حوار المنامة: رسائل أمريكية جديدة لحل قضايا المنطقة

إعداد: رضوى رمضان الشريف

تقوم البحرين باستضافة المنتدى السابع عشر للأمن الإقليمي “حوار المنامة” والذي يستمر لمدة 3 أيام من الشهر الجاري ويشارك فيه أكثر من 300 مسؤول ومفكر من مختلف دول العالم. تستضيف البحرين أعمال منتدى أو قمة حوار المنامة منذ عام 2004، وتعد القمة من أهمم القمم الدبلوماسية والأمنية على مستوى العالم، وتكتسب هذه القمة بشكل استثنائي في هذا العام أهمية كبيرة لانعقادها وسط تحديات أمنية ودفاعية وسياسية واقتصادية واستراتيجية انعكست بدورها على طبيعة القضايا المطروحة على الساحة.

تناول المنتدى في سبع جلسات عامة محاور إقليمية ودولية جوهرية حول: سياسة الدفاع الأمريكية في الشرق الأوسط، الخليج وآسيا، الدبلوماسية والردع، تعددية الأطراف والأمن الإقليمي في إطار متحول، إنهاء الصراعات في المنطقة، ديناميكيات الأمن في البحر الأحمر، والمليشيات والصواريخ وانتشار الأسلحة النووية.

يهدف المؤتمر إلى تسليط الضوء على ضرورة تحقيق السلام العادل والشامل في منطقة الشرق الأوسط، ومطالبة إيران بوقف ممارستها المزعزعة لاستقرار المنطقة، والتوقف عن تهديداتها لأمن الطاقة وحركة الملاحة البحرية، ورعايتها ودعمها للإرهاب والمليشيات المسلحة، ووضع حد لبرنامج الصواريخ الباليستية، وإخلاء منطقة الشرق الأوسط من أسلحة الدمار الشامل.

أولا: رسائل أمريكية جديدة

على هامش جدول أعمال المنتدى، ألقى وزير الدفاع الأمريكي، لويد أوستن، كلمته تحت عنوان “سياسات الولايات المتحدة الأمريكية الدفاعية في الشرق الأوسط”، وأرسل خلالها رسائل شديدة الأهمية سواء لحلفاء أمريكا، أو لغيرهم من الدول في منطقة الشرق الأوسط، ومن أهم تلك الرسائل:

  • التزام أمريكي

 أكد أوستن خلال كلمته بالتزام أمريكا بالدفاع عن الشرق الأوسط أمنيًا في ظل (التهديدات المشتركة) التي تواجه المنطقة ومواجهة تحديات القرن الـ 21، والتي حددها في أربعة محاور: جائحة كورونا، وأزمة المناخ، الإرهاب، ودعم إيران للإرهاب.

تمتلك أمريكا شبكة من العلاقات الدولية ومصالح في أرجاء العالم، وهي ملتزمة بحمايتها، حيث أكد أوستن على أن بلاده لا يمكنها فعل ذلك من دون مساعدة الحلفاء والشركاء، مدللًا على تصريحاته بعمليات الإجلاء الواسعة التي قامت بها في أفغانستان، بعد مشاركة دول خليجية عدة في العمليات.

وعن الخطر الإيراني والمفاوضات النووية الإيرانية التي تصدرت قائمة مناقشات المؤتمر، أكد أوستن بأن بلاده ستعود إلى طاولة المفاوضات بحُسن نية، مضيفًا أن واشنطن ملتزمة بمنع إيران من امتلاك سلاح نووي، وأكد أنه إذا كانت إيران تريد العودة للمجتمع الدولي، عليها العودة للمعايير الدولية، مشيرًا إلى أن الخيارات الأمريكية ستكون مفتوحة، حال فشل الحلول الدبلوماسية.

أكد أوستن بأن تهديدات إيران ووكلائها واسعة النطاق، مشددًا على ضرورة العمل معًا للدفاع المشترك عن أمن المنطقة، وأشار إلى أهمية أن تغير إيران سلوكها، والعودة بجدية إلى طاولة المفاوضات، دون أن يستبعد أي حلول أخرى في حال فشل المحادثات النووية، مشدداً على استعداد بلاده لردع أي عدوان إيراني مباشر أو عبر وكلائها، وكذلك الالتزام بعدم السماح لإيران بامتلاك السلاح النووي.

  • تقوية الروابط وتعزيز المنظومة الأمنية

شدد أوستن أيضاً خلال كلمته على ضرورة تعزيز الشراكات وتقوية الروابط بين الدول ذات النوايا الحسنة، ودعمها، وذلك عبر التدريبات المشتركة وتبادل المعلومات من أجل الردع الكامل لتحديات القرن 21، خاصة التحديات عابرة للحدود، وتعطيل الشبكات الإرهابية والحفاظ على استقرار الملاحة، حيث كان الفضاء السيبراني، أحد محاور كلمات أوستن، الذي اكتوت بلاده بنيرانه بعد هجمات سيبرانية من روسيا وإيران.

وفيما يخص تعزيز المنظومة الأمنية في المنطقة، كشف أوستن عن وضع واشنطن أنظمة في المنطقة، للتعامل مع مخاطر الطائرات من دون طيار، معبرًا عن تخوفاته من عودة تنظيم داعش الإرهابي إلى العراق، كما أكده بأنه من الممكن بأن يتم زيادة القوات الأمريكية في الشرق الأوسط إذا اقتضت الحاجة ذلك.

الموقف الأمريكي تجاه عدد من الملفات العربية

سلط أوستن خلال كلمته على عدة ملفات عربية هامة، ففيما يختص (بملف الانسحاب من العراق)؛ أكد على التزام أمريكا بالدفاع عن سيادة العراق ضد أي طرف يحاول خرقها، وأكد بأنه لن يكون هناك انسحاب أمريكي من العراق العام المقبل، حيث ستدرس واشنطن أي طلب مساعدة من الحكومة العراقية خارج مهام التدريب.

يُذكر أن الولايات المتحدة ستحتفظ بنحو 2500 جندي موجودين حالياً في العراق إلى ما بعد موعد الـ 31 من ديسمبر. وستواصل هذه القوات تقديم الدعم الاستخباراتي والمشورة للقوات العراقية في حملتها ضد داعش وفق ما اتفق عليه في الحوار الاستراتيجي بين البلدين وأن القوات الأمريكية لن تقوم بأي مهمات قتالية بعد التاريخ المذكور.

كما تطرق أوستن خلال كلمته إلى (الأزمة اللبنانية) مؤكداً بمناصرة الشعب اللبناني للخروج من الوقت العصيب، والاستمرار في العمل للتقدم نحو (حل الدولتين) بين فلسطين وإسرائيل.

أما بخصوص (الملف اليمني)، أكد أوستن على استمرار بلاده بدعم الشعب اليمني ضد الحوثيين، وضرورة توقف معاناته، كما شدد على الدعم الأمريكي لقوات التحالف بقيادة السعودية في مواجهة هجمات ميليشيات الحوثي في اليمن، إذ انتصر أوستن للمملكة العربية السعودية، وأكد بأن معدل نجاح القوات الجوية السعودية لصد تهديدات المسيرات القادمة من اليمن تبلغ 90%، وبوجد مساعدة ودعم أمريكي، سيتم صد الهجمات بنسبة 100%.

في مجمل القول، يبدو أن الولايات المتحدة بعد استيعاب صدمة الخروج المتعثر من افغانستان بدأت في اعادة صياغة استراتيجيتها بالمنطقة، حيث أظهرت الأزمة الأفغانية أهمية الشراكات،  فبعد خروجها من أفغانستان، ما زالت أمريكا ملتزمة بالتزاماتها الأمنية القديمة، لكن الحديث يأتي اليوم عن إطار تعاوني أوسع، مرتبط بالقضايا الكبرى التي تهتم بها أمريكا، بما فيها موضوع الديمقراطية، والاهتمام بقضايا المناخ، والقضايا الموجودة على أجندة الرئيس جو بايدن، بما فيها فكرة المواجهة مع القوى التي تعتبرها أمريكا خصماً لها، مثل إيران.

بدا أن تعليقات وزير الدفاع لويد أوستن تهدف إلى طمأنة حلفاء أمريكا الخليجيين بينما تحاول إدارة بايدن إحياء الاتفاق النووي، الذي حد من تخصيب إيران لليورانيوم مقابل رفع العقوبات الاقتصادية.

بعدما أدركت أمريكا بأهمية المنطقة ولما تشكله من تأثير مباشر على موازين القوى العالمية وعلى مستويات الاقتصاد والنمو، ستركز الاستراتيجية الأمريكية الجديدة على نقطتان متكاملتان وهما: (الالتزام الأمريكي بأمن المنطقة والتعاون المشترك)، فإعادة توزيع بعض الأصول العسكرية لا يعني تراجع الالتزام الأمريكي، حيث إن الولايات المتحدة تحتفظ بعشرات الآلاف من قواتها في المنطقة، ما يعكس حجم الشراكة الأمنية والاستراتيجية، التي ظهرت بوضوح خلال عملية الإجلاء من أفغانستان.

تؤمن الإدارة الأمريكية الحالية بالدبلوماسية باعتبارها (خط الدفاع الأول)، إلا أنها أصبحت تدرك بأن الخطر الإيراني أصبح متزايداً، ويأتي في مقدمة الأخطار التي تواجه المنطقة بالرغم من تفاؤلها المسبق حول الاتفاق النووي الإيراني، فإيران لا تبدي أي استعداد للمشاركة بجدية للعودة للاتفاق النووي الإيراني.

 ومنذ أن سحب الرئيس الأمريكي الأسبق دونالد ترامب من جانب واحد أمريكا من الاتفاق النووي الإيراني في عام 2018، ضربت سلسلة من الحوادث المتصاعدة الشرق الأوسط الأوسع، ويشمل ذلك هجمات الطائرات بدون طيار والألغام التي تستهدف السفن في البحر، فضلا عن الهجمات التي يُلقى باللوم فيها على إيران ووكلائها في العراق وسوريا.

إن ممارسات إيران في مياه الخليج أو عبر وكلائها تزيد احتمال سوء التقدير، ما يدفع واشنطن بأن تفكر ملياً في كيفية استخدام القوة بطريقة ترسل إشارة قوية لطهران من دون أن تؤدي إلى الانزلاق إلى صراع تقليدي لن يكون في مصلحة أي جهة، فمن المتوقع بأن أمريكا ستتبنى استراتيجية مرنة تقوم على فكرة وجود قواعد بلا أعداد كبيرة من القوات على الأرض، وحينما يقع تهديد تتحول هذه القاعدة من الوضع الثابت إلى المتغير، وتكون نقطة انطلاق للدفاع عن مصالحها وحلفائها في المنطقة.

ثانيا: تعددية الأطراف ضرورة لتحقيق الأمن الإقليمي

ومن أبرز المواضيع الأخرى التي تم طرحها على هامش جلسات المؤتمر هو تعددية الأطراف وضرورة وجودها لضمان الأمن الإقليمي.

وكان وزير الخارجية المصري سامح شكري من المتحدثين الرئيسين للجلسة، وأبرز وزير الخارجية المصري خلال كلمته على نشأة الأُطر متعددة الأطراف وتطورها ابتداءً من نشأة عصبة الأمم كاستجابة لأهوال الحرب العالمية الأولى، ثم تطورها بعد الحرب العالمية الثانية إلى ما أصبحت المنظومة الأهم عالمياً، والتي تجسدت في الأمم المتحدة بميثاقها وآلياتها المعروفة، وتزامن ذلك مع نشوء منظومات العمل الإقليمي بداية من الجامعة العربية، مروراً بمنظمة الوحدة الأفريقية، ووصولاً إلى تأسيس الاتحاد الأوروبي.

ومن أبرز التحديات الآنية والتي باتت تختلف جذرياً عن تحديات الماضي، خاصة وأن عالم اليوم يواجه تصاعداً في المخاطر المرتبطة بالإرهاب عابر الحدود متعدد الأوجه والأذرع، الذي يعمل على تفتيت المجتمعات وهدم مفاهيم الدولة الوطنية، لصالح ترويج أفكار تسعى لردة المجتمعات إلى هويات ضيقة تحيد بأولويات المجتمعات من التنمية والرخاء والتقدم، لتوجهها إلى الدمار الذاتي لها ولدولها، وإلى كراهية الآخر وتدمير كل ما من شأنه دفع الإنسانية إلى الأمام. وأنه في مواجهة ذلك، تظهر أهمية تعدد الأطراف وتكاتف كل الجهود الدولية لمواجهة الإرهاب بشكل جاد وحازم، لتجفيف منابعه، وحماية البشرية كلها من أخطاره المحدقة.

ثالثا: أمن البحر الأحمر مرتبط بإنهاء صراعات المنطقة

تتأثر منطقة الشرق الأوسط بشكل كبير بالنزاعات والتي قد تتولد محلياً، ولكنها تعبر الحدود، كما هو الحال بالنسبة لسوريا، واليمن، وليبيا، وتساهم تلك النزاعات بخلق عواقب وآثار سلبية كالظروف التي تزعزع الاستقرار كالهجرة والإرهاب.

وعلى ضرورة ضمان أمن منطقة البحر الأحمر والحزام الخليجي اللذان يشكلان أهمية استراتيجية، وبوابة محورية للتجارة الإقليمية والدولية، تناول المؤتمر على ضرورة إيقاف الحرب اليمنية، حيث أصبحت ملامح المشروع الإيراني واضحة في اليمن مع سيطرة الميليشيات على مناطق عدة، ونجاح المشروع الحوثي الإيراني في اليمن سيزج المنطقة للمزيد من الفوضى، فتقدم الحوثيين في الحديدة (عروس البحر الأحمر) يشكل تهديدا على الملاحة العالمية.

يجب عدم إغفال البعد الجيواستراتيجي، حيث يمثل التواجد الإيراني في البحر الأحمر نقطة ارتكاز مهمة باستراتيجية إيران منذ ثورة الخميني، وزاد الشغف مع رغبتها في التحكم بأهم الممرات الدولية، فتقوم إيران باستغلال وكلائها في اليمن إلى الوصول إلى مياه البحر الأحمر وبحر العربي.

أكد وزير الخارجية اليمني أحمد بن مبارك في كلمته خلال اليوم الأخير للمؤتمر، بأن السفينة “صافر” التي استولت عليها الميليشيات الحوثية في البحر الأحمر تمثل خطرا كارثيا على البيئة، حيث أنها معرضة إلى تسرب مليون برميل من النفط في البحر مما يؤدي إلى تدمير الحياة البحرية لليمن.

كما نوهت مبعوثة الاتحاد الأوروبي للقرن الأفريقي أنيت ويبر، بدور الإمارات، خاصة في ضمان أمن البحر الأحمر، الذي أكدت أن تحقيقه مرتبط باستقرار دول القرن الأفريقي والمنطقة، بشكل عام، فهي ترى بأن منطقة القرن الأفريقي والبحر الأحمر ليس فقط كمنطقة صراع ولكن أيضًا منطقة من الفرص والتي يُعيقها التشرذم الموجود في المنطقة الذي يسهل من التدخلات الأجنبية بها.

في نهاية القول، تضمّنت أجندة القمة لهذا العام مناقشة القضايا الأمنية الإقليمية والدولية الأكثر تأثيراً على المنطقة، وهو ما يعد ذو أهمية بالغة بالنسبة للكثير من البلدان والشعوب التي تعاني من الصراعات أو تواجه التطرف والإرهاب، وتتطلع لحلول ومواقف دولية مشتركة سريعة تنهى معاناتها وما تتكبده من آثار وخيمة على استقرارها واقتصادها وتطورها.

لعل أبرز نقطة تم ملاحظتها خلال جلسات المؤتمر، هو توافق كل الحضور لمئات الشخصيات من القادة والسياسيين والعسكريين من دول خليجية وعربية وآسيوية وأوروبية وأمريكية، على أن المشروع الإيراني حاملاً معه مخاطر توابعه أصبح متزايداً خاصة من أن طهران تقترب من نقطة اللاعودة لإحياء الاتفاق النووي، بعدما عززت مخزونها من اليورانيوم المخصب قبل استئناف المحادثات هذا الشهر. وحتى إذا تم رفع العقوبات عن إيران، من غير المرجح أن توافق أيضاً على تخفيض ملموس في عمليات نفوذها الإقليمية، حتى لو كان بالإمكان أن يتم كتابة نص تفاوضي من أجل تحقيق ذلك.

فلطالما أكدت إيران أن برنامجها النووي سلمي، إلا أنها في الحقيقة تكذب على العالم، إذ قامت برفع نسبة تخصيب اليورانيوم إلى60 % في إبريل الماضي، بينما لمحت لاحقا على قدرتها على تخصيب اليورانيوم بنسبة 90 %، وهذا يجعلها على خطوة واحدة لصنع قنبلة نووية طبقا لتقارير وكالات المخابرات الأمريكية والوكالة الدولية للطاقة الذرية.

 

 

 

 

كلمات مفتاحية