“تحديات متداخلة”: الاتحاد الأفريقي و معوقات العمل الجماعي

حسناء تمام كمال

 

عقد الاتحاد الأفريقي دورته العادية الخامسة والثلاثين، وذلك إيذانا بتولي السنغال رئاسة الاتحاد الأفريقي بدلًا من الكونغو، وكشفت الدورة عن عدد من الملفات الهامة المتعلقة بالمصالح المصيرية لعدد من الدول الأعضاء، كان أبرزها أزمة سد النهضة بين مصر وأثيوبيا والسودان وتعثر الوصول إلى اتفاق ملزم بين الطرفين، ومن ناحية أخرى مسألة انضمام إسرائيل إلى الاتحاد الأفريقي باعتبارها مراقب، بجانب موقف الاتحاد من الانقلابات العسكرية في غرب القارة.

يلاحظ من القضايا الثلاث أنها ليست جديدة الطرح،وبعضها مطروح منذ عدة سنوات، وهي شأنها شأن عدد من القضايا العالقة المسندة للاتحاد الأفريقي ولم يتم التوصل فيها لنتائج حاسمة، بجانب ان هذا يؤثر على المصالح الحيوية للبلدان أًصحاب القضايا، إلا أنها تعبر أيضا في نطاقها الأوسع عن تحديات تواجه العمل الجماعي في كنف الاتحاد الأفريقي، وهو التحدي الذي يمتد في أثرة ليؤثر على القضايا المطروحة حاليا، بل وعلي القضايا التي ستطرح مستقبلًا وتتطلب تدخل أفريقي، وفي هذا الصدد نسلط الضوء على التحديات المختلفة التي تواجه العمل الجماعي في الاتحاد الأفريقي.

 

أولًا: تحديات مرحلية

تأتي رئاسة السنغال للاتحاد الأفريقي في ظل تحديات استثنائية تواجه القارة الأفريقية من هذه التحديات ما يرتبط بجائحة كورونا، و ارتفاع أعداد حالات بفيروس كورونا، والتي تزيد عن نحو 450 10 مليون حالة، ويأتي إقليم الجنوب الأفريقي على رأس الأقاليم الفرعية من حيث عدد الإصابات، أما الذين تلقوا اللقاح بالفعل في أفريقيا، فقد بلغوا فقط 3% من إجمالي سكان القارة البالغ عددهم نحو 12 مليار نسمة، وهي نسبة ضئيلة مقارنة بالنسب المحققة قاريًا في العالم، فبلغت 50% في أوروبا و44% في أمريكا الشمالية، وهذا يضع تحديا رئيسيا على كاهل كل من الاتحاد الأفريقي لتحقيق هدفه المتمثل في تطعيم نسبة 60% من إجمالي السكان بحلول عام 2023.

كما يعتبر  تصاعد الأضرار الناتجة عن التغيرات المناخية في القارة تحدي  استثنائي ممائل، فوفقًا للأمم المتحدة فأن أفريقيا الأكثر تأثرًا بالتغيرات المناخية، وبحلول عام 2030، يُقدّر أن نحو 118 مليون شخص في أفريقيا، ممن يعانون الفقر المدقع، سيتعرضون للجفاف والفيضانات والحرارة الشديدة ما لم تُتخذ تدابير استجابة ملائمة، وبالإضافة إلى ارتفاع أعداد المتضررون من أزمة التغير المناخ ،وتزايد عدد الوفيات من فيروس كورونا، يجعل تقليل عدد الوفيات أولوية بالنسبة للحكومات ويتطلب توجيه مجهودات الاتحاد إليها، وهذا التحديات منها ماهو الجديد كليا علي القارة كالوباء ومنها ماهو ليس جديد لكنه مُلح.

وبالتالي فجهود استثنائية موضوعة علي عاتق الاتحاد الأفريقي متعلقة باحتواء الوضع الصحي ، والتغيرات المناخية ،  ومايرتبط بها من تحديات توفير التمويل المطلوب لمواجهة هذه المتطلبات وكذلك كيفية تنسيق العمل الأفريقي البيني  والخارجي، وكيفية ضمان عدالة توزيع المجهودات بين الدول المتضررة  ، ذلك بجانب القضايا السياسية التقليدية المسندة إليه، وهو ما قد ينتج عنه انصراف  نسبي عن القضايا السياسية نحو التحديات الاستثانئية.

 

ثانيًا: تحديات هيكلية

هناك تحديات أخرى، تعوق مسألة العمل الجماعي هذه التحديات مرتبطة بهياكل عمل الاتحاد الأفريقي ذاتها وكيفية تسخير الجهود في العمل الجماعي، من هذه التحديات المرتبطة بتفعيل الأجهزة المختلفة سواء السياسة أو الاقتصادية  التي أنشأها الاتحاد لتعكس  العمل الجماعي في شكل هيكلي ومنظم  ومن أبرز هذه التحديات المتعلقة بهيكل العمل مايلي:

عدم تفعيل منطقة التجارة الحرة القارية:  وهي مناطق التجارة القارية الحرية التي تعتبر الجزء الاقتصادي المكمل للأنشطة الاتحاد الأفريقي، وهي منطقة تجارة حرة موصوفة في اتفاقية التجارة الحرة القارية الأفريقية بين 42 من دول الاتحاد الأفريقي ويعتبر عدد الدول المشاركة في منطقة التجارة الحرة هذه هو الأكبر في العالم .

تطلبت الاتفاقية مبدئيًا من الدول الأعضاء إلغاء التعريفات الجمركية على 90٪ من السلع، مما يسمح بحرية الوصول إلى السلع والخدمات في جميع أنحاء القارة. لتعزيز التجارة البينية الأفريقة في مقابل التجارة الخارجية، على أن يدخل الاقتراح حيز التنفيذ بعد 30 يوما من تصديق 22 دولة موقعة.  وبالرغم من أن دخول غامبيا بالتصديق على الاتفاقية في أبريل 2019 اكتمل العدد من المطلوب لتدخل المرحلة حيز النفاذ،  إلا أن خطوات التشغيل الفعلي لم تؤخذ بعد.

الموروثات الاستعمارية: بالإضافة إلي وجود عدد من المشكلات الرئيسة العالقة ومحل الخلاف بين الدول الأفريقية نفسها، التي عجز الاتحاد الأفريقية كلما حاول التدخل في حلها، مثل قضايا النزاعات الحدودية ، والحقوق التاريخية  المتعلقة بالنزاع حول الحقوق المائية،و هي قضايا ضمن  موروثات الاستعمار، وعالقة بسبب الخلاف، حول أن تؤخذ كما هي موروثات، أو أن يعاد النظر إليها باعتبار أن عدد من الدول لم تكن نالت استقالتها، ” ومنها يحب أن تطبق ما أُسمي بمبدأ ” السلة النظيفة” .

هذه النوع من الخلافات لم يكن الاتحاد الأفريقي، قادر على حسمه، أو حتى الاقتراب من الحل بوضع أسس مشتركة للتعامل مع هذا النوع من القضايا.

قوات الدعم السريع: هو فصيل عسكري سياسي يفترض أن يُعتمد عليه الاتحاد كأداة عسكرية لتنفيذ سياسات وقرارات الاتحاد بالتدخل أو الانتشار الميداني في دولة ما،  مفهوم تشكيل هذه القوة هو شبه إقليمي، فتتكون من خمس قوات جاهزة في إطار المناطق الفرعية الأفريقية الخمس، والتي تشكل مجتمعة القوة الإجمالية للقوة الاحتياطية الأفريقية. ويمثلها القوة الاحتياطية للجنوب الأفريقي لتجمع سادك، والقوة الشرقية الاحتياطية، والقوة الاحتياطية لوسط إفريقيا ، وائتلاف إيكاس بما في ذلك 10 دول غرب إفريقيا. و القوة الاحتياطية لغرب إفريقيا الإيكواس، والقوة الإقليمية لشمال إفريقيا.

اُقترحت مجموعة من خطط العمل لتشغيل وتفعيل القوة الأفريقية الجاهزة، وصدرت أول خطة عمل في عام 2005 م ، ووضع منذ تأسيسها ثلاث خطط لتشغيلها، كما قدمت توجيهات بشأن العمليات والأنشطة اللازمة لتأكيد القدرة التشغيلية (العملياتية) الكاملة، لكن شأنها في التنفيذشأن منطقة التجارة الحرة ، فبرغم المحاولات  يغيب التواجد لفعلي لقوات الدعم السريع المشغلة بالكامل.

ارتباط بمجلس الأمن الأفريقي بالدولي : وقد يكون هذا الارتباط نقطة قوة ونقطة ضعف، فمن ناحية يكسبه شرعية  وقبول إقليمي وعالمي لتحركاته الميدانية ولموقفه في القضايا المسندة إليه، لكن في الوقت ذاته فأنه قد تكون معوقات بسبب المراحل الإجرائية التي يأخذها تفويض ونقل المهام من مجلس الأمن للاتحاد الأفريقي، أو صدور قرار بتفويض المهمة، وهذا قد يعيق التدخل السريع والآني في أوقات قد يكون فيها مطلوب وضروري،وتجربة الفصل في مسألة سد النهضة  توضح طبيعة هذه الإشكالية.

افتقاد الاتحاد الأفريقي لمسألة الرعاية للمواطن الأفريقية:  بسبب تعطل بعض الهياكل المحفزة للعمل الأفريقي المنتشر، نجد أن  الاتحاد مازال بعيدا نسبيا عن التعاطي المباشر مع المواطن الأفريقي،  أو توفير مزايا سياسية واقتصادية يلمسها الأخير وتنعكس علي تسهيل حياته اليومية، وبالتالي شعورا  بعدم حضور ملموس للاتحاد بين المواطنين من شأنه أن يفقده ميزة الثقة في فاعلية عمل الاتحاد وجدوى العمل الجماعي، وهذه ميزة تعول عليها التنظيمات القارية في تثبيت أقدامها  كالاتحاد الأوروبي.

 

ثالثًا: تحديات مرتبطة بطبيعة القارة                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                              تتزايد حالات الصراعات فافريقا القارة  الأكثر  معاناة من الصراعات، فيوجد أكثر من 20 دولة تعاني من حالة الصراع، بالإضافة إلي وجود ما يزيد عن 10 دولا تقع في مؤشر الدول الهشة، وبالتالي هذا يؤدي إلي وجود حالة من عدم الاستقرار السياسي تطال أكثر من نصف دول القارة .

وكبر عدد الدول في القارة، القارة البالغ عددها 54 دولة مقسم على 5 أقاليم، أصبح لدى كل إقليم مايمكن وصفه بالانكفاء على الذات وأقل انخراطا مع الأقاليم الآخرى، جاء  نتيجة وجود نوع معين من المشكلات صبغ بها كل إقليم، فيعاني القرن الأفريقي من حالة من الصراع السياسي، وكذلك العدد الأكبر من دول إقليم الشرق، بالإضافة إلي تعدد الانقلابات في إقليم الغرب، والصراعات في أقليم الوسط، منها تعدد المصالح وتعارضها، ووجود أكثر من مركز قوي في القارة، قد يدخلون في حيز المنافسة الكامنة.

لاشك أن الحياة السياسية في عدد من دول القارة، ارتبطت بشخصية القائد السياسي فيها، وهذه سمة سائدة في الواقع الأفريقي ومنها أُثيوبيا على سبيل المثال،و تحديات مرتبطة بشخصية بعض القادة الأفارقة بجانب تعدد الانقلابات السياسية وحداثة تجربة الديمقراطية في عدد من البلدان الأفريقية، وتعذر عبور مراحل التحول الديمقراطي في عدد من الدول الأفريقية مثل ليبيا، وبالتالي فهذا يجعل أن موقف الدولة من عدد من القضايا متغير بحكم تغيير قادتها، ولا يمكن البناء عليه  أو توقعه.

خاتمة

إن الاتحاد الأفريقي، فاعل رئيس في ظل  التحديات الواسعة والمختلفة والمصيرية التي تواجه دول القارة ، لذلك دورا كبيرا يسند إليه في التفاعل مع هذه التحديات ، ومع بدء الدورة 35 له وتولى السنغال رئاسة الاتحاد ، كشف عن عدد من القضايا العالقة والتي تنتظر البت فيها، والمختلف على إلإدراتها بين دول القارة وبعضها البعض ، أو بعض الدول من جهة والاتحاد من جهة أخرى.

كون هذه القضايا عالقة  ، فهو انعكاس  لمجموعة من التحديات تعوق  الاتفاق والعمل الأفريقي الجماعي ، وبالنظر إلي هيكل الاتحاد وطبيعة عمله، وسياق القضايا المطروحة ، نجد أن كل هذه العوامل تفاعلت مع بعضها  وانتجت  محدودية في  العمل الجماعي وتأخر في حسم قضايا هامة.

وهو ما يتطلب يقظة من الاتحاد لطبيعة هذه التفاعلات والبدء  في حلحلة ما هو  ممكن منها ، كتلك المرتبطة بتفعيل هياكل والوحدات التابعة للاتحاد  منطقة التجارة القارية الحرة  وقوات الدعم السريع ، كذلك البدء في فتح باب للنقاش حول سبل التعامل مع القضايا المختلفة من موروثات الاستعمار ، والبدء في إثارتها تمهيدا للتوصل لقدر من الثبات في التعامل معها ؛لكونها إِشكاليات  رئيسية تواجه  الاتحاد  حاليا، ومرجح ظهور أخري مشابهة مستقبلًا،  فالتعاطي مع هذه المشكلات يعكس جدية في عمل الاتحاد ورغبة في  حل التحديات الجذرية التي تواجه العمل الأفريقي المشترك.

 

كلمات مفتاحية