قراءة في بيان “البرهان”: كيف تغير المشهد السوداني وما مستقبله؟

إعداد : حسناء تمام كمال

قراءة في بيان “البرهان”: كيف تغير المشهد السوداني وما مستقبله؟

بعد توترات شديدة شهدها السودان خلال الأسابيع الأخيرة بين مكونات السلطة التي تتألف من مدنيين وعسكريين، وانقسام الشارع بين مطالبين بحكومة عسكرية ورافضين لها، اعتقل مسلحون مجهولو الهوية، عددًا من المسؤولين بالسلطة التنفيذية بالسودان، بينهم وزراء كبار.

وضمنت تلك التحركات وضع رئيس وزراء السودان عبد الله حمدوك رهن الإقامة الجبرية بمنزله بعد أن حاصرت باكر الإثنين قوة عسكرية مجهولة منزله، واعتقل فيصل محمد صالح المستشار الإعلامي لحمدوك؛ ما أسفر عن حالة من الجدل بالداخل بين مؤيد ومعارض لهذه التحديات، ليعاود الإفراج عن رئيس الوزراء   بعد يومين، الأزمة التي أتبعت بإعلان من الفريق عبد الفتاح البرهان، أضفى تغييرا كبيرا على المشهد السوداني

 أبرز ما جاء في بيان البرهان.. وردود الفعل حوله

 على خلفية ما وقع، أعلن رئيس مجلس السيادة الانتقالي، عبد الفتاح البرهان، (9) قرارات على خلفية التدخل العسكري والتحفظ على رئيس الوزراء عبد الله حمدوك وهي:

إعلان حالة الطوارئ، والتمسك الكامل بالوثيقة الدستورية 2019 واتفاق سلام السودان في جوبا، وتعليق العمل بالمواد (11 و12 و 15 و  16 و  24و  71 و 72) من الوثيقة الدستورية، وحل مجلس السيادة الانتقالي وإعفاء أعضائه، وحل مجلس الوزراء، وإنهاء تكليف ولاة الولايات، وإعفاء وكلاء الوزراء من مهامهم، وتكليف المدراء العامين بالوزارات بتسيير الأعمال، وتجميد عمل لجنة إزالة التمكين.

وتوالت ردود الأفعال حول الأوضاع بالسودان وبيان الفريق عبد الفتاخ، فعلى المستوى الداخلي، أعلنت وزيرة الخارجية تأييد العصيان المدني تمهيدًا للحوار، وطالب تجمع المهنيين السودانيين جماهير الشعب السوداني وقواه الثورية ولجان المقاومة في الأحياء بكل المدن والقرى ، بالخروج للشوارع واحتلالها تمامًا، والتجهيز لمقاومة أي انقلاب عسكري بغض النظر عن القوى التي تقف خلفه، فيما صنفت وزارة الإعلام السودانية إعلان البرهان بأنه “انقلاب عسكري”، فيما طالب حمدوك – برسالة  بثها من مقر إقامته الجبرية – السودانيين بالسلمية، والتمسك بالشارع؛ لحماية ثورتهم.

 وعلى المستوى الخارجي، وصفت بريطانيا ما حدث بأنه خيانة للشعب السوداني وثورته، وأدان الأمين العام  للأمم المتحدة بيان البرهان، وطالب بالإفراج عن حمدوك، كما عبرت  الجزائر عن قلقلها من التطورات الأخيرة، والأمر ذاته بالنسبة لقطر والصين، و طالبت ألمانيا السودان بإنهاء محاولة السيطرة على السلطة، وعبَّر ممثل الأمين العام للأمم المتحدة بالسودان عن قلقه بشأن عملية تقويض الانتقال السياسي، ودعا الأطراف بالعودة للمفاوضات،  فيما أكدت مصر أهمية تحقيق الاستقرار والأمن للشعب السوداني، والحفاظ على مقدراته والتعامل مع التحديات الراهنة بالشكل الذي يضمن سلامة السودان، في حين دعت الجامعة العربية للالتزام باتفاق إشراك السلطة، والالتزامات الناتجة عن اتفاق جوبا، وأي تغيرات للحكومة الانتقالية بالقوة يعرض المساعدات الأمريكية للخطر.

 المشهد السوداني بعد بيان البرهان

   ما يمر به السودان ليست واقعة جديدة بالنسبة للداخل السوداني، فبالنظر لتاريخها السياسي قد يشبه البعض بيان البرهان بأنه يحمل ملامح فترة سوار الذهب، الذي قاد السودان في  أبريل من عام 1985م، وفي ظل اشتعال الأحداث بالبلاد، انحاز سوار الذهب لصف الحركات الثورية المطالبة بإنهاء حكم النميري، واتفق مع قادة الانتفاضة على ترأس الجمهورية السودانية لفترة مؤقتة، لتهيئة الأوضاع وتسليم السلطة لحكومة مدنية، وهو ما تم فعلًا بعد عام واحد فقط، ووجه الشبه هنا، بإدارة شخصية عسكرية للمرحلة الانتقالية، لكن يبقى أمام البرهان الالتزام بمواد الوثيقة الدستورية، وتسليم السلطة خلال الفترة المقررة، لتكتمل أوجه الشبه.

 لكن من ناحية أُخرى يصبح قرار رئيس المجلس السيادي بتفرده لقيادة المرحلة الانتقالية مجازفة، خصوصًا أنه جاء بشكل مفاجئ، لم يتم بناء تفاهمات مع الفصائل السودانية المختلفة، وهو ما خلق صعوبة في الاتفاق الداخلي حوله.

  وقد يستمر الضغط بين أطراف الداخل السوداني  بالحشد بورقة التظاهر في الشوارع السودانية، والعصيان المدني، ولا شك أن تداول مثل هذه الورقة بين الفصيلين أمر ذو خطورة، خصوصًا أن السودان لم يتجاوز بعد الانقسامات المجتمعية التي قد تتفاعل مع ضعف مؤسسات الدول، وتؤدي للانزلاق إلى العنف؛ ما يخلق صراعًا متجددًا بالسودان، بل ويصرف المجهودات الداخلية لوقف العنف، بدلًا من توجيهها للمسار الرئيسي لها، والذي وضعته ثورة 2019، ببناء مؤسسات سياسية وحزبية ومدنية قوية.

من ناحية أُخرى ستكون الانتخابات المقبلة المقرر إجراؤها في عام 2023 تحت ضغوط وتحديات كبيرة، وستتأثر بمدى الاستقرار اقتصاديًّا وسياسيًّا، ولا شك أن السودان بصدد تغير كبير بشكل تحالفاته السياسية والخارجية بالفترة القادمة، فالموقف الداخلي بظل انقساماته سيتجه للتحالفات الخارجية لاكتساب الدعم، لكن ما نوع هذا الدعم الذي ستتلقاه الأطراف المختلفة ومن يقدمه؟.

  أما على مستوى العلاقات مع السلطات الرسمية، قد تتغير علاقات السودان مع الحلفاء التقليديين خصوصًا الولايات المتحدة وأوروبا، لاسيما مع وجود دور بارز لدول إقليمية وقوى دولية كبيرة بمحاولة الانتقال الديمقراطي للسلطة بالسودان.

ولا يمكن إغفال أن تلك التغيرات السياسية أتت فقط بعد ساعات من الإعلان عن تقديم الولايات المتحدة مقترحات لحل الأزمة السياسية الراهنة، وتعهد رئيس مجلس السيادة الانتقالي الفريق أول ركن عبد الفتاح البرهان بدراستها مع رئيس مجلس الوزراء عبد الله حمدوك.

وحتى الزيارات الأخيرة من المبعوث الأمريكي الرسمي كانت تُدعى للتعاون لإتمام عملية التحول الديمقراطي بما فيها الزيارة الأخيرة والتي كان الحضور فيها البرهان، وحميدتي (قائد قوات الدعم السريع)، وحمدوك (رئيس الوزراء).

ولعل حدوث تلك التغيرات بشكل سريع عقب تلك الزيارات، إضافةً لوساطات مبعوثي الولايات المتحدة قد  تؤكد أن تلك الوساطات أثبت ضعف تأثيرها، أما عن الوسطاء المحتملين بالوضع السياسي، فقد تغلب عليه الوساطات الأفريقية في مقابل الوسطاء الأمريكيين والأمميين والأوروبيين.

موقف القضايا الإقليمية بعد بيان البرهان

 لا شك أن تلك التغيرات السودانية، جاءت بتوقيت حساس للغاية، خصوصًا أن هناك عددًا من القضايا العالقة والمرتبطة بأمن السودان وبعض دول الأقاليم، فمن ناحية تظل الخلافات ومحاولات التمدد الإثيوبي بأقاليم الفشقة مستمرة، كان آخرها بأواخر سبتمبر بإعلان السودان التصدي لمحاولة الجيش الإثيوبي التوغل بالأراضي السودانية، ورد القوات المهاجمة، وبالتالي فإن ذلك سيشكل عبئًا على الجيش السوداني، والذي يعتمد بالأساس على جناحين هما الجيش النظامي وقوات الدعم السريع. 

 من ناحية أُخرى، بالنسبة للقضية الأكثر أهمية والمرتبطة بسد النهضة، والتي يعد السودان طرفًا جديدًا فيها، فيمكن القول: إن مفاوضات السد الإثيوبي تدخل مرحلة جديدة من عدم الوضوح، فطاقة السودان ستكون – على الأغلب – موجهة داخليًّا؛ ما  قد يستغله الطرف الإثيوبي بمزيد من المماطلات، أو استخدامه كورقة لغير صالح دول المصب، وهو ما يجب أن تعيه القيادات السودانية، وتأخذه مصر في الاعتبار والتحرك بشكل مسبق لتفاديه.

 سيناريوهات المشهد:

 في ظل تداخلات وتعقيد المشهد السوداني، يظل المشهد مفتوحًا على عدد من السيناريوهات، من هذه السيناريوهات ما يلي:

 نجاح العصيان المدني: يُبنى هذا السيناريو على نجاح العصيان المدني، والتظاهرات بالشارع السوداني للضغط على الفريق عبد الفتاح برهان للتراجع عما أصدره ببيانه، وهو السيناريو الذي يدعمه تجمع المهنيين السودانيين، ورئيس الوزراء بالمجلس السيادي “حمدوك”، لكن هذا السيناريو مستبعد حدوثه؛ استنادًا للحسم بقرارات الفريق عبد الفتاح البرهان.

التفاهمات بين الأطراف السودانية: ويُبنى هذا السيناريو على  اتجاه المجلس السيادي سريعًا لما أسماه “بالتفاهمات المتوازنة”؛ لذا عليه سيجرى الحوار بين الأطياف المختلفة، وسيتم تشكيل الحكومة، ويعود الوضع لما كان عليه، وهذا السيناريو لا يمكن أن نجزم بحدوثه كليًّا، فقد تُجرى التفاهمات لكن سرعتها غير مؤكدة، خصوصًا بظل الاختلاف الجوهرية بين رؤى الفصائل السودانية، وبالتالي هذا السيناريو قد يكون حاضرًا بمرحلة ما، لكن ليس بالوقت الحالي.

 المواجهة بين الفصائل المختلفة: في ظل استمرار الاحتجاجات بالشوارع السودانية، وتمسك الفريق عبد الفتاح البرهان بما أصدره من قرارات، فسيناريو المواجهة بين الفصائل المحتجة والقوات المسلحة السودانية قد يكون مفزعًا ولا يمكن الجزم بعدم حدوثه.

  السير وفقًا لإعلان البرهان: ويرجح هذا السيناريو أن يظل الأمر كما هو لقيادات المجلس السيادي المعزول، وإكمال السير وفقًا لخارطة الطريق الجديدة التي حددها البيان، وهو السيناريو المرجح، مع استمرار التعامل بالطريقة ذاتها مع الفصائل المدنية المعزولة، والسير بخطوات حاسمة لتحقيق ذلك كمحاولة  تقديم دوافعه بإلغاء بعض مواد الوثيقة الدستورية لامتصاص الغضب بالشارع السوداني، وكذلك ما دفعه عمومًا لتلك الإجراءات، والطمأنة بشأن إمكانية العودة لما كان عليه قبل الاحتجاجات الأخيرة، وكذلك إرسال رسائل طمأنة للفصائل المدنية بعودة إدماجهم بالسلطة.

 

 

 

كلمات مفتاحية