د. أحمد الشحات
قام رئيس الوزراء البريطاني “بوريس جونسون” يوم الأربعاء الموافق 16 مارس الجاري بجولة خليجية استغرقت يوم واحد، شملت كلاً من الإمارات والسعودية، أجرى خلالها مباحثات مع ولي عهد أبوظبي “محمد بن زايد” بالعاصمة الإماراتية، وكذا ولى العهد السعودي “محمد بن سلمان” بالعاصمة الرياض، تناولت القضايا ذات الاهتمام المشترك أبرزها تطور الأوضاع الأقليمية والدولية وملفات النفط والطاقة.
هدفت الزيارة بشكل أساسي إلى حث الدول المنتجة للنفط على زيادة الإنتاج النفطي بما يساهم في تخفيض أسعاره كأبرز التداعيات الاقتصادية للغزو الروسي لأوكرانيا. وقد تركزت المناقشات الرسمية خلال الزيارة على الجهود المبذولة لتحسين أمن الطاقة ، والحد من تقلبات أسعار الطاقة والغذاء ، والتي تؤثر على الشركات والمستهلكين البريطانيين ، الذين يواجهون إرتفاعاً كبيراً في تكاليف المعيشة وسط إنتقادات حادة تجاه الحكومة البريطانية في تعاملها مع الأزمة . فضلاً عن سعي “بوريس جونسون” لتنويع مصادر وإمدادات بريطانيا بالنفط ومصادر الطاقة .
برزت تصريحات لرئيس الوزراء البريطاني خلال أول تحرك له خارج القارة الأوروبية ، للإمارات والسعودية، أكد خلالها بأن منطقة الخليج العربي هي منطقة إستراتيجية حيوية كون أن غالبية الطاقة تمر منها. وأن هناك إدراك بأن هذه المنطقة تواجه تحديات كبيرة من بعض القوى الإقليمية في إشارة لإيران.
كما أشار جونسون بأن بلاده ستحدد إستراتيجيتها للطاقة خلال الأسبوع المقبل ، وإعتزامها تحقيق قفزات كبيرة باتجاه الطاقة المتجددة والمزيد من الطاقة النووية واستخدام أفضل لمواردها من النفط والغاز ، وكذلك بحث سبل الحصول على النفط والغاز من مصادر غير روسيا ، مع التركيز على التنقيب عن المحروقات في بحر الشمال ، مما سيساعد في تقليل تبعية المملكة المتحدة في هذا القطاع .
وفى ذات السياق ترتبط كلاً من السعودية والإمارات، مع بريطانيا، بعلاقات تاريخية ومميزة في مختلف المجالات أبرزها السياسية والأمنية والعسكرية وغيرها، فالسعودية والإمارات أكبر شركاء بريطانيا التجاريين في المنطقة. ويسعى جونسون من خلال الزيارة لتعزيز هذه العلاقات وتطويرها.
كما توصف العلاقات الخليجية الغربية بشكل عام، بأنها علاقات متميزة راسخة، كما أن دول الخليج نجحت في النأي بنفسها عن المحاور والاستقطاب الذي يشهده العالم حالياً، رافعة شعار المصالح المتبادلة، وتقوية العلاقات مع جميع الأطراف، شرقاً وغرباً. كما تعد زيارة جونسون جولة استكشافية بالإنابة عن أمريكا.
وقد أسفرت زيارة رئيس الوزراء البريطاني لكلاً من الإمارات المتحدة والمملكة العربية السعودية عن عدة نتائج أبرزها، مع الإمارات الاتفاق على تعزيز مجالات التعاون المشترك أبرزها التجارة والأمن والاستخبارات وأمن الطاقة، بينما مع السعودية تم توقيع مذكرة تفاهم ثلاثية أطرافها بريطانيا وأيرلندا الشمالية والسعودية إنشاء مجل شراكة استراتيجي.
وفى ضوء ما سبق – تأتى زيارة جونسون في إطار المحاولات الغربية لتقليص وتحجيم تداعيات الأزمة الروسية الأوكرانية على شعوبها، كما تشير الزيارة العديد من الدلالات والانعكاسات يتبين أبرزها من خلال النقاط الأتية:
1.تعكس الزيارة رغبة المعسكر الغربي والولايات المتحدة في تحقيق تقارب جديد مع الخليج في ظل الصراع الروسي الأوكراني ، وفي ضوء محددات الولايات المتحدة بعدم رغبتها في التورط في أي نزاعات أو صراعات عسكرية بمنطقة الشرق الأوسط ، وهو ما برز جلياً من خلال محدودية تأثير ردود أفعالها تجاه القصف الحوثي للإمارات، والعراق بضرب أربيل، فضلاً عن عدم تبنيها خطوات إيجابية فاعلة تجاه الملف النووي الإيراني والذى يعد التهديد الرئيسي لدول الخليج، خاصة بعد تجميده لاحقاً بسبب تطورات الحرب الروسية الأوكرانية ، بما يعطى تصوراً بأن الولايات المتحدة ليست الحليف النشط للتعامل مع مثل هذه التهديدات بالنسبة للمنطقة خلال المرحلة الراهنة
2.تأتى الزيارة في إطار مواصلة الدول الكبرى مساعيها لتوظيف تحركاتها لتحقيق المصلحة الوطنية لدولهم في المقام الأول والسعي لسد احتياجات شعوبها وتجاوز الأزمات الناجمة عن ذلك، وسط إدراك كامل بأن مصلحتها لن تأتى إلا بسلامة إمدادات الطاقة والنفط وغيره، من خلال وجود تقارب مباشر مع دول الخليج في ضوء تبادل المصالح بما يتفق مع تحقيق أهدافهم ومخططاتهم.
3.جاءت زيارة ” بوريس جونسون ” لتضع العلاقات الخليجية الغربية تحت المجهر مجدداً من جانب، وتعكس الضغوط التي تمارس على دول الخليج بشكل عام والإمارات والسعودية خاصةً من أجل زيادة حصتهما من النفط في محاولة للسيطرة على الأسعار نتيجة الحرب الروسية الأوكرانية من جانب أخر.
4.تعتبر زيارة جونسون السريعة، إعترافاً بأهمية دول الخليج وخاصة الإمارات والسعودية، وأهمية دورهما، وضرورة العمل المشترك بين دول الخليج، والدول الغربية. كما أعادت الأزمة الأوكرانية البوصلة إلى دول الخليج مرة أخرى، وأرسلت رسائل واضحة للإدارة الأمريكية، بأن مقارباتها تجاه الرياض وأبو ظبي تحتاج لمراجعة وتطوير.
5.تزايدت القناعة بأن النفط ما زال عاملاً أساسياً في رؤية الدول الغربية والولايات المتحدة تجاه منطقة الخليج بالإضافة إلى دوافع أخرى تحكمها، تعد أبرزها صفقات التسليح المختلفة التي تؤثر مباشرة في اقتصادات الدول الكبرى. فضلاً عن مساهمة الحرب الروسية الأوكرانية في عودة النفط ليرسم ملامح السياسة الخارجية للمجتمع الدولي.
6.حرص رئيس الوزراء البريطاني من خلال زيارته على القيام بدوراً هاماً يرتبط بتأمين الحشد لدعم التوجهات الغربية في ضوء تكثيف الضغوط الدولية على روسيا للتراجع عن غزوها لأوكرانيا وتحقيق أهدافها خاصة مع عدم الرغبة في التدخل العسكري المباشر في هذا الصراع.
7.حرص الإمارات والسعودية وباقي دول الخليج على زيادة الإنفتاح على العالم، لذا فالتقارب الأمريكي الغربي مع الخليج سيظل مهماً، مع إستمرار علاقاتهم مفتوحة مع روسيا والصين والشرق.
8.عدم إعطاء السعودية والأمارات وعوداً متسرعة ومباشرة لجونسون بزيادة إنتاج النفط تعكس إنطباعاً جديداً بأن دول الخليج تتعامل خلال الأزمة بما يحقق أهدافها ومصالحها، وتتحسب من أي تحركات تضعها في أي من حلقات الصراع.