إعداد: حسام عيسى
باحث فى العلوم السياسية و العلاقات الدولية
*- إستراتيجية الدول – تعنى الاستخدام الأمثل للموارد المتاحة من طبيعية وبشرية وموقعها الجغرافي مع تعظيمها.
*- أولويات الدول – هي الأهداف العامة بالبقاء و الاستمرار مع إنماء الشعوب بظل التحديات الدولية .
*- إستراتيجية الأولويات- هي كيفية استخدام الموارد المتاحة لتحقيق البقاء والإنماء بظل البيئة الدولية الراهنة.
مقدمة
رغم اختلاف بعض العلماء حول محددات السياسة الداخلية لكن تظل البيئة الدولية هي المحدد الرئيسي للسياسة الداخلية، وأن القوة الفعلية للدولة هي المحرك لمواجهة المحددات الدولية، ذلك حسب النظرية الواقعية “لميرشيمار”، وأن أولويات الدول عليها أن تتواءم مع المحددات الدولية بما فيها تطلعات الشعوب، ويجب أن تكون بحالة توافق مع المحددات الدولية؛ حيث إن تعارض أولويات الدول وعدم إدراك الشعوب لتلك التحديات الدولية يهدد بقاء الدول واستمرارها.
لكي نوضح تلك المنهجية في السياسة المصرية بشفافية وحيادية سوف نتبع المنهجية الاستقرائية من خلال نظريات تحليل السياسة الخارجية حتى نصل للتعمق التحليلي المناسب، هناك بعض من التداخل بالنظريات التحليلية لوضع صورة واضحة للقدرة على معرفة تلك المنهجية ولا تستطيع نظرية واحدة أن تعطي قياسًا كاملًا للمنهجية، ومن هنا سوف نستعرض النظرية المناسبة الدالة على المنهجية السياسية المصرية.
أولًا: السياق الدولي الحاكم للسياسة الخارجية بعد عام 2011
في عام 2011 و ما بعده، نرى المحددات الدولية التي فُرضت على مصر بذلك الوقت طبقًا لتحليل النظرية الواقعية، وكان العالم –آنذاك- يعيش طبقًا لقواعد و قانون الولايات المتحدة الأمريكية؛ حيث أصبحت هي الحاكم للعالم من خلال قوتها العسكرية التي تفوق منافسيها روسيا و الصين، و قوة اقتصادية متحكمة باقتصاد العالم و سيطرتها على المنظمات الدولية و التحالفات الدولية و خاصةً حلف الناتو و التي تقوده و تجبر كل حلفائها بدفع فواتير الحلف بشكل كبير، رغم انهيار العدو الأساسي الذى أُقيم من أجله حلف الناتو و هو الاتحاد السوفيتي، كما قادت أمريكا دول الحلفاء في ضرب العراق و ليبيا؛ للسيطرة على البترول و الغاز، وعدم التعامل التجاري و الاقتصادى مع إيران، فأمريكا هي من تفرض العقوبات الاقتصادية على الصين و روسيا.
اتبعت الخارجية الأمريكية سياسة تقسيم الدول مع خلْق دول بها عدم استقرار بالمناطق الحيوية لها للسيطرة و قيادة تلك المناطق سياسيًّا مع سلب الإرادة السياسية لتلك الدول، و يمثل الشرق الأوسط أهم المناطق الحيوية لأمريكا المتكون من :- دول شمال أفريقيا و دول الخليج و الدول الأوروبية خاصةً المطلة على البحر المتوسط ؛ حيث تستحوذ هذه المنطقة على موارد الطاقة من بترول و غاز، إضافةً للموقع الجغرافي المتصل مع القارة الأوروبية و الآسيوية و الأفريقية فيما يسمى “جزيرة العالم ” و حيث تمثل قوة اقتصادية عالمية متواجدة بدول الاتحاد الأوروبي؛ لذا اعتمدت السياسة الخارجية الأمريكية على عدة محاور أهمها التالي:
دعم عدم الاستقرار: دعمت الولايات المتحدة خلْق عدم استقرار بتونس وليبيا ومصر وسوريا ولبنان والعراق واليمن والصومال؛ حيث إن عدم الاستقرار ينعكس أولًا على الدول الأوروبية ليضعفها من خلال الهجرة الغير شرعية وتصدير الإرهاب لها مع زعزعة الاستقرار على الحدود الجنوبية لأوروبا وتكون أيضًا تلك الدول نقاط تهديد لدول الخليج فتطالب بزيادة الحماية الأمريكية ليسهل السيطرة السياسية بإدارة الدول دون التدخل العسكري الأمريكي على الأرض، مع احتوائها على الممرات الدولية وطرق التجارة العالمية.
السيطرة عن بعد: وذلك من خلال قيادة العالم لجني الثروات بأقل تكلفة بدون خسائر مادية وخاصةً البشرية وبذلك تطبق أمريكا النظرية “الواقعية التقدمية ” والتي من مبادئها خلْق البيئة المناسبة لتحقيق أقصى درجات المصلحة مع عرقلة أي تقدم لأي دولة وخاصةً منافسيها؛ حيث الصراع أساس العلاقات الدولية والمفهوم الأساسي للصراع هو القوى وأن القوى هي غاية ووسيلة.
تمثل الطاقة أهمية قصوى للسياسة الخارجية الأمريكية من حيث تجارتها و هذا مبدأ قامت عليه منذ نشأتها – يتمثل بالسيطرة على التجارة و الأسواق العالمية و التحكم بالدول المنتجة فنجد أمريكا مسيطرة على معظم الدول المنتجة للبترول بالعالم مثل فنزويلا و نيجيريا و دول الخليج و العراق، كما تسعى لفرض السيطرة على ليبيا بتغييرها للنظام في 2011 من أجل البترول و الغاز في المتوسط، وتسعى للسيطرة على إيران من أجل البترول و الغاز، للسيطرة على الدول المستوردة و على أسعار البترول و هذه إستراتيجية مبدأ لا تحيد عنها أمريكا و تسعى لتحقيقها و تثبيتها على مر العصور مع اختلاف رؤسائها للهيمنة و السيطرة العالمية؛ حيث من أهم المبادئ التي اتفق عليها علماء العلاقات الدولية، أن أمريكا أقامت هيمنتها على الركيزة الأساسية بسياستها الداخلية و الخارجية وهي الاقتصاد و زيادة ثروتها و السيطرة على ثروات الغير مع حرمانهم من ثرواتهم و التحكم فيها.
الليبرالية الكلاسيكية: تتبع الولايات المتحدة الأيديولوجية “الليبرالية الكلاسيكية” للعالم الإنجليزي “جون لوك” التي تعمل على السيطرة و الاحتكار للقوى الاقتصادية بصفة شمولية؛ حيث تمثل تلك الأيديولوجية منهجًا عميقًا للسياسة الخارجية الأمريكية مع تجميلها للغير في بعض الأحيان و تغير أشكالها فتنتقل من الواقعية الكلاسيكية القديمة إلى التقدمية و استحداث سياسة الاستباقية و خلْق المناخ المناسب لها لتحقيق القوى؛ حيث إن الحصول على القوى في مقدمة أولويات الإستراتيجية الأمريكية وهي الهدف و الغاية لأمريكا، كما أن القوى هي أيضًا وسيلتها بإدارتها السياسية و الاقتصادية؛ حيث إن أمريكا تتبع منذ نشأتها سياسة القوى الصلبة المتمثلة بالقوة العسكرية أو العقوبات الاقتصادية أو الحصار الاقتصادي أو فرض رسوم جمركية و بذلك تكون السياسة الخارجية الأمريكية متطابقة مع نظرية “الواقعية الكلاسيكية التقدمية” مع استخدام سياسة الردع أو تهيئة الأرض دبلوماسيًّا و تجميلها بسياسة القوة الناعمة لصاحبها “جوزيف ناي” أو القوة الذكية المدمج بها القوة الصلبة أو العسكرية مع القوة الناعمة المتمثلة بالدبلوماسية و الثقافة و الفنون .
ثانيًا: مصر كمحدد رئسيي في سياسة الولايات المتحدة
دائمًا وأبدًا تقوم أمريكا على سياسة خارجية مستدامة وتعمل على تنميتها وتحقيقها لأهدافها بالسيطرة وحكم العالم؛ حيث اتبعت أمريكا سياسة كلٍّ من “إسبيكمان” و “ماهان” علماء الجيوبولوتيك الأمريكان للسيطرة الأمريكية على العالم فاتبعت بعض الخطوات منها الآتي:
أولًا: العمل على احتواء الممرات العالمية وخاصةً قناة السويس وقناة بنما، ونجد أن أمريكا مسيطرة على قناة بنما والمضايق (جبل طارق وباب المندب وهرمز والبسفور والدردنيل)، وتسعى للاستحواز على قناة السويس(بمصر).
ثانيًا: العمل على السيطرة على طرق التجارة العالمية من خلال الأسطول الأمريكي الذي يجوب العالم كله و يستطيع أن يصل لأي نقطة بالعالم في نصف يوم فقط؛ حيث إن “ماهان” صاحب فكرة بناء السفن العملاقة ونقل الجنود فيها ومحاربة الخصوم على أراضيهم وليس على الأراضي الأمريكية، وهو من رواد النظرية الاستباقية للسياسة الخارجية الأمريكية سواء الرادعة أو خلْق الأرض المناسبة لها.
ثالثًا: العمل على تطويق الخصوم أو المنافسين أو المنافسين المحتملين وحصارهم اقتصاديًّا والتحكم بموارد الطاقة وأسعارها.
وتطبيقًا للمبادئ السابقة تمثل جمهورية مصر العربية دولة سيطرة و تحكم على قناة السويس التي يمر بها أكثر من 15% من تجارة العالم كما تمثل ممرًا لثُلث التجارة البينية لدول الجوار و تمثل ممرًا لأكثر من نصف تجارة البترول لدول الخليج لأوروبا و تمثل ممرًا لأكثر من 25% من تجارة الصين هذا من ناحية التجارة، و من ناحية أُخرى مصر الآن أصبحت نقطة ارتكاز و تجميع الغاز بالبحر المتوسط المقدر بأن يمد أوروبا بأكثر من 40% من احتياجاتها للغاز بالأعوام القادمة و بذلك جمهورية مصر العربية تسيطر على أهم ثلاثة مبادئ تسعى الولايات الأمريكية على احتوائها لكلٍّ من (الممرات و التجارة و الطاقة)؛ لذا سعت أمريكا للسيطرة على مصر منذ عهد الرئيس الأسبق جمال عبد الناصر، فدعمت المرتزقة “الجماعات الإرهابية” لتحكم مصر بأمر أمريكا لسلب الإرادة المصرية و السيطرة عليها؛ لتسيطر على ثروات البلاد من موارد الطاقة، و أيضًا للتحكم بهذا الممر المائي ( قناة السويس) الذى يربط بين الشمال و الجنوب؛ حيث يمثل تعطيل الملاحة بقناة السويس خلال أسبوع خسارة للتجارة العالمية من (6 لـ 10) مليار دولار حسب خبراء الاقتصاد بشركة “أليانز” الألمانية للتأمين .
ثالثًا: التحديات والإنجازات الداخلية في العقد الأخير، والنظريات الحاكمة
يوضح ما سبق حجم الضغوط الدولية المفروضة على مصر و التي فرضتها الجماعات الإرهابية عندما حكمت مصر، و بذلك تكون السياسة الخارجية هي المحدد للسياسة الداخلية ؛ حيث سعت الجماعات الإرهابية عند حكمها لمصر لتقسيم المجتمع داخليًّا لفرق منتمية لجماعات إرهابية و فرق تابعة للسنة و فرق تابعة للمسيحيين؛ حيث إن ذلك التقسيم المجتمعي لفصائل يجعل مصر دولة فاشلة و تنهار و يسهل السيطرة على إرادتها السياسية و هذا ما عملت عليه الجماعات الإرهابية خلال حكمهم بتقسيم مصر لفرق و تراجع الاحتياط النقدي لـ 8 مليار دولار مع عدم إنماء اقتصادي حقيقي داخل المجتمع .
تصدي الهُوية المصرية و الوعي المجتمعي أمام خطر الجماعات الإرهابية على مصر، فقاد المجتمع ثورة 30/6/2013 و التي انحاز إليها الجيش المصري و وقف مع الإرادة الشعبية و قاد المشير عبد الفتاح السيسي مع قيادات الجيش المصري لتحرير مصر من تلك الجماعات الإرهابية؛ ليقدم الشعب المصري للعالم ديمقراطية جديدة غير ديمقراطية الصندوق، فيقدم ديمقراطية الشارع التي عبَّر عنها الشعب المصري-كما قالت ميركل رئيسة وزراء ألمانيا – و لقد كان التأييد الشعبي لقيادات الجيش المصري في يوم التفويض 26/7/2013 و الذي أوضح للعالم مدى تأييد الشعب المصري لقياداتة .
هذه هي الركيزة التي بنت عليها القيادة السياسية منهجيتها بإستراتيجية الأولويات في اتخاذ القرار بصناعة السياسة الداخلية والخارجية على محورين متزامنين كلاهما أصعب من الآخر، الأول- تغيير المخطط الأمريكي من مُعرقل ومُسيطر لداعم للدولة المصرية، ثانيًا- ربط مصر إقليميًّا بدول إستراتيجية بالإقليم ليكونوا الظهير الإستراتيجي لتعظيم القوى (الجيوسياسية – الاقتصادية) لمصر.
اعتمد النظام السياسي المصري على فكر العالم الألماني “رتزال” مؤسس علم الجغرافيا السياسية الحديثة ومرجع لعلم الجيوبولوتيك والذي دوَّن بكتاباته عوامل قوة الدولة التي تتصدرها القوة البشرية بتجانسها ووحدتها من أهم عوامل قوة الدولة وضعفها بانقسامها، إضافةً إلى أن من أهم عوامل قوة الدولة مدى الترابط بدول الجوار اقتصاديًّا وثقافيًّا، فإنه كلما كانت علاقة دول الجوار متماسكة ومستقرة يعطي ذلك قوة للدولة وأي صراع وعدم استقرار يضعف قوة الدولة.
اعتمد النظام السياسي المصري على نظرية “البنائية الاجتماعية” للعالم “ألكسندر وندت” والتي تقرُّ بأن البعد الاجتماعي والثقافي والهُوية والشفافية بالحكم هي أهم الركائز التي تستطيع أن تقف أمام التحديات الدولية وتغيرها على قدر قوتها.
كما اعتمد على نظرية “الواقعية الدفاعية ” للعالم “لميرشيمار” والذي من أهم مبادئها – أن أساس العلاقات الدولية هي الصراع ومن يحكم هذا الصراع هو القوة لذلك فإن القوة هي المفهوم الأساسى للعلاقات الدولية – وتتخذ مصر “الواقعية الدفاعية” من حيث زيادة قدرة القوة النسبية لدول النَّسَق الدولي لتغيير مرتبتها داخل النسق مع الأخذ بالاعتبار المحددات الدولية المتحكمة بالنسق الدولي.
لذا نرى أن إستراتيجية الأولويات بصنع القرار المصري جاءت متوافقة مع فكر “راتزال” و النظرية “البنائية الاجتماعية” بتوجيه كل إمكانيات الدولة بالعمل على التواصل و التعامل مع أقصى نقطة بالمجتمع المصري و الوصول للعشوائيات و التي تمثل أفقر فئة مجتمعية بمصر و هذا هو الطريق الأصعب لأي قيادة للدول، و الاهتمام بالبعد الصحي لأكبر قدر ممكن حسب الإمكانيات المصرية بمبادرة 100 مليون صحة و القضاء على فيروس “سي” إضافةً للمبادرات الصحية المختلفة من عيون و أمراض النساء و ذوي الاحتياجات الخاصة، و يأتي المشروع القومي ” حياة كريمة ” الذى يستهدف رعاية و اهتمامًا بأكثر من 65 مليون مواطن مصري و هي نقلة حضارية لم تستطيع أي دولة بدول العالم الثالث و لا بالعالم أن تحققه و هذا حدث فقط بكل من ألمانيا و اليابان و دول أوروبا و كوريا الجنوبية بعد الحرب العالمية الثانية بدعم من أمريكا فيما يسمى بمشروع مرشال بأوروبا مع دعم اليابان و كوريا الجنوبية بنظرية الاحتواء و التي أنفقت أمريكا عليها مدار عشر سنوات أكثر من 25 مليار دولار من 1945 إلى 1954 إضافةً للرعاية الاقتصادية.
تأتي إستراتيجية الأولويات لصانع القرار بالتوازي وهذا الأصعب لإمكانيات مصر المحدود ماديًّا و تهيئة مصر لتكون الممر الاقصادي إضافةً لكونها الممر البحري والبري، وذلك عن طريق البنية التحتية بالكهرباء والطرق والكباري وإنشاء أكثر من 27 مدينة جديدة
رابعًا: أبرز سمات السياسة الخارجية منذ عام 2013
انتقلت مصر من أسلوب رد الفعل الدبلوماسي بداخل النسق الدولى أو البيئة الدولية لأسلوب تهيئة الأرض دبلوماسيًّا أو خلْق البيئة الدبلوماسية المحققة للمصلحة واتباع السياسة الاستباقية بشمولية مع التلويح بقوة الردع – هذه سابقة لم تفعلها مصر عبر العصور – بهذا تعتمد مصر على فكر “راتزال” بربط مصر إستراتيجيًّا بدول الجوار سياسيًّا واقتصاديًّا؛ ما يزيد من عوامل قوة مصر إقليميًّا، فعملت مصر على دعم علاقاتها مع السعودية و الإمارات بتحالف سياسي عسكري اقتصادي؛ لحصار الفكر و النفوذ الإيراني المضر للسعودية و الإمارات؛ لتكون مصر الظهير الإستراتيجي لهما و المانع لمحاصرتهما مستخدمةً مصر القوة الدبلوماسية بتفعيل و تعظيم هذه القوة، و كان للسعودية و الإمارات التأييد الأول لثورة 30/3/2013، و استطاعت القيادات السياسية متحدةً معًا برسم الحدود السياسية لتعظيم الاستفادة بممتلكات الدولة لزيادة التنقيب بالبحر الأحمر و زيادة الاستثمارات بالبترول و الغاز و بذلك ربطت مصر حدودها الشرقية اقتصاديًّا و عسكريًّا و سياسيًّا؛ ما زاد من قوتها الجوسياسية، كما حققت مصر ارتباطًا قويًّا بالسودان صاحب الحدود الجنوبية من خلال تعميق القوة الدبلوماسية و الاستخباراتية مع وقوف مصر مع الشعب السوداني بإزالة الحكم الإخواني من السودان و التعاون العسكري و الدفاع المشترك و ضمان الديون السودانية لدى فرنسا و التعاون سويًّا ضد التهديد الإثيوبي بسد “النهضة” .
و تأتي العلاقة المصرية الليبية من أهم أولويات صانع القرار المصري منذ ضرب أمريكا لليبيا عام 2011، و عملت مصر بقوة استخباراتية و دبلوماسية لتهئية الأرض الدبلوماسية بالتعاون المصري العسكري الفرنسي و الروسي و من ورائهم السعودية و الإمارات بدعم اقتصادي وربط تلك الدول بالمصالح المشتركة من البترول و الغاز و نجحت مصر برسم خط حدود جديد للحدود المصرية لتعبر عن قوة مصر الإقليمية، التي فرضتها على أرض الواقع برسمها الخط الأحمر “سرت_الجفرة” بداخل 60% بالحدود الليبية، بذلك استطاعت مصر بكافة إمكانياتها العسكرية و الاستخباراتية و الدبلوماسية و الاقتصادية أن تفرض قوتها على الأرض الليبية و تُؤمِّن حدودها الغربية بشكل غير مسبوق من قبل و تحمي ثروات مصر بالبحر الأبيض المتوسط من الغاز الذي يعتبر أساس الصراع القادم بالمستقبل القريب؛ حيث تمثل مصر نقطة تحول إستراتيجي لغاز المتوسط الذي سوف يكون الرابط بين مصر و الدول الأوروبية و هذه نقلة نوعية حقيقة و استباقية بربط مصر بدول أوروبا بتحالفات ثنائية منفصلة و هذا إبداع فكري لصانع القرار المصري؛ حيث إن هناك تراجعًا بالمنظمات الدولية و خاصةً بما يخص الاتحاد الأوروبي الذى أجبرت فيه أمريكا إنجلترا أن تخرج منه و التي تتكبد الخسائر المادية منذ الخروج و حتى الآن، فنجد أن مصر ربطت نفسها بتعاون مشترك و تحالف ثنائي عسكري اقتصادي سياسي مع فرنسا و ألمانيا و أيضًا مع دول شرق أوروبا .
استطاعت مصر من خلال التحالف الفرنسي و الألماني زيادة القدرة العسكرية و نقل مصر من الترتيب (23 لـ 9) في القوى العسكرية على العالم و حصول مصر من فرنسا على طائرات “الرافل” و حاملة الطائرات الهيلكوبتر “الميسترال” هذا التحالف بأنواعه المختلفة أعطى قوة مزدوجة لكلٍّ من مصر و فرنسا و كلاهما يسعيان للخرج من السيطرة الأمريكية لتحقيق مكاسب لمصالحهما الإقليمية و الداخلية فأصبحت مصر هي الركيزة الأساسية للعبور الفرنسي لأفريقيا و أصبحت فرنسا هي الظهير (الجيوسياسي – اقتصادي) لمصر و ذلك أيضًا ينطبق على التعاون المصري الألماني و هو تحالف (جيوسياسي –اقتصادي)؛ حيث أعطت لمصر الغواصة الألمانية “القاتل الساكن” كما تسمى لتتقدم مصر للمرتبة السابعة على العالم بحريًّا لامتلاك مصر أربعًا من تلك الغوصات، إضافةً للتحالف الاقتصادي المصري الألماني المتمثل بمجال الطاقة النظيفة.
بذلك تكون مصر طبَّقت نظرية “الواقعية الدفاعية” التي تقر بأن أساس العلاقات الدولية هو القوة و أن القوة هي التي تفرض الواقع و أن القوة هي الحامية لمصالح الدول و يكون ذلك في حدود مراكز القوى بداخل النَّسق و خاصة في من يقود ذلك النسق (أمريكا) و بهذه القوة العسكرية و التي امتلكتها مصر و التي كانت محرومةً منها من قبل أمريكا لدعمها للقوة العسكرية الإسرائيلية دون مصر و لولا تلك القوة العسكرية المصرية ما استطاعت مصر تحقيق تلك الإنجازات و حماية ثروات البلاد، و تلك القوة هي الحامية من قائد النسق الدولي؛ حيث استطاعت تلك القوة و معها القوة الدبلوماسية و المخطط الإستراتيجي للأولويات أن يسابق الزمن و يرسم الحدود مع قبرص أولًا ثم اليونان ليجني و يحمي الثروات من الغاز بالبحر المتوسط و أن يحجم الدور التركي المعارض لزيادة القوة العسكرية و الاقتصادية المصرية بالإقليم.
يأتي الانتصار الساحق الذي غير الفكر الأمريكي إضافةً لما سبق بالقدرة الاستخباراتية المصرية التي أذهلت معظم محللي العلاقات الدولية، وهي كيف استطاعت المخابرات المصرية قيادة و حل المشكلة الإسرائيلة في قطاع غزة الفلسطينية؟ التي تضم أكثر من خمسة عشر فصيل مسلح متعارض مع الآخر و له مصالح مختلفة عن الفصيل الآخر و البعض منهم منتمٍ لدول و جهات استخباراتية عالمية مختلفة على مستوى العالم، و استطاعت المخابرات المصرية أن تضع حلًّا قاطعًا إلى حد كبير بتسوية النزاعات بين إسرائيل و كل زعماء تلك الفصائل و أن كل الأطراف تثق بالحل المصري و تؤيده، و الأمر الآخر عندما يجوب رئيس المخابرات المصرية شوارع غزة التي لم يستطع أي قيادي أمريكي أو في العالم أن يتجول بهذا الشكل، إنما ذلك يعبر على مدى تمكن المخابرات المصرية من الحدود الشرقية و التي تعتبر من أهم الحدود بالنسبة لإسرائيل و أمريكا و أن أمن إسرائيل يأتي من القاهرة، و بذلك استطاعت مصر أن تُؤمِّن أصعب النقاط الحدودية لها هي الحدود الشرقية، كما استطاعت مصر إنشاء ستة أنفاق تربط مصر بسيناء و استصلاح أكثر من مليون و نصف فدان في سيناء و ربطها بالعاصمة القاهرة .
كل ذلك مجتمعًا جعل أمريكا تغير طرق إدارتها للمنطقة وتعيد مخططاتها وتستبدل مواقفها وتغير رجالها بالمنطقة، وأصبحت أمريكا داعمة للتحركات المصرية على محاور عديدة منها الموقف المصري في ليبيا مع تراجع الدور التركي ودعم مصر في محور العراق وداعمة للشام الجديد وقد أعطت مصر لأمريكا أن تكون أحد المراقبين في منتدى غاز المتوسط؛ للعمل سويًّا بالسيطرة على غاز المتوسط وتصديره لأوروبا لتقليل النفوذ الروسي بأوروبا وخاصةً على ألمانيا وفرنسا.
خاتمة:
من خلال هذا السرد الاستقرائي للأحداث وقراءة للنتائج يتضح لنا المنهجية الإستراتيجية لأولوية صانع القرار المصري ومعرفة أهم الركائز العلمية التي اعتمد عليها صانع القرار وأي النظريات المتبعة بتفكيره وهل أصابه الصواب في الاختيار وفي الاستخدام الأمثل للبدائل؟ وهل عظم الإمكانيات المتاحة؟.
فنجد أن أولويات صانع القرار اعتمدت أولًا على النظرية “الواقعية” و اتخذها أساسًا له و أخذ منها “الواقعية الدفاعية” دون الهجومية المتناسبة مع القوة و التحديات الدولية فأتاح المجال لتغيير الوضع داخل النسق دون تعارض مصالح القوة و لكن بفرض القوة بأسلوب سلس و ناعم يتقبلة قائد النسق؛ لأنه يحقق أيضًا مصالحه، إضافةً للمصالح المصرية؛ لتغير مصر الموقف الأمريكى و تفرض الواقع المصري، عملت مصر على زيادة قوتها الداخلية بحائط هو “شرعية النظام” في التأييد الشعبي للرئيس و البعد الاجتماعي الذي اتخذه صانع القرار للسياسة المصرية بالداخل معتمدًا على ذلك في النظرية “البنائية الاجتماعية”؛ حيث قوة الدولة تأتي من تلاحم القوة الشعبية بالنظام السياسي و بذلك وقف صانع القرار المصري بتحديد أولوياته بالتصدي للقوة الهجومية الأمريكية المتمثلة بالسيبرانية الثقافية و السيطرة الفكرية و عمل انقسام مجتمعي بداخل مصر كما كان مخططًا بعهد “الجماعات الإرهابية” فوقفت مصر أمام هذا التقسيم الداخلي بتوحيد المجتمع المصري و شفافية الحكم بوضع التحديات المادية أمام المجتمع المصري و منها التحديات الاقتصادية التي عُولجت بشكل علمي بتحرير سعر الصرف و رغم ارتفاع الأسعار و زيادة الأعباء الاجتماعية على المواطن إلا أن المواطن يلمس تقدمًا و إنماءً فعليًّا للدولة؛ ما جعله راضيًا إلى حد كبير عن أداء النظام السياسي؛ ما أعطاه القوة المجتمعية للتصدي للتحديات الخارجية، و هنا اتبع صانع القرار بإستراتيجية الأولويات فكر العالم “رتزال” بزيادة عوامل قوة الدولة من القوة المجتمعية .
لقد استغلت مصر أزمة تعطيل الملاحة بقناة السويس للتذكير بأهمية الموقع العالمي الجغرافي لمصر بالنسبة للعالم و تحدثت مصر مع العالم بلغة الأرقام و الاقتصاد التي تحكم العالم الآن، فأرسلت مصر رسالةً للأمان و السلام مع رسالة تهديد بأن أي شيء يصيب مصر بالضرر سوف يصيب العالم كله بأضرار أكثر بكثير .