تشكيل المجلس السيادي في السودان هل يتغير مسار الأزمة في السودان

 

على خلفية ما يشهده السودان من الأحداث السياسية، هل بات الحل قريبًا للوضع الداخلي؟ هل تتجه الدولة إلى مسارها الصحيح؟ أم تتعثر خطواتها؟ على أثر ما أعلنه البرهان مؤخرًا من تشكيل مجلس سيادي برئاسته لقيادة المرحلة الانتقالية في السودان، حيث أدى الفريق البرهان اليمين الدستورية أمام رئيس القضاء، كرئيس لمجلس السيادة الجديد وذلك بعد ساعات من إصداره مرسوم بالإعلان عنه، كما أعاد العمل بالوثيقة الدستورية، بالإضافة إلى تعيين “حميدتي” نائبًا له.

 

وقد جاءت هذه الخطوة بعد ضغوط على المستوى الداخلي والخارجي الذي واجهه البرهان من أجل تشكيل مجلس سيادي انتقالي يقود البلاد إلى الاستقرار ويؤسس لتحول ديمقراطي حقيقي، وجدير بالذكر أن هذا التحرك سبق التحركات التي دعي لها “تجمع المهنيين السودانيين” فقد دعا التجمع لمظاهرات حاشدة في الخرطوم يوم السبت المقبل، ولكن البرهان سبق هذه التحركات ولعل الغرض من ذلك محاولة تحجيم الشارع السوداني واحتواء الوضع.

 

بناء على ما سبق سنحاول في هذه الورقة تحليل آخر مستجدات السودان فيما يتعلق بإعلان تشكيل المجلس السيادي الجديد، بالإضافة لتحليل أهم ردود الأفعال على المستوى الداخلي والخارجي، وأهم السيناريوهات المتوقعة بالنسبة للوضع مستقبلًا.

ملامح المجلس السيادي الجديد هل يتجه الوضع لمزيد من التعقيد؟

أعلن “البرهان” تشكيل مجلس سيادي انتقالي برئاسته، وتعيين “حميدتي” قائد قوات الدعم السريع نائبًا له، كما أعلن إلغاء العمل بالوثيقة الدستورية، ويتكون المجلس من 13 عضوا، من بينهم 9 أعضاء كانوا في المجلس السابق، بالإضافة إلى أربعة أعضاء من المنتمين لقوى “الحرية والتغيير”، حلوا محل أعضاء في المجلس السابق، وتم تأجيل الإعلان عن ممثل شرق السودان لحين اجراء مزيد من المشاورات بين الطرفين.

لعل قيام “البرهان” بهذه الخطوة في الوقت الحالي نتيجة للضغوط الدولية والمحلية التي واجهها في سبيل الإعلان عن خارطة طريق للبلاد، وتشكيل سلطة انتقالية لتهدئة الوضع.

 

ويلاحظ على تشكيل المجلس أنه حاول تمثيل كل الأقاليم السودانية والجماعات المسلحة، مع استبعاد القوى الثورية والمدنية التي شاركت في ثورة ديسمبر، وهلي نقاط لا يمكن الإغفال عنها، في حين أن العسكريين الخمس من المجلس السابق، مازالوا يحتفظون بمقاعدهم في المجلس الجديد، ولعل اختيار البرهان لهذه العناصر يعتمد في المقام الأول على أنهم يمثلون ظهير سياسي له، ويلتفون حول سياساته بشكل كبير، وهو ما يجعل الوضع مستمرًا في التصعيد لحين الوصول إلى تمثيل عادل لكل الفئات من المكون المدني، خاصة أن البرهان أكد على احترامه للمسار الديمقراطي للبلاد وضرورة منح تمثيل متساو لكل الأطراف.

يعد اختيار البرهان للمجلس السيادي وإعلان تعيينه أمر ذو دلالات متعددة نشير اليها فيما يلي:

 أولا: التوقيت

 حيث حرص البرهان على أن يأتي تعيين أعضاء المجلس السيادي بعد أيام من اتخاذ القرار بحل المجلس السيادي الذي رأسه وذلك في محاولة منه للالتزام بخارطة الطريق التي أعلنها، يأتي التحرك سريعا كمحاوله لاحتواء التظاهرات واعمال العنف القائمة في السودان محاوله تسد الفراغ الدستوري الذي وجد عقب الاعلان، بالإضافة لأنه يدل على ان الخطوات التالية لخارطة الطريق المعلنة قد تكون بالسرعة ذاتها وخصوصا تشكيل الحكومة.

ثانيا: تشكيل المجلس برئاسة البرهان

في تشكيل للمجلس السيادي الجديد الذي يترأسه أيضا البرهان، وعين فيه حميدتي نائب له، كانت تلك واحده من الأمور التي أثارت الجدل حول إعلان تعيين المجلس السيادي الجديد، كما إنها أدت الي كثافة تحركات الحكومة المعزولة في الداخل، فربما كان من الأجدى أن يكون دور “البرهان ” اعتماد التعيين المجلس فقط بإشرافه باعتبار منصبه في الجيش، خصوصا أنه في القرار السابق الذي أصدره بحل المجلس السيادي   سلب ذاته بهذا القرار صفة رئاسته للمجلس.  كان من الممكن أن يؤدي ذلك إلى امتصاص غضب الحكومة المعزولة في الداخل. 

ثالثا: الاعتماد على المكون المدني في المجلس

 شمل المجلس الجديد عدد من المدنيين منهم رجاء نيكولا وابو القاسم محمد ويوسف محمد وسلمى عبد الجبار وعبد الباقي عبد القادر في محاولة منه لأن يكون المجلس مشكل من قوات مدنيه وأخرى عسكريه محاولًا بذلك الالتزام بما نصت عليه وثيقة التحول التي تم اقرارها في عقاب ثوره 2019 ومحاولة لتصدير وجوه مدنية جديدة في المجلس السيادي؛ تجنبًا لهجوم قوى الحرية والتغيير وغيرهم من مؤيدي الحكومة المعزولة لكن معظم من تم اختيارهم لا يحظون بالشعبية ذاتها التي حظي بها المكون المدني في المجلس السيادي المعزول.

رابعًا: ردود أفعال الحكومة المعزولة

 من ناحية اخرى تشير ردود الافعال والتحركات السريعة التي اتخذها المعزول من الحكومة السابقة وعلى راسهم وزيره الخارجية مريم صادق المهدي على ان التفاعل خول قرار تعيين المجلس السيادي الجديد تتجاوز حدود التصريحات، بل قد يكون هناك ضغط بالتحركات للعودة الي الوضع السابق مع التشكيك في نجاعة هذا القرار. 

وبشكل عام فإن التفاعلات الداخلية التي تجرى بالتزامن مع قرار تعيين مجلس الرئاسي وبينها قطع الانترنت عن السودان وبالرغم من صدور حكم قضائي يشير الى ان السودان مازالت تواجه حجر عثرة في إدارة التحول الديمقراطي فيها وهو مما يعرضها للانتكاس مجددا.

خامسا: طريقة تعيين المجلس

 واجهت الطريقة التي تم بها اختيار اعضاء المجلس السيادي العديد من الاتهامات خصوصا إنه لم يجري الإعلان عنها او إجراء تشاورات بشأنها ولم يكن معلن كذلك قبلها آلية الاختيار او الاشتراك فيها وهو   ما كان يجب ان يتم تداركه من قبل المجلس السيادي.

التفاعلات حول قرار تشكيل المجلس السيادي

أولا: ردود أفعال داخلية

ويشهد السودان احتجاجات منذ إطاحة الجيش بالحكومة الانتقالية برئاسة عبد الله حمدوك، في الخامس والعشرين من الشهر الماضي، وجاء اصدار المرسوم الخاص بإنشاء مجلس سيادة جديد وسط ردود غاضبة في الداخل السوداني، حيث شهدت مناطق عدة في العاصمة السودانية الخرطوم مظاهرات احتجاجية بعد ساعات من إعلان تشكيل المجلس. وأحرق محتجون غاضبون إطارات سيارات وقطعوا طرقا رئيسية في مدن العاصمة الخرطوم وأم درمان والخرطوم بحري. كما خرج متظاهرون في عدة أحياء سكنية في مناطق جنوب الخرطوم للتنديد بالانقلاب العسكري ويطالبون بعودة الحكومة المدنية.  

وفي أول رد فعل محلي على تشكيل مجلس السيادة اعتبر وزير الإعلام والناطق باسم الحكومة الانتقالية المعزولة، حمزة بلول، الخطوة امتدادا للإجراءات الانقلابية، قال في بيان إن قرار تشكيل المجلس يؤكد صحة قرار قوي الحرية والتغيير بعدم التفاوض مع من وصفهم بالانقلابين.

رفض تجمع المهنيين في السودان قرارات رئيس مجلس السيادة الانتقالي عبد الفتاح البرهان، معتبرا اياها غير شرعية، داعيا “للمقاومة حتى الإسقاط الكامل” للمجلس. 

كما انضمت لجنة الأطباء بعد اعتقال الطبيب السوداني محمد ناجي الأصم في وقت سابق الخميس الموافق 11 نوفمبر -برز الأصم في الانتفاضة الشعبية التي أطاحت بالبشير ثم أصبح من أشد المنتقدين للانقلاب العسكري -إلى نقابات أخرى في السودان وقوى الحرية والتغيير في الدعوة إلى خروج مسيرات شعبية السبت المقبل ضد الانقلاب.

ويُذكر أن حركة العصيان المدني التي أعلنتها قوى الحرية والتغيير قد أعيقت بفعل التعتيم المفروض على الدخول إلى خدمة الانترنت عبر الهواتف النقالة في عموم السودان منذ الانقلاب.

ثانيا: ردود أفعال خارجية

أكد المتحدث باسم الأمم المتحدة، ستيفان دوجاريك، عقب الإعلان عن تشكيل المجلس، إن التطورات الأخيرة في السودان “مقلقة للغاية”، وأضاف أن الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش يريد “رؤية عودة للانتقال للسلطة في أسرع وقت ممكن”. كما دعا المتحدث باسم الأمم المتحدة مرة أخرى إلى إطلاق سراح رئيس الوزراء المعزول عبد الله حمدوك وزعماء سياسيين آخرين.

كما اعتبر مبعوث الأمم المتحدة الخاص للسودان فولكر بيرتيس، تعيين مجلس سيادة جديد “يزيد من صعوبة العودة إلى النظام الدستوري”.، ودعا المبعوث الأممي للسودان، الجيش إلى السماح بالاحتجاجات السلمية والمظاهرات المخطط لها في 13 نوفمبر الجاري.

بينما دعا الاتحاد الأوروبي السلطات السودانية إلى الإفراج الفوري عن جميع المعتقلين منذ 25 أكتوبر الأول الماضي، وتوقع الاتحاد احتجاجات سلمية جديدة خلال الأيام المقبلة في السودان، داعيا قوات الأمن إلى ضبط النفس واحترام حق التظاهر.

ودعت مصر من جانبها على لسان وزير الخارجية المصري سامح شكري أن بلاده لا تدعم فريقا على حساب فريق آخر في الصراع الدائر في السودان، مؤكدا على أن مصر تدعم استقرار السودان والأمن للشعب السوداني والحفاظ على مقدراته والتعامل مع التحديات الراهنة بالشكل الذي يضمن سلامة هذا البلد الشقيق. 

السيناريوهات المحتملة

 في ظل تداخلات وتعقيد المشهد السوداني، يظل المشهد مفتوحًا على عدد من السيناريوهات، من هذه السيناريوهات ما يلي: 

السيناريو الأول 

 نجاح تحركات الحكومة المعزولة: يُبنى هذا السيناريو على نجاح الضغط الذي يجريه أطراف الحكومة المعزولة الرافضين لقرار المجلس، واستمرار التظاهرات بالشارع السوداني للضغط على الفريق عبد الفتاح برهان للتراجع عن قرار تعين المجلس، وهذا السيناريو يبدو متماشيا مع تحركات الحكومة المعزولة والبيانات الأممية والموقف الأوروبي منها، لكنه سيناريو مستبعد، فامتثال البرهان لهذه المطالب يعني انه كتب شهادة وفاة مستقبلة سياسيا. 

السيناريو الثاني

جلوس الأطراف المدنية والعسكرية على مائدة الحوار: ويُبنى هذا السيناريو على اتجاه المجلس السيادي لعمل جلسات حوار مع الأطراف المختلفة في محاولة منه لتفتدي الانقسام على ما أصدره من بيانات وقرارات، على ان يكون متحركا بدعم وسطاء مقبولون داخليا، وهذا السيناريو على وجاهته كسبيل في تقليل فجوات الاختلاف بين الأطراف لكن حتى اللحظة لم يبدي لدي البرهان نية لقيادة مثل هذا الحوار، كما لم يظهر وسطاء يعرضون تصدرهم لمثل هذا الحوار. 

السيناريو الثالث

استكمال السير وفقا لما اصدره البرهان والمواجهة بين الفصائل المختلفة: ويرجح هذا السيناريو إكمال السير وفقًا لخارطة الطريق الجديدة التي أعلنت في بيان البرهان، وتمييع مواقف الأطراف الأخرى من الاعتراض على المجلس السيادي، واستكمال تشكيل الحكومة وجميع ما أعلن عنه، وفي ظل استمرار الاحتجاجات بالشوارع السودانية فسيناريو المواجهة بين الفصائل المحتجة والقوات المسلحة السودانية قد يكون مفزعًا ولا يمكن الجزم بعدم حدوثه

في نهاية القول، يظل هناك قدر كبير من عدم الاستقرار والتأزم تنساق إليه البلاد، فمن المتوقع أن تشهد السودان مواكب مليونيه يومي 13 و17 من نوفمبر الحالي، مما سيقود إلى المزيد من التأزم في الحالة السودانية، حيث إن هناك قطاعا كبيرا من الشارع يرفض هذه القرارات ويراها “انقلابا”. وعلى أي حال يجب مراعاة مطالب الشعب السوداني والجماعات المدنية، فمن المتوقع بأن يتم اعلان رئيس وزراء مدني جديد قريبا لتهدئة الأوضاع.  

 

 

 

 

كلمات مفتاحية