لقاء وزير الخارجية المصري بنظيره السوري .. هل يؤسس لدور مصري في إعادة إعمار في سوريا؟

 

إعداد :  رابعة نور الدين وزير

في ضوء لقاء وزير الخارجية المصري “سامح شكري” بنظيره السوري “فيصل المقداد” بمقر البعثة المصرية بنيويورك على هامش اجتماعات الجمعية العمومية للأمم المتحدة، والتباحُث حول الوضع في سوريا والتأكيد على ضرورة تضافُر الجهود العربية لدعم استقرار سوريا، هذا اللقاء يعتبر الأول من نوعه بين مصر وسوريا منذ اندلاع الأزمة السورية في 2011، والخامس عربيًّا بعد (موريتانيا والأردن وعمان)، فهل يؤسس اللقاء لدور مصري جديد في سوريا؟ لقيادتها عمليات إعادة الإعمار بالمنطقة العربية، والروابط التاريخية بين مصر وسوريا، إضافةً إلى الجهود المشتركة لحفظ الأمن القومي بالمنطقة العربية، وعليه فنسعى من خلال هذه الورقة تقديم رؤية حول اللقاء، وما يُبنى عليه من تعاون بين الجانبين.

العلاقات المصرية السورية من الوحدة إلى القطيعة يُحتذى بالعلاقات المصرية السورية بالمنطقة العربية؛ لارتباط الدولتين معًا بأواصر تاريخية من الناحية الثقافية وعلاقات متشعبة على المستوى السياسي والاجتماعي، والتجاري؛ ما يؤكد وحدة مصير كلتيهما، ولعل تجربة الوحدة بين مصر وسوريا عام 1958 دليلٌ قاطعٌ على عمق العلاقات والوحدة، ولكن عادةَ العلاقات بين الدول السيرُ في منحنى يتصاعد تارةً وينخفض أُخرى، كالواقع بين سوريا ومصر، فقد تراجعت العلاقات بينهما بعد أحداث الثورة السورية في 2011؛ لمخالفة سوريا بنود المبادرة العربية التي وُقِّعت في نوفمبر 2011، لإنهاء استخدام السلاح ضد المتظاهرين، والإفراج عن المعتقلين، وإقامة حوار مفتوح بين النظام السوري والمعارضة؛ لتقريب وجهات النظر والوصول إلى حل الأزمة.

فبالرغم من إطلاقها سراح 553 معتقلًا، ودعوة الأطراف المسلحة تسليم سلاحها للحكومة، إلا أنها لم تأخذ خطوة أبعد من ذلك في تنفيذ المبادرة العربية، ما فاقم الأوضاع بشكل كبير، تم على أثره اجتماع الجامعة العربية لبحث تطورات الملف السوري، وبناءً عليه تم تجميد عضوية سوريا بالجامعة لحين الامتثال لما احتوته المبادرة، ولم يتم تجميد عضوية سوريا بالجامعة فقط بل تم فرض مجموعة من العقوبات الاقتصادية عليها، فضلًا عن التشديد على الجيش السوري بعدم استخدام العنف ضد المتظاهرين المناهضين للنظام آنذاك، كما اشتُرط سير هذه القرارات لحين التزام سوريا بما أقرت به في المبادرة العربية 2011، وقد دعت الجامعة المعارضة السورية لاجتماع وزاري لمناقشة سُبُل حلِّ الأزمة السورية وملامح المرحلة الانتقالية للدولة، وقد تمت هذه القرارات بموافقة 18 دولةً من بينهم مصر، ورفضت كلٌّ من (سوريا- لبنان- اليمن)، وامتنعت العراق عن التصويت.

 

ووصل وفد من المعارضة السورية ممثل بـ”المجلس الوطني السوري” للجامعة العربية للتباحث حول مستقبل الدولة، وشكل المرحلة الانتقالية، وقد نتج عن الاجتماع مطالبة المجلس الوطني السوري بضرورة فرض عقوبات على سوريا وتجميد عضويتها بالجامعة العربية، وعدم إعطاء النظام فرصةً أُخرى، ومحاولة إنقاذ الشعب السوري، ولم تثبُت المعارضة السورية طويلًا على موقفها بل اختلفت وتباينت مواقفها بشأن المبادرة العربية وأهمية تنفيذها؛ ما أدى إلى تصريحاتها المتضاربة، وانعكس ذلك على سوريا، فظهر فاعلون جُدُد بالأزمة السورية، وأصبحت الوجهة التي تتسابق عليها القوى الإقليمية والعالمية الكبرى، والميليشيات المسلحة والتنظيمات الإرهابية، وعلى رأسهم تنظيم “داعش”.

وفي عام 2013 وبعد تدخل “حزب الله” في القتال مع قوات النظام السوري ضد المتظاهرين، أعلنت مصر تقليص العلاقات الدبلوماسية وسحب البعثة الدبلوماسية من “دمشق” والاكتفاء بوجود مفوض لتنسيق الجهود ورعاية مصالح الرعايا، والمطالبة بإقامة منطقة “حظر جوي” فوق سوريا من مجلس الأمن الدولي.

جدير بالذكر، بالرغم من توتر العلاقات المصرية السورية منذ 2013، إلا أن النظام المصري الحالي يؤكد في كثير من المناسبات والمحافل الدولية دعمه للشعب السوري واستقرار سوريا ويرفض التدخل في الشؤون الداخلية للدولة؛ حرصًا على سيادتها واستقرارها، ودعم الوصول لتسوية سلمية للخروج من الوضع المتأزم.

القضايا محل الاختلاف بين سوريا ومصر

اختلفت مصر مع سوريا لعدم التزام الأخيرة بالبنود التي وقَّعت عليها في المبادرة العربية (نوفمبر 2011) وتعاملها بشكل غير إنساني وغير قانوني مع المتظاهرين، والسماح بدخول أطراف أُخرى بالأزمة السورية، أهمهم “حزب الله اللبناني”، وعلى الجانب السوري فقد اختلفت سوريا مع مصر في مطالبة مصر بإقامة منطقة حظر جوي فوق سوريا لإنقاذ الشعب السوري، ورأت أن هذا المطلب يمثل اعتداءً صارخًا على سيادة الدولة، وتدخلًا في شؤونها الداخلية دون حق.

ولم تكن مصر هي الدولة العربية الوحيدة التي فلصت علاقاتها مع سوريا وخفضت مستوى التمثيل الدبلوماسي بسوريا، فالعديد من الدول العربية سحبت تمثيلها الدبلوماسي بعد قرار الجامعة العربية، على سبيل المثال؛ دول مجلس التعاون الخليجي بالكامل، بينما احتفظت كلٌّ من (العراق- الجزائر- عمان- تونس) بعلاقاتها مع النظام السوري.

تطورات الوضع في الأزمة السورية وتداعياتها

تكبَّدت “سوريا” الكثير في خضم هذه الحرب المشتعلة؛ حيث أُجبر نصف تعداد سكان سوريا البالغ عددهم (22 مليون نسمة) على مغادرة منازلهم في أكبر موجة لجوء جماعي شهدها العالم منذ اندلاع الحرب العالمية الثانية، وخلقت هذه الموجة تأثيرًا كبيرًا على الرأي العام العربي والعالمي والمشهد السياسي والانتخابي، خاصةً في أوروبا، ووسط هذه الفوضى سيطر تنظيم “داعش” على سوريا والعراق وجعلهما دولة إسلامية تابعة للتنظيم؛ ما أدى إلى عسكرة النزاع بشكل كبير، وتوالت القوات الأجنبية كـ(الولايات المتحدة الأمريكية- روسيا- تركيا- إيران) وغيرهم على سوريا؛ لحماية رعاياها ومصالحها.

ووفقًا لبيان صادر عن المرصد السوري لحقوق الإنسان، يُقدَّر عدد الأفراد الذين قُتلوا وتم العثور عليهم ما يزيد عن 388 ألف فرد، كما وصل عدد الأطفال السوريين خارج النظام التعليمي لأكثر من 2.4 مليون طفل، إضافةً لمعاناة أكثر من مليوني سوري من الفقر المدقع، وعدد من لا يقدرون على توفير قوت يومهم يتجاوز 12.4 مليون فرد.

ولكن مؤخرًا بدأت الأوضاع في سوريا تتجه نحو التهدئة منذ أن استطاع نظام “الأسد” السيطرة على معظم أطراف الدولة، وفشل المعارضة السورية في تقديم رؤية متكاملة وواضحة حول أنسب الطرق لإدارة الوضع الداخلي، وبداية إيجاد حل للأزمات الاقتصادية والاجتماعية التي تعاني منها الدولة، إضافةً إلى عقد انتخابات رئاسية لتشكيل الحكومة، ووضع خطة للإعمار وعودة الاجئين، كل هذا جعل العديد من الدول العربية تؤمن بأن إسقاط نظام “الأسد” لم يعُد العقبة في طريق استقرار سوريا، فقد يكون بقاؤه خطوة نحو الحل في ظل اختلاف المعارضة وتعدد الفاعلين في الأزمة السورية.

وقد ظهرت وجهة النظر هذه بشكل واضح في اجتماعات الجامعة العربية الأخيرة، وتأكيد ذلك إعادة بعض الدول التمثيل الدبلوماسي مع سوريا وعلى رأسهم الإمارات العربية المتحدة، كما رفعت الأردن تمثيلها الدبلوماسي في سوريا، وزار الرئيس السوداني “البشير” سوريا؛ ما يعني خروجها من خط الحياد إلى تأييد النظام السوري، ومؤخرًا جرت لقاءات واجتماعات بالعديد من الدول أهمهم (البحرين وموريتانيا)، وأخيرًا( مصر)؛ ما يفضي إلى أن عودة سوريا للجامعة العربية مسألة وقت لا أكثر.

هل يؤسس اللقاء لعودة التمثيل الدبلوماسي بين البلدين؟

خلال لقاء وزيري الخارجية تمَّت مناقشة عدد من القضايا الرئيسية التي تخص الشأن السوري داخليًّا وعربيًّا، فعلى المستوى الداخلي حربها على الإرهاب، وكيف تمكنت من الانتصار عليه في ظل الظروف والأوضاع شديدة الحساسية التي مرت بها خلال عقد من الزمان؟ كما تم التأكيد من الجانب السوري على أن سوريا دائمًا تفتح أبوابها للدول العربية، مُرحّبةً بأي تعاون، وقد أكدت مصر مساندتها للشعب السوري ودعم وحدة واستقرار أراضيه.

وأشار الوزير المصري إلى أن مصر تشجع عودة سوريا لمقعدها بالجامعة العربية، وإعادة التمثيل الدبلوماسي بينهم بعد توقف الجانب المصري عام ٢٠١٣، خاصةً أن الوضع في سوريا يتجه إلى الاستقرار والتهدئة، خصوصًا بعد الانتخابات الرئاسية الأخيرة التي مكَّنت “بشار الأسد” من الحفاظ على مقعده في السلطة، وقد تتخذ عملية إعادة التمثيل الدبلوماسي مسارًا تدريجيًا، فيبدأ بتمثيل دبلوماسي بسيط ويتم رفعه تدريجيًا بعد مرحلة ما – يرجح أن تكون عودة سوريا إلى الجامعة العربية – ثم يتم رفعه.

هل يؤسس لتدخل مصري عربي لدعم سوريا؟

ومن زاوية أخرى لا يُستبعد كون اللقاء بين وزيري الخارجية مؤسسًا لمبادرة مصرية عربية داعمة عودة سوريا مرةً أُخرى للجامعة العربية، خاصةً بعد دعم العديد من التوجهات بالحكومات العربية  لهذا المسار.

قد يلي ذلك مبادرة مصرية منفردة أو مجتمعة للمشاركة في إعادة الإعمار في سوريا؛ لمبادرات مصر الهادفة لإعادة إعمار المنطقة العربية، كما أن لها جهودًا لدعم استقرار دول المنطقة، على سبيل المثال إعادة الإعمار في (غزة، ليبيا)، ودعمها للعراق من خلال المشروع الاقتصادي الكبير بين مصر والعراق والأردن، إضافةً لهدوء الوضع الداخلي السوري بعض الشيء، فقد توقفت المعارك العسكرية، وبالتالي فإن الفرصة مواتية للجهود العربية الداعمة لتطلعات الشعب السوري، واستقرار سوريا.

من خلال اللقاء السابق يمكننا تصور مسارات التعاون بين مصر وسوريا، والتي يرجح أن تأخذ مسارًا تتابعيًّا يتكون من خطوات (واحدة تلو الأُخرى) كما يلي: _

أولًا: يرجح أن تسعى مصر للوساطة الدولية لدى المنظمات المختلفة لدعم سوريا وتغيير وجهات النظر عن الوضع الداخلي فيها، وبحْث سُبُل الدعم اللازمة للشعب السوري لمساعدته بالخروج من تبعات الأزمة التي طالته لعقد من الزمن.

ثانيًا: الانتقال من المستوى الدولي إلى المستوى الإقليمي؛ ما يعني طرْح مبادرة عربية لدعم استقرار سوريا داخليًّا، وما يترتب على هذا من تغيير مواقف بعض الدول العربية بشأن عودة سوريا إلى مقعدها في الجامعة العربية بعد انقطاع دام عقدًا من الزمان منذ نوفمبر ٢٠١١، وقد يترتب على هذا تنسيق الجهود على مستويات ثنائية أو متعددة لتقديم الدعم اللازم، وإعادة التمثيل الدبلوماسي بين الدول التي سحبت ممثليها أو قلصت حجم بعثاتها.

ثالثًا: على المدى الطويل يمكن أن تأخذ مصر خطوة تجاه رفع التمثيل الدبلوماسي مع سوريا بشكل تدريجي، ومن ثم طرح مبادرات لإعادة الإعمار فيها مثلما حدث مع غزة في مايو الماضي، هذه التحركات قد لا تُفضي إلى إنهاء الوضع الداخلي بشكل نهائي إلا أنها تشكل محاولة جديدة للدعم والمساندة.

ختامًا: يمكننا القول: إن الفرصة ما زالت مواتية لمصر والدول العربية لتقديم الدعم اللازم لسوريا سواء من ناحية دعم مشروعات البنية التحتية، والاستثمار، وإعادة بناء النظام التعليمي وغيرها من القطاعات التي طالتها الحرب، وانفتاح الدولة السورية بشكل كبير على المبادرات أو التعاونيات والشراكات على المستوى العربي وهو ما جاء به بيان وزير الخارجية السوري خلال اجتماع الجمعية العمومية ٧٦ وتم التأكيد عليه خلال لقائه مع نظيره المصري أيضًا.

 

 

 

 

 

 

 

 

كلمات مفتاحية