رابعة نور الدين وزير
إلى أين يتجه الوضع بالسودان؟ التهدئة؟ أم التصعيد؟.
شهدت الساحة السودانية خلال اليومين الماضيين بعض التحركات، على رأسها؛ الكلمة التي ألقاها قائد قوات الدعم السريع السودانية “محمد حمدان دقلو” والمعروف باسم “حميدتي”؛ ردًا على تحركات “عبد الفتاح البرهان” الأخيرة، أن هذه القرارات جاءت لتصحيح مسار ثورة الشعب، كما أكد من جانبه على التزامه بمسار التحول الديمقراطي للدولة، وحماية مصالح وأمن الشعب السوداني، وهو بالفعل ما أكد عليه “عبد الفتاح البرهان” بوقت سابق، بضرورة التزام الجيش بحماية أمن واستقرار البلاد.
وقد سبق هذا التحرك، زيارة وفد الجامعة العربية للسودان؛ لإجراء مباحثات مع كلٍّ من؛ رئيس الوزراء السوداني “عبد الله حمدوك”، وقائد الجيش “عبد الفتاح البرهان”؛ للوصول لتوافق حول الأزمة الحالية بالسودان، وتشير هذه التحركات سواءً من قائد قوات الدعم السريع، أو وفد الجامعة العربية، للوقوف على أهم المحددات في الوضع الراهن بالسودان؛ لذا نسعى من خلال هذه الورقة لقراءة وتحليل بيان “حميدتي” ومخرجات اجتماع وفد الجامعة العربية؛ للتوصل لأنسب السيناريوهات المتوقعة حول الأزمة السودانية.
قراءة ببيان حميدتي هل يؤكد وحدة المكون العسكري السوداني؟
أعلن قائد قوات الدعم السريع بالسودان، التزامهم بتشكيل حكومة مدنية مستقلة بالبلاد، وإجراء انتخابات ديمقراطية عام 2023، وأكد على أن القرارات الأخيرة التي اتخذها “البرهان”، جاءت لتصحيح مسار ثورة الشعب السوداني؛ للحفاظ على أمن واستقرار البلاد،
، كما أضاف أن هذه القرارات المُتخذة من قبل البرهان، جاءت بعد فشل العديد من محاولات الإصلاح؛ لاستحواذ فئة كبيرة على مقاليد الحكم، والسيطرة على زمام الأمر بالبلاد، والانشغال بتحقيق المصالح الشخصية على حساب إهمال مطالب الثورة السودانية واحتياجات الشعب السوداني بالوقت الحالي.
وأكد حميدتي خلال كلمته على الاحترام الكامل لحق الشعب السوداني بالتظاهر السلمي، وأشار لمسؤوليتهم بحماية مكتسبات الثورة، وصولًا لحكومة مدنية منتخبة ومستقلة، وأوضح أن القوات النظامية ستعمل جنبًا إلى جنب مع أبناء الشعب؛ لتحقيق العيش الكريم وتحسين الخدمات.
ويعتبر بيان “حميدتي” أول بيان رسمي يصدر عنه منذ إعلان “البرهان” في 25 أكتوبر، حالة الطوارئ بالبلاد، وحل المجلس السيادي ومجلس الوزراء الانتقاليين بالسودان، وإعفاء الولاة بعد ساعات من اعتقال عدد من القيادات الحزبية والمسؤولين، على رأسهم رئيس الوزراء “عبد الله حمدوك”، والذي تم الإفراج عنه مؤخرًا مع وضعه تحت الإقامة الجبرية، ودار- بعد هذه التحركات- حوار بين “حمدوك” والمكون العسكري، ولكن لم تسفر النقاشات بين الطرفين عن اتفاق يمكن أن يساهم بإصلاح الوضع بالوقت الحالي.
ووفقًا للبيان السابق، فيمكننا القول: إن المكون العسكري السوداني يتجه بصورة كبيرة للوحدة، من حيث تبني نفس وجهة النظر، وبالتالي فقد يحدث تنسيق أو تعاون بين الطرفين بإدارة المرحلة المقبلة بالسودان.
التحركات الخارجية لتحديد ملامح المرحلة المقبلة بالسودان
الأمم المتحدة: تكثف الأمم المتحدة جهودها بالوقت الحالي؛ للوصول لمخرج للأزمة السودانية؛ لذا التقى المبعوث الأممي ورئيس بعثة الأمم المتحدة؛ لدعم الفترة الانتقالية بالسودان، برئيس الوزراء السوداني السابق “حمدوك”، وتم التوصل لخطوط عريضة حول الوضع الحالي، من أهمها تشكيل حكومة تكنوقراط، وإعادة “حمدوك” للسلطة، والإفراج عن المعتقلين، على أن تستغرق هذه الإجراءات أيامًا وليس أسابيع، وفور انتهاء هذه المباحثات، أعلن “البرهان” الإفراج عن أربعة مسؤولين، وأجرى الأمين العام للمنظمة اتصالًا هاتفيًّا مع “البرهان”؛ لحثه بضرورة العودة للمسار الانتقالي بالسودان، مع التأكيد على دعمه لكافة الجهود الهادفة لحل ديمقراطي.
الجامعة العربية: وبنفس الاتجاه الذي اتبعته الأمم المتحدة لدعم تسوية بالشأن السوداني، أرسلت الجامعة وفدًا لإقامة مباحثات مع الطرفين (حمدوك- البرهان)، تم التأكيد خلالها على أهمية الحوار بين الطرفين؛ لتسوية حل الأزمة بالسودان، ودعم نجاحها بمسارها الانتقالي، وقد أكد رئيس الوفد السفير “حسام زكي” على ثقته بالقيادات السودانية، ونجاحها بتخطي الوضع الراهن بالبلاد.
الولايات المتحدة الأمريكية: كان لوزارة الخارجية الأمريكية نفس التوجه بدعم التحول الديمقراطي، ودعم تكوين حكومة مدنية، مع التشديد بضرورة قيام العناصر العسكرية بتسليم السلطة للمدنيين، ودعم مسار الانتقال الديمقراطي للبلاد؛ لأن أي تحرك غير ذلك قد يساهم بعزل السودان عن المجتمع الدولي، وبالعودة لهذا البيان، نجد أن الولايات المتحدة الأمريكية لا ترغب بدخول البلاد في موجة من الاضطرابات، التي قد تدفعها للتدخل عسكريًّا أو اقتصاديًّا؛ ما يؤثر على إمكانياتها ومواردها بفترة تتجه فيها السياسية الأمريكية نحو آسيا، وقد أكد وزير خارجيتها على دعم بلاده للتحول الديمقراطي بالسودان خلال الحوار الإستراتيجي المصري الأمريكي.
مجموعة دول الترويكا: وبإطار اهتمام (الولايات المتحدة الامريكية – المملكة المتحدة- النرويج) بأفريقيا، قامت بإصدار بيان مشترك، أكدت من خلاله مجموعة دول الترويكا، أن الإفراج عن المعتقلين السياسيين بالسودان، معتبرةً أن هذه هي الخطوة الأولى لحل الأزمة التي يعيشها السودان.
التيارات السياسية بالداخل: على المستوى الداخلي، شهدت السودان تحركًا كبيرًا، تمثل بمجموعة من البيانات والتصريحات التي أدلت بها بعض التيارات السياسية، على سبيل المثال: –
- مطالبة الحزب السوداني الشيوعي بضرورة إلغاء حالة الطوارئ بالبلاد، وتشكيل حكومة مستقلة، تتكون من جميع المكونات على الساحة السودانية، إضافةً لضرورة البدء بصياغة دستور للمرحلة الانتقالية بالسودان، فضلًا عن المطالبة بإطلاق سراح المعتقلين وإعادة الخدمات، وأخيرًا شدد بضرورة اتباع سياسة خارجية مستقلة، وضرورة تصفية البلاد من الميليشيات المسلحة.
- أيضًا كان لحزب المؤتمر السوداني نفس الرأي، من حيث ضرورة الإفراج عن المعتقلين من الوزراء والمسؤولين والقادة الشعبيين المنتمين لحزب الحرية والتغيير، شرطًا للتفاوض من أجل الوصول لتسوية تستهدف إعادة الوضع لما قبل 25 أكتوبر 2021.
- فيما طالبت قوى الحرية والتغيير، بضرورة الحصول على دور، جنبًا إلى جنب مع المكون العسكري؛ لإدارة المرحلة الانتقالية بالبلاد، كما طالبت “البرهان” برفع حالة الطوارئ؛ لتمهيد الطريق أمام مفاوضات هدفها الوصول لتسوية.
- وقد دعمت قوى البرنامج الوطني نفس المسار من خلال التأكيد على أن المخرج الوحيد للأزمة السودانية هو الوفاق الوطني، وأن اللقاء والحوار السياسي هما أفضل السبل؛ للخروج من الوضع المضطرب بالبلاد، كما دعت لضرورة الانتهاء من تشكيل أجهزة البلاد ومؤسساتها اللازمة لإدارة المرحلة الانتقالية.
- وأخيرًا موقف حزب الأمة القومي بالسودان، والذي أكد فيه أن انتهاء الوضع الراهن بالبلاد مرهون بتراجع “البرهان” عن قراراته، فيما يخص إعلان حالة الطوارئ، واعتقال بعض المسؤولين.
- بعض الجماعات المسلحة الموقعة على اتفاق جوبا: أعلنت ثلاث جماعات موقعة على الاتفاق، رفضها القاطع للإجراءات التي اتخذها البرهان بشأن الوضع بالسودان، على رأسهم؛ (المجلس القيادي للجبهة الثورية).
وقد أكد “البرهان”، عدم تراجعه عن قراراته التي اتخذها لاحتواء الوضع بالداخل، كما أكد على أنه لن يكون جزءًا من أي حكومة انتقالية تأتي بالمستقبل
الشارع السوداني: على أثر التحركات الأخيرة، شهد الشارع السوداني تحركات واسعة بمختلف الولايات؛ اعتراضًا على قرارات “البرهان”، ويمكننا القول: إن الزخم الشعبي الذي يشهده السودان، يؤكد أن الشعب يصر على ضرورة إيجاد حل للوضع، وعدم العودة لما كان عليه السودان قبل 25 أكتوبر 2021، وقد تستمر هذه التحركات لفترة، ولكنها ليست طويلة؛ للظروف الاقتصادية الحالية بالبلاد، فضلًا عن إمكانية التعرض لاستمرار قطع الخدمات.
هل يعود حمدوك من جديد؟
اجتمع “حمدوك” مع بعض التيارات السياسية، الأحد الموافق 7 نوفمبر 2021، كان من بينها؛ (قوى الحرية والتغيير- المجلس المركزي- مجموعة الميثاق)، أكد فيه من القوى السياسية ضرورة الوصول لتوافق واعتماد موقف موحد، كما أكد على التزامه بما تتوافق عليه القوى السياسية، ومن الممكن القول: إن “البرهان” لا يمانع من عودة “حمدوك” لمنصبه، خاصةً أنه يحظى بتأييد دولي، ولكن حالة الغضب بالشارع السوداني، تؤكد أن الوضع بالسودان خلال المرحلة المقبلة لن يكون نفس الوضع فيما قبل 25 أكتوبر 2021.
السودان بمفترق طرق هل تطول الأزمة؟
مع توالي التحركات والإعلانات على عدة مستويات، يتجه الوضع بالسودان لدرجة من الوضوح، بعد الضبابية التي سيطرت على الوضع؛ لذا نضع مسارات قد يسير فيها الوضع كما يلي: –
السيناريو الأول: تشكيل حكومة تكنوقراط
يذهب هذا السيناريو لإمكانية قيام “البرهان” بتشكيل حكومة تكنوقراط، ممثلةً لكل التيارات بالسودان، على ألا يكون “حمدوك” جزءًا منها؛ لئلا يعود الوضع لما هو عليه، وتتكرر نفس الأخطاء، وبالتالي تزداد التحركات بالشارع السوداني، وقد أتت هذه الخطوة بعد مرحلة من الوفاق الوطني والتوافق بين مختلف القوى والتيارات السياسية، وهذا السيناريو مرجح، خاصةً مع تصاعد الضغوط الدولية، وتعدد المطالب بشأن تشكيل الحكومة، إضافةً لتفاقم الوضع بإثيوبيا، وما يترتب عليه من تزايد الخوف من موجات النزوح للسودان، وبالتالي الحاجة لمؤسسات وحكومة تنظم هذه التحركات، لئلا تساهم بتأجيج الوضع في البلاد.
السيناريو الثاني: استمرار التصعيد
قد يستمر “البرهان” بالإصرار على موقفه الرافض من إجراء أي تعديلات تتعلق بالإجراءات التي اتخذها في أكتوبر 2021، وبالتالي تتصاعد وتيرة التظاهرات بالشارع السوداني لفترة من الزمن لا يرجح أن تتطول؛ للأزمات الاقتصادية التي تعاني منها البلاد، إضافةً لإمكانية الضغط عليهم، من خلال رفع الأسعار وقطع الخدمات؛ ما يؤدي للتراجع أو التصعيد بدرجة عالية.
السيناريو الثالث: حكومة يغلب عليها الطابع العسكري
يذهب هذا السيناريو لإمكانية قيام “البرهان” بتشكيل حكومة يغلب عليها المكون العسكري، وهذا السيناريو مطروح، ولكنه غير مرجح؛ حيث إن القيام بهذه الخطوة قد تساهم بتأجيج الوضع بصورة كبيرة بالداخل، ويُدخلها بدائرة من الصراع المستمر، وهذا يعني عدم الاستجابة لما سبق الاتفاق عليه مع المبعوث الأممي؛ ما يعرض البلاد لإمكانية فرض عقوبات.
الخاتمة
من الصعب القول: إن الوضع بالسودان يتجه بمسار بعينه؛ حيث إن الأحداث مازالت جارية، وبالتالي فالرؤية تحمل شيئًا من الضبابية؛ لذا فإن تحركات “البرهان” بالفترة القادمة يُبنى عليها الكثير حول مستقبل السودان، وقدرته على إدارة حوار وطني بين التيارات السياسية المختلفة بالسودان، ينطوي عليه بصورة كبيرة، التسريع بإيجاد حل مستدام للوضع؛ لذا نرجح السيناريو الأول، فهو الأقرب للتحقق، خصوصًا مع الضغوطات الدولية الواقعة عليه، والوضع الداخلي المضطرب.