العلاقات السعودية الأمريكية تدخل حقبةً جديدةً: دلالات التغير ومستقبل العلاقات بين البلدين

إعداد: رضوى رمضان عبد الفتاح شريف

وفقًا لمقولة رئيس الوزراء البريطاني السابق ونستون تشرشل: “في السياسة ليس هناك عدو دائم أو صديق دائم هناك مصالح دائمة”، وعند تحليل سياسة الإدارة الأمريكية الحالية بعدة ملفات أهمها الانسحاب الأمريكي من أفغانستان والخليج العربي، ومحاولة إحياء الاتفاق النووي الإيراني، نجد أن سياسة الإدارة الحالية تميل لتطوير العلاقات بين الحلفاء بالسياسة الخارجية، وتدعم الحلول الدبلوماسية كحل أساسي وأولي على الطاولة.

مقدمة

إن للعلاقات الأمريكية السعودية من الخصوصية ما تميزها عن غيرها من العلاقات الدولية؛ إذ تتمتع المملكة العربية السعودية بثقلها بأولويات السياسة الأمريكية لكونها إحدى الدول المحورية بميزان القوى بالشرق الأوسط ومنطقة الخليج العربي؛ نتيجة موقعها (الجيواستراتيجي) المتميز، ومكانتها بصدارة العالم العربي والإسلامي، فضلًا عن قدراتها الاقتصادية والنفطية، فطبقًا لتقرير أعده مجموعة من الخبراء بالسياسة الخارجية بمؤسسة بروكينجز للبحوث وتم تقديمه للرئيس السابق باراك أوباما، خلاصته أن أي تغييرات دراماتيكية بمنطقة الخليج العربي تمثل ضررًا للمصالح الاستراتيجية الأمريكية بالمنطقة، وبالتالي تتميز العلاقات بين البلدين بتعاون تاريخي ذي طابع اقتصادي واستراتيجي وسياسي وعسكري.

ولكن إذا تم النظر للعلاقات الأمريكية السعودية بالفترة الأخيرة، نجد بعض التغييرات بالسياسة التي تنتهجها الإدارة الأمريكية الحالية للرئيس الأمريكي جو بايدن تجاه الشرق الأوسط بشكل عام مختلفة عن الإدارة السابقة لدونالد ترامب؛ إذ تدور الرؤية الأمريكية للإدارة الحالية حول تعزيز قيم الديمقراطية وحقوق الإنسان، وتخفيض الوجود العسكري بمنطقة الشرق الأوسط والخليج، والعودة للاتفاق النووي مع إيران.

وفي إطار العلاقات السعودية الأمريكية، تتوتر العلاقة الاستراتيجية بين السعودية والإدارة الأمريكية يومًا بعد يوم، ففي سبتمبر الماضي، حذَّر الأمير السعودي تركي الفيصل، رئيس المخابرات السعودية السابق، إدارة بايدن من أن المملكة والشرق الأوسط بحاجة إلى طمأنة الالتزام الأمريكي، وانتقد صراحةً احتمال سحب صواريخ باتريوت من السعودية بوقت تتعرض فيه لهجمات صاروخية وهجمات بطائرات مسيرة من الحوثيين باليمن بدعم إيراني.

كما تتضح التغييرات المتكررة غير المتوقعة بنهج الرئيس بايدن تجاه المملكة وغيرها من الدول المجاورة؛ حيث تسبب انسحاب الجيش الأمريكي من أفغانستان بإحداث ضغوط شديدة بأذهان القادة العرب، بينما تؤكد واشنطن مرارًا وتكرارًا أن الخطوة الأفغانية ليست مرتبطة بالمشاركة العسكرية والاقتصادية الأمريكية الأوسع بالشرق الأوسط، ولكن يناقضها تصريحات بايدن بشأن أفغانستان، التي يؤكد فيها على أنه سيضع مصالح الولايات المتحدة أولًا وقبل كل شيء.

في الحقيقة، يُوجد تخبط بالقرارات من جانب الإدارة الأمريكية الجديدة، تارةً تخرج تصريحات من واشنطن، بدعم المملكة العربية السعودية بحماية أراضيها بعد كل ضربة من الضربات اليومية التي ينفذها الحوثيون، ثم يأتي بعد ذلك تعليق صفقات السلاح لكل من السعودية والإمارات، وبعدها تصريح آخر يخفف من الحدة ويشمل تعليق كافة قرارات الرئيس ترامب، وتتنوع التصريحات بين الدعم والإدانة.

تركز الدراسة أولًا، على عرض دلالات التغير بالعلاقة الأمريكية السعودية بعدة ملفات وقضايا الدراسة.

ثانيًا، نظرة مستقبلية عن طبيعة العلاقات بين البلدين.

أولًا: دلالات التغير بالعلاقات السعودية الأمريكية

  • الملف اليمني

عقب المظاهرات اليمنية عام 2011، قادت السعودية مبادرة خليجية للتهدئة؛ لانتقال السلطة من الرئيس السابق علي صالح للرئيس الحالي عبد ربه منصور هادي، ووقعت عليه دول مجلس التعاون الخليجي، لكن انقلب الحوثيون على السلطة الشرعية واحتلوا العاصمة صنعاء في عام 2014؛ ما دفع السعودية للتدخل  بطلب من الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي لتعزيز شرعية هادي بقيادة أكبر تحالف عسكري بالشرق الأوسط، وقامت إدارة أوباما السابقة بدورها بشكل مباشر بدعم الحرب باليمن؛ إذ أمرت القوات الأمريكية بتزويد التحالف بدعم استخباراتي ولوجستي بالعملية العسكرية، وأكمل ذلك ترامب بفترة رئاسته، ولكن بظل الإدارة الحالية تغير الموقف الأمريكي؛ إذ أعلن بايدن سحب تصنيف جماعة الحوثيين كجماعة إرهابية، فضلًا عن إعلانه في فبراير الماضي عن وقف دعم بلاده لعمليات التحالف العربي بقيادة السعودية باليمن ومع التأكيد على التزام الولايات المتحدة بدعم السعودية ومساعدتها بالدفاع عن سيادتها وأراضيها، إلا أن تصريحاته بالحقيقة متناقضة؛ حيث أبدت إدارة بايدن موقفًا سلبيًّا بظل محاولات إيران المستمرة بزعزعة أمن المنطقة من خلال الهجمات الإرهابية على اليمن والسعودية والعراق.

انسحاب أنظمة الدفاع الأمريكية من السعودية

أفادت بعض وسائل الإعلام الأمريكية أن إدارة الرئيس جو بايدن تستعد لسحب القوات الأمريكية من السعودية، ففي خصم الانسحاب الأمريكي من أفغانستان والاضطرابات التي أعقبت ذلك، قامت الولايات المتحدة بإزالة أنظمة الدفاع الصاروخي الأكثر تقدمًا وبطاريات باتريوت من المملكة العربية السعودية بالأسابيع الأخيرة، خاصةً بالوقت الذي واجهت فيه المملكة هجمات جوية مستمرة من المتمردين الحوثيين باليمن المدعومين من إيران، وفقًا لما أظهرته وكالة أسوشيتد برس.

حملت تلك الخطوة بطياتها رسالة مهمة، مفادها أن الإدارة الحالية تسعى لسياسة الانكفاء الذاتي والانسحاب من كل حروب الشرق الأوسط، لكن الرياض أكدت أن الجيش السعودي قادر على الدفاع عن أراضيها وبحارها وأجوائها وحماية شعبها، وجاءت إعادة انتشار الدفاعات من قاعدة الأمير سلطان الجوية خارج الرياض بالوقت الذي شاهد فيه حلفاء أمريكا بالخليج العربي الانسحاب الفوضوي للقوات الأمريكية من أفغانستان، بما في ذلك عمليات الإجلاء غير المنتظمة باللحظة الأخيرة من مطار كابُل الدولي المحاصر.

أسباب انسحاب أنظمة الدفاع الأمريكية من السعودية

بالرغم من أن خروج أنظمة الدفاع باتريوت لم ينعكس على نطاق واسع بالإعلام المحلي السعودي لأسباب أمنية، إلا أن السبب الأول: لسحب تلك الأنظمة الأمريكية من المملكة العربية السعودية يمكن اعتباره جهود الولايات المتحدة لخفض الإنفاق العسكري بالمنطقة، تعتقد الولايات المتحدة أن الصين أهم منافس لها بالمستقبل؛ لذا عليها التركيز بشكل أكبر على خلق قوة ردع للبلاد، فالوجود بأفغانستان والعراق، ووجود قواعد متعددة بدول الخليج العربي والتركيز على قضية إيران، لا يمكن أن يكون ذا فائدة كبيرة للمصالح طويلة الأجل لهذا البلد.

ويأتي السبب الثاني لانسحاب الأنظمة العسكرية الأمريكية من السعودية باعتباره تقليص الإنفاق الأمني للحفاظ على دول المنطقة، فبالرغم من سعي الولايات المتحدة صراحةً ببيان إنفاقها الأمني بعهد ترامب والمحافظة عليه من الموارد المالية للدول العربية بالمنطقة، أدى الوجود الأمريكي طويل الأمد بالمنطقة للإرهاق العسكري وارتفاع التكاليف التي كان لها آثار سلبية على الرأي العام الأمريكي أيضًا.

بينما يدور السبب الثالث بشكل أساسي حول ضرورة انتهاء الحرب باليمن، والذي كان أحد أهم الشعارات الانتخابية لبايدن، والتي لم تتحقق منذ توليه الإدارة الأمريكية، فقد يبعث انسحاب الأنظمة الدفاعية من المملكة العربية السعودية برسالة إيجابية لـ (أنصار الله) تتماشى مع نية الولايات المتحدة لإنهاء الحرب.

بالتأكيد، سيكون الانسحاب العسكري الأمريكي من منطقة غرب آسيا مفيدًا للأمريكيين على حد سواء لوقف خسارة الأموال والجنود، كما ٍسيؤثر الانسحاب على أمن السعودية خاصة في حالة استمرار هجومات الحوثيين الجوية على حدودها وفي نفس الوقت الذي تحاول فيه السعودية التوصل الي حلول سياسية لهذه الحرب.

  • النفط مقابل الأمن

للنفط دورٌ مهمٌ في سياسات الدول، فعندما بدأ توتر العلاقات بين العرب والغرب بعد حرب 1967؛ حيث دعمت أمريكا وهولندا وبريطانيا إسرائيل، و أعلنت منظمة الدول المصدرة للنفط (أوبك) بقيادة السعودية وقف إمدادات النفط للولايات المتحدة لاحقا في أكتوبر 1973؛ ما أثَّر سلبًا على العلاقة الاستراتيجية بين البلدين، وأدى لانهيار سوق الأوراق المالية بين عامي 1973-1974، وقد اعتبره البعض، بأنه أول الأحداث ذات الآثار الاقتصادية المستمرة بعد الكساد الكبير عام 1929، وفي نوفمبر من نفس العام، أعلن الرئيس الأمريكي ريتشارد نيكسون قانون توزيع النفط بحالات الطوارئ، وأعلنت اليابان ودول أوروبا الغربية عن تحولهم من التأييد الإسرائيلي للانحياز للسياسات العربية.

إن تجسيد العلاقات السعودية الأمريكية بمعادلة (النفط مقابل الأمن) هي صورة تلخص حيثيات العلاقة بين البلدين، والتي بُنيت طوال العقود الماضية، فالنفط وحده لا يمكن أن يفسر السبب الذي أدى لصياغة هذه الشراكة، فكثير من البلدان المصدرة للنفط لا تتمتع بعلاقات متميزة كالتي تتميز بها أمريكا والسعودية، بالرغم أنه لم تكن العلاقات بين البلدين بحاله وئام أو وفاق دائم، بل شهدت حالات من التوتر الشديد بمنعطفات سياسية، كان أبرزها الحظر النفطي العربي عام 1973م، وهجمات الحادي عشر من سبتمبر 2001، وبالرغم من الهزات التي تعرض لها التحالف (السعودي – الأمريكي)، فإنه ظل متماسكًا إلا أنه مع بداية عام 2011، ظهرت الخلافات (الأمريكية – السعودية) على السطح؛ نتيجة اختلاف قراءة الطرفين للأحداث والتغيرات الإقليمية المتلاحقة، ومن أبرز هذه القضايا الإقليمية موجات الحراك الاحتجاجي الشعبي، والتي عُرفت بـ”ثورات الربيع العربي” 2011، والتي ولدت مجموعة من التحديات كان على دول المنطقة مواجهتها وإيجاد مقاربات على مستوى سياستها الخارجية للتعامل معها، وكانت المملكة العربية السعودية بمقدمتها بحكم أن تداعياتها أصبحت تنعكس على أمنها القومي والاستقرار الإقليمي.

لجأت السعودية للضغط على أمريكا بورقة النفط مجددًا بظل الإدارة الحالية، فعقب اجتماع الأوبك الذي انعقد بداية شهر أكتوبر الجاري، يلقي بايدن اللوم على (أوبك) بمشكلة التضخم، خاصةً بظل محاول الاقتصاد الأمريكي التعافي بسبب وباء كورونا؛ حيث رفضت الأوبك بقيادة السعودية وروسيا قرار بايدن بزيادة إنتاج النفط؛ ما أدى لارتفاع أسعار البنزين بأمريكا والدول الأوروبية، فلا تزال السعودية المنتج البديل الرئيسي بمنظمة البلدان المصدرة للبترول (أوبك)، القادرة على تعديل الإنتاج (أعلى أو أقل)؛ لموازنة العرض والطلب بجميع أنحاء العالم، فباختصار، يمكن لولي العهد أن يحرك أسعار النفط العالمية.

  • الاتفاق النووي الإيراني

بدأ بايدن برسم مبادرة دبلوماسية لحث إيران بالعودة لخطة العمل الشاملة المشتركة لعام 2015 (JCPOA) ؛ لمنع إيران من تطوير الأسلحة النووية، اعتبر الرئيس السابق ترامب الاتفاقية بأنها الأسوأ على الإطلاق بتاريخ الدبلوماسية الأمريكية، وقام بسحب الولايات المتحدة من الاتفاق في عام 2018، وأشادت السعودية بحملة ترامب “الضغط الأقصى” للعقوبات الاقتصادية والمالية لإجبار إيران على إعادة التفاوض بشأن الاتفاقية مع فرض قيود إضافية على الاتفاقية، ومع ذلك لم تقدم إيران أي تنازلات وخرقت ببطء – واحدًا تلو الآخر – العديد من التزامات خطة العمل الشاملة المشتركة.

يبدو أن تحول بايدن تجاه إيران عن موقف ترامب المتشدد سيؤدي بالتأكيد لمزيد من الخلاف بالعلاقات السعودية الأمريكية؛ حيث يثير التودد الأمريكي نحو إيران وإعلان إدارة بايدن إعادة العمل بالاتفاق النووي مخاوف السعودية ودول الخليج تجاه اختلال توازن القوى بمنطقة الخليج بظل محاولة إيران بناء قوة إقليمية مهيمنة عبر إنشاء قواعد نفوذ وتأثير بدول المنطقة، ومما يثير استياء السعودية تفرد إيران بالنفوذ بالعراق، خاصةً بعد الانسحاب الأمريكي، مع وجود تأثير قوي لها بسوريا واليمن، ودعم الحوثيين بالأسلحة والطائرات والصواريخ البالستية، فضلًا عن المخاوف من تصاعد المحاولات الإيرانية للتدخل بالشؤون الداخلية لدول خليجية عدة؛ حيث تُوجد أقليات شيعية مهمة.

ثانيًا: مستقبل العلاقات السعودية الأمريكية

في الأشهر المقبلة، قد يظهر تحول جيوسياسي واقتصادي كبير بمنطقة الخليج العربي؛ حيث من الطبيعي بأن تبحث المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة وغيرهما عن لاعبين أقوياء جدد، والبعض يطرق الباب بالفعل مثل (روسيا والصين)، و تأتي الجهود المبذولة لاستبدال البنية التحتية الدفاعية الأمريكية بالبنية التحتية الصينية نتيجة الانسحاب العسكري الأمريكي من المملكة العربية السعودية، فمنذ التسعينيات حتى الآن، تنمو العلاقات السعودية الصينية، خاصةً بالمجال الاقتصادي والتسليح، فإذا شعرت الرياض بفراغ من جانب الولايات المتحدة، ستملأ هذا الفراغ نظرًا لعلاقتها الجيدة مع الصين.

كما ستتأثر سياسات (أوبك) أيضًا بتحركات بايدن؛ حيث تحتفظ (الرياض وأبو ظبي وموسكو) بسلطة جديدة في أيديهم، ووجود علاقة أقوى بين أوبك أو الصين ومجلس التعاون الخليجي سيكون أكثر تكلفة بالنسبة لواشنطن.

أما بخصوص إيران، بينما لا يزال عشرات الآلاف من القوات الأمريكية بجميع أنحاء شبه الجزيرة العربية كثقل ميزان لإيران، تشعر دول الخليج العربية بالقلق بشأن الخطط المستقبلية للولايات المتحدة؛ حيث يرى جيشها تهديدًا متزايدًا بآسيا يتطلب تلك الدفاعات الصاروخية، ويساعد فك الارتباط الأمريكي بتشكيل سياسات وتحالفات خليجية جديدة بما في ذلك زخم جديد للمصالحة الإقليمية، الذي بدأ العمل به خلال “قمة العلا” بالسعودية في يناير الماضي، والذي يطلق خطوة نحو تنويع مصادر التسلح والدعم العسكري من قِبَل دول الخليج العربي؛ حيث وقَّعت الرياض مؤخرًا اتفاقية تعاون عسكري مع موسكو.

ونتيجةً لرد فعل الانسحاب الأمريكي، قد يتولد اهتمام سعودي بـ “آلية الأمن الجماعي”، فبالإجراء الذي اتخذته إدارة بايدن، ستصل السعودية لنتيجة، مفادها أن عليها الحفاظ على أمنها من خلال “آلية أمنية جماعية”، وستكون مقدمة هذه السياسة تقليل التوتر مع الخصوم الإقليميين مثل (إيران وتركيا) بالخطوة الأولى، وإذا لم تقدم الولايات المتحدة دعمًا سياسيًّا وأمنيًّا للسعودية، من الممكن بأن تقوم الرياض بإعادة استكشاف علاقتها مع إيران في ظل المحادثات الإيرانية السعودية.

ويُسدل على هذا السياق، بالتحولات الأخيرة الملحوظة للسياسة السعودية، بمبادرة العلا، التي أفضى ولي عهد المملكة محمد بن سلمان لتوقيع اتفاق مصالحة مع قطر، وعرض على الحوثيين باليمن اتفاق وقف إطلاق النار بشكل خاص، كما درس إجراءات إعادة دمج سوريا، بل وانخرط بمحادثات مباشرة مع خصمه الرئيسي إيران، ومن خلال هذه المبادرات، يهدف ولي العهد لتقليل التوترات الإقليمية، وتقليل الأضرار التي تلحق بالمصالح السعودية، وتعزيز النفوذ السعودي حيثما أمكن.

الخاتمة

إن العلاقة بين واشنطن والرياض بها الكثير من المتناقضات بالتصريحات ما بين الخارجية والرئاسة الأمريكية الحالية، تارةً تخرج تصريحات من واشنطن، بدعم السعودية بحماية أراضيها بعد كل ضربة من الضربات اليومية التي ينفذها “أنصار الله”، ثم يأتي بعد ذلك تعليق صفقات السلاح لكل من السعودية والإمارات، وبعدها تصريح آخر يخفف من الحدة ويشمل تعليق كافة قرارات الرئيس ترامب السابقة، وتتنوع التصريحات بين الدعم والإدانة.

بالنسبة لمعظم دول الخليج العربي، وأيضًا لمصر، تعد تحركات بايدن الجديدة استمرارًا واضحًا لاستراتيجيات أوباما، والتي تظهر نهاية محتملة للتدخل العسكري والأمني الأمريكي، قرار الولايات المتحدة الواضح بوضع علاقتها الاستراتيجية طويلة الأمد مع المملكة العربية السعودية تحت الضغط هو قرار مفاجئ؛ حيث تم التأكيد على أن الولايات المتحدة أزالت نظام الدفاع الصاروخي الأكثر تقدمًا وبطاريات باتريوت من السعودية بالأسابيع الأخيرة، وتمت إزالة نظام الدفاع بالرغم من الطلبات المتكررة من قبل المسؤولين السعوديين للحفاظ على أنظمة الأسلحة بمكانها لمواجهة الهجمات الجوية المستمرة من قبل المتمردين الحوثيين باليمن.

بالرغم من أن أمن العالم يبدأ بالخليج وينتهي بالخليج، وعليه تدرك الولايات المتحدة ثوابت العلاقات، وإن كان هناك بعض التغييرات التكتيكية بأدوات السياسة الخارجية، لكنها لا تمس أمن الخليج كخط أحمر.

و إجمالًا، العلاقات بين الدول لا تقوم على الود وإنما على المصالح المشتركة والشراكات الاستراتيجية، وعليه ستظل العلاقات الأمريكية السعودية قوية ولن تتجه للتصعيد بظل الإدارة الجديدة، فالعلاقات السعودية الأمريكية على مر التاريخ هي علاقة تحالف استراتيجي، وكل الشواهد عبر تلك العقود الطويلة تؤكد أن هناك خطوطًا متفق عليها بين الطرفين لا يتم تجاوزها وإن كانت هناك خلافات، العلاقة الاستراتيجية بين الرياض وواشنطن باقية، أما بالنسبة للاختلافات بوجهات النظر، والتي تطرأ بسبب بعض الملفات أو القضايا فهو أمر وارد بكل العلاقات الدولية، لكن لا تصل تلك الاختلافات لدرجة القطيعة أو فك هذا الحلف الاستراتيجي.

كلمات مفتاحية