إعداد: دينا لملوم
باحثة فى الشؤون الأفريقية
تسعى الحكومة الإثيوبية جاهدة للالتفاف على الدول العربية واختراق وتجاهل بعض القضايا العالقة؛ من أجل تحقيق أهداف ومصالح توسعية فى الإقليم، وهو ما ظهر فى الإعلان عن رغبتها فى الانضمام لجامعة الدول؛ حتى تتمكن من الاطلاع على ما يحدث بداخلها، فضلًا عن التأثير على مسار القرارات الصادرة عنها، خاصة ما يتعارض منها مع المصالح الإثيوبية، علاوة على تعزيز سبل التعاون الاقتصادى العربى، وقد تنبهت أديس أبابا إلى ضرورة تعليم اللغة العربية لشعبها، حتى يتمكنوا من تحقيق التواصل مع العالم العربى، وخاصة الحيطة واليقظة إزاء ما يتعلق بتهديد أهدافها ومصالحها، وكأنها تسير على دروب إسرائيل، التى شرعت منذ فترة طويلة فى تعليم أبنائها اللغة العربية، خاصة اللهجة المصرية؛ متبعة فى ذلك سياسة “اعرف عدوك”؛ للاطلاع على ما يدور حولها واتخاذ التدابير المناسبة حيالها، وتسهيل مهمة التجسس، التى غذت دوافع الإسرائيليين لتعلم هذه اللغة.
رغبة إثيوبية للانضمام للجامعة العربية:
أعلن رئيس الوزراء الإثيوبى “آبى أحمد” عن رغبة بلاده فى الانضمام لجامعة الدول العربية لما فى ذلك من منافع ستعود على بلاده إذا ما تحقق هذا الهدف؛ وذلك فى ظل دعوة مواطنيه لتعلم اللغة العربية؛ مشيرًا إلى أنه سيعمل على تدريسها فى المدارس الحكومية بإثيوبيا؛ نظرًا لأهميتها ومدى قدرتها على تعزيز ترابط الشعب الإثيوبى ثقافيًا واجتماعيًا بالعالم العربى، كما أن التغافل عن تعلم العربية التى كانت تعد لغة المسلمين فقط وتحدث بها المسيحيون فى مصر وسوريا ولبنان وفلسطين أدى إلى إهدار حقها فى إثيوبيا، وأضاع عليها العديد من الثمار التى كان يمكن أن تجنيها البلاد حال إيلاء هذه اللغة الأهمية وتعزيز دورها فى المجتمع، وقد جاءت هذه التصريحات خلال لقاء جمع “أحمد” بقادة المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية فى أديس أبابا فى الثانى والعشرين من شهر مارس 2024.
توسيع نطاق تدريس اللغة العربية:
خلال العقود الثلاثة الماضية عملت إثيوبيا على إفساح المجال لنشر اللغة العربية على نطاق واسع، وظهر ذلك فى استضافة السودان للعديد من الإثيوبيين الذين درسوا العربية فى المدارس والجامعات السودانية؛ استلهموا من خلالها مصادر المعرفة والتأهيل التى مكنتهم بعد ذلك من تبوء مكانة مرموقة فى المجتمع الإثيوبى، أيضًا عمل فتح مسارات للعمالة الإثيوبية فى بعض الدول العربية وتدافع المسلمين فى أديس أبابا لتعلم وقراءة القرآن الكريم على انتشار هذه اللغة وتناميها شيئًا فشيء، واستكمالًا لهذه الخُطا، بدأت الحكومة فى تدريسها فى المدارس منذ عام 2022، وأعربت الدولة عن رغبتها فى تلقى مساعدات من العرب للتوسع فى هذا المنحى، على الجانب الآخر فتعريب إثيوبيا يعنى اتساع نطاق الحضارة العربية فى شرق إفريقيا، وإضافة قوة ديموغرافية واقتصادية وجيوسياسية جديدة إلى قوة العرب، إذ ستضيف إثيوبيا إلى القوة البشرية العربية ما يعادل ربع قوة العرب الحالية، بجانب فتح آفاق لتوسع ديموغرافى شرق القارة التى تنتشر فى بعض دولها شعوب إثيوبية، وتحطى إثيوبيا بمكانة إقليمية نابعة من احتضانها للاتحاد الإفريقى الذى يضم 54 دولة، ويفتح انضمامها الآفاق نحو إيجاد حلول للأزمات العالقة بينها وبين بعض الدول أبرزها السودان ومصر حول قضايا المياه.
أهداف إثيوبية:
تهدف حكومة “آبى أحمد” جراء إعلانها رغبتها فى الانضمام لجامعة الدول العربية إلى تحقيق حزمة من الأهداف التى إذا ما تحققت ستخدم مصالح إثيوبيا وتعزز من وجودها الإقليمى وحضورها فى مجمل القضايا العربية، وفيما يلى أبرز الأهداف التى ترغب فى تحقيقها:
إحداث تحولات فى السياسة الخارجية الإثيوبية:
تأتى خطوة الإعلان عن الرغبة فى الانضمام للجامعة العربية فى ظل تحولات نسبية فى السياسة الخارجية لإثيوبيا سواء على المستوى الدولى أو الإقليمى، تسعى أديس أبابا من خلالها لتشكل لُب القرن الإفريقى عبر الاندماج فى تحالفات خارجية، وتشكل هذه المساعى فرصة للدولة تدفعها نحو تحقيق أهداف ومصالح عدة، منها ضمان وصول العمالة الإثيوبية للأسواق العربية وتغيير الرؤية الشعبية العربية المتعلقة بمعاملة إثيوبيا للمسلمين كمواطنين من الدرجة الثانية، أيضًا أدركت الحكومة بأن ثمة خللًا فى النظام التعليمى بما يتناسب مع احتياجات سوق العمل الداخلية والخارجية بما أوجب ضرورة تعلم اللغة العربية، فى ظل الاستثمارات العربية الضخمة خاصة من دول الخليج، والتى تتطلب عمالة مؤهلة للعمل فيها سواء من حيث المهارة الفنية أو التحدث بلغات الدول المستثمرة.
سياسة توسعية:
تواجه الدولة الإثيوبية العديد من التحديات والصدمات الخارجية التى عمقتها سياسة “آبى أحمد”؛ لذا فقد أدرك هذا الأخير ضرورة اتباع سياسة توسعية لاحتواء دول الجوار، لاسيما الدول العربية المحيطة به، حيث إن بلاده تعانى من أزمات مع دول كالصومال والسودان وإريتريا منذ عقود، إضافة إلى ملف سد النهضة الذى اتبعت فيه إثيوبيا سياسة فرض الأمر الواقع دون العبء بمصالح مصر والسودان ولا الأضرار التى قد تلحق بهما، حال عدم التوصل لاتفاق قانونى ملزم حول ملء وتشغيل السد، أيضًا جاء الاتفاق الأخير الذى أقبلت عليه الحكومة الإثيوبية مع أرض الصومال إلى زيادة حدة الغضب العام لها.
قضايا عالقة:
يعد النزاع الحدودى بين السودان وإثيوبيا حول منطقة الفشقة الزراعية الخصبة التابعة للسودان بحكم اتفاقيتى 1902، و1907، التى اعترفت أديس أبابا بتبعيتها للخرطوم عام 1995، ولكن سرعان ما عاودت المشكلات بشأنها مرة أخرى، وقيام رئيس الوزراء الإثيوبى بإلغاء الاتفاق، على الصعيد الآخر هناك قضية سد النهضة العالقة، التى خاضت الدولة المصرية فيها جولات تفاوض عدة، بدءًا من عام 2011 مع بداية تدشين السد، مرورًا باتفاق 2015، الذى نص على عدم المساس بحصة دولتى المصب من مياه النيل، حتى وصلت المفاوضات إلى جدار مسدود فى ظل التعنت الإثيوبى المستمر، وهو ما عمق من حدة التوترات بين القاهرة وأديس أبابا، وعليه فإن مسعى الانضمام للجامعة العربية ما هو إلا محاولة لاختراق القضايا العالقة منذ عقود، ناهيك عن المخطط الإثيوبى المتعلق باختراق الجدار العازل بينها وبين ما يحدث داخل الجامعة، وبالتالى التمكن من التأثير على سير القرارات التى تصدر عنها، علاوة على تقوية أواصر التعاون الاقتصادى مع الدول العربيّة.
سياسة اعرف عدوك:
إن أبرز وسيلة لمعرفة الخصم معرفة دقيقة هى دراسة نقاط ضعفه وقوته، هكذا فعلت دولة الاحتلال الإسرائيلى مع مصر من قبل، حينما أقدمت على تدريس اللغة العربية لا سيما اللهجة المصرية فى جامعات إسرائيل المختلفة، سواء كان ذلك لأهداف تتعلق بالتجسس أو متابعة الشأن المصرى وفهمه، أو من أجل دراسة المصريين وغيرهم من العرب؛ لخدمة مصالح وأهداف هذا الكيان، ناهيك عن محاولات غسل العقول التى انتهجتها مؤسسات إسرائيل، وظهر ذلك جليًا فى تدشين صفحة للمتحدث الرسمى لجيش الاحتلال “أفخاى أدرعي” باللغة العربية، والتى لاقت رواجًا بين الشباب العربى، وهذه وسيلة للانغماس فى القالب العربى ومحاولة اختراق أفكار ومعتقدات العرب، والتأثير على عقولهم، والمتعارف عليه أن الدولة الإثيوبية تسير على خطى إسرائيل، ومن ثم فليس بالغريب أن تقبل على خطوة تعليم العربية فى مدارسها، حتى تتمكن من الاندساس داخل المجتمع العربى ومعرفة ما يدور حولها؛ لذا فقد أعربت عن رغبتها فى الانضمام لجامعة الدول حتى تكون على دراية بما يتم داخلها، والتأثير على قراراتها حال عدم توافق هذه القرارات مع رغباتها وتطلعاتها.
معوقات الانضمام:
تواجه إثيوبيا العديد من التحديات التى قد تحول دون تحقيق أملها فى الانضمام للجامعة العربية، سواء كانت تحديات داخلية نابعة من الحروب والنزاعات التى تعصف بها واضطراب الأوضاع الأمنية، وخارجية تتمثل فى خلافاتها مع بعض دول الجوار مثل مصر والسودان وتعقد قضية سد النهضة التى أظهرت مدى الأنانية من قبل الحكومة الإثيوبية التى لم تراعِ شواغل دول جوارها، ومؤخرًا ظهر اتفاق مع إقليم أرض الصومال الانفصالى، وهو ما أثار حفيظة دولة الصومال، وندد بهذا الفعل بعض الدول من بينها مصر، لما فى ذلك من افتئات على سيادة دولة مستقلة.
دبلوماسية اقتناص الفرص:
إذا أقدمت إثيوبيا على طلب العضوية فى جامعة الدول بشكل رسمى، قد يأتى مقرونًا بحزمة من الشروط، فى مقدمتها:
ملف سد النهضة: التوقف عن إثارة واستفزاز الجانبين المصرى والسودانى فيما يخص سد النهضة، عبر الجلوس على طاولة مفاوضات تنهى حالة التعنت الإثيوبى، من خلال التوافق حول مبادئ حاكمة لعملية ملء وتشغيل السد، وضمان عدم الإضرار بالحقوق المائية لمصر والسودان، والعزوف عن الإملاءات الغربية فى هذا الملف، ليكون الحل أفريقى خالص؛ تحقيقًا للمصالح المشتركة، وإعلاءً لروح الهوية الإفريقية؛ وتجنبًا للتصادم مع الدولة المصرية التى لن تتهاون فى حصتها من مياه نهر النيل.
التراجع عن اتفاق صومالى لاند: إن ما أقدمت عليه الحكومة الإثيوبية فيما يتعلق بعقد اتفاق مع إقليم انفصالى غير معترف به دوليًا، وانتهاك حق دولة مستقلة ذات سيادة “الصومال” يمكن أن يستخدم كورقة ضغط على إثيوبيا، فتحقيق رغبة الاندماج فى الجامعة العربية لابد من أن يقترن بالتراجع عن مثل هذا الاتفاق وعدم الإقدام ثانية على أى خطوة من شأنها تهديد أمن واستقرار دول المنطقة.
انضمام مشروط: حال امتثال الحكومة الإثيوبية لمطالب الجامعة التى إذا ما وافقت على طلب الانضمام، لابد من أن يتم الوضع فى الاعتبار الرؤى التصورية للجانب الإثيوبى، والذى يهدف إلى الاطلاع على مجريات الأمور فى الجامعة، والتأثير على قراراتها، ومن هذا المنطلق فإن العضوية قد تأتى مشروطة، عبر وضع قيود للانضمام، بحيث يتم تقييد أديس أبابا، عن طريق تمرير قوانين تحول دون تأثير الأخيرة على قرارات الجامعة، بخاصة التى قد تتعارض مع مصالح إثيوبيا.
ختامًا:
إن فرص نجاح إثيوبيا إزاء هذه الخطوة تتوقف على سعيها لتحسين علاقاتها مع الدول العربيّة وتصفية الخلافات العالقة بينها وبين تلك الدول، فإذا تحققت هذه المطالب يمكن الحديث عن انضمام إثيوبيا قريبًا للجامعة العربية مع تحقيق بعض الشروط التى قد تُقبل عليها الجامعة للموافقة على انضمام هذه الدولة، ولكن إذا تعثرت أديس أبابا فى الامتثال لتلك المطالب فإن مسألة الانضمام قد تبدو صعبة على الأقل فى المستقبل القريب.