الانتخابات الرئاسية المؤجلة في السنغال..بين النتائج الأولية والتحديات

إعداد: منة صلاح

باحثة متخصصة في الشؤون الأفريقية

تُشكِّلُ الانتخابات الرئاسية السنغالية مُنْعَطفًا مِحْوَريًّا في سعْي البلاد نحو حكمٍ أكثر ديمقراطية ومُساءلة، وبدأ التصويت في 24 مارس الجاري؛ لاختيار الرئيس الخامس للبلاد، وتُعدُّ هذه الانتخابات رابع انتقالٍ ديمقراطيٍّ للسلطة في السنغال، منذ استقلالها عن فرنسا، عام 1960م؛ إذ شهدت 3 عمليات انتقالية سلمية للسلطة، ولم يعصف بها أيُّ انقلابات أو اضطرابات سياسية، على النقيض من دول غرب أفريقيا الأخرى، كما أنها الانتخابات الأولى التي لا يترشح فيها الرئيس القابض بمقاليد الحكم، وسوف تحسم نتائج هذه الانتخابات مسار البلاد ما بين الاستمرارية والتغيير الجذري.

أبرز المرشحين في الانتخابات وحملاتهم الانتخابية

يتنافس 19 مرشحًا على خلافة ماكي سال، الذي ترك منصبه بعد فترة ولايته الثانية، والتي شابتها عدة اضطرابات؛ نظرًا لمحاكمة زعيم المعارضة “عثمان سونكو”، فضلًا عن المخاوف المتعلقة بتمديد ولايته إلى ما بعد الحدِّ الدستوري، وتعتبر هذه الانتخابات الأُولى في تاريخ البلاد، التي تصل فيها امرأة إلى جولة الاقتراع الفعليّة، والتي يشارك فيها تيار معارض، وسوف نتطرق إلى أبرز المرشحين وحملاتهم الانتخابية على النحو التالي:

باسيرو ديوماي فاي: هو المؤسس المشارك لحزب “باستيف” للمعارض عثمان سونكو، ويبلغ 44 عامًا، ويركز برنامجه الانتخابي على استعادة السيادة الوطنية، ومواجهة الفس، وتوزيع الثروات بشكلٍ أفضل، وإعادة التفاوض بشأن اتفاقات المناجم والغاز والنفط المُبرمة مع شركات أجنبية.

خليفة سال: يعتبر خليفة سال من الشخصيات المهمة في الساحة السياسية السنغالية، ويبلغ 68 عامًا، وعلى الرغم من الحكم عليه بالسجن لمدة خمس سنوات، إلا أنه قرَّر المشاركة في الانتخابات الرئاسية، بعدما تمَّ منعه في عام 2019م؛ إذ حصل على عفوٍ رئاسيٍّ، وخلال هذه الانتخابات، وَعَدَ بإجراء استفتاءٍ على مبادرةٍ مدنيةٍ، فضلًا عن تخصيصه حوالي ألف مليار فرنك أفريقي من خزينة الدولة؛ لتطوير القطاع الزراعي، كما خطَّط لتعزيز التعاون بين دول الجنوب ومع الدول الناشئة.

أمادو با: يبلغ من العمر 62 عامًا، وشغل عدة مناصب وزارية، وقدَّم نفسه في هذه الانتخابات، باعتباره مرشحًا للاستقرار والاستقرارية في مجال السياسية الاقتصادية التي اتبعها الرئيس «سال»، وخلال حملته الانتخابية، ركَّز على مكافحة البطالة، وراهن على خلْق مليون فرصة عمل، بحلول عام 2028م، وذلك من خلال الشراكة بين القطاعيْن “العام، والخاص”، وتعزيز الاستثمارات في عِدَّة مجالات، مثل “البنية التحتية، والزراعة، والصناعة، والطاقة المتجددة”، ووَعَدَ أيضًا بتقديم مِنْحةٍ ماليةٍ للمسنين.

إدريسا سيك: يبلغ من العمر 64 عامًا، وشغل منصب رئيس الوزراء خلال الفترة (2002 – 2004) في عهد الرئيس السابق “عبد الله واد”، ويشارك للمرة الرابعة في الانتخابات الرئاسية، وفي حالة فوْزه، ينوي فرْض الخدمة العسكرية، وإنشاء عُمْلة مالية مشتركة لكل دول غرب أفريقيا، فضلًا عن فتْح صندوقٍ ماليٍّ مُمَوَّلٍ من جانب شركات النفط والغاز، وسوف يخصص 60% من الاستثمارات للمناطق الواقعة خارج العاصمة “داكار”.

تأمين الانتخابات الرئاسية السنغالية

تحظى الانتخابات بمتابعة دقيقة، ويُقدر تنظيمها بـ14 مليار فرنك أفريقي؛ إذ قامت السلطات السنغالية بنشْر ما لا يقل عن 50 ألف عنصر من قوات الدفاع والأمن؛ لضمان حُسْن سيْر الانتخابات، ورافقت تلك القوات صناديق الاقتراع لتسليمها لـ”داكار”، وحضر كُلٌّ من مراقبي اللجنة الانتخابية الوطنية وممثلي المترشحين، في كل مراكز الاقتراح، وصرَّحت المديرية العامة للانتخابات بالسنغال، بأنه تمَّ اعتماد حوالي 2457 مراقبًا للاستحقاقات الرئاسية للبلاد، وبالإضافة إلى ذلك، صرَّح مدير التكوين والاتصال بالمديرية العامة للانتخابات “بيرامي سيني”، أن هناك حوالي 10 منظمات وهيئات و1568 مراقبًا وطنيًّا و899 مراقبًا دوليًّا[1].

النتائج الأولية للجولة الأولى من الانتخابات الرئاسية السنغالية

بعد ظهور النتائج الأولية، أعلن عددٌ من مرشحي المعارضة، فوْز منافسهم “باسيرو ديوماي فاي” الذي يُعدُّ الرئيس الخامس للسنغال، كما أنه أصغر رئيس سنًّا في تاريخ السنغال، فقد أظهرت عمليات فرْز الأصوات تصدُّرَه بنسبة تتخطَّى المطلوب لحسْم الجولة الأولى؛ إذ صرَّحت اللجنة الانتخابية، أن النتائج الأولية منحت “فاي” نحو 53.7%، بينما حصل “أمادو با” على 36.2%، وذلك بعد فرْز نحو 90% من الأصوات في الجولة الأولى من التصويت، ومن ثمَّ يعتبر حزب باستيف “أبرز أحزاب المعارضة” قد نجح في إيصال مرشحه إلى أعلى مناصب الدولة، وقُبَيْل إعلان النتائج الرسمية الأوَّلية، أقرَّ مرشح الائتلاف الحاكم “أمادو فا” بالخسارة؛ ما يعكس تقليدًا سياسيًّا ظلَّ سائدًا خلال رُبْع قرن؛ إذ يتسم انتقال السلطة بالإقرار بالخسارة، وتسليم السلطة للفائز سِلْمِيًّا[2].

أبرز التحديات التي قد تواجه الرئيس السنغالي المقبل “فاي”

الهجرة غير الشرعية: تعتبر الهجرة أحد أبرز التحديات التي تواجه السنغال؛ فنتيجةً للأوضاع الاقتصادية، يضطر الشباب للهجرة إلى الخارج؛ إذ زادت معدلات الهجرة من غرب أفريقيا إلى أوروبا، من خلال الطريق الأطلسي، بأكثر من الضعفيْن، عام 2023م، مقارنةً بعام 2022م، وذلك مع وصول أكثر من 39,900 مهاجرًا غير شرعي، أغلبهم من السنغال إلى جُزُر الكناري الإسبانية، وذلك وفقًا لبيانات وزارة الداخلية الإسبانية.

الاضطرابات السياسية: عصفت التوتُّرات والاضطرابات السياسية بالسنغال، منذ أوائل فبراير 2024م، وذلك عندما أعلن الرئيس “ماكي سال”، تأجيل الانتخابات لمدة عشرة أشهر، والتي كان من المُقرَّرِ إجراؤُها، في 25 فبراير؛ إذ قامت احتجاجات، وأصدر المعارضون تحذيرات من أن يؤدي ذلك إلى تراجع الديمقراطية في دولة من أكثر الديمقراطيات استقرارًا في غرب أفريقيا، كما شهدت السنغال بين عامي 2021م و2023م، اشتباكات وأعمال نهب؛ نظرًا للمواجهة بين الحكومة وأنصار المعارض “عثمان سونكو”؛ ما أدَّى إلى قتل نحو عشرات الأفراد وإصابة واعتقال مئات آخرين.

البطالة: تعتبر قضية البطالة إحدى القضايا المهمة في السنغال، والتي حاولت الإدارات المتعاقبة مواجهتها، وذلك في ظِلِّ تفاقُم معدلات الزيادة؛ إذ أصبحت أعمار من هم تحت سن 25 سنة، تمثل نحو 60% طبقًا للإحصائيات الرسمية، وبلغت نسبة الشباب خارج سوق العمل والتدريب في السنغال نحو 35%، طبقًا لعام 2019م، وبالإضافة إلى ذلك، أدَّت التداعيات الاقتصادية الناتجة عن «كوفيد – 19» إلى زيادة الضغط على سوق العمل، وتُعدُّ البطالة ونقْص فرص العمل من أهم أسباب ظهور المعارضة لحصولها على دعم الشباب.

التضخم: بلغ معدل التضخم ذروته عام 2022م، بنسبة تصل إلى 14%، ووفقًا لاستطلاعٍ أجرته مؤسسة “أفروباروميتر” عام 2023م، ارتفع عدد الأفراد المعتقدين بأن الأوضاع الاقتصادية تتسم بالسوء إلى حوالي 62% عام 2022م، مقارنةً بـ33% عام 2017م، ويُعدُّ ثلث سكان السنغال البالغ عددهم نحو 17 مليون نسمة فقراء، وفقًا لبيانات البنك الدولي، كما ساهمت التداعيات الناجمة عن الحرب (“الروسية – الأوكرانية”، و”كوفيد – 19”) في الإضرار بمعدلات النمو الاقتصادي؛ ما أدَّى إلى زيادة التكاليف المعيشية[3].

إنتاج النفط والغاز: ركَّز المرشحون خلال حملاتهم الانتخابية على إنتاج النفط والغاز، فقد يؤدي إطلاق النفط والغاز خلال عام 2024م، إلى تعزيز الأوضاع الاقتصادية؛ ما قد يعمل على خلْق فُرَص عمل، وفي السياق ذاته، أكَّد ائتلاف المعارضة المدعوم من قِبَلِ “عثمان سونكو” على إعادة التفاوُض على عقود الطاقة؛ بهدف تعزيز الإيرادات، كما أكَّد مرشح الائتلاف الحاكم “أمادو با” بأنه يسعى لتحقيق الرخاء المشترك.

إجمالًا:

تُمثِّلُ الانتخابات الرئاسية السنغالية لعام 2024م، نهايةً للنظام الذي أَخْفَقَ في الحدِّ من الصعوبات الاقتصادية، وعمل على إثارة الاضطرابات في أحد أكثر الديمقراطيات استقرارًا في منطقة غرب أفريقيا، والتي شهدت العديد من الانقلابات، وجَرَتْ الانتخابات في مشهدٍ مُنَاقضٍ للاضطرابات التي شهدتها البلاد بعد القرار الرئاسي بتأجيل الانتخابات، ويُمثِّلُ فوْز “باسيرو ديوماي فاي” في الجولة الأولى انتصارًا للديمقراطية السنغالية، فتعتبر هذه المرة الأولى، في 12 استحقاقًا انتخابيًّا بالاقتراع العام، يفوز مرشحٌ من المعارضة في الجولة الأولى، ويزيد هذا الفوْز من الرغبة في التغيير في ضوْء العدد الكبير من الأصوات، الذي حصل عليه “فاي”، ومن المتوقع، أن تعلن محكمة الاستئناف في «داكار» النتائج الرسمية الكاملة، في 29 مارس الجاري.

المصادر:

[1]السنغال تنشر 50 ألف عنصر أمن لتأمين الانتخابات الرئاسية وتعتمد 2457 مراقبًا، قراءات أفريقية، 2024م.

https://2u.pw/djSi5Y9f

[2]Senegal: Opposition candidate Faye wins election, Deutsche Welle, 2024.

https://www.dw.com/en/senegal-opposition-candidate-faye-wins-election/a-68662924

[3]أبرز التحديات التي تواجه رئيس السنغال المقبل، جريدة الشرق الأوسط، 2024م.

https://2u.pw/o31koTWq

كلمات مفتاحية