إعداد : رابعة نور الدين وزير
مقدمة
يشهد السودان بالوقت الحالي بعض التحركات السياسية كان على رأسها، تظاهرات بالعاصمة (الخرطوم) من أنصار قوى “الحرية والتغيير”، ممثلةً بمجموعة “ميثاق التوافق الوطني” والتي انشق عن الحركة، والتي تطالب فيها بضرورة تشكيل حكومة وطنية للسودان، وعليه فقد أصدرت قوى “الحرية والتغيير” أن قرار إقالة الحكومة الحالية وتشكيل حكومة انتقالية هو مسؤولية “قوى الحرية والتغيير” بالتشاور مع رئيس الوزراء، وليس الأمر مرتبطًا بأي ولاءات تحتية.
جدير بالذكر أن التظاهرات التي اندلعت مؤخرًا بالخرطوم لم تطالب بتشكيل حكومة جديدة فقط، بل اشتملت على كثير من المطالب النقابية والفئوية واشتملت على فئات وقوى وأحزاب سياسية أُخرى وليس فقط أنصار قوى “الحرية والتغيير”، وتمحورت المطالب حول حل الحكومة، أو توسيع المشاركة بالحكومة، وتحسين الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية بالسودان.
وهذه ليست التحركات الأولى التي يشهدها السودان خلال العام الحالي بل شهد محاولة انقلابية في سبتمبر 2021؛ لذا نسعى من خلال هذه الورقة تقديم رؤية تقييمية عن الوضع بالسودان، ومستقبل الدولة في ظل التحركات الأخيرة.
مظاهرات السودان الأخيرة من يؤيد من؟
شهدت الخرطوم تحركات واسعة النطاق يوم السبت الموافق 16 أكتوبر 2021، من قِبَل بعض القوى السياسية على رأسها مجموعة “ميثاق التوافق الوطني” المنشقة عن حركة “الحرية والتغيير”، وبعض الأحزاب السياسية والنقابات وغيرهم، والتي انحصرت مطالبهم بضرورة تغيير الحكومة الحالية وتشكيل حكومة انتقالية جديدة للبلاد، أو منح فرصة أكبر للمشاركة السياسية لكل طوائف وفئات الشعب، مع التأكيد على ضرورة معالجة الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية المتردية بالسودان، وبناء قوات سودانية مسلحة واحدة، إضافةً لتنفيذ بنود الوثيقة الدستورية التي اعتمدها السودان من قبل.
التفاعلات الداخلية حول التحركات الأخيرة بالسودان
أصدر رئيس الوزراء “عبد الله حمدوك” بيانًا يؤكد فيه ضرورة احترام ثورة ديسمبر وإنهاء الخلافات بين المدنيين والعسكريين، كما أعلن خارطة طريق للخروج من الأزمة التي يمر بها السودان، بعد التشاور مع كافة أطراف الصراع بُنيت بالأساس على عدة مبادئ رئيسية أهمها؛ تجنُّب كافة أشكال التصعيد، والتأمين على أن النقاش الجاد والمسؤول هو المخرج الوحيد، والعودة للعمل بجميع مؤسسات الانتقال على أن تُوضع جميع الخلافات جانبًا، وأن تُدار بأساليب أكثر نضجًا ومسؤولية وبوصلة واحدة هو مصلحة الشعب واستقراره وتطوره، وضرورة الاتفاق على أن قضايا مثل الإرهاب والمهددات الداخلية والخارجية على الحدود أو خارج الحدود، يجب أن لا تكون مساحةً للتكهنات أو المزايدات أو الشكوك بالنوايا، والابتعاد عن اتخاذ قرارات فردية، وعدم استغلال مؤسسات الدولة التي هي ملك لكل أفراد الدولة دون تمييز.
وقد أوضح رئيس الوزراء السوداني أن التحركات الأخيرة بالسودان قد جاءت على خلفية تعذُّر الاتفاق بين مكونات الدولة (المدنية والعسكرية)، ممثلةً بمعسكرين (المعسكر المدني الديمقراطي- ومعسكر الانقلاب)، مشروع وطني يحقق أهداف ثورة ديسمبر ويحقق الرخاء والاستقرار للشعب السوداني، وأن هذا المشروع وضْعه وتحقيقه لابد أن يستند على وحدة الأطراف داخل الدولة.
وقد ردَّت حركة “الحرية والتغيير” أيضًا على هذه التظاهرات الأخيرة بأن الحركة هي الكيان الأول والمسؤول عن تغيير الحكومة بالتشاور مع رئيس الوزراء؛ لذا فإن الحركة لا تجد حاجة للتغيير بالوقت الحالي، ولن ترضخ لهذه المطالب، ولن تستجيب لمطالب مبنية على ولاءات تحتيه غير الولاء للسودان واحترام مبادئ ثورته، كما ردَّ حزب “الأمة السوداني” والذ يعتبر من الأحزاب الرئيسية بالسودان بأن التحركات التي يشهدها السودان بالوقت الحالي قام بها مجموعة من قاصري النظر وفاقدي الأهلية، وأن تحركاتهم ليست لها أي علاقة بالانتماء أو الرغبة بالإصلاح ولكنها بالأساس جاءت لانتماءات فردية وولاءات تحتيه.
وقد استمرت التحركات بمناطق أُخرى في السودان على رأسهم إقليم الشرق؛ لذا عقد رئيس الوزراء السوداني قمة طارئة الإثنين الموافق 18 أكتوبر؛ للتباحث حول التظاهرات التي تشهدها البلاد بمناطق مختلفة، والخروج بحل يؤدي لاستقرار البلاد.
ويلاحظ أن كل المطالب تتلخص بالإبقاء على رئيس الوزراء ولكن يجب تغيير عناصر الحكومة الآخرين؛ لتوسعة قاعدة السياسية للحكومة الانتقالية بالسودان، مع ضرورة إلغاء مسار شرق السودان؛ لذا أعلن مجلس “نظارات البجا شرق السودان” أنه لن يقبل بأقل من حصول شرق السودان على استقلالها ومنحها حق تقرير المصير وفقًا لما جاء بمؤتمر “سنكات” الذي عقد في 27 سبتمبر 2020، كما أكد مجلس “البجا” على استمرار غلْق كل المنافذ لحين تسوية الوضع مع حكومة الخرطوم.
تم تكوين خلية أزمة والتي تكونت من بعض العناصر وعلى رأسها رئيس الوزراء “حمدوك” وبعض من القوى السياسية بالداخل منها قوى “الحرية والتغيير أ” وقوى “الحرية والتغيير ب “، إلا أن المجلس المركزي للحرية والتغيير (أ) رفضت التعامل مع الخلية وأرجأت الأمر حتى 21 أكتوبر الجاري، وهو يوم كبير ستشهده السودان؛ حيث ترتب فيه معظم التيارات السياسية لاعتصامات موسعة بالخرطوم للتأكيد على نفس المطالب التي بدأت بسببها التظاهرات، ضرورة استكمال هياكل الدولة المختلفة، وزيادة عليها تشكيل محكمة دستورية للبلاد، والمجلس التشريعي.
وحتى وقتنا الحالي لم يصدر عنه أي إجراءات تخُصُّ تحقيق مطالب المتظاهرين أو حل الحكومة الحالية وهو ما ظهر بالاجتماع الاستثنائي الذي عُقد بالأمس 18 أكتوبر، باستثناء خارطة الطريق التي أعلنها “حمدوك” منذ أيام.
ردود الأفعال الدولية حول استمرار الاعتصامات بالخرطوم
وما زالت الاعتصامات مستمرة لليوم الرابع وسط ردود أفعال داخلية كما سبق وأن أشرنا وبعض الردود الدولية مثل الكونجرس الأمريكي؛ حيث أكد أن الحكومة الأمريكية لن تقدم أي مساعدات عسكرية على الإطلاق لحكومة السودان إلا أن تكون مساعدات تنصب بمجال الإصلاحات الأمنية ولكن بموافقة التيارات الرئيسية ممثلةً في التيار المدني بالسودان لهذه الخطوة، وقد رحبت بشكل كبير بخارطة الطريق التي أعلنها حمدوك مؤخرًا، إضافةً لرد الفعل الروسي والذي تلخص بأنها قضية داخلية يجب أن يُمنح فيها السودان ومواطنو الداخل الحق بتقرير ما يريد، على مستوى بريطانيا سوف تزور وزيرة الشؤون الأفريقية السودان غدًا الموافق 20 أكتوبر؛ لبحث الوضع فيها.
دلالات تجدد التظاهرات المطالبة بإسقاط الحكومة الانتقالية بالسودان
بدأت التظاهرات في 17 أكتوبر 2021 واستمرت حتى الآن، واستمرت بمطالبها المتعلقة بحل الحكومة الانتقالية بالسودان، ولعل استمرار التجدد للمظاهرات يحمل بعض الدلالات، أهمها استمرار التخبط الذي يعاني منه السودان؛ حيث إن الحكومة السودانية بشكل كبير لم تحقق كثيرًا من الوعود التي قطعتها للسودانيين وأولها هو تشكيل حكومة كفاءات، ونكصت بمبادئ الثورة السودانية المتعلقة بتوسيع قاعدة المشاركة السياسية؛ حيث احتوت الحكومة على مكونات سياسية محدودة مكونة من أربعة تيارات سياسية فقط مع تجاهل كثير من القوى.
استمرار الأزمات الاقتصادية التي يعاني منها السودان؛ حيث وصل مستوى التضخم أكثر من 200% عام 2020، ووصل حجم البطالة لأكثر من 66%، ووصل حجم الديون لأكثر من 64 مليار دولار، إضافةً للأزمات المتعلقة بنقص الغذاء والخبز والوقود.
انقسام الشارع السوداني لمعسكرين يتنازعان حول مستقبل السودان ويريدان (معسكر الانتقال الديمقراطي- معسكر العسكريين)، عدم وجود إجراءات تتعلق بتجهيز الدولة بمؤسساتها المختلفة لإجراء انتخابات ديمقراطية عادلة يتم خلالها تسليم السلطة بشكل سلمي، استمرار مشكلة شرق السودان وعدم تنفيذ اتفاق “سنكات”؛ ما أدى لتفاقم الوضع واستمرار التصعيد، إضافةً لتأجيل تشكيل العديد من الأجهزة الحكومية.
هل التأييد الأمريكي لخارطة الطريق يحمل دلالات بعينها؟
على خلفية ترحيب وزير الخارجية الأمريكي “بلينكن” بخارطة الطريق التي أعلنها رئيس الوزراء السوداني وطالب بضرورة احترام وتنفيذ الوثيقة الدستورية بشكل فوري، ولعل لهذه التصريحات بعض الدلالات؛ حيث إن الحكومة الأمريكية من البداية تؤيد حكومة “حمدوك”، وبالتالي فإن موقفها الأخير من خارطة الطريق التي أعلنها 15 أكتوبر ليس جديدًا، ولعله يأتي في إطار رغبة الولايات المتحدة الأمريكية لدعم الاستقرار بالسودان وتجنب دخولها بأحداث لن تنال منها شيئًا سوى خسائر على عدة مستويات، ولعل انسحابها من أفغانستان، وتأخُّر تدخلها أو ابتعادها في أحيان كثيرة عن التدخل بالأزمات الأخيرة للشرق الأوسط يؤكد على رغبتها بعدم التورط بأي حروب أو أحداث بالمنطقة؛ لتتفرغ لسباقها مع الصين، وتأمين منطقة (الهندي الهادي)، والتوجه بشكل أكبر نحو آسيا.
إلى أين تتجه المرحلة الانتقالية بالسودان؟
من خلال ما سبق يمكننا الوقوف على بعض السياقات التي قد تؤول الأوضاع بالسودان إليها بناءً على المحددات السابقة وعليه فنقترح ثلاثة مسارات رئيسية كما يلي.
السيناريو الأول
يرجح هذا السيناريو إمكانية توحيد التيارين الرئيسيين بالسودان وهما؛ (حركة الحرية والتغيير أ- قوى الحرية والتغيير ب)؛ لتوحيد الصف بالسودان ويلي ذلك إعادة تشكيل حكومة مبنية على قاعدة موسعة من التيارات السياسية المختلفة، وبمشاركة من “مجلس البجا” بشرق السودان؛ تمهيدًا لتشكيل حكومة (تكنوقراط) مع اتخاذ بعض الإجراءات المتعلقة باتخاذ خطوات نحو الإصلاح الاقتصادي؛ حيث يمثل استرضاء (البجا) والسماح لهم بالمشاركة بالعملية السياسية قد يساهم بتحسين الأوضاع الاقتصادية بشكل ما؛ حيث إنها تسيطر على عدة موانئ على البحر الأحمر، ويعتبر هذا السيناريو هو أبسط السيناريوهات بالمرحلة الحالية، ويمثل حدوثه تهدئة واحتواء للوضع الحالي بالسودان.
السيناريو الثاني
يرجح هذا السيناريو قيام الحكومة الحالية بإعلان انتخابات مبكرة لاحتواء الوضع، ويليها مرحلة كاملة من بناء المؤسسات واستمرار تشكيلها وفقًا للدستور، ولكن قد يكون تحقيق هذا السيناريو بداية لتصعيد جديد وذلك لاختلاف التيارات الرئيسية بالسودان حول آليه إدارة الحكومة واختلافهم حول حصول قوى “الحرية والتغيير” على النصيب الأكبر بالحكومة الانتقالية وهو ما يتوقع حدوثه بالانتخابات المبكرة، كما قد يتجه إقليم شرق السودان لعدم المشاركة بالانتخابات لحين تنفيذ ما جاء به اتفاق “كنسات” وفي هذه الحالة قد يتجه الوضع أكثر للتصعيد، وأن تتوسع أعمال العنف بين التيارات والقوى المختلفة.
السيناريو الثالث
يذهب هذا السيناريو بفشل الحكومة في استيعاب الوضع الحالي وقيام التيارات المختلفة بتسيير تظاهرات تدعم مطالبها سواء من حيث الحصول على حق تقرير المصير كما هو الحال بالشرق، أو الحصول على تمثيل سياسي مناسب بالحكومة السودانية الحالية، أو غيرها من المطالب، وقد يعود حزب المؤتمر السابق للساحة السياسية وينظم تظاهرات من خلال مؤيديه؛ للحصول على نصيب بالحكومة، وبالتالي فيمكننا القول: إن أي محاولة لحل الحكومة الحالية وتشكيل أُخرى قد يؤدي لإحداث فراغ سياسي بالسلطة ويترتب عليه تحركات على نطاق أوسع يدخل البلاد دائرة العنف.