إعداد: رضوى رمضان الشريف
المقدمة
تشهد البيئة الإقليمية للبحر الأحمر تحديات إستراتيجية مستمرة، سواء فيما يتعلق بالتفاعلات الداخلية للدول المشاطئة له، أو فيما يتعلق بالتفاعلات البينية فيما بينها، أو ما يتصل بالتدافع الإقليمي والدولي للدول الكبرى التي تسعى لإيجاد موطئ قدم لها على ذلك الممر المائي، الذي تزايدت أهميته الاقتصادية الدولية على نحوٍ يرفع من عوامل التأثير على حالة الأمن الإقليمي، ويستوجب رفع درجات الاستجابة من جانب الدول الرئيسية المشاطئة له، التي باتت مصالحها الإستراتيجية في مرمى التهديد.
فكان من أهم جلسات منتدى المنامة الذي تم انعقاده في نوفمبر الماضي، هو جلسة خاصة تدور حول ديناميكيات أمن البحر الأحمر؛ إذ تتأثر منطقة الشرق الأوسط والقرن الأفريقي بشكل كبير بالنزاعات التي قد تتولد محليًّا، ولكنها تعبر الحدود، كما هو الحال بالنسبة لـ(سوريا، واليمن، وليبيا، والصومال)، وتساهم تلك النزاعات بخلق عواقب وآثار سلبية كالظروف التي تزعزع الاستقرار كـ(الهجرة والإرهاب).
إن منطقة البحر الأحمر ليست منطقة صراع وتنافس فقط، ولكنها منطقة فُرَص أيضًا، والتي يُعيقها التشرذم الذي يسهل من التدخلات الأجنبية بها؛ حيث يوجد مساع حثيثة من قِبَل بعض القوى الإقليمية والدولية؛ لإعادة تشكيل أمن البحر الأحمر، في ظل تنافس عسكري كبير للقوى العظمى، تُوِّج بإنشاء قواعد عسكرية مختلفة تُطلُّ على البحر الأحمر.
أولًا: الأهمية الحيوية للبحر الأحمر
يقع البحر الأحمر في عمق المنطقة العربية، التي تستمد تاريخها من كونها مركز الحضارات القديمة ومهد الديانات السماوية الثلاث، وبجانب إريتريا الدولة المُطلّة على الضفة الغربية للبحر الأحمر، يحيط بضفتي هذا البحر الشرقية والغربية، سبع دول عربية، هي (الأردن والسعودية واليمن والصومال وجيبوتي والسودان ومصر)، وتستحوذ هذه الدول على نحو(%90) من سواحله، ومن المفترض أن يكون الوطن العربي لاعبًا رئيسيًّا في موازين القوى والسياسات الدولية المتعلقة بهذا الممر الإستراتيجي.
إن للبحر الأحمر أهمية جيوسياسية فريدة، تميزه عن باقي الممرات البحرية الدولية الأُخرى، والتي بدورها استدعت التنافس والصراع بين القوى المختلفة في محاولةٍ لفرض السيطرة عليه، ويرجع ذلك بشكل أساسي لموقعه الجغرافي المؤثر بالعلاقات الإقليمية والدولية، فيقع هذا البحر متوسطًا قارات العالم القديم الثلاث (آسيا وأفريقيا وأوروبا)، ويشكِّل نقطة التقاء إستراتيجية بين (البحر الأبيض المتوسط والمحيط الهندي).
وقد مثّل عام 1869 نقلة نوعية في الأهمية الإستراتيجية للبحر الأحمر للدول المشاطئة له وخاصة لمصر، تزامنًا مع افتتاح قناة السويس في مصر؛ لتربطه لأول مرة بالبحر الأبيض المتوسط، فيصبح أقصر وأسرع ممر بحري بين الشـرق والغرب، وبديلًا في الوقت ذاته لطريق رأس الرجاء الصالح الطويل في حركة التجارة الدولية.
وتزايدت خلال الفترة الأخيرة أهمية منطقة البحر الأحمر في التخطيط الاستراتيجي لمصر مقارنة بفترات سابقة، وهناك مظاهر عدة لتزايد هذه الأهمية، منها افتتاح الرئيس عبد الفتاح السيسي قاعدة برنيس العسكرية في 15 يناير 2020، بهدف حماية وتأمين السواحل الجنوبية للبلاد وحماية الاستثمارات الاقتصادية والثروات الطبيعية ومواجهة التحديات الأمنية في نطاق البحر الأحمر. وتقع هذه القاعدة جنوب شرق مصر، وتُعد أكبر قاعدة عسكرية في منطقة البحر الأحمر. كما تشارك القوات البحرية المصرية في تأمين مداخل البحر الأحمر والجزر المطلة عليه ضد أي اعتداءات محتملة من قبل الجماعة الحوثية في اليمن وغيرها من الجماعات المسلحة النشطة في الدول المجاورة لمدخل البحر الأحمر.
ويشكّل البحر الأحمر بشكل عام في الإستراتيجيات العسكرية الدولية محورًا أساسيًّا لأيِّ تدخُّلٍ عسكريٍّ محتملٍ، حال أيِّ تهديد لمصالح القوى الكبرى بالمنطقة وما حولها، كما يزيد من قيمة البحر الأحمر العسكرية وجود بعض الجزر ذات الموقع المهم، والتي تتحكم بالمضايق ونقاط الاختناق؛ فضمان أمن البلاد المُطلّة على البحر الأحمر يمثل محوًرا مهمًّا من محاور ضمان الأمن القومي العربي والإفريقي؛ لذا فإن هذه الدول ذات حساسية عالية تجاه كل ما يؤثر في التوازن البحري المرتبط بالتوازن الدولي، وتثبت التجارب أن الدول المُطلّة على البحر الأحمر كانت على الدوام الطرف الأكثر تضررًا من أيِّ اختلالات أمنية.
وللتأكيد على أهمية الممر الملاحي للبحر الأحمر الفريد من نوعه، يُذكر أن توقف رحلة عبور السفن في قناة السويس بعد جنوح السفينة (إيفر جرين) في مارس الماضي، وتكبّد الاقتصاد العالمي خسائر طوال الفترة التي علقت فيها السفينة في المجرى المائي؛ نتيجة توقف جزء كبير من سلاسل التوريد للسلع والمنتجات، أعادت هذه الحادثة تذكير العديد من اللاعبين الدوليين والإقليميين أهمية الممر الملاحي للبحر الأحمر ومعه قناة السويس، باعتباره المرتكز الجيوسياسي الأهم في العالم، وألقى الضوء على الملامح الجغرافية والسياسية والأمنية والاقتصادية التي تميزت بها منطقة البحر الأحمر.
ثانيًا: التهديدات الأمنية
يتسم الممر الملاحي للبحر الأحمر بوقوعه في قلب منطقة مضطربة أمنيًّا وسياسيًّا، والتي تضم الشرق الأوسط، وتُطلُّ عليه منطقة القرن الأفريقي، التي يزيد فيها الإرهاب، وتتصف بعدم الاستقرار الأمني للعديد من دوله، فمن التهديدات الأمنية الآتي:
- الحرب اليمنية والنفوذ الإيراني
ما يحدث في اليمن له ارتدادات على أمن البحر الأحمر، فمنذ سيطرة ميليشيات الحوثي على الساحل الغربي لليمن، تصاعدت المخاطر التي تهدد حرية الملاحة البحرية في البحر الأحمر، كما تهدد أيضًا أمن المنطقة، خاصة بعد سيطرتهم على ميناء الحُدَيْدَة (عروس البحر الأحمر)، والذي يُعَدُّ أكبر موانئ اليمن على الساحل الغربي.
وعلى هذا الصدد، تدعم إيران ميليشيات الحوثي؛ للتواجد في البحر الأحمر، الذي يمثل نقطة ارتكاز مهمة بإستراتيجية إيران منذ ثورة الخميني، وزاد الشغف برغبتها في التحكم بأهم الممرات الدولية.
ونظرًا للمعطيات السابقة عن أهمية البحر الأحمر، وفضلًا عن الرغبة في تهديد طريق التجارة العالمية، كان التواجد في البحر الأحمر، أحد الأهداف التي سعت إيران لتحقيقها، ودائمًا ما رغبت إيران في توظيف وسائل ضغط جديدة لصالح مشروعها النووي، وجعل طرق التجارة العالمية، مهددةً باستمرار طالما تعرضت مصالحها للخطر.
ومن أجل تحقيق المطامع الإيرانية، عملت طهران على تزويد ميليشيا الحوثي بالقوارب المفخخة والألغام البحرية وطائرات الدرونز، ووفَّرت وسائل التدريب؛ لجعل هجمات ميليشيا الحوثي على السفن التجارية أكثر دقة.
ويتيح حصول الميليشيات على القوارب الإيرانية ذات القيادة الذاتية التي يتم توجيهها عن بُعْد، في إطلاق الحوثي تهديدات متكررة بتحويل البحر الأحمر لساحة للقتال.
إن الإرهاب الحوثي في البحر الأحمر، الذي يُعَدُّ من بين أكثر الممرات الملاحية ازدحامًا في العالم، وتعبر آلاف السفن مضيق باب المندب عند طرفه الجنوبي سنويًّا، يرفع مخاطر عبور السفن في الممر الملاحي، وبالتالي يخلق تداعيات سلبية على التجارة العالمية.
- عسكرة البحر الأحمر
تجري حرب باردة بين كل من (الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا والصين) داخل الممر الملاحي، تُلقي بمخاطر أمنية على المنطقة، فروسيا منذ أن تمت سيطرتها على الوضع في سوريا، باتت أكثر طموحًا لتحقيق وجودها العسكري في البحر الأحمر؛ للربط بين قاعدتها في ميناء طرطروس الحربي في سوريا وقاعدة بحرية تسعى لتدشينها في البحر الأحمر؛ لتكون محطةً وسيطةً للإمداد والتموين للسفن بالمحيط الهندي، وقد وقع اختيارها على السودان، والتي قامت بعقد اتفاق عسكري معها للوجود في ميناء بورتسودان.
كذلك المخاطر الناتجة من التنافس الصيني الأمريكي؛ إذ تواجه الولايات المتحدة عملية توازن معقدة، تعمل على معايرة سياستها تجاه الصين في ساحة البحر الأحمر؛ حيث أصبحت الصين لاعبًا مهمًا في ساحة البحر الأحمر على مدى العقدين الماضيين، وجلبت هذه المشاركة، لا سيما من خلال مبادرة الحزام والطريق البنية التحتية، والفرص الاقتصادية للمنطقة التي قد تفيد دول البحر الأحمر في ظل ظروف معينة.
وتمتلك الصين قاعدة عسكرية في الخارج متمركزة في جيبوتي، فإطلالة جيبوتي على مضيق باب المندب ذي الأهمية الاستراتيجية الاقتصادية والسياسية الكبيرة، جعلتها دولة محورية في الجهود المبذولة للحفاظ على الأمن والاستقرار الدوليين من خلال التنسيق والتعاون مع القوى الكبرى لحماية الملاحة البحرية ومكافحة الإرهاب ومواجهة التحديات الأمنية التي تؤرق المنطقة والعالم بأسره، وبسبب ما تنعم به جيبوتي من أمن واستقرار رغم وقوعها في محيط مشتعل بالأزمات والصراعات، يطلق عليها كثيرون «واحة السلام»، وذلك لما عرفت به من دبلوماسية حكيمة وتوازن سياسي محلياً وإقليمياً.
تاريخ العلاقات بين جيبوتي وبكين هو رمز للطموحات الصينية على الساحة الدولية، ومثال على كيفية استخدام القوة الآسيوية العملاقة “طرق الحرير” الجديدة لتوسيع شبكة نفوذها الاقتصادي ورغبتها في تعزيز مكانتها باعتبارها المستثمر الرائد في القارة الأفريقية.
وعلى إثر ذلك، فالقواعد العسكرية الدولية التي وجدت أخيراً في جيبوتي موجهة في المقام الأول لمكافحة الإرهاب والقرصنة البحرية وحماية الملاحة الدولية في هذا الموقع الاستراتيجي المهم من العالم، إلا أنه لا يزال هناك أسئلة حول التأثير طويل المدى الذي قد تحدثه مشاركة الصين على دول القرن الأفريقي والخليج؛ فقد أدى افتتاح أول قاعدة عسكرية خارجية للصين في جيبوتي، على طول أحد الممرات المائية الأكثر ازدحامًا والأكثر أهمية في العالم، وبالقرب من القواعد العسكرية للولايات المتحدة وفرنسا، لزيادة المخاطر الأمنية بالمنطقة، وأُثيرت مخاوف بشأن العسكرة المتزايدة للبحر الأحمر.
هذه التطورات لها تداعيات معقدة على المصالح الأمريكية بالمنطقة؛ حيث أثارت التحديات الفورية التي يفرضها قرب القاعدة العسكرية الصينية من معسكر ليمونير الأمريكي، والتحديات طويلة المدى التي يفرضها الوجود الصيني في مضيق باب المندب، وقدرتها المتزايدة على ممارسة السيطرة على الممرات المائية الإستراتيجية مخاوف في واشنطن.
ترتكز مصالح الصين وأنشطتها في البحر الأحمر اليوم على مشاركتها الاقتصادية، فترى (بكين) أن المشاركة الاقتصادية إلى جانب سياستها القائمة على عدم التدخل، هي الطريقة الأساسية لكسب الأصدقاء، والتأثير في ساحة البحر الأحمر، فتبنت الدول في القرن الأفريقي المشاركة الاقتصادية لـ(بكين)، خاصةً تمويلها وتشييدها لمشاريع البنية التحتية.
وبالرغم من أن عددًا من المراقبين لديهم مخاوف بشأن استدامة وجودة المشاريع الصينية، بما في ذلك ارتفاع الديون العامة لـ(بكين)، والآثار البيئية، ومعايير العمل المنخفضة، والفساد، تؤكد الدول الأفريقية أن عروض الصين ضرورية؛ لدفع التنمية الاقتصادية، والتي بدونها سياسية مستدامة سيكون من الصعب تحقيق التحولات والسلام طويل الأمد بالمنطقة.
في واقع الأمر، تشير التهديدات والتحديات الحالية إلى أن النزاعات والصراعات المحتملة، ستكون معقدة ومتعددة الجوانب، في حين أن النسيج الحالي للتفاعل الإقليمي والدولي يلقي الضوء على الدور الضَّار الذي يلعبه عددٌ من الأطراف الإقليمية والدولية المؤثرين في تشكيل خريطة التهديدات والتحديات.
فبعض دول البحر الأحمر، خاصةً غرب البحر الأحمر، متمثلة في منطقة القرن الأفريقي، تغمرها توترات داخلية ومتبادلة متأصلة في الصراعات العرقية أو تغذيها، فعلى سبيل المثال، تُظهر الدولة الصومالية العديد من سمات الهشاشة الشديدة التي استُغلت من قِبَل مختلف الأطراف الأجنبية، فلا تزال الحكومة الفيدرالية غير قادرة على استعادة الاستقرار ومواجهة التهديد المستمر لحركة الشباب المجاهدين، إضافةً للنزاعات الحدودية بين (السودان وإثيوبيا) وتداعياته، والصراع الإثيوبي بين (الحكومة الفيدرالية وإقليم التيجراي).
كل تلك النزاعات لها تداعيات إقليمية طويلة المدى، ففي غضون ذلك، تُظهر أنشطة الجماعات الإرهابية الجهادية في (ليبيا والصومال ومنطقة الساحل والصحراء) مدى خطورتها، التي تهدد استقرار الدول المعنية، وتعيق آفاقها في البناء والتنمية.
ثالثًا: نحو إستراتيجية جغرافية إقليمية لأمن البحر الأحمر
بالنظر لحالة المنافسة الجيوسياسية، والجغرافيا الاقتصادية، والأزمات السياسية والعسكرية الأخيرة في القرن الأفريقي، أصبح البحر الأحمر مركزًا لعدد من المبادرات الديناميكية متعددة الأطراف.
فمن أهم المبادرات التي اكتسبت زخمًا واسعًا (مجلس الدول العربية والأفريقية)، المُطلّة على البحر الأحمر وخليج عدن؛ ففي 6 يناير عام 2020، وقّع وزراء خارجية الدول العربية والأفريقية المُطلّة على البحر الأحمر وخليج عدن ميثاقَ تأسيس منظمة جديدة في الرياض؛ هدفها تعزيز التعاون السياسي والاقتصادي والأمني بين تلك الدول، وكانت المملكة العربية السعودية قد أطلقت مبادرة في ديسمبر عام 2018؛ لتأسيس هذا التجمع، وبذلك كان توقيع الميثاق الأسبوع الماضي خطوةً قانونيةً مهمةً، تُؤْذِنُ بقرب بدء هذه المنظمة أعمالها.
يضم المجلس 8 دول عربية وإفريقية هي (السعودية ومصر والأردن والسودان واليمن وإريتريا والصومال وجيبوتي)، ويتخذ من الرياض مقرًا له.
وهدف المجلس بناء نظام إقليمي للعمل الجماعي؛ لتعزيز التنمية والأمن في منطقة البحر الأحمر، وتسهيل العلاجات لمختلف الاهتمامات المشتركة، مثل (التجارة بين الدول، وتطوير البنية التحتية، وزيادة تدفق رأس المال، وحماية البيئة، وحل النزاع السلمي)، بالرغم من أهمية المجلس من الناحية الإستراتيجية، فإنه لا يزال يواجه تحديات ضخمة، من حيث قدرته على تحويل أهدافه إلى سياسات ملموسة، وتنسيق مواقف أعضائه، وتعزيز المصالح الجماعية المتكاملة.
ومع ذلك، هناك عدد من الركائز التي يمكن للمجلس البناء عليها لتعزيز دوره، فيمكن للإدارة الجماعية الفعالة لأزمة الموانئ، المساهمة في بلورة السياسات، التي تتطلع لما هو أبعد من الأرباح الفورية؛ لتنمية نظام بيئي اقتصادي مستدام في البحر الأحمر؛ حيث تمتلك الدول الساحلية عددًا من الموانئ مثل: (السويس، وجدة، وبورتسودان، والمخا، والحديدة، والعقبة، وميتسيوا، وجيبوتي)، والتي إذا تم دمجها بشكل فعَّال، يمكن أن تعزز دور المجلس، وتعيد ترتيب مختلف الحسابات والاعتبارات الإقليمية والدولية التي عملت على تقليلها.
ركيزة أُخرى، هي تعظيم الفائدة الاقتصادية الجماعية لأعضاء المجلس، فأحدُ العوامل التي تُعزِّز جدوى هذا الدافع، هو الرغبة المتزايدة لشركات الاتصالات العالمية لبناء خطوط تمتد تحت البحر الأحمر، وتربط مباشرة بين أفريقيا والشرق الأوسط وأوروبا.
والأهم من ذلك في سياقنا، أن مشاريع مثل 2Africa، التي تخدم أفريقيا والشرق الأوسط، ومشروع Blue-Raman، الذي يربط بين (أوروبا والهند)، ستتطلب تنسيقًا وتعاونًا وثيقين بين الدول المُطلّة على البحر الأحمر وخليج عدن، ولا سيما (جيبوتي ومصر والمملكة العربية السعودية والأردن).
تتطلب شبكات الموانئ ومشاريع الاتصالات والمصالح التنموية الأُخرى نقاشات إستراتيجية مكثفة بين أعضاء المجلس؛ لتعظيم التوافق بينهم في مواجهة الأجندات المتنافسة للاعبين الخارجيين تجاه هذه المنطقة ودولها، ومع زيادة فعالية منتدى البحر الأحمر وخليج عدن الجديد، سيكون له دور أكبر في إدارة النزاعات والمصالح وتوازن القوى بالمنطقة، واكتساب القدرة على مواجهة التداعيات الضارة للمنافسة الخارجية هناك.
وفي الوقت نفسه، ستصبح أكثر فاعلية في الحد من النزاعات وتسوية النزاعات داخل المنطقة؛ لأنها تعزز جهود التنمية الجماعية والفرص للترتيبات الأمنية المشتركة.
الخاتمة
تُطرح الأهمية المتزايدة للبحر الأحمر كحلقة وصل للمنافسة الجيوسياسية مشاكل أمنية لبلدان المنطقة، وأدى عدم وجود توافق في الآراء بشأن قواعد المنافسة بين القوى الدولية والإقليمية إلى تكثيف السباق المحموم للفاعلين الحكوميين وغير الحكوميين على الموارد الطبيعية ومجالات النفوذ هناك، بينما يستمر توازن القوى بالمنطقة في التقلُّب.
فيما يتعلق باتجاهات التغيير، أن التطورات الحالية تمهد الطريق لمزيد من التدافع والتنافس والصراع الدولي المكثف؛ حيث تنمو أنماط التفاعل بـ(البحر الأحمر وخليج عدن والمحيط الهندي) في الأهمية الإستراتيجية إقليميًّا ودوليًّا، فأضافت القواعد والتجمعات العسكرية الأجنبية العديدة على الضفة الغربية للبحر الأحمر حقائق مادية جديدة، تجعل المنطقة أكثر عرضةً لعدم الاستقرار.
تُكَابِدُ دول المجرى الملاحي للبحر الأحمر لإقامة نظام إقليمي سياسي وأمني؛ لحماية المجرى والاستفادة من ثرواته، ففي الواقع يوجد مبادرات عديدة أتت للتنسيق بين الدول المشاطئة للمجرى الملاحي للبحر الأحمر، وبالرغم من كثرتها، لم ينتج عنها تجمع إقليمي حقيقي يحمي المجرى الملاحي، وينسق بين دوله للحفاظ على أمنه.
وقد تعددت أسباب تعثر إقامة نظام أمني إقليمي في إقليم البحر الأحمر، رغم كثرة المبادرات، ومن أبرزها تنوع الوجود العسكري والهيمنة للقوى الإقليمية والدولية على المنطقة، وكذلك تناقضات بالمصالح والرؤى بين الأطراف.
هذه التناقضات جعلت الاستجابة لمصادر التهديد تختلف من دولة لأخرى، طبقًا لطبيعة مصالحها وتحالفاتها الإقليمية والدولية، وهذا ما انتهزته القوى المختلفة؛ لتثبيت أقدامها بالمنطقة؛ حيث عملت كل من (أمريكا وروسيا وإيران وتركيا وإسرائيل) بالتأثير على أمن الممر الملاحي، وإفشال المنظومات الأمنية التي سعت إليها دول المنطقة، والإبقاء على حالة عدم الاستقرار التي تعاني منها بعض الدول.
التوصيات
- يقتضي أمر أمن البحر الأحمر معالجة الخلل الأمني في الصومال بجهود عربية؛ فقد كانت الأزمة الصومالية وغياب مؤسسات الدولة سببًا بتصاعُد عمليات القرصنة في خليج عدن وقبالة السواحل الصومالية.
- على ضرورة ضمان أمن منطقة البحر الأحمر والحزام الخليجي، اللذان يشكلان أهمية إستراتيجية، وبوابة محورية للتجارة الإقليمية والدولية، يجب إيقاف الحرب اليمنية؛ حيث أصبحت ملامح المشروع الإيراني واضحة باليمن، مع سيطرة الميليشيات على مناطق عدة، ونجاح المشروع الحوثي الإيراني باليمن، سيزجُّ المنطقة لمزيد من الفوضى، فتقدم الحوثيين في الحُدَيْدَة يشكل تهديدًا على الملاحة العالمية.
- ضرورة الاهتمام بقيام منظومة عربية فعَّالة؛ لضمان أمن البحر الأحمر، فبقية الدول العربية المُطلّة على البحر الأحمر باستثناء (مصر واليمن والسعودية)، تفتقر لمنافذ بحرية أُخرى تجاه العالم الخارجي، الأمر الذي يهدد أمن تلك الدول، حال نجاح أيِّ دولة معادية في فرض الحصار البحري على تلك المنافذ البحرية، أو شلّ حركة تجارتها.