إعداد: شيماء عبد الحميد
يبدو أن منطقة الشرق الأوسط على موعد مع مزيد من الفوضى والتوترات الأمنية التي سيعاني تبعاتها الجميع، وذلك نتيجة تحركات إسرائيل التي تسعى من خلالها تحويل الحرب في غزة إلى نطاق أوسع؛ ألا وهو الصراع الإسرائيلي الإيراني الذي كان دائمًا محركًا محوريًا في تحديد المشهد الإقليمي في المنطقة، وهذا لأن حكومة تل أبيب تدرك تمامًا أنها إذا وضعت الحرب الحالية في هذا النطاق، فإنها ستكسب الدعم الداخلي والخارجي مجددًا، بعد أن فقدتهما بسبب تعنتها وانتهاكاتها الصارخة التي ارتكبتها منذ الـ7 من أكتوبر 2023.
ويُقرأ في هذا الإطار؛ الهجوم الإسرائيلي النوعي الذي شنته على القنصلية الإيرانية ومقر إقامة السفير الإيراني بحي المزة في دمشق بالأمس، والذي نفذته طائرات إسرائيلية من طراز F-35 بإطلاق 6 صواريخ من اتجاه الجولان السوري المحتل.
وقد أدى هذا الهجوم إلى مقتل 14 شخصًا حتى الآن، منهم 7 مستشاريين عسكريين للحرس الثوري الإيراني؛ وهم: قائد فيلق القدس في سوريا ولبنان العميد محمد رضا زاهدي، ونائبه محمد هادي رحيمي، وخمسة من الضباط المرافقين لهما؛ حسين أمان اللهي، والسيد مهدي جلالاتي، ومحسن صدقات، وعلي آغا بابائي، وسيد علي صالحي روزبهاني، فضلًا عن تدمير مبنى القنصلية بالكامل وإصابة كل من كان بداخله.
ردود الفعل الأولية على الهجوم:
1- إيران؛ أكد الرئيس إبراهيم رئيسي، أن الضربات الإسرائيلية لن تمر من دون رد، فيما أعلن وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان أنه تم استدعاء مسؤول السفارة السويسرية بطهران، بصفته راعي المصالح الأمريكية، لتوضيح أبعاد الهجوم، والتأكيد على مسؤولية الحكومة الأمريكية عنه باعتبارها الداعم الأكبر لتحركات تل أبيب، مؤكدًا أن الهجوم الإسرائيلي على القنصلية الإيرانية انتهاك لكل المواثيق الدولية، محملًا إسرائيل مسؤولية عواقبه.
من جانبها؛ طالبت سفيرة ومساعدة ممثلية إيران لدى الأمم المتحدة زهراء إرشادي، في رسالة موجهة إلى مجلس الأمن، بإدانة الهجوم بأشد العبارات الممكنة وعقد اجتماع عاجل للتعامل مع الانتهاكات العلنية لقواعد ومبادئ القانون الدولي من قبل إسرائيل، مشددة على أن الضربة تهديد كبير للسلام والأمن الإقليميين، ومؤكدة على أن طهران تحتفظ بالحق في اتخاذ رد حاسم.
2- سوريا؛ أدان وزير الخارجية فيصل المقداد، الهجوم الإسرائيلي الذي وصفه بـ”الشنيع”، كما أكد أن تل أبيب لن تستطيع التأثير على العلاقات التي تربط بين إيران وسوريا.
3- السعودية؛ أعربت وزارة الخارجية السعودية عن إدانة المملكة استهداف مبنى القنصلية الإيرانية في العاصمة السورية دمشق، مؤكدة رفضها القاطع استهداف المنشآت الدبلوماسية لأي مبررٍ كان، وتحت أي ذريعة، نظرًا لأنه يُعد انتهاكًا للقوانين الدبلوماسية الدولية وقواعد الحصانة الدبلوماسية.
4- روسيا؛ نددت وزارة الخارجية الروسية بالهجوم، مؤكدة أن أي هجوم على مقر دبلوماسي هو أمر غير مقبول، فيما أعلن نائب مندوب روسيا الدائم بالأمم المتحدة ديمتري بوليانسكي، أن بلاده طالبت بعقد جلسة مفتوحة في مجلس الأمن اليوم، لبحث أبعاد الضربة وتداعياتها.
5- جامعة الدول العربية؛ وصف الأمين العام المساعد للجامعة حسام زكي، الهجوم الإسرائيلي على قنصلية إيران في دمشق بأنه تطور مقلق للغاية، مؤكدًا أن هذا الهجوم قد يمهد لمواجهة واسعة في المنطقة، تهدد بعواقب وخيمة، مشددًا على ضرورة عدم استخدام سوريا كساحة حرب لصالح أطراف ثالثة.
6- الصين؛ أكد المتحدث باسم وزارة الخارجية الصينية وانغ وينبين، أن بلاده تدين الهجوم على القنصلية الإيرانية في دمشق، مشددًا على أنه لا يمكن انتهاك أمن المؤسسات الدبلوماسية، ومؤكدًا على ضرورة احترام سيادة سوريا وسلامة أراضيها.
7- الولايات المتحدة؛ سارعت بنفي علاقتها بالهجوم، حيث أكد مسؤولون أمريكيون أن واشنطن لم تكن على علم بالضربة ولا هدفها، وأنه تم إبلاغها بها من جانب إسرائيل قبل تنفيذ الهجوم بدقائق قليلة، بينما كانت الطائرات الإسرائيلية تحلق بالفعل في الجو.
8- مصر؛ أكد المتحدث الرسمي باسم وزارة الخارجية المصرية أحمد أبوزيد، رفض بلاده القاطع الاعتداء على المنشآت الدبلوماسية تحت أي مبرر، مشددًا على التضامن مع سوريا في احترام سيادتها وسلامة أراضيها.
دلالات الهجوم:
لا شك أن استهداف القنصلية الإيرانية في سوريا، والتي هي واحدة من الدول المحورية في مشروع طهران الإقليمي، يحمل في طياته العديد من الدلالات والرسائل التي يُراد إرسالها من جانب إسرائيل؛ منها:
1- الانتقال من حرب الظل إلى المواجهة المباشرة؛ حيث يُعد هذا الهجوم تغير محوري في قواعد الاشتباك التي حرصت طهران وتل أبيب على الالتزام بها في حربهما الإقليمية، إذ أنه أول هجوم على مقر رسمي يحمل العلم الإيراني، وذلك بعدما كانت تكتفي إسرائيل بتوجيه ضرباتها نحو مواقع تمركز المليشيات التابعة لإيران.
ويبدو من هذا التصعيد أن إسرائيل تريد إرسال رسالة مفادها أنها على استعداد لتغيير مستوى وميدان المعركة مع طهران من خلال مهاجمة المراكز الدبلوماسية التابعة لطهران سواء في دمشق أو في أي مكان آخر، وإنها مستعدة لكل رد محتمل.
2- الالتزام بسياسة الاغتيالات التي تبنتها إسرائيل لمواجهة الخطر الإيراني؛ والتي تتمثل في إطلاق عملية “نيلي” في 22 نوفمبر 2023، من أجل تصفية كبار قادة الحرس الثوري الإيراني وحركة حماس، إذ مقتل العميد محمد رضا زاهدي ليس الأول من نوعه، ولكنه يُعتبر حلقة جديدة من سلسلة الاغتيالات التي نفذتها تل أبيب مؤخرًا، مثل اغتيال مستشار الحرس الثوري الإيراني رضا موسوي يوم 25 ديسمبر 2023، واغتيال نائب رئيس المكتب السياسي لحركة حماس صالح العاروري يوم 2 يناير الماضي، وتصفية مسؤول عمليات إطلاق القذائف الصاروخية لحماس من داخل الأراضي السورية حسن عكاشة يوم 8 من الشهر ذاته.
3- الانتفاع بالرمزية التي يتمتع بها شخص العميد رضا زاهدي؛ والذي تُعد تصفيته هي أكبر ضربة للحرس الثوري بعد مقتل قاسم سليماني في ضربة أمريكية عام 2020، وذلك نظرًا للمهام والمناصب التي عمل بها؛ حيث: تولى زاهدي قيادة قوات فيلق القدس في لبنان منذ عام 2008، وهو سادس قيادات الوحدة الصاروخية في الحرس الثوري، لعب دورًا رئيسيًا في توسيع أنشطة فيلق القدس في لبنان، خصوصًا دعم حزب الله اللبناني وشحن الأسلحة، وكان همزة الوصل بين الحزب وأجهزة المخابرات السورية.
4- استغلال إسرائيلي للسياق الراهن؛ حيث تعلم تل أبيب جيدًا أن الوقت الراهن غير داعم لأي مغامرة من جانب إيران، نظرًا لأن طهران تقع حاليًا تحت وطأة حسابات داخلية وإقليمية عدة، من بينها: استمرار الغضب الداخلي تجاه النظام، ومخاوف إيران أن يرتد أي تحرك من جانبها سلبًا على علاقاتها مع دول جوارها والتي شهدت مؤخرًا تحسنًا ملحوظًا، والدعم الأمريكي والغربي لتل أبيب في حربها الحالية والذي إذا كان تراجع على مستوى التصريحات، فإنه لا يزال قائمًا واقعيًا، وفي ضوء هذه المعطيات؛ رأت إسرائيل أن التصعيد تجاه إيران المقيدة، قد يكسبها بعض التأييد داخليًا، وقد يمكنها من الحصول على بعض التنازلات في ملف المفاوضات المتعثرة بشأن الهدنة وتبادل الأسرى.
سيناريوهات الرد الإيراني:
من المؤكد أن إيران لن تبقى دون رد على هذا الهجوم الذي يُعد مساس علني بسيادة مقارها السياسية، والتي بمثابة جزء من الأراضي الإيرانية، ولكن شكل هذا الرد ومقدار حدته هو محل التساؤل الرئيسي، والذي اختلفت بشأنه الآراء؛ حيث:
– الرأي الأول؛ يرى أن طهران لن تغامر باستهداف علني ومباشر لإسرائيل ومقارها السياسية والدبلوماسية الرسمية بشكل موازي للهجوم، وذلك نظرًا لعدة أسباب؛ منها: إدراك النظام الإيراني أن اتخاذ مثل هذه الخطوة من شأنه أن يستدعي تدخل أمريكي مباشر وهو ما تخشاه إيران، فضلًا عن انشغال روسيا بحربها في أوكرانيا والهجوم الأخير الذي تعرضت له من قبل تنظيم داعش، وبالتالي فهي لن تتحرك لدعم طهران، هذا إلى جانب خشية النظام الإيراني من أن يضر بعلاقاته مع دول جواره.
وبناءً عليه؛ يتوقع هذا الرأي أن الرد الإيراني سيكون ردًا محسوبًا ومنضبطًا، وأنه لن يتخطى في حدوده الرد الذي أعقب اغتيال سليماني وهو الهجوم على قاعدة عين الأسد الأمريكية في العراق، ومن ثم؛ لن تجازف إيران بالانتقال إلى المواجهة العسكرية المباشرة مع تل أبيب، وستكتفي فقط بتواصل الهجمات من قبل حزب الله اللبناني ومليشياتها في العراق وسوريا.
– الرأي الثاني؛ يرى أن هذا الهجوم مختلف في طبيعته عن غيره من الضربات التي استهدفت الحرس الثوري الإيراني، إذ أنه بمثابة تعدي رسمي ومباشر من الجانب الإسرائيلي على السيادة الإيرانية، وبالتالي يجب اتخاذ رد فعل عنيف على عكس ردود الفعل الإيرانية السابقة تجاه هجمات تل أبيب.
وبناءً عليه؛ يتوقع هذا الرأي أن النظام الإيراني قد يجازف هذه المرة بالتصعيد المباشر ضد المصالح الإسرائيلية في المنطقة، حتى يؤكد على قدرته على الردع، والحفاظ على صورته في الداخل والخارج وخاصةً أمام المليشيات التابعة له.
وإجمالًا؛ فلا شك أن الهجوم على القنصلية الإيرانية في سوريا، سيأجج مزيد من التوترات والتصعيد في منطقة الشرق الأوسط، ويهدد بإطالة أمد الصراع سواء في دمشق أو غزة، فضلًا عن أنه يهدد بوضع المنطقة على حافة مواجهة عسكرية لن تُحمد تبعاتها على جميع الأطراف، ولكن حدوث هذا السيناريو من عدمه يتوقف بالتأكيد على حسابات الأطراف الثلاثة؛ إيران والولايات المتحدة وإسرائيل، وكيف يروا التكلفة المترتبة على التصعيد في هذا الوضع الراهن.