هل تتحمل سوريا تبعات الهجوم الداعشي على روسيا؟

إعداد: شيماء عبد الحميد

عاد تنظيم داعش من جديد ليتصدر مشهد الإرهاب الدولي، بعد أن هُزم عسكريًا في سوريا والعراق عام 2019، وذلك من خلال القيام بعدة ضربات في أماكن متفرقة بالعالم، آخرها الهجوم الذي استهدف أحدى الحفلات الموسيقية في موسكو يوم 22 مارس الجاري، والذي أعلن فرع تنظيم داعش في أفغانستان، ويُسمى داعش خراسان، مسؤوليته عنه.

ويثير تبني التنظيم لهذا الهجوم، العديد من التساؤلات حول تبعاته وتداعياته سواء بالداخل الروسي أو خارجه، وخاصةً فيما يخص انعكاسات الهجوم الأمنية على سوريا، واحتمالات أن تتحول الأراضي السورية إلى ساحة للمواجهات العسكرية بين داعش والقوات الروسية المتواجدة هناك.

روسيا وتنظيم داعش في سوريا:

مما لا شك فيه أن قرار روسيا بالتدخل في سوريا عام 2015 لدعم النظام السوري، كان قرارًا محوريًا في علاقة تنظيم داعش بموسكو؛ حيث قدمت الأخيرة دعمًا أمنيًا وعسكريًا واستخباراتيًا لدمشق في مجال مكافحة الجماعات الإرهابية وعلى رأسها داعش، وقد تضمن هذا الدعم:

  • تنفيذ غارات جوية، وتقديم مستشارين عسكريين، وتدريب وتجهيز القوات السورية، فضلًا عن تشارك روسيا وسوريا المعلومات الاستخباراتية حول الجماعات الإرهابية، لتكثيف الهجمات على معاقل التنظيم.
  • في فبراير 2017؛ صرح الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بأنه نحو أربعة آلاف روسي وخمسة آلاف آخرين من دول كانت تابعة للاتحاد السوفيتي، توجهوا للقتال في سوريا، نظرًا لما وصفه بـ”الخطر الكبير الذي يمثله تمركز تنظيم داعش في الأراضي السورية على روسيا”.
  • قامت القوات الروسية المتواجدة بسوريا، بعمليات قصف متعددة بالصواريخ الدقيقة على مواقع داعش في باديتي حمص وحماة، إلى جانب تنفيذ عمليات تمشيط موسعة لملاحقة عناصره.
  • استخدمت موسكو في دمشق، ترسانة عسكرية كبيرة من الجو والبحر والبر، وهو ما أشار إليه وزير الدفاع الروسي سيرغي شويغو، الذي أعلن أن بلاده اختبرت جميع الأسلحة الروسية الحديثة في عملية مكافحة الإرهاب في سوريا.

ومن خلال هذا الدعم، لعبت روسيا دورًا مهمًا في هزيمة التنظيم عسكريًا وإنهاء سيطرته على غالبية الأراضي السورية في مارس 2019، بل وواصلت موسكو هجماتها على معاقله ضمانًا لعدم عودته مرة أخرى، وهذا الدور جعل داعش يهدد منذ فترة طويلة بالانتقام من موسكو، وقد انعكست هذه الرغبة في تركيز اهتمام داعش ولاية خراسان على روسيا خلال العامين الماضيين، وانتقاده بشدة للرئيس بوتين الذي يراه “متواطئاً في أنشطة تضطهد المسلمين باستمرار، نظرًا لتدخله في أفغانستان والشيشان وسوريا”.

ولكن تأثر الدور الروسي في هذا الملف مؤخرًا، وكانت نقطة التحول الأهم في تراجع الانخراط العسكري الروسي ضد داعش؛ هي اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية، إذ انخفضت كثيرًا الضربات الجوية الروسية في منطقة البادية السورية، لانشغال موسكو بإدارة العمليات العسكرية في كييف.

هذا التراجع الروسي، إلى جانب الفوضى الأمنية التي تشهدها المنطقة على خلفية الحرب في غزة، قد وفر بيئة خصبة لعودة تنظيم داعش مرة أخرى للواجهة من خلال تنفيذ بعض العمليات في البادية السورية والتي تتصاعد حدتها مع مرور الوقت، مستهدفة قوات النظام السوري والمسلحين الموالين لها، للتدليل على أن التنظيم ما زال قادرًا على القيام بعمليات وجمع صفوفه من جديد.

ووفقًا للمرصد السوري لحقوق الإنسان؛ نفذت خلايا داعش منذ مطلع العام الجاري 50 عملية متفرقة في البادية السورية، من خلال نصب كمائن وتنفيذ هجمات مسلحة وتفجيرات في غرب الفرات وبادية دير الزور والرقة وحمص، وقد بلغت حصيلة هذه العمليات ما يقرب من 133 قتيلًا.

سوريا وتبعات هجوم موسكو:

في ضوء العداء الذي يكنه تنظيم داعش لروسيا، نظرًا لمساهمتها في ضرب معاقله في سوريا، وعلى خلفية الهجوم الأخير والذي يستدعي رد انتقامي من موسكو ضد التنظيم، انقسمت الآراء حول مدى احتمالية احتدام المواجهات العسكرية بين داعش والقوات الروسية المتواجدة في الأراضي السورية خلال الفترة المقبلة، حيث:

1- الرأي الأول؛ يرى أنه من غير المرجح أن تكثف روسيا من تحركاتها العسكرية ضد التنظيم في الفترة الحالية، بسبب انشغالها بالحرب الأوكرانية، وأن موسكو ستميل بدلًا من ذلك نحو الاتجاه لاستغلال هذا الهجوم من أجل تصعيد حربها ضد كييف، وقد ارتكز هذا الرأي على مؤشرات عدة تعكس رغبة روسيا في تحميل مسؤولية الهجوم لأوكرانيا، ومنها:

  • عدم ذكر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين تنظيم داعش في خطابه، فيما نفى التلفزيون الرسمي الروسي ادعاءات التنظيم بالمسؤولية، ملوحًا بأنها كانت عملية نفذتها أوكرانيا، وربما بدعم غربي.
  • أعلنت السلطات الروسية أن من نفذوا العملية من أصول طاجكية وحاولوا الوصول إلى الحدود الأوكرانية، مما يعني أنه من غير المستبعد أن التنسيق جاء من كييف.

2- الرأي الثاني؛ يرى أن الهجوم سيكون له تأثير كبير على المستوى الأمني، حيث ستزداد الاحتياطات الأمنية التي تتخذها الحكومة الروسية، ومنها توجيه ضربات مباشرة للتنظيم داخل مناطق نفوذه، لا سيما في سوريا، وقد ارتكز هذا الرأي على مجموعة من المعطيات؛ منها:

  • إجراء الرئيس بوتين في أعقاب الهجوم، اتصالات هاتفية منفصلة جمعت بينه وبين نظرائه في سوريا وتركيا وإيران، ووفقًا للكرملين؛ فقد تم الاتفاق بين بوتين والرئيس بشار الأسد على تكثيف الاتصالات بين الجانبين في مجال مكافحة الإرهاب، فضلًا عن التأكيد على إدانة دمشق للهجوم، مشددة على ضرورة القضاء تمامًا على تنظيم داعش والانتصار عليه، وينعكس من هذه الاتصالات أن موسكو ستسعى خلال الفترة المقبلة لتنفيذ ضربات أكثر عمقًا للإرهاب خارج الحدود بالتنسيق بين القوى الإقليمية والحلفاء الدوليين، وخاصةً في سوريا.
  • إعلان الكرملين أن البلاد ستكون في حالة حرب، وهي عبارة تشير بشكل واضح إلى نية السلطات الروسية على اتخاذ إجراءات أكثر تشدداً، والجدير بالذكر في هذا الشأن؛ أن موسكو لأول مرة تستخدم كلمة “حرب” منذ اندلاع الأزمة الأوكرانية في 2022، وهذا يؤكد أن روسيا تنوي الرد على الهجوم الداعشي بشكل سريع وقوي.
  • تزامن الهجوم مع الذكرى الخامسة للقضاء على آخر معاقل تنظيم داعش ودولته في سوريا رسميًا في الـ23 من مارس 2019 في الباغوز السورية، مما يحمل العديد من الرسائل التحذيرية والدلالات إلى موسكو.
  • استمرار تمركز التنظيم ميدانيًا وأيدولوجيًا في الأراضي السورية، حيث وفقًا لبيان صادر عن قوات سوريا الديمقراطية “قسد” في 26 فبراير الماضي؛ فإن داعش يحشد قواته وصفوفه من خلال خلاياه النائمة والمتخفية في أرجاء سوريا، والبالغ تعدادها 10 آلاف مقاتل تقريبًا، لتنفيذ هجمات إرهابية جديدة، وبالتالي قد يمهد هذا التمركز إلى عودة اشتعال الحرب من جديد بين التنظيم وقوات روسيا في سوريا.

وفي مجمل القول؛ يؤكد هجوم موسكو مرة أخرى على أن تنظيم داعش عائد وبقوة إلى الخريطة الأمنية سواء الإقليمية أو الدولية، وأن التنظيم لم ينسى الدور الروسي في هزيمته مسبقًا، بل ينوي أخذ انتقامه من موسكو تحت شعار “ما حدث في سوريا لن يبقى فيها بل سيمتد أثره حتى روسيا نفسها”، وهذا يؤكد حقيقة لا يمكن إغفالها وهي؛ أن التنظيمات الإرهابية مثل داعش لا تختفي، بل تنتقل إلى حالة جمود لبعض الوقت، ثم تحاول النهوض مرة أخرى عندما تكون الظروف مناسبة، وقد وفرت ظروف المنطقة حاليًا لداعش فرصة جيدة لعودته ونشاطه من جديد، ولا شك أن سوريا ستكون على رأس الدول التي ستدفع ثمن هذه العودة.

كلمات مفتاحية