مستقبل الإرهاب العالمي.. بين ظواهر مندثرة وأخرى تتصدر المشهد

إعداد : حسناء تمام كمال

 لعقود متتالية شكَّل الإرهاب واحدًا من المحركات الأساسية لمسار السياسة العالمية، وكذلك شكل السياسة الخارجية إزاء عدد من الدول بل والقارات، إضافةً لكونه المهدد الرئيسي لاستقرار العديد من الدول سياسيَّا وأمنيًّا، ورغم محاولات مكافحته لا يلوح بالأفق أي مؤشرات بتراجع هذه الظاهرة، بل أصبحت أكثر تطورًا وتحورًا من ذي قبل.

فقد شهدت ظاهرة الإرهاب تغيرات كبيرة خلال العشر سنوات الأخيرة، أهم هذه التغيرات، هو اتساع نطاق الجماعات الإرهابية بالأقاليم المختلفة بأفريقيا وبعددٍ أكبر من الدول في آسيا، وشن عدد أكبر من الهجمات في أوروبا، ولم تعد الجماعات الإرهابية الرئيسية بأفريقيا تنتمي لتنظيم واحد أي القاعدة- كما عهدناها خلال العقود الماضية، بل أصبحت هناك فروع كثيرة لتنظيم (داعش)، كما تميزت الجماعات الإرهابية حول العالم باكتساب مزيد من المرونة التكتيكية، ؛ما ينذر بتحولات مستقبلية خطيرة بإطار هياكل الجماعات وأهدافها وسيطرتها المكانية وبهذا الصدد نحاول استشراف ملامح الظاهرة الإرهابية بالمستقبل.

 أولًا: غياب تعريف جامع للإرهاب

 واحدٌ من الإشكاليات التي ظلت حاضرة بالتعامل مع الإرهاب هو غياب تعريف محدد له يحظى بإجماع دولى، فبالرغم من خطورة الظاهرة إلا أن الدول لم تتفق على تعريف محدد، ويبقى تعريف الإرهاب محمَّلًا باعتبارات سياسية وأيديولوجية بالرغم من محاولات الأمم المتحدة وفروعها المختلفة في تعريفه.

ومن التعريفات الأكثر شيوعًا للإرهاب تعريف الاتفاقية الدولية لقمع تمويل الإرهاب، وعرفته بأنه أي عمل يهدف للتسبب بموت شخص أو إصابته بجروح بدنية جسيمة، عندما يكون هذا الشخص غير مشترك بأعمال عدائية بحال نشوب نزاع مسلح، وعندما يكون غرض هذا العمل بحكم طبيعته أو بسياقه موجهًا لترويع السكان أو إرغام حكومة أو منظمة دولية على القيام بأي عمل أو الامتناع عن القيام به.

أوضح مجلس الأمن رقم 1566 الصادر في أكتوبر 2004 تعريفًا للإرهاب: إذ نص على أن الأعمال الإرهابية هي “الأعمال الإجرامية بما في ذلك تلك التي ترتكب ضد المدنيين بقصد القتل أو إلحاق إصابات جسمانية خطيرة أو أخذ الرهائن بغرض إشاعة حالة من الرعب بين عامة الجمهور أو جماعة من الأشخاص أو أشخاص معينين أو لتخويف جماعة من السكان أو إرغام حكومة أو منظمة دولية على القيام بعمل ما أو عدم القيام به”.

 وإشكالية عدم التوصل لتعريف جامع للإرهاب، يُوجِد عدم اتفاق حول حوادث العنف المختلفة بتصنيفها إرهابية أم لا، كما يقف حائل أمام وجود قوانين خاصة بمكافحة حوادث الإرهاب ،وتحديد العقوبات التي تفرض على من ثبت تورطه بارتكاب عمل إرهابي، كما يزيد من تحديات احتواء تحوره، والتعامل معه مستقبلًا.

ثانيًا: أهم الظواهر المندثرة

 خلال الأعوام الأخيرة اندثر عدد من الظواهر التي ارتبطت بالإرهاب ونذكر من هذه الظواهر ما يلي:

غياب اختطاف الطائرات: على مدى نصف قرن مضى كانت حوادث اختطاف الطائرات أكثر الحوادث الإرهابية شيوعًا، والتي كانت تستهدف على الأغلب محاربة الدول التي تواجه الإرهاب، من خلال رعاياها، ففي الفترة من  1966 حتى 2016، ويُوجد قرابة 15 واقعة خطف طائرات، كان من ضمنها خطف الطائرة الليبية في ديسمبر 2016، ومن قبلها اختطاف الطائرة المصرية، في رحلتها من الإسكندرية إلى شرم الشيخ في مارس من العام ذاته، والتي اضطرت لتحويل مسارها لمطار “لارنكا” بقبرص.

 وبجانب تهديد أمن الدولة التي يستهدفها اختطاف الطائرات، تتسبب تلك الظاهرة في تصنيف المطارات بأنها الأقل أمانًا، ويصل تصنيفها لدرجة الخطورة إذا تكررت عمليات الخطف، فقد تعرضت المطارات لخسائر كبيرة ولفترات طويلة، فخسرت ملايين الدولارات لتعليق رحلات الطيران، وهبطت رسوم الهبوط والإقلاع، إضافةً لاستغراق الأمر وقتًا طويلًا من تلك المطارات لإقناع مرتاديها بأمنها.

تمرير العبوات الناسفة: تعتبر المطارات وخطوط السكك الحديدية من وسائل النقل المهمة، وهي مناطق إستراتيجية رئيسية للعسكريين، وبالتالي، فعادة ما تُزرع فيها الألغام، وتمرر بها العبوات الناسفة.

طال استخدام المطارات عبر تمرير العبوات، خصوصًا من قبل تنظيم القاعدة، وهي تتناسب مع فترة نشأة القاعدة التي كانت تمتلك في البداية وسائل محدودة للامتداد والتدفق عبر الدول، وكانت تلجأ لتمرير العبوات الناسفة عبر المطارات، وكان من أشهرها ما وقع في عام 2010، أرسل تنظيم “القاعدة” طردًا ملغومًا عبر طائرة شحن أمريكية تابعة لشركة UPS الأمريكية، العبوة كانت تجربة لمواد كيميائية جديدة لا يمكن كشفها وخالية من المعادن، وبينما كانت الطائرة تحلق فوق مدينة دبي، قام التنظيم بتفجيرها عن بعد، وفي وقت لاحق أعلنت دولة الإمارات عن سقوط طائرة شحن أمريكية دون معرفة الأسباب، وقام التنظيم بتكرار العملية عبر تجهيز طابعتين بالمتفجرات المطورة عن طريق حشو علبة الأحبار بالمواد المتفجرة وإغلاقها بإحكام ثم إرسالها للمكان المستهدف.

كما نجحت “القاعدة” بشحن طابعتين بعبوتين إحداهما مرسلة عبر شركة (UPS) والأُخرى عبر شركة (FedEx) الأمريكيتين ومتوجهتين لمركز يهودي بشيكاغو، و تجاوزت العبوات عددًا من المطارات، منها مطار (هيثرو) الدولي ولم تُكتشف إلا بعد عدة أيام، عبر مصادر مخابرات بشرية.

 وقد اختفت تلك الظواهر نتيجة الإجراءات الأمنية المشددة التي يجري اتباعها بالمطارات، إضافةً لتطور الأساليب التي اعتمدت عليها الجماعات التي أدت لاستبدال التمرير عبر المطارات بطرق أُخرى، منها الاستهداف بـ(طائرات بدون طيار)، وانتشارها بنطاقات واسعة بين الجماعات، ونجاحها بإسقاط أهداف مختلفة، وانخفاض تكلفتها، وقصر المدى الزمني الذي يُجرى فيه عملية الاستهداف.

  وجدير بالذكر أن هناك خطورة بالغة نتجت عن حصول الجماعات الإرهابية على الطائرات بدون طيار بدعم من بعض القوى التي لا تزال ترى أن الجماعات الإرهابية يمكن استغلالها كأداة للضغط على دولة ما.

 ثالثًا: ظواهر تقود المشهد

ظاهرة الذئاب المنفردة: تعتبر فكرة الذئاب المنفردة من الظواهر التي وجدت مكانها منذ ما يزيد عن ثلاثة عقود، فشاع استخدامها عام 1990 حين دعا المتطرفون الأمريكيون ألكس كيرتس وتوم متذغر، أصحاب الخلايا الفردية والصغيرة للعمل بشكل خًفي، بدلًا من العمل كمنظمات كبيرة، ومنذ ذلك الحين ظهرت بالولايات المتحدة هجمات عنصرية تقوم بها هذه المجموعات بصفة منفردة، ثم تبنَّى تنظيم القاعدة المفهوم ومن بعده داعش، وأصدروا تعليماتهم بكيفية العمل كذئاب منفردة.

 لم تغب تلك الظاهرة منذ نشأتها عن الساحة بل استمرت وتطورت أشكالها، فمنها ما يعمل بشكل منفرد لكن يتبع فكريًّا تنظيمًا بعينه، ومنها ما يكون تابعًا لتنظيم، ومن العمليات التي قامت بها الذئاب المنفردة تفجير المبنى الفيدرالي بـ(أوكلاهوما) في 1995، واستهداف مسرح (باتاكلان) في نوفمبر 2015 بباريس، وحادثة دهس (يوم الباستيل) في 14 يوليو 2016 بفرنسا، وهجوم (سان برناردينيو) في ديسمبر 2015، وهجوم الملهى الليليّ بـ(أورلاندو) في 2017، و عملية دهس سوق لعيد الميلاد بـ(برلين) في ديسمبر 2016، وأحداث جسر (وستمنستر) في مارس 2017، وعمليات جسر لندن في يونيو 2017، و مجزرة مسجدي نيوزيلندا في 2019، ومقتل النائب البريطاني (ديفيد أميس) في أكتوبر 2021.

وبالتالي قد تظل آلية الذئاب المنفردة من الظواهر المستمرة بأخذ مكان على الساحة الدولية؛ لطبيعة الخصائص والظروف التي تعمل بها، والتي تؤهلها للاستمرار، كالاعتماد على الإمكانيات المتاحة مهما قلت، وكذلك ذاتية تمويلها، والإقامة بالبلد المستهدف، وصعوبة رصدها؛ وهذا يتناسب مع الحصار الدولي المفروض على التنظيمات الإرهابية، إضافةً لتراجع تمويلها.

 وذلك تهديد كبير للعالم، خاصةً للدول الأوروبية والأمريكيتين، وهم الأكثر تضررًا بالعقد الأخير من تلك الظاهرة، وقد يستمر التركيز العملياتي لتلك المناطق، بل وقد تزداد التحديات المرتبطة بفرص احتواء تلك الذئاب، خصوصًا بظل تزايد حركة الهجرة والنزوح عالميًّا، وما قد يصحبها من وجود لتلك العناصر، أو أشخاص مستعدين للاستقطاب من قِبَل تلك التنظيمات.

 وما يُرجح تصاعد ظاهرة الذئاب المنفردة ما ورد في تقرير الإرهاب العالمي لعام 2020 ، فقد أكد انخفاض الموارد الاقتصادية للجماعات الإرهابية وقدرت وقتها بحوالي 26.4 مليار دولار، وذلك بانخفاض قدره 25% عن العام الذي سبقه ، وهو العام الخامس على التوالي الذي تنخفض فيه الخسائر بعد عام الذروة (2014) الذي وصلت فيه الخسائر إلى حوالي 116 مليار دولار.

إلحاح حل إشكالية موقف الفاعلين من دون الدول بالتسويات السياسية: لقد تطور الفاعلون من دون الدول بالعقد الأخير سواءً من حيث إمكانياتهم المالية والاقتصادية، أو من حيث تشكيلهم وتنظيمهم، وبنيتهم المؤسسية، والأهم تطلعاتهم السياسية التي دعمت مؤخرًا بسياق أدى إلى رفع سقف توقعاتهم إزاء مستقبلهم سياسيًّا.

 تمثلت تلك المستجدات بوصول حركة طالبان لسدة الحكم بأفغانستان بعد صراع 20 عامًا مع القوات الأمريكية، من ناحية أُخرى انسحاب الولايات المتحدة من المشهد، والاعتراف الضمني الصامت الذي حظيت به طالبان، وبدء الترويج لنجاح نهج طالبان الجهادي  في مقابل نهج جماعة الإخوان المسلمين؛ –باعتبار أنهم فصيلين إسلاميين رئيسيين يسعيان إلى الوصول للسلطة- لذا لُوحظ نشاط الجماعات الإرهابية والمسلحة بعد عودة طالبان، ويرتفع معدل النشاط كلما طرحت محاولات التسويات سياسة، ويمكن الإشارة بذلك الصدد لتصاعد عمليات جماعة الشباب المجاهدين بالصومال، وتزايد هجمات الحوثي باليمن، وحزب الله في لبنان بالفترة من يونيو وحتى أكتوبر؛ لذا فبقاء الوضع على ماهو عليه يؤدي لزيادة الفجوة بين الطرفين، وبالتالي هذا يجعلنا أمام سيناريوهات متوقعة للتعامل مع الفاعلين من دون الدول مستقبلًا.

 التطويق وفرض العقوبات: بمعنى استمرار المجتمع الدولي بتطويق عمل هذه الجماعات بفرض عقوبات، بما في ذلك استخدام القوة، والاستمرار بالعمليات العسكرية التي تستهدف محاربة أو اعتقال أفراد من العناصر المسلحة، ونشر القوات الدولية وتنفيذ العقوبات الدولية، مثل (حظر الأسلحة، ومناطق حظر الطيران، والعقوبات الاقتصادية، وتجميد الأصول الأجنبية، أو عقوبات السفر، أو المحاكم الجنائية للحرب).

السماح بالعمل في نطاق محدود: تهدف هذه الإستراتيجية للتحكم  في انشطة الجهات المسلحة بالشكل الذي يحد من حريتهم بالمناورة والتواصل، وتحجيم أنشطتهم بحيث لا تتجاوز مدى معين تحدده الدولة، باستخدام المراقبة الصارمة بـالإجراءات الشرطية والاستخباراتية، وهذه طريقة فعالة خصوصًا مع الفاعلين الذين يتركزون بمنطقة معينة يمكن عزلها سياسيًا وجغرافيًا.

تمييع موقفهم: يهتم هذا النهج بتقليل التأثير السياسي والأيديولوجي للجهات المسلحة، من خلال تهميش وجهات نظرهم العالمية وخطاباتهم ومطالبهم، وعزلهم – سياسيًّا وجسديًّا – عن الواقع، أو عن أتباعهم المحتملين وجماهيرهم؛ وفي هذا الخيار يكون هناك إجماع بين النخب السياسية والجماعات المجتمعية بعدم التعامل مع هذه الجهات ليس فقط بعدم الرد على استفزازاتهم العنيفة فقط، ولكن بمواصلة عملية سياسية متفق عليها دون تضمينهم.

 فرض الانقسامات والتنافس الداخلي: وذلك من خلال تقديم صفقات سرية لبعض الشخصيات الرئيسية وتشجعهم على ترك صفوفهم جماعةً أو لتحويلها لحركة سياسية، لكن هذا الخيار قد يؤدي إلى إنشاء مجموعات هامشية، والتي قد تكون أكثر تطرفًا من المجموعة الموحدة السابقة.

المصالحة: هذه العملية هي الأكثر مؤسسية، وغالبًا ما يسبقها اتفاق بين أطراف النزاع التي تحدد أحكام وتفاصيل العملية، والتي تعالج أحداث العنف بين الأطراف وأكثرها مدعاة للخلاف، كالتعامل مع جرائم الحرب ومجرمي الحرب وهي تقدم إطارًا للجهات المسلحة لقبول الأساسيات بالمعايير، وتعكس بشكل حاسم صورتهم الذاتية وأفعالهم، والتعاطف مع الضحايا، والاعتراف بالذنب، أو من خلال المصالحة و المحاكمة الجنائية.

ما تمر به الجماعات الإرهابية قد يشكل سياسة دولة ما مستقبلًا: وهذه الفكرة قد تكون أحد أشكال التعامل مع الإشكالية السابقة – أي إشكالية التعامل مع الفاعلون من دون الدول في التسويات السياسية- والتي تتطور لفكرة إشراك الفاعلين من دون الدولة بالتسويات السياسية؛ استنادًا للتغيير الجوهري الذي شهده هذا العام، من وصول طالبان لسدة الحكم، والتعامل الدولي معها، وانسحاب الولايات المتحدة المفاجئ بشكل غير توافقي مع حلفائها، والتعاون الصيني الروسي ودول الجوار مع (طالبان) باعتبارها أمرًا واقعًا دون أي اعتبارات تُذكر.

ماسبق يجعلنا نعيد النظر بالمراحل التي مرت بها الحركة ومدى تأثيرها على وجودها بشكلها الحالي، فالفترة التي مرت بها الحركة، من (تفكك، أو تكتل) وموقفها من المفاوضات السابقة، وتفاعلها مع التنظيمات الأُخرى بأفغانستان كـ(القاعدة وداعش)، وموقفها من دول الجوار، وسياستها التي صاغها طوال تلك الفترة، ومجمل ما مرت به بنيتها التنظيمية وسياساتها، تشكل الآن واقع السياسة الأفغانية.

 وبالتالي فما نشهده  الآن من تفاعلات ببنية الفاعلين من دون الدول بتلك الصراعات، قد يكون نواة يبنى عليها مستقبل سياسة دولة ما في حقبة زمنية مقبلة، وذلك  إذا وصل هؤلاء الفاعلون لسدة الحكم، كما لا يستبعد أيضًا أن يسمح لهم بالوصول للحكم،فلا يستبعد أن وضع الحوثي في اليمن قد تتطور، وكذا تواجد حزب الله في لبنان.

تراجع فاعلية العمل الدولي الجماعي : بالرجوع سنوات للخلف، وتتبع الزيارة التي قام بها جون كيري لـ(عدد من الدول العربية، وتركيا) حين أُعلن تشكيل “نواة تحالف” لمحاربة داعش، وقادت إدارة الرئيس باراك أوباما تحالف؛ لمواجهة مقاتلي تنظيم “داعش”، وبالرغم من تزايد عدد الدول المنضمة لهذا التحالف وزيادة تمثيله إلا أنه وبعد مرور أعوام على نشأته لم ينجح بالقضاء على تنظيم داعش.

مرورًا بعملية (صوفيا)، التي أطلقت بقيادة إيطاليا والاتحاد الأوروبي، في عام 2015، وهي عملية بحرية عسكرية خاصة بصد المهاجرين القادمين من السواحل الليبية، وصولًا لعملية إيريني التي أطلقها الاتحاد الأوروبي عام 2020؛ لدعم حظر الأسلحة المفروض على ليبيا، بسفينة حربية فرنسية في البحر الأبيض المتوسط هذا الأسبوع وطائرة دورية من لوكسمبورغ، وشاركت ألمانيا أيضًا بالمهمة بعدد من جنودها، وهدفت المهمة لوقف تدفق الأسلحة إلى ليبيا، لكنها لم تنجح بالوصول لتقدم يذكر بشأن الوضع في ليبيا.

 ومن ثم فإن الجهود الدولية على كثافتها وتنوعها، لم تنجح في تحقيق أهدافه في المهام المختلفة التي وضعتها هدفًا لها ، وهو ما أنعكس في النهاية علي عدم فاعلية العمل الدولي في مكافحة الإرهاب، ومنه لجأت  بعض الدول للتراجع عن استراتيجية العمل الجماعي لمكافحة الإرهاب والتعامل مع كل كيان مسلح علي حدا ، وبشكل فردي يخدم تطلعاتها ، لذا رأينا تراجع عن تصنيف الكيانات المسلحة بأنها إرهابية، ومن المتوقع أن يتوسع هذا النهج ويستمر لفترة طويلة، نتيجة تحولات تشهدها السياسة الدولية، وهذا من أكثر التحولات خطورة والتي تصب في غير صالح الأمن العالمي.

تواجد أوسع لشركات الأمن والعسكرية الخاصة : وهي تلك الشركات التي تقوم بمهام أمنية وعسكرية في دول الصراع، والتي تصاعد وجودها منذ ما يزيد عن 7 سنوات، ومنها شركة فاجنر التي ذاع صيتها بالتزامن مع انخراط موسكو المباشر في النزاع السوري أواخر عام 2015، تلاها ظهور شركة بلاك ووتر التي تأسست وفقا للقوانين الأمريكية بالاعتماد على مرتزقة من المتقاعدين والقوات الخاصة من مختلف أنحاء العالم، كما برز اسم “سادات” خلال السنوات الاخيرة، باعتبارها أول شركة تركيّة خاصة تقوم بمهمات واسعة خارج البلاد. 

 ومن الملاحظ أن تلك الشركات نشأت في الدول الثلاث الأكثر إنخراطًا في الصراعات، ومن المرجح أن يحدث تصاعد وتوسع في دور تلك الشركات ،بالإضافة إلى ظهور شركات من جنسيات أخرى ،أيضا تتبع الدول ذات الإنخراط الكثيف في الصراعات.

 أما أسباب صعود هذه الشركات؛ فنتيجةً لعدم تفضيل الدول الانخراط بشكل مباشر بجيوشها النظامية، أو حتى بعض القوات لم يرتبط بتكلفة سياسية واقتصادية مرتفعة، فالجميع لا يفضل اللجوء إليها وتحملها؛ لذا قد يتزايد دور شركات الأمن الخاصة مستقبًلا، وقد تُعرف على أنها مرتزقة بل وسيزداد الاعتماد عليها، كشركة ( بلاك ووتر، و فاجنر، و سادات) ولن يُنظر إليها على أنها جماعة إرهابية، وقد يتزايد استعمالها بالأوساط الأفريقية، وهي أداة مهمة تُستخدم حاليًّا بالصومال.

 تصاعد استراتيجية قطع الرؤوس: وتعتمد تلك الاستراتيجية على استهداف القيادات، ومن المرجح أن يكون تلك الاستراتيجية مستخدمة من قبل الطرفان سواء الجماعت الإرهابية بأن تقوم باستهداف القادة البارزين، أو أن يتم استخدامها في الحرب علي الإرهاب، ويرجع الهدف الرئيسي في تلك الاستراتيجية إلى إلحاق أكبر خسائر نفسية ممكنة بكل طرف، والسعي وراء فقدان كل طرف لقادته، وهو ما يسهل بدرجة ما من النيل منهم، ويرجع دافع الطرفين في استخدام تلك الآلية إلى أسباب ذات صلة بالموارد الاقتصادية، فمن ناحية التنظيمات الإرهابية تواجه انخفاض الموارد الاقتصادية لتلك التنظيمات كما أشرنا سابقًا، ولارتفاع تكلفة الانغماس العملياتي لمكافحة الإرهاب إّذا قامت به الدول.

 خاتمة

  الإرهاب واحدة من أكثر الظواهر تأثيرا على الأمن العالمي، وكثيرا ما صيغت السياسات، وتألفت المجهودات على أمل دحر هذه الظاهرة، ورغم ذلك لم تنجح جهود مكافحتها، بل اتضح من مراقبتها أنها قادرة علي التحور، وتكيف أوضاعها مع السياقات الجديدة.

نتج عن هذا التحور ظهور عدد من الممارسات الإرهابية واختفاء آخر، فعلى سبيل المثال اختفت حوادث اختطاف الطائرات وتمرير العبوات الناسفة، في حين بقت عدد من الممارسات مستخدمة من قبل الجماعات الإرهابية كالذئاب المنفردة وقطع الرؤوس، كما نشأ عن تفاعل الجماعات الإرهابية بالسياقات السياسية المختلفة في بعض الدول نشوء ظواهر بملامح جديدة أكثر خطورة لمستقبل الإرهاب العالمي.

 وبمقارنة الظواهر المتصدرة بتلك المندثرة يتضح لنا حجم التحديات، والأزمات الحقيقية الذي قد يسفر عنه هذا التحور، فواقعيًا لسنا فقط بحاجة إلى تعريف جامع متفق عليه لمسمى الإرهاب، بل أصًبحنا في حاجة لأن تشمل تلك الممارسات والظواهر في تعريفة، ومن ثم الطرق الخاصة بمكافحته ومحاصرته، ومعاقبة مرتكبيها والاستباق بسن قوانين وتشريعات وتحركات جديدة تتفادى هذا التطور الخطير .

 لقد أصبح إيقاع الإرهاب مزعجا لسرعته وقدرته على إعادة التنظيم ومعاودة التواجد في نفس الأماكن التي هزم فيها من قبل، ومعه أصبحنا بحاجة لإدراك طبيعة تلك التحولات السريعة خصوصًا وهي ما تزال في طور البداية، ومن ثم في أضعف حالاتها، وهو ما يعني وجود فرص نجاح جهود  الإنذار المبكر و تفعيل سبل الوقاية منها.

 

 

 

 

كلمات مفتاحية