الرسمية إلى دِقَّة نتائج استطلاعات الرأي.

فقد أعلنت اللجنة الانتخابية عن فوزٍ قياسيٍّ لـ«بوتين» في الانتخابات، وقالت رئيستها “إيلا بامفيلوفا”: إن «بوتين» نال نحو 76 مليون صوت؛ ما يمثل 87.29 %، بعد فرْز 99.76 % من الأصوات، وقالت “بامفيلوفا”: إن التصويت في الانتخابات الرئاسية سجَّل أعلى نسبة في تاريخ البلاد، بلغت أكثر من 77 %، وشارك في العملية الانتخابية أكثر قليلًا من 87.1 مليون مواطن، ورأت “بامفيلوفا” أن أحد العوامل الرئيسية وراء ارتفاع نسبة الإقبال على التصويت، هو ضغط الغرب وسياسته المناهضة لروسيا؛ حيث يرفض الشعب الروسي مِثْل هذه الضغوط والإملاءات الخارجية، وأظهرت الانتخابات وِحْدة الشعب الروسي.

وكان هذا الموضوع أساسيًّا في”خطاب النصر” الذي ألقاه «بوتين» ليلة الإثنين في مقره الانتخابي؛ حيث أكَّد أنه لن يكون من الممكن أبدًا قمْع إرادة الرُّوس من الخارج، ورأى أن نتيجة الانتخابات تُوفِّرُ شروطًا لمزيدٍ من المُضي قُدُمًا حتى تصبح روسيا أقوى وأقوى وأكثر فاعلية، وأعرب عن شكره للمواطنين الرُّوس الذين حضروا إلى مراكز الاقتراع، وأدْلوا بأصواتهم في الانتخابات الرئاسية، مُركِّزًا بالدرجة الأولى على الإشادة بـجنودنا الذين لا يدخرون جهدًا في سبيل الدفاع عن الوطن.

سارع أصدقاء وحلفاء الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، لتهنئته على فوزه في الانتخابات، لكن القادة الغربيين ندَّدُوا بما وصفوها بالانتخابات غير الشرعية، ورأى الرئيس الصيني، شي جينبينغ، أن فوْز «بوتين» في الانتخابات الرئاسية يُظْهِرُ بشكلٍ كاملٍ دعْم الشعب الروسي له، وفق الإعلام الرسمي في بكين، وهنَّأ الرئيس الإيراني، إبراهيم رئيسي، نظيره الروسي، على فوْزه الحاسم، وإعادة انتخابه رئيسًا لروسيا الاتحادية، ورفض وزير الخارجية البريطاني، ديفيد كاميرون، النتائج، مؤكدًا أنها تظهر مدى القمع، وقال وزير الخارجية الإيطالي، أنطونيو تاياني: “الانتخابات لم تكن حرة”.

تحدث الرئيس «بوتين» في خطاب النصر عن عدة محاور ومواضيع أساسية ومهمة:

-تحذير الغرب من اندلاع حرب عالمية ثالثة:

قال الرئيس «بوتين» في خطابه، بعد أن حقَّق انتصارًا ساحقًا في الانتخابات الرئاسية الأخيرة: “إن الحرب العالمية الثالثة تقف على خطوةٍ واحدةٍ، في حال اندلاع صراعٍ مباشرٍ بين روسيا وحلف شمال الأطلسي الناتو”.

وهذا يوضح أن «بوتين» تعمَّد ذكر هذه النقطة تحديدًا، وهي أن الصراع مع “الناتو” بشكلٍ مباشرٍ يعني حربًا عالمية ثالثة، فهذا بديهي إذا حلَّلنا كيفية شكل الحرب هذه إذا ما اندلعت، قوى نووية تتصارع بشكلٍ مباشرٍ هي حرب عالمية دون الإعلان عنها، وأصبحت فرص اندلاع الحرب العالمية في تزايد؛ نتيجة تصاعد التوتُّر في أوكرانيا، وأنه بالفعل سيشهد العالم حربًا عالميةً إذا ما تعاملت جميع الأطراف بعقلانية.

تعزيز قوة الجيش:

وأشار الرئيس الرُّوسي إلى أنه سيبذل كُلَّ ما في وسعه لإنجاز تلك المهام والأهداف، التي يعتبرها هو وإدارته من الأولويات، وأضاف أن القوات المسلحة الروسية تتقدم في أوكرانيا كُلَّ يوم، وأنها تملك زمام المبادرة في ساحة المعركة، وأكَّد أن قواته تتمتع بأفضلية على القوات الأوكرانية على الجبهة في أوكرانيا، ووعد مرةً أُخرى بـتحقيق أهداف موسكو، وقال «بوتين»: “بصورة عامة، المبادرة تعود بالكامل إلى القوات المسلحة الروسية، وفي بعض المناطق يقوم رجالنا بسحْق العدو”.

وأضاف، أن على بلاده أن تنجز المهام المرتبطة بما يصفها “بالعملية العسكرية الخاصة” في أوكرانيا، وتعزيز قوة الجيش، مشيرًا إلى أن ذلك على رأس الأولويات.

وبخصوص ما يتعلق بالمجال العسكري، فإن روسيا الحديثة حتى بعد انهيار الاتحاد السوفيتي وفقدان جزءٍ كبيرٍ من إمكاناته، هي اليوم واحدة من أقوى القوى النووية في العالم، علاوةً على ذلك، تتمتع بمزايا معينة لجهة امتلاكها أحدث أنواع الأسلحة وفي هذا الصدد، لا ينبغي أن يشك أحد في أن الهجوم المباشر على روسيا سيؤدي إلى هزيمة أيِّ مُعْتدٍ محتملٍ، وسوف يُواجَه بعواقب وخيمة،
في الوقت نفسه، تتغير التقنيات، بما في ذلك تقنيات الدفاع، لكن التطوير العسكري للمناطق المتاخمة لحدود الدولة، إذا سمحوا بذلك، سيبقى لعقودٍ قادمةٍ، وربما إلى الأبد، وسيخلق نموًا دائمًا بشكلٍ مطلقٍ لتهديدٍ غير مقبول لروسيا

دور العراق وليبيا وسوريا:

أوضح الرئيس «بوتين» في الخطاب، أن الاستخدام غير المشروع للقوة العسكرية ضد ليبيا، وانحراف جميع قرارات مجلس الأمن الدولي بشأن القضية الليبية؛ أدى إلى التدمير الكامل للدولة، وظهور بُؤْرةٍ ضخمةٍ للإرهاب الدولي، إلى حقيقة أن البلاد منهارة، وإلى كارثة إنسانية لم تتوقف منذ سنوات طويلة وحرب أهلية، المأساة أدَّت إلى نزوحٍ جماعي من شمال أفريقيا والشرق الأوسط إلى أوروبا،
ومع ذلك، يحتلُّ غزو العراق بالطبع مكانًا خاصًّا في هذه السلسلة، دون أيِّ سندٍ قانونيٍّ أيضًا كذريعة، واختاروا معلومات يزعم أنها متوفرة للولايات المتحدة، حول وجود أسلحة دمار شامل في العراق، كدليلٍ على ذلك، فيترتب على ذلك، أن يتولد بشكلٍ عامٍ لدى المرء انطباعٌ، بأنه فعليًّا في كل مكان، في العديد من مناطق العالم؛ حيث يأتي الغرب ليقيم نظامًا خاصًّا به، تكون النتيجة جروحًا دموية غير ملتئمة، وتقرُّحات للإرهاب الدولي والتطرُّف.

رسائل «بوتين» الموجهة للداخل و الخارج من خلال الخطاب:

رسائل من «بوتين» موجهة للداخل:

وتضمنت الرسائل التي وجهها «بوتين» إلى الداخل فيما يلي:

-احتجاجات المعارضة خلال العملية الانتخابية لم يكن لها أيُّ تأثيرٍ على الانتخابات.

-توعد الرئيس الروسي بملاحقة الناخبين الذين أفسدوا أوراق الاقتراع، معتبرًا أن الأمر جريمة جنائية، وستتعامل سلطات الأمن والسلطات القضائية وفقًا للقانون.

-اعتبر «بوتين» أن وفاة المعارض، أليكسي نافالني، حدثٌ مُحْزِنٌ، وأنه كان موافقًا على مبادلته ببعض الأشخاص المسجونين في دول غربية.

-أكد «بوتين» أنه سيعطي أولويةً لحل المسائل العسكرية التي تنفذها روسيا في أوكرانيا.

-أكد الرئيس الروسي ضرورة التوحُّد، قائلًا: “عندما توحدنا، لم ينجح أحد في التاريخ على الإطلاق في ذلك، ولن ينجحوا الآن، ولن ينجحوا أبدًا في المستقبل”.

رسائل من «بوتين» موجهة للخارج:

أما الرسائل التي وجهها «بوتين» في خطابه للخارج، فتمثَّلت فيما يلي:

-نشر قوات غربية في أوكرانيا، قد يقود العالم إلى شفا حرب عالمية ثالثة.

-القوات الروسية تتمتع بأفضلية على القوات الأوكرانية على الجبهة في أوكرانيا.

-روسيا ستحتاج إلى التفكير في الطرف الذي يمكنها إجراء محادثات معه، بشأن إمكانية إحلال السلام في أوكرانيا.

-انتقد «بوتين» النظام السياسي الأمريكي، وأكد أنه ذا دوافع سياسية، كما انتقد النظام القضائي، وقال: “إن ما يحدث في الولايات المتحدة كارثة وليست ديمقراطية”

-روسيا مستعدة لإجراء محادثات، بشأن مقترح فرنسا لوقف إطلاق النار في أوكرانيا، خلال دورة الألعاب الأولمبية.

“الناتو” يمثل تهديدًا واضحًا لموسكو:

قال: إن العام الماضي شهد توتُّرا مع دول أوروبية، ومع حلف شمال الأطلسي “الناتو”، مضيفًا أن روسيا تحُثُّ أوروبا على التوصُّل إلى تسويةٍ عادلةٍ، ولكنهم لا يريدون الاستماع إلى مطالبنا، وأشار إلى أن “الناتو” بات “يمثل تهديدًا واضحًا لبلدنا ولحدودنا”، ولذا أقدمت موسكو على بدْء هجومٍ داخل أوكرانيا، في فبراير/شباط الماضي.

الحوار مع الولايات المتحدة:

أشار الرئيس أن روسيا مستعدة للحوار مع الولايات المتحدة، ولكن فقط إذا كانت الولايات المتحدة مستعدة لمراعاة مصالح الاتحاد الروسي، وقال بوتين: “إذا كنت تريد مناقشة القضايا المهمة المتعلقة بالأمن والاستقرار، والتي تعتبر مهمة بالنسبة للكوكب بأكمله، فأنت بحاجة إلى القيام بذلك فقط في مجمع واحد”،

وشدَّد على أنه بدون روسيا القوية ذات السيادة، لن يكون هناك نظام عالمي دائم ممكن، ووصف «بوتين» تصريحات واشنطن بـ”الاهتمام المزعوم” بالحوار الديماغوجي عشية الانتخابات الرئاسية الأمريكية.

الاقتصاد في ظل العقوبات:

وفقًا لـ«بوتين»، على مدى العقود الماضية، تمَّ إنشاء هامشٍ كبيرٍ من الأمان، وبفضل ذلك، نما الاقتصاد الروسي في عام 2023، بمعدل أعلى من الاقتصاد العالمي، متفوقًا على دول مجموعة السبع، روسيا هي أكبر اقتصاد في أوروبا، من حيث الناتج المحلي الإجمالي عند تعادل القيمة الشرائية، وقال «بوتين»: إن الوتيرة تسمح لنا بالقول: إننا سنكون قادرين على دخول القوى الاقتصادية الأربع الكبرى في العالم، وتطرَّق «بوتين» في رسالته أيضًا إلى قضايا إمكانية الوصول إلى وسائل النقل في روسيا؛ لأن مثل هذه المتطلبات مهمة للتشغيل المنسق لممر النقل بين الشمال والجنوب، والذي سيربط روسيا بدول الشرق الأوسط وآسيا، لكنها لن تعتمد على الطرق البرية فحسب، بل ستعتمد أيضًا على السكك الحديدية والنقل المائي.

وختامًا

فإن الخطاب لم يُقدِّم سوى القليل من الوضوح في بعض الأمور، كما أنه لا يقدم أيَّ إشارةٍ عن تحوُّلٍ في السياسة، بشأن الحرب «الروسية – الأوكرانية»، إلا الإشارة بإمكانية إحلال السلام في أوكرانيا، من خلال بعض المحادثات.

كلمات مفتاحية