اتفاق حمدوك والبرهان.. خطوة على الطريق الصحيح لاستكمال التحول الديموقراطي

 

حسناء تمام كمال

 منذ أكتوبر الماضي و المشهد في السودان لا يتوقف عن التحرك والتغير السياسي، فبعد أن أعلن الفريق عبد الفتاح البرهان تشكيل مجلس سيادي جديد، جاءت الخطوة التالية من خارطة الطريق التي أعلن عنها، وهي تشكيل حكومة جديدة، بدلًا من الحكومة التي أعلن عزلها في 25 أكتوبر وهو ما يستلزم في البداية أختيار رئيسًا للحكومة، والمفاجئ في الأمر أن اتفاق وقع بين رئيس المجلس الرئاسي و رئيس الوزراء الذي صدر قرار بعزله، بموجب هذا الاتفاق ألغى قرارعزله ليبقي بذلك حمدوك رئيسا للحكومة الجديدة المزمع تشكيلها، الأمر الذي يستدعي الوقوف على هذا التغيير وفهم أبعاده.

أولًا: دلالات الاتفاق 

بدأ المشهد يشهد تحولًا حين وقّع رئيس مجلس السيادة عبد الفتاح البرهان، الأحد، مع عبد الله حمدوك، بالخرطوم، وثيقة إعادة الأخير إلى رئاسة الحكومة، وتتضمن الوثيقة، المكونة من 14 نقطة، مادة خاصة بالإفراج عن جميع المعتقلين السياسيين وتنص على تشكيل مبكر للسلطات الانتقالية، وجيش وطني موحد ومحكمة دستورية، فضلا عن تنفيذ الاتفاقات المبرمة قبل عامين بين القوى المدنية والجيش.

 من ناحية أخرى، وفي إجراء تبع الإتفاق أفرجت السلطات السودانية عن 4 سياسيين بارزين وهم زعيم حزب المؤتمر السوداني، عمر الدقير، ونائب رئيس الحركة الشعبية لتحرير السودان- قطاع الشمال مستشار حمدوك السابق ياسر عرمان، ورئيس حزب البعث السوداني، على السنهوري، وصديق الصادق المهدي من حزب الأمة.

ويلاحظ من البيان أنه جاء بشكل أساسي للاعتراف بأن ضغط الشارع ساهم في تشكيل هذا الموقف وهو ما ما أشار إليه الفريق عبد الفتاح برهان بأن الاتفاق هو محاولة لفتح الباب أمام حل كافة قضايا ومشكلات الفترة الانتقالية وتساعد على الخروج من الاختناق الداخلي والخارجي وإعادة مسار الانتقال إلى الديمقراطية، بجانب أن عقب البيان أتي خطوة الإفراج عن القادة المذكورين، والتي أتت كمحاولة لاستمالة هذه التيارات ناحية القرار والاتفاقية الموقع ويلاحظ من الاتفاق ما يلي:

 البناء على قرارات البرهان: جاء في ديباجة الاتفاق أن “استشعارا للمخاطر المحدقة التي تحيط بالبلاد، نتيجة لفشل كل المبادرات في احتواء الأزمة السياسية، ترتب على ذلك اتخاذ إجراءات وقرارات بواسطة القائد العام للقوات المسلحة بتاريخ 25 من أكتوبر 2021” وهذا النص يؤكد أن الاتفاق بالأساس اشترط الاعتراف بشرعية قرارات البرهان، وضرورة توقف التيار المدني عن مهاجمتها، واعتبارها الاساس الذي سيستكمل بناء عليه المسار السياسي للمرحلة القادمة.

 منح اليد العليا للمجلس السيادي: كما جاء من ضمن بنود الاتفاق، العمل على بناء جيش قومي موحد، وأن يكون مجلس السيادة الانتقالي مشرفًا على تنفيذ مهام الفترة الانتقالية، واعتراف الطرفان أن الشراكة الانتقالية قائمة بين المدنيين والعسكريين، وتعديل الوثيقة الدستورية بالتوافق، وكذلك الإشارة الأخيرة لإلغاء القرار الأخير الخاص بعزل رئيس الوزراء، كان تأكيد على أن المجلس السيادي والمكون العسكري هم السلطة العليا في هذه القرارات،فمن يملك المنح يملك المنع، وتجديد مطالب الثقة في المجلس السيادي بشكل عام وخصوصًا الفصيل العسكري فيه.

 التحقيق في التظاهرات والاستجابة الجزئية لمطالب المدنيين: تضمنت بنود الاتفاقية إجراء حوار موسع، وإطلاق سراح جميع المعتقلين السياسيين، وإلغاء قرار القائد العام للقوات المسلحة بإعفاء رئيس مجلس الوزراء الانتقالي، وتنفيذ اتفاق سلام جوبا استكمال الاستحقاقات الناشئ، وهو ما مثل الجزء الأهم في الوثيقة الذي حاولوا فيه التوفيق بين مطالب الشارع وخصوصا قوى الحرية والتغيير، والقوى المتظاهرة، وجاءت الاستجابة فيه لمطالب المتظاهرين جزئية، باعتبار أن طالبهم بشأن الحكومة حسمت بالاتفاق، وبصرف النظر عن مدى قبولهم له.

 الموائمة بشأن خارطة الطريق: أما اشتمال الاتفاق على إدارة الفترة الانتقالية بموجب إعلان سياسي فكان محاولة للموائمة بين مطالب الطرفين بأن يتم السير وفقا لخارطة 2019، أو ما ما أعلن عنه البرهان مؤخرًا أو وفقا للمستجدات ، لذا لم يشمل البند الإشارة إلي اتفاق صريح أو إجراءات بعينها، ويعتقد أنه سيتم صياغة الخارطة وبشكل أكثر تحديدا خلال الأيام الجارية.

ثانيًا: كيف ساهم التفاعل المحلي والعالمي في الدفع نحو الاتفاق

 لا شك أن لجوء المجلس السيادي إلي وضع حمدوك على رأس الحكومة السودانية، لم يأتي من فراغ بل أتى مدفوعًا بعدد من العوامل الحيطة له، وتجنبًا لعدد من المخاطر التي قد تحدق به نتيجة عزل الحكومة.

التحديات الأمنية المرتبط باستمرار التظاهرات بالشارع السوداني : منذ القرارات التي اتخذها القائد الأعلى للقوات المسلحة، لم يفارق القوي المدنية والثورية الشارع السوداني؛ مطالبين بالاستجابة لرؤيتهم في كيفية إدارة المشهد السوداني في الوقت الحالي، الأمر الذي أدى إلى عدم استقرار في حالة الأمن الداخلي في السودان واستمرار حالة التأهب والاستنفار الأمني في العاصمة والمدن السودانية، ناهيك عن استمرار التوترات الحدودية مع أثيبوبيا، وهو ما يجعل استمرار هذه التوترات الداخلية أمر ضاغط على الاستقرار السياسي للسوداني..

 الضغوطات الأمريكية والرفض الأوروبي: يعتبر الموقف الأمريكي والأوروبي، من أكثر المواقف التي ساعدت بالضغط على عودة حمدوك وإحداث هذا التغيير، والعمل على الالتزام بخارطة 2019، فالانتقادات التي وجهت لعزل الحكومة السودانية ،كان تشير إلى استعداد للتدخل لإعادة التوازن للمعدلة التي تجري بين الفصيل المدني والعسكري في السودان، أقلها ما أِشير إليه بتلويح الولايات المتحدة بفرض عقوبات على المعرقلين لمسيرة التحول الديمقراطي.

ثالثًا: هل ما زال الشارع بحاجة لضمانات؟

تبدو التحركات الهادفة لتهدئة الأزمة الداخلية ذات وجاهة، وبالرغم من أنها كانت غير متوقعة، فلا يمكن التشكيك في أن الخيار الذي يتلائم مع احتياجات الداخل السوداني هو الإبقاء على الحكومة، والابتعاد عن خانة التشكيك في الفصائل المدنية، واستكمال السير وفقا لخارطة 2019، لذلك فإن استمرار عملية الاستبعاد والتشكيك والعزل كان من شأنهم أن يجر السودان مجددا إلى حالة من الفوضى.

لذا فإن إلغاء قرارعزل رئيس الوزراء وإن كان متأخرا لكن يمكن اعتباره خطوة أولى نحو التهدئة، ومازال المجلس أمامه تحدي إعادة الثقة بينه وبين الشارع السوداني، والتأكيد بأن عودة حمدوك لكن تكون مقيدة بأي درجة، وهو ما يتطلب من رئيس المجلس السيادي ترجمة مساعي إعادة الثقة في إجراءات وقرارات ترسخ هذا، وكذلك منح رئيس الوزراء صلاحيات وقدر أكبر للتعاطي بحرية مع مطالب التيار بالمدني واتخاذ المطلوب لتنفيذها واحتواءها ، طالما أن تلك المطالب لاتمثل تعارضا جوهريا مع رؤية المجلس السيادي، و بالقدر الذي يستشعر فيه أن ثمة توازنا حقيقيًا يرجي العمل على إعادته.

رابعًا: السيناريوهات

تثير هذه المستجدات عدد من السيناريوهات بخصوص مستقبل مواقف الأطراف في الداخل السوداني، وإذا ما كان هذا القرار سيكرس للانقسام أم للوحدة ، أم سيعيد تشكيل المواقف على نحو غير معهود.

 استمٍرار التظاهرات ومهاجمة الفصيل المدني لموقف حمدوك : ويقوم هذا السيناريو على اعتبار أن الصفوف الداخلية في السودان سيعاد تشكيلها، على أن يكون رئيس المجلس السيادي و رئيس الحكومة في جهة، و الشارع السوداني وقوى الثورة في الجهة الأخرى، وهذا السيناريو غير مستبعد خصوصًا في ظل إبداء قوى الثورة الكثير من التحفظات على الاتفاق وتوجيه الاتهامات لحمدوك باعتباره متخلى عنهم، وبدء تجمع المهنين في الدعوة إلى التظاهرات، التي بدأت الاستجابة إليها في عدد من المدن السودانية منها الخرطوم، لكن هذا السيناريو سيزيد من الوضع الحرج في السودان.

قبول التغيرات واستقرار المشهد: ويبني هذا السيناريو على طرح إمكانية قبول الاتفاق بشكل كامل ويبقى أمام هذا السيناريو تحدى كبير خصوصًا في ظل استمرار الاحتجاجات التي تملأ الشارع السوداني اعتراضا علي ما جري، لكن يعول في هذا الصدد على خطاب حمدوك للشارع السوداني ومحاولة تهدئته، الذي بدأ بالفعل في وصف ما حدث في 25 أكتوبر بأنه استيلاء على السلطة، وأنه قبل بالاتفاق حقنا لدماء الشباب السوداني، واضطراره للعمل في الخيارات المتاحة والممكنة، وأنه سيعتمد في الحكومة الجديدة على حكومة تكنوقراط لاستكمال متطلبات التحول الديمقراطي وإجراء الانتخابات.

وخيار قبول هذه التغيرات على نجاعته كخيار يساهم في بقاء حمدوك كممثل للتيار المدني، ومنها حفاظ التيار المدني على ورقة قوة مهمة يصعب تعويضها حال التشكيك بها، إلا أنه غير مرجح خصوصًا في ظل بيانات إدانة قوى الثورة والتغيير لهذا الاتفاق.

انقسام التيار المدني بين مؤيد ومعارض حمدوك: يبني هذا الخيارعلى أن هذا الاتفاق سيخلق انقاسمًا في صفوف المكون المدني تيارين الأول قابل للتغيرات ومؤيد حمدوك وآخر معارض للاتفاق ولرئيس الحكومة، وذلك في مقابل وحدة في صفوف التيار العسكري، وهو سيناريو مرجح.

 في النهاية يمكن القول أن دعم الاتفاق السياسي بين رئيس الوزراء ورئيس المجلس السيادي، قد يمثل الخطوة هامة من شأنها إجراء انتخابات قريبة، وإن استمرار القوى المدنية المتظاهرة بالتعويل على الشارع بالعدول عن القرار أمر غير عملي، وسينتج عنه خسارتها للمكون المدني الممثل لها في السلطة، وبالتالي سيعيد أعمال عنف مجددا ، ومنه الابتعاد كليا عن مسار التحول الديمقراطي.

 

كلمات مفتاحية