إعداد: آية أشرف
المقدمة
في ظِلِّ الأَوْضاعِ الرَاهنةِ والتَصَاعُدِ الخَطيرِ للأَحداثِ في قِطاعِ غَزةَ وإثْباتِ الوَاقعِ لفَشَلِ الحُكومةِ الإسرائيليةِ في إدارةِ الحَربِ في القِطاعِ بمَا يحققُ الأَهدافَ الإسرائيليةَ التي تَزْعمُ حكومةُ “نتنياهو” التَرْويجَ لهَا وتَزامنُ ذلكَ مع ضُغُوطٍ دوليةٍ بضَرورةِ التَوصلِ لِحلِِّ لإِنهاءِ هذهِ الحربِ، ظَهَرتْ العديدُ مِنَ الدعَاوىَ التي تَحْمِلُ مُخَططاتٍ لِشَكلِ القِطاعِ في اليومِ التاليِ بَعدَ انْتهاءِ الحَربِ، وتَدورُ حَولَ شَكلِ الحُكمِ في القِطاعِ، ولعلَّ أبرزَهَا هو تَقْسيمُ القِطاعِ إلى كَياناتٍ إِدَاريةٍ يُسنَدُ الحُكمُ فيها لإِدارةِ مَدَنيةٍ مَعَ احْتِفَاظٍ إسرائيليٍ بكافةِ الأمورِ المُتعلقةِ بالشِقِ الأمٍنيِ، وقدٍ جاءَ ذلكَ في إطارِ الضَغْطِ الأَمْريكيِ على إدارةِ “نتنياهو” بَضَرورةِ طَرحِ رُؤيةٍ مُستقبليةٍ للقطاعِ بَعدَ الحربِ، الأمرُ الذي دفعهُ إلى الطَلبِ مِنَ الأجهزةِ الأََمْنيةِ البحثَ في إِمكانيةِ وُجودِ بَديلٍ مَدنيٍ يَتمَكنُ منْ تَولّيِ السُلطةِ في القِطاعِ خَارجَ نِطاقِ “حماس” وبَعيداً عَنْ مَظلةِ السُلطةِ الفِلسطينيةِ، وقدْ كانَ الخيارُ الأَمْثلُ أمامَ الحكومةِ الإسرائيليةِ هو العشَائرَ الغَزيةَ التي تُعدُ المُكونَ الديمُوغرافيَ الأساسيَ للقطاعِ وذلكَ مِنْ خلالِ تَعْزيزِ مكانتِها وقُدرتِها على إدارةِ القطاعِ.
وبالرّغمِ مِنَ الرفضِ القاَطعِ الذي رَدّتْ بهِ العَشائرُ على هذا المُخططِ إلاّ أنّهُ آثارَ العَديدَ مِنَ التسَاؤلاتِ حَولَ أسبابِ عُودةِ طَرْحِ السَاسةِ في إسرائيلَ للعَشائِرِ كَبَديلٍ للحُكمِ في غَزةَ خاصةً وأنّهَا لمْ تكنْ المرةَ الأُولىَ التي تَظهرُ فيها ورقةُ العشائرِ على طَاولةِ صَانعِ القرارِ الإسرائيليِ، وعليهِ فإنَّ هذه الورقةَ تُحاولُ تَسْليطَ الضَوءِ على مَوقفِ العَشَائرِ الفِلسطينيةِ منْ أُمورِ السياسةِ والحُكمِ ودورِها في مُقاومةِ الاحْتلالِ وتَحليلِ السِياقاتِ والأَهْدافِ التي دفَعتْ الحكُومةَ الإسرائيليةَ لطرحِها كبَديلٍ مُؤقتٍ يُديرُ الشُئونَ المدنيةَ في القطاعِ وتَحليلَ أسبابِ الرفضِ القَاطعِ الذي أبدتهُ العشائرُ تُجاهَ هذا المُخططِ.
العَشاَئرُ الغَزيةُ بَينَ الصُعودِ والأُفولِ (العودة للتاريخِ)
تاريخاً يُعتبرُ النَسقُ العَشائريُ منْ أهمِّ سِماتِ المُجتمعاتِ العربيةِ فهي كَانتْ ومازالتْ بمَثابةِ المرجعيةِ الأولي في العديدِ مِنَ الدُولِ العَربيةِ ولهَا دورٌ مُؤثرٌ في الحياةِ الاجتماعيةِ في تاريخِ دُولِ المَنطقةِ وحَاضِرها ومُستَقبلِها حتى في ظل الانفتاح الحضاري والمجتمعي الذي شَهِدتْهُ المُجتمعاتُ العَربيةُ في الآوِنةِ الأَخيرةِ، إستمَرَ هذا النِّظامُ الاجْتماعيُ في هَيكلهِ المُتماسكِ حتّى ظُهورِ الدولةِ العُثمانيةِ ثمّ ما تلاهَا منَ الحِقبِ الاستعماريةِ المُختلفةِ التي عَمِلتْ على تفْكيكِ هذا النظامُ إلى فئاتٍ مُجتمعيةٍ بَديلةٍ على أساسٍ عشائريٍ لتُسهلَ عليَها عَمليةَ السيطرةِ وتوسيعَ النُفوذِ في المنطقةِ، وعليهِ بدَأتْ تَظهرُ سُلطةُ العشائرِ في العَديدِ مِنْ دُولِ المَنطقةِ وأَصَبحتْ تُمارسُ أدواراً خارجَ إطارِ هيكلهِا التقليديِ، في فلسطينَ نجدُ أنَّ العشائرَ الفلسطينيةَ على اختلافِ توزيعِها الجُغرافيٌ بدأتْ تُقوىِ شوكتُها عندمَا لجَأتْ الدولةُ العثمانيةُ إلى كسبِ وُدِ هذهِ العَوائلِ كلٍ على حِدهْ ومنْ ثَمّ الاحتلالُ البريطانيُ وعلى ذاتِ الخطى الحكوماتُ الإسرائيليةُ المختلفةُ وكذلكَ السلطةُ الفلسطينيةُ، جَميعُ هذه الجهاتِ أدركتْ بشكلٍ جَيدٍ أنَّ العشَائرَ تُعتبرُ ورقةً رابحةً على المُستوىَ السِياسيِ والاجتماعيِ خاصةً في ظلِّ قُدرةِ زعماءِ هذهِ العشائرِ الكبيرةِ على حَشدِ كافةِ المنتمينَ للعشيرةِ لاتجاهٍ مُعينٍ.
وفي هذا السياقِ قَامَ الاحتلالُ الإسرائيليُ 1948م بإضْعافِ نِظامِ العشائرِ ككلٍ معَ تقويةِ عائلاتٍ معينة وذلكَ بهدفِ الموازنةِ بينَ مَنعِ وجودِ كيانٍ اجتماعيٍ قد يتحولُ إلى سلطةِ سياسيةِ تَوحدِ الفلسطينيينَ مَع الرغبةِ في ضمانِ الأمنِ والاستقرارِ في المناطقِ التي سيطرَ عليَها، وعليهِ أبرْمَ العديدَ من الاتفاقياتِ معَ عشائرَ فلسطينيةٍ محددةٍ اضْطرتْ للمُوافقةِ بالأمرِ الواقعِ الذي فَرضهُ المحتلُ؛ وذلكَ لتَضمنَ هذه العشائرُ استقرارَ الأوضاعِ الأمنيةِ في الأماكنِ التي تُسيطرُ عليهَا وعليهِ بدأتْ العشائر في تعزيزِ مكانتهِا وسُلطتِها في الأراضيِ الفلسطينيةِ وفي قطاعِ غزةَ على وجهِ التحديدِ خاصةً بعدَ احتلالهِ عام 1967م بعدَ أنْ كانَ تَحتَ الإِدارةِ المِصريةِ، كانتٍ هذه النقطةُ الزمَنيةُ أَحدَ أَهمِّ مَحطاتِ نُموِ دَورِ العشائرِ الغَزيةِ في القِطاعِ خَاصةً في ظِلّ غِيابِ السُلطةِ الحاكمةِ التي تَتَولىَ إدارةَ أُمورِ القطاعِ، الأَمرُ الذي اضّطرَ عَشائرَ القطاعِ تَولّيِ هذهِ المَهامِ بنفسِها ممَا زادَ بشَكلٍ كَبيرٍ منْ مَكانتِها ليسَ فقطْ كَكيَاناتٌ اجتماعيةٍ ذاتِ تأْثيرٍ بينَ طوائفِ الشعبِ المختلفةِ بَلْ كهيئاتٍ تَضْطَلعُ بأدوارٍ سياسيةٍ حتّىَ وإنْ لمْ ترْ للدَورِ المُتَعارفِ عليهِ حالياً علاوةً على ذلكَ فقد اسْتقبلَ القِطاعُ في هذهِ الفترةِ أعداداً كبيرةً منَ اللاجئينَ، الأمرُ الذي تطلبَ وجودَ سلطةٍ تضمنُ عَدَمَ انْدلاعِ الفوضىَ في القطاعِ في ظِلِّ هذهِ الأوضاعِ الاستثنائيةِ.
وبناءً على مُعطياتِ هذه الفترةِ قامتْ العشَائرُ بتَعزيزِ مَصادرِ قُوتِها خاصةً منَ الناحيةِ الاقتصاديةِ والعسكريةِ حتّى أصبحتْ القوةَ الأكثر تأثير ونفوذاً في القطاعِ واسْتمرَ ذلكَ حتّى وصولِ السلطةِ الفلسطينيةِ لحُكمِ القطاعِ بقيادةِ “ياسر عرفات” الذي عَمِلَ على الإبقاءِ على سُلطةِ العشائرِ في القطاعِ ومُختلفِ الأراضيِ الفلسطينيةِ خاصةً في ظلِّ النفوذِ الكبيرِ الذي كانتْ تتمَتعُ به العشائرُ، كمَا عَملَ على احتوائهِم في أركانِ سُلطتهِ ولكنْ تحتَ مَظلةِ مُستقلةٍ تمثلهُم شخصياً بعيداً عنْ أيِ تمثيلٍ سياسيٍ أو أيديولوجيٍ، وتقلدِ أبناءِ العشائرِ وظائفَ مرموقةٍ في مؤسساتٍ ذاتِ تأثيرٍ حاسمٍ في السُلطةِ الفلسطينيةِ منها أجهزةُ الأمنِ الوطنيِ وأجهزةُ المخابراتِ العامةِ فضلاً عن الهيئاتِ الإداريةِ والأحزابِ السياسيةِ.
لمْ يستمرْ نَجمُ العشائرِ في غزةَ في البزوغِ فقدْ تسارعتٍ وتيرةُ الأحداثِ وأفرزتْ طرفاً جديداً في المُعادلةِ الفلسطينيةِ وهو حركةُ المُقاومةِ الإسلاميةِ “حماس” التي استَطاعتْ في 2007م مِنَ انتزاعِ السلطةِ مِنْ حركةِ “فتح” في قطاعِ غزةَ في انتخاباتٍ حقَقتْ فيهَا أغلبيةً واسعةً، كانَ ظهورُ “حماس” في المَشهدِ السياسيِ في غزةَ بمثابةُ انتكاسةٍ كبيرةٍ لدورِ العشائرِ فجُلُ قادةِ الحركةِ همْ منْ أبناءِ المُخيماتِ من اللاجئينَ الذين تحمَلوا عبءَ المُقاومةِ على عاتقهِم، ومُنذُ ذلكَ الحينُ بدأتٍ “حماسُ” من تَقٍْليصِ نُفوذِ العشائرِ سواءٌ على المستوىَ الاقتصاديِ خاصةً وأنَّ العشائرَ في ذلكَ الحينِ كانتْ تُسيطرُ على 90 % من مواردِ القطاعِ الإقتصاديةِ فضلاً عن امتلاكهِا لميلشياتٍ مُسلحةٍ وهو الأمرُ الذي عَملتْ “حماسُ” على مواجهتهِ بشكلٍ حاسمٍ من خلالِ المواجهاتِ المباشرةِ تارةً أو التفاهماتِ تارةً أخرى حتّى استقرَ لها أمرُ القطاعِ لمدةٍ ما يقربُ من 16 عاماً منذُ 2007م وحتى 2023م تراجعَ فيهم دورُ العشائرِ الغزيةِ بشكلٍ كبيرٍ إلى أنْ طرحَ السابعُ من أكتوبرِ فصلاً جديداً منْ فصولِ دورِ العشائرِ في الحياةِ السياسةِ والمدنيةِ في القطاعِ.
السياقاتُ والأهدافُ المختلفةُ لفهمِ مخططِ التقسيمِ وتوليةِ العشائرِ حكمَ القطاعِ
يأتيِ المُخططُ الإسرائيليُ لتَقْسيمِ القطاعِ وإسنادِ الحُكمِ المدنيِ فيه للعشائرِ الغزيةِ في إطارِ سياقاتٍ ودلالاتٍ وأهدافٍ سياسيةٍ محوريةٍ أهمُها خَلقُ واقعٍ جديدٍ في القطاعِ يختلفُ فيه التصورُ الإسرائيليُ عن التصورِ الأمريكيِ الذي يتحفظُ على العديدِ منَ المآخذِ الأمنيةِ والسياسيةِ على إسرائيلَ وخاصةً فيمَا يتعلقُ بمشروعِ الاستيطانِ الذي تَطْمحُ له الحكومةُ اليمِينيةُ والرفضِ القاطعِ لأيِّ دورٍ للسلطةِ الفلسطينيةِ في القطاعِ، وذلكَ لتحقيقِ عددٍ منَ الأهدافِ أهمُها إضعافُ وجودِ أيِّ بوادرَ لمشروعٍ وطنيٍ فلسطينيٍ يُمَهدُ لإقامةِ دولةٍ فلسطينيةٍ تَحتَ قِيادةٍ مُوحدةٍ تَربطُ الضِفةَ الغربيةَ بالقطاعِ فضلاً عنْ تجريدِ الشعبِ الفلسطينيِ منْ حقةِ الشرعيِ في التمثيلِ سواءّ على المستوىَ الداخليِ أو على المُستوى الدوليِ منْ خلالِ سلطةٍ شرعيةٍ تطالبُ بحقوقهِ التاريخيةِ.
ومع ما يُقاربُ منْ أكثرَ من خمسةِ أشهرٍ على اندلاعِ الحربِ في غزةَ ، ومع تزايدِ فاتورةِ هذهِ الحربِ أصبحَ هناكَ العديدُ منَ المطالبِ بضرورةِ التوصلِ لحلٍ يُنهيِ هذا النزيفَ ليسَ النزيفَ الفلسطينيَ ولكنْ النزيفُ الماديُ والاقتصاديُ الذي تتحملهُ إسرائيلُ وحُلفاؤهَا، فبدأتْ تُمارسُ على الحكومةِ الإسرائيليةِ العديدَ من الضغوطِ من الداخلِ والخارجِ بضرورةِ التوصلِ لمقترحٍ مُستقبليٍ بشأنِ اليومِ التاليِ للحربِ وفقَ التصورِ الإسرائيليِ خاصةً في ظلِّ رفضِ الحكومةِ الإسرائيليةِ الحديثَ بشأنِ أيِّ بوادرَ عن انتهاءِ الحربِ قبلَ تحقيقِ أهدافهِا بالقضاءِ على حماسِ داخلَ القطاعِ ورفضِها القاطعِ لكافةِ المُقترحاتِ الإقليميةِ والدوليةِ بشأنِ توليِ السلطةِ الفلسطينيةِ إدارةِ شئونِ القطاعِ وهو السيناريوُ الذي تفضلهُ الولاياتُ المتحدة ، وبناءً عليه حاولَ الساسةُ في إسرائيلَ الالتفاتَ حولَ هذه الرُؤىَ بلْ وتجاوزُها من خلالِ صياغةِ تصورٍ بديلٍ هو البحثُ عن إدارةٍ مدنيةٍ منٍ سكانِ القطاعِ تتولىَ المسؤوليةَ المدنيةَ في القطاعِ وخاصةً ملفَ المساعداتِ الإنسانيةِ _خاصةً معَ عَملِ إسرائيلَ على تصفيةِ عملِ منظمةِ الأُونُروا في القطاعِ _ وقد استقرَّ الساسةُ في إسرائيلَ على تَقسيمِ القطاعِ إلى عددٍ منَ المناطقِ على أنْ تتولىَ كلُ عشيرةٍ إدارةَ شئونِ المنطقةِ الواقعةِ في نطاقِها الجغرافيِ وتجتمعُ كافةُ هذه الوحداتِ تحتَ ظلِ إدارةٍ مَركزيةٍ في غزةَ بقيادةٍ تَرضىَ عنهَا إسرائيلُ وتضمنُ لهَا ألّا تنقَلبَ عليهَا هذه العشائرُ.
وكمَا سَبقَ ذِكرهُ آنفاً فإنَّ اللجوءَ إلى العشائرِ لم يكنْ خَياراً جديداً بلْ هو طَرحٌ تمَّ اسٍتحداثهُ مرةً أُخرى من قِبلِ قياداتٍ إسرائيليةٍ، فقدٍ لجَأ “أرئيل شارون” إلى هذا الطرحِ في إطارِ ما يُسمىَ “بروابطِ القرى” لإدارةِ السُكانِ الفلسطينيينَ في الضفةِ فيمَا بعدُ 1967م حيثُ سَعتْ إسرائيلُ إلى تنفيذِ الهدفِ ذاتهِ وهو تجَاوزُ دُولِ السُلطةِ الفلسطينيةِ وتكليفُ العشائرِ بَدورٍ سِياسيٍ بعيدٍ كلِ البعدِ عن دورِها الاجٍتماعيِ الأَصيلِ، وقدْ ظهرَ فَشلُ هذا المخططِ في الضِفةِ واسْتَطاعتْ السلطةُ الفلسطينيةُ التَصديِ لِهَذا المُخططِ، فَضلاً عن فشلِ هذا المُخططِ في العديدِ من الدُولِ الأخرىَ كالعراقِ وافغانستانِ والصومالِ وغيرهِم؛ لذلكَ حَذرَ العَديدُ منَ المُحللينَ وذَويِ الرَأيِ في الداخلِ الفلسطينيِ منْ تكرارِ تجربةٍ أثبتتٍ فَشلَها في أَرضِ الواقعِ وأنَّ هذا المُقترحَ بالفعلِ قد يُقلصُ سلطةَ “حماسستان وفتحستان” _وهمَا وصفَا “نتنياهو” لكلٍ منٍ فتحٍ وحماسِ_ إلا أنهُ سيُفرزُ “حمائلستان “في إشارةٍ إلى العشائرِ أو الحَمائلِ الغَزيةِ، علاوةً على ذلكَ فإنَّ هناكَ أصواتٍ متطرفةً في حكومةِ نتنياهو ترفضُ كافةَ المُقترحاتِ وجهودِ الوساطةِ وتتمسكُ بشكلٍ قاطعٍ بمخططِ تهجيرِ الفلسطينيينَ من القطاعِ والعملِ على زيادةِ الرُقعةِ الاستيطانيةِ داخلَ غزةَ، الأمرُ الذي يؤكدُ على وجودَ تخبطٍ واضحٍ في رؤى القائمينَ على اتخاذِ القرارِ في إسرائيلَ، وقدْ استلهمَ قادةُ الجيشِ الإسرائيليِ الحالينَ والسابقينَ هذا المخططَ منْ رُؤىَ المُستشرقِ اليهوديِ اليمينيِ “مردخاي كيدار” المُسمىَ “بمشروعِ الإماراتِ” الذي يرىَ أنَّ الحلَ السياسيَ الأكثرَ سلميةً للصراعِ الفلسطينيِ الإسرائيليِ هوَ تَقسيمُ الأراضيِ الفلسطينيةِ إلى عددٍ منَ الإماراتِ على أساسٍ عشائريِ.
المَوقفُ الفِلسطينيُ مِنَ المُخططِ
وفي ذَاتِ السياقِ أَعلنَ كَافةُ الفاعلينَ دَاخلَ المُجتمعِ الفِلسطينيِ الرَفْضَ القَاطعَ لهَذا المُخططِ، فالعَشَائرُ الغَزيةُ بِدورِها أصدَرتْ بياناً تُؤكدُ فيهِ اسْتنِكارهَا للمُخططِ الذي طرحهُ “نتنياهو” و”غالانت” بإِمكانيةِ تَعْزيزِ قُدرةِ العَشائرِ لتَوليِ إدارةِ القطاعِ وُوصفتْ هذهِ المَخططاتُ بأنهَا مشبوهةٌ تَهدفُ إلى خَلقِ الفِتنةِ والانقسامِ داخلَ الكيانِ الفِلسطينيِ الذي اجْتمعَ تَحتَ رايةِ واحدةٍ منذُ طُوفانِ الأقْصىَ، كَمَا جددتْ مُبايعتَها للسُلطةِ الفلسطينيةِ ومُنظمةِ التَحريرِ باعْتبارِها الجِهةَ الشَرعِيةَ المَسؤولةَ عنْ القيادةِ والحُكمِ وأكَدتْ أنَّ مُستقبلَ غزةَ مُرتبطٌ بمُستقبلِ الضفةِ الغربيةِ والقدسِ فلاَ دَولةَ في غَزةَ ولا دَولةَ بدونِ غزةَ، وأَوضَحتْ أنَّ العَشائرَ ليْسَتْ بَديلاً عُنْ أيِّ نِظامٍ سياسيٍ بلْ إنّهَا مُكونٌ وطنيٌ دَاعمٌ للمُقاومةِ يَعملُ على حِمايةِ الجَبهةِ الداخليةِ بعيدٍ كلّ البُعدِ عنْ أمورِ السياسةِ والحُكمِ، وأنّهَا ستؤدي دَورَها باعتبِارهِا الحاضنةِ الشَعبيةِ لمُقاومةِ وستعملُ على إِجهاضِ كَافةِ الأفكارِ السّامةِ التي يحاولُ الاحتلالُ بثَها في البناءِ الفلسطينيِ وطالبتْ بضرورةِ تَوحيدِ الصَفِ الفلسطينييِ بقَرارٍ وَطنيٍ يَليقُ بعِظمِ وقَدْرِ التضحياتِ التي قَدمَها الشعبُ الفِلسطينيُ وأبناؤهُ من المُقاومةِ، وصَرّحتْ العَشَائرُ أنهُ لا مَجالَ للحديثِ عن مُخططاتِ إدارةِ القطاعِ قَبلَ وَقْفِ العُدوانِ على الأراضيِ الفِلسطينيةِ والإِبادةِ التي تَتِمُ ضِدّ أبْناءِ شعبِ فِلسطينَ، وعليهِ فإنَّ ردَّ العَشائرِ كانَ صَريحاً وواضحاً أنَّهُ لا مَجَالَ للالتِفافِ حَولَ مُنَظمةِ التَحريرِ ولا مَجالَ لتَجريدِ الشَعبِ الفِلسطينيِ مِنْ حَقهِ في التَمْثيلِ السِياسيِ والاعْترافِ الدَوليِِ بهمْ فَضلاً عنْ الحَديثِ عَنْ كاَفةِ هذهِ السيناريوهاتِ هوَ سَابقٌ لوقتهِ، فَضلاً عنْ أنَّها شَددتْ على حُرمةِ التَجاوبِ مع مِثلِ هذهِ المُخَططاتِ التي تَعملُ على تَغْذيةِ النَعَراتِ العِرقِيةِ والعَشَائريةِ وأنَّ مَنْ يُشَاركُ فيها يَعامَلُ مُعاملةَ المُحتلِّ وهوَ أيضاً ما أَكّدتهُ السُلطةُ الفِلسطينيةُ بقِيادةِ ” أبو مازن ” ودَعمتْ الدَورَ الاجْتماعيَ للعَشائرِ بَعيداً عنْ أيِّ أدْوارٍ سِياسيةٍ.
ومِنْ جانبِها ثَمّنتْ حماسُ رَفْضَ العَشائرِ لهذا المُخططِ وأكَدتْ أنَّ هذا المُخططَ مَا هوَ إلاّ مُحاولةً لِوْضعِ قَواعدَ جَديدةٍ في القِطاعِ، فَضلاً عنْ تَمسّكِ الحَركةِ بدَورٍ قويٍ في مُستقبلِ الِقطاعِ في المُستقبلِ القَريبِ والبَعيدِ، كمَا حَذرتْ بشكلٍ صَريحٍ مِنْ عَواقبِ التعَاونِ معَ إسرائيلَ بأيِّ شَكلٍ منَ الأشكالِ وأنّهَا ستُعاقبُ كلُ مَنْ يَعبَثُ بالجَبهةِ الداخليةِ التي تُمثلُ الدِرعَ الخَلفيَ للمُقاومةِ.
الخَاتمةُ
تُعتبرُ العَشَائرُ الغَزيةُ جُزْءٌ أصيلّ في المُكَوّنِ الفلسطينيِ والغَزّيِ على وجهِ التَحْديدِ وتَمْتلِكُ ثِقلاً لدىَ كافةِ أَطْرافِ المُعَادلةِ الفِلسطينيةِ مُنْذُ الحِقبةِ العثمانيةِ مُروراً بالانْتدابِ البِريطَانيِ وصولاً للاحْتلالِ الإسرائيليِ، واليومَ تَبْرزُ العشَائرُالغزيةُ كَقُوةٍ فَاعلةٍ في المَشْهدِ الفلسطينيِ، ومِنَ المُتَوقعِ أنْ تلعَبَ دورًا اجْتماعياً مَلْحُوظاً وحَاسماً في تَقْريبِ وُجْهاتِ النَظرِ بَينَ الأَطرافِ الفلسطينيةِ لصياغةِ تَصَورٍ مُستقبليٍ بشأنِ إِدَارةِِ للقِطاعِ على اعْتبَارِ أنّهَا مِنَ الرَكَائزِ الأَسَاسيةِ للوِحدةِ الوَطنيةُ الفِلسطينيةِ، وتُعدُ ضَمانًا للحِفاظِ على القَضيةِ الفلسطينيةِ ومُقاومةِ مَخَططاتِ الاحتلالِ الراميةِ لتَصْفيتِها، كمَا أنّها بمَا لهَا مِنْ تأثيرٍ وتَمَاسكٍ تُعدُ الحَاضِنةَ الداخليةَ للمُقاومةِ، وذلكَ على الرَغْمِ منْ أنَّ العَديدَ مِنْ أعْضَاءِ المُقَاومةِوقَادتهِا يَنْحدِرونَ منْ مُخَيماتِ اللاجئينَ، وبالنسبةِ للجانبِ الإسرائيليِ فإنَّ عَوْدةَ الحَديثِ عنْ تَطْبيقِ اسْتراتيجيةٍ أثبتَتْ فشَلهَا في مَرّاتٍ كَثيرةٍ والعَملِ على تَطْبيقِها بِذاتِ الإطارِ يَدُلُ بِشَكلٍ كَبيرٍ على مدى التَخَبطِ والضَبَابيةِ التيِ يُعاني منهَا مُتَخذُ القَرارِ في إسرائيلَ والسَعيِ إلى تَجاَوزِ الخَسائرِ العَسْكريةِ والاقْتصاديةِ الفَادِحةِ التي تكَبدتْهَا إسرائيلُ منْ خِلالِ التَلاعبِ بالحُلُولِ السياسيةِ.
كَمَا تُؤكدُ الأَدلِةُ الوَاقِعيةُ أنَّ مَصيرَ الحَربِ في غزةَ والرؤىَ المُتَصارعةَ التي تُحاولُ فَرْضَ نَفسَها على اليومِ التَاليِ مِنَ انْتِهاءِ الحَربِ جميعِها لا تَتَوقفُ فقطْ على إنْهاءِ حُكمِ حماسِ أو هَزِيمتِها سِياسياً بَعدَ فَشلِ هَزيمتِها عسكرياً بَلْ أنّها تَرتبطُ بشكلٍ كَبيرٍ بوجودِ عَواملَ عدمِ استقرارِ في المَنطقةِ سواءٌ بشَكلٍ مُباشرٍ أو غيرِ مُباشرٍ، فالحَديثُ عن كيَاناتٍ مدنيةٍ مسلحةٍ وعلى درجةٍ من التمويلِ المَاديِ والنفُوذِ السياسيِ منْ شأنهِ أنْ يكونَ عامِلاً فَوْضىاً خطيراً في حالِ خروجهِ عنْ الإطارِ المُحددِ له خاصةً وأنّهُ قَدْ باتَ واضحاً أنَّ إسرائيلَ لنْ تكونَ قادرةً على التَحكمِ في هذهِ العشائرِ وضمانِ عَدمِ انقلابِها بعدَ فَشلِ الذي ظَهرَ من مَنْظومتِها الأَمنيةِ والعَسكريةِ في السابعِ من أكتوبرِ، الأَمرُ الذي ستَكونُ تَداعياتهُا كَارثيةٌ على إسرائيلَ في المَقَامِ الأولِ، عَلاوةً على ذلكَ فإنَّهُ لا يُوجدُ طرفٌ دوليٌ أو إقليميٌ سيكونُ قادراً على التَعاطيِ مع مِثلِ هكذا مُخططٍ يَرفضهُ الفلسطينيونَ ومُنظمةُ التَحريرِ التي تُمثلُ الشعبَ الفلسطينيَ وعليهِ فهوَ غيرُ قَابلٍ للتَطبيقِ على أرضِ الوَاقعِ خَاصةً وأنَّ تَجاوزَ مَراكزِ القُوىَ الوطنيةِ في المُجتمعِ الفلسطينيِ وعلى رَأسِها “حماس” والسُلطةِ الفلسطينيةِ سيؤديِ بالضرورةِ إلى خَلْقِ وَاقِعٍ فَوْضويٍ وصِراعيٍ.
قائمة المراجع
إبراهيم، أماني، 2024، خطة تل أبيب لغزة بعد الحرب (التقسيم لمناطق تحكمها العشائر)، المصري اليوم، متوفر على: https://www.almasryalyoum.com
أبو الهيجاء، أحمد، 2024، العشائر الفلسطينية ومخططات الاحتلال، الجزيرة، متوفر على: https://www.ajnet.me
برناما الأناضول، 2024، لماذا تسعى إسرائيل لتولي عشائر غزة شئون القطاع: متوفر على: https://www.bernama.com
ستيب نيوز، عشائر غزة سلا إسرائيل الأخير، 2024، متوفر على:https://www.youtube.com
الشرق الإخبارية، 2024، في أي سياقات سياسية نفهم تحرك القيادة الإسرائيلية نحو خيار العشائر لإدارة قطاع غزة، متوفر على: https://www.youtube.com
العربية، عشائر غزة ترفض مخطط إسرائيل لتقسيم وإدارة القطاع، 2024، متوفر على: https://www.alarabiya.net
مجلي، نظير، 2024، رفض فلسطيني شامل لخطة العشائر في قطاع غزة، الشرق الأوسط، متوفر على: https://aawsat.com
وكالة الأنباء والمعلومات الفلسطينية، 2023، العشائر الفلسطينية تجدد البيعة للرئيس، متوفر على: https://www.wafa.ps