آفاق العلاقات المصرية الآسيوية: شراكة امتدت لعقود

رابعة نورالدين وزير

تعتبر مصر من الدول القليلة التي تمتد جغرافيتها في قارتين هما (أفريقيا- آسيا)، وتأسيسًا على ذلك، ترتبط الجغرافيا المصرية ارتباطًا عضويًّا بالجغرافيا الآسيوية منذ القدم، وتمتد إلى اللحظة التاريخية الراهنة، ولأن الجغرافيا هي قَدَرُ الأمم، فقَدَرُ مصر أن تكون آسيا جوارها، وقَدَرُ آسيا أن تكون مصر هي نقطة اتصالها مع أفريقيا، وبوابتها إليها، ويخبرنا التاريخ في درس دائم، أن الصعود الإقليمي لمصر، كان مرتبطًا بتمدد الدور المصري نحو الشرق، أي نحو آسيا، كما أن الهوية العربية الإسلامية – التي هي مكون أساسي للهوية الوطنية المصرية – هي هوية آسيوية في جانب كبير منها، وبالتالي، فعلاقات مصر الآسيوية كانت ومازالت جزءًا ضروريًّا ومُكوِّنًا مهمًا من مكونات السياسة الخارجية لمصر.

حيث تعددت وتشابكت المصالح بين مصر وآسيا في العديد من المجالات، وهو ما تبلور بصورة واضحة في شكل وعمق العلاقات بين الجانبين؛ لذا سنحاول في هذه الورقة الوقوف على أهم دوافع الجانبين لتوطيد العلاقات فيما بينهما، وأهم المحطات التي مرت بها العلاقات، وإلى أين وصلت في الوقت الحالي؟

أولًا: لمحة على التاريخ والدوافع لتوطيد العلاقات المصرية الآسيوية

لم تكن العلاقات بين مصر والدول الآسيوية وليدة فترة بعينها، بل هي قديمة قدم التاريخ، فبدايةً من الحضارة المصرية القديمة التي قد ارتبطت بالحضارة الآسيوية عبر العلاقات التجارية وغيرها، وقد استمرت العلاقات حتى وقتنا الحالي، ومع تغير طبيعة البيئة الدولية دائمًا ما كان مسار العلاقات في تصاعد، ولعل ما شجع كلًّا من مصر والدول الآسيوية على إقامة العلاقات قديمًا، هو وحدة المواقف، فيما يتعلق بالقضايا السياسية الكبرى، خصوصًا في فترة الخمسينيات والستينيات من القرن الماضي، ولكن مع التغيرات التي طرأت على الساحة الدولية، خصوصًا منذ التسعينيات من القرن الماضي، تبلورت العلاقات في أُطُر جديدة، لعلها بدأت بتأسيس مجموعة الـ15 لتوثيق العلاقات بين مصر والدول الآسيوية وغيرها، وهذا ما سنتناوله خلال السطور القادمة؛ حيث إن قضية التنمية والبناء كانت القضية الرئيسية في كلٍّ منهما؛ ما أدى إلى نقل العلاقات للمجال الاقتصادي والاستثماري، حتى أصبحت آسيا الشريك التجاري الثالث لمصر بعد أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية، وبدأت العلاقات بالتوسع لتشمل مجالات ثقافية وتعليمية وغيرها من المجالات.

تأسيسًا على كل ما سبق، لا بد من رفد العلاقات المصرية مع دول آسيا بعلاقات مصالح متبادلة؛ لأنه من دون خلْق هذه المصالح، تظل العلاقات بين الدول مجرد علاقات احتفالية وبروتوكولية فقط، بل هناك دوافع أخرى كما يلي:

تعد “تنمية وتحسين السمعة الدولية” أحد أهم المرتكزات التي دفعت مصر لتوطيد علاقاتها بكل جيرانها وبكل دول العالم، وكذلك الحال بالنسبة لآسيا؛ إذ إن آسيا هي أكبر قارة، من حيث عدد السكان والمساحة، وهي فضلًا عن ذلك، تمتلك أكبر المجموعات التصويتية في الأمم المتحدة والمنظمات الدولية.

كما تتنوع المصالح المصرية في آسيا فنجد “بعد المناورة الإستراتيجية” وهو بعد مهم؛ لأن آسيا البازغة على مسرح السياسة الدولية هي ميدان رئيسي؛ لتنويع البدائل السياسية في عصر القطبية الأُحادية التي يشهدها العالم منذ انهيار الاتحاد السوفيتي، وإن كانت الصين واليابان – على وجه الخصوص – لم تصلا بعد إلى مرحلة القطب على الساحة العالمية، إلا أن تنمية العلاقات السياسية والاقتصادية معهما هي استثمار حقيقي في المستقبل؛ حيث إن الدول الإقليمية في القارات المختلفة تسعى إلى تنويع بدائلها السياسية؛ لتجنب الضغوط الدولية، والوصول إلى أنسب الحلول لمصالحها الوطنية في المواقف والأزمات المختلفة.

سعت مصر لاستخلاص الدروس والنماذج التنموية الآسيوية، فالدولة في النماذج التنموية الآسيوية أدت دورًا كبيرًا في قيادة عمليات التنمية الاقتصادية، ودفعت القطاع الخاص إلى التنمية في المجالات ذات الأولوية، في الصناعة، ومعها قطاع الزراعة، وقطاع الخدمات، والتجربة التاريخية لآسيا في النصف الثاني من القرن العشرين، تقول: إن التنمية الاقتصادية وفلسفتها قامت أولًا: على تنمية الموارد الذاتية، وثانيًا: على التصنيع الموجه للتصدير، وهو ما يتناقض مع الوصفات الجاهزة التي ما انفك صندوق النقد الدولي ومعه البنك الدولي يقدمانها إلى دول العالم الثالث.

أما العامل الرابع: في حزمة المصالح المصرية في آسيا، فهو التجارب الناجحة للتكتلات الإقليمية، وعبر الإقليمية في آسيا، ومنها التكتلات الإقليمية لرابطة دول جنوبي شرقي آسيا (الآسيان)، ورابطة جنوب آسيا للتعاون الإقليمي (الساراك)، والتكتلات عبر الإقليمية، مثل مجلس التعاون الاقتصادي لدول آسيا، والمحيط الهادي (آبيك)، ورابطة دول المحيط الهندي للتعاون الإقليمي، ونجاح هذه التكتلات يعطي دروسًا لمناطق جغرافية أُخرى في العالم – ومنها منطقتنا – في كيفية علاج المشاكل التي تعوق العمل المشترك في التكتلات العربية والشرق أوسطية والأفريقية، وتعني الاستفادة من التجارب الناجحة للتكتلات الآسيوية تعظيم القدرات الذاتية للدولة وارتقائها في سلم التطور السياسي والاقتصادي، وبالتالي، المكانة الإستراتيجية؛ نظرًا لترابط السياسة والاقتصاد والإستراتيجية.

خامسًا: المصالح الاقتصادية؛ إذ تمثل الاستثمارات الآسيوية حجمًا معتبرًا من جملة الاستثمارات العالمية، ولذلك من الضروري أن تحاول مصر اجتذاب هذه الاستثمارات، والإفادة من التقدم التكنولوجي الآسيوي، وتشير الأرقام إلى أن حجم الاستثمارات الآسيوية غير العربية في مصر لا تتجاوز سقف المليار دولار فقط، وهو حجم ضئيل للغاية من إجمالي الاستثمارات الآسيوية في العالم، ويرجع ذلك الى أن الدول الآسيوية تُولِي اهتمامًا أساسيًّا لمصر كبلد مستقبل لصادراتها.

وفي حديثنا عن الدوافع الآسيوية لإقامة العلاقات المصرية، وإن كانت مختلفة ومتنوعة، بحسب اختلاف دوافع وتوجهات كل دولة، إلا أنها تسير في نفس الفَلَك السابق توضيحه، باعتبار مصر أحد أهم وأكبر الأسواق الاستهلاكية في أفريقيا، بالإضافة إلى أنها تعتبر قوة إقليمية لا يمكن الاستهانة بها على مستوى أفريقيا والشرق الأوسط، ولعل ما ساعد كلا الجانبين على المُضي قُدُمًا بعلاقاتهما، هو خلو تاريخ العلاقات بين البلدين من الاستعمار، ولعل ذلك ما وطَّد العلاقات حتى الوقت الحالي.

ثانيًا: نماذج العلاقات المصرية الآسيوية

في إطار سعي مصر لتوطيد العلاقات مع الدول الآسيوية، لم تكن بمعزل عن التكتلات والنماذج التي تبرز على الساحة الاقتصادية لهذه القارة، بل إنها كانت من المؤسسين لبعض منها، في إطار بحثها عن أسواق جديدة للمنتجات المصرية، ورغبتها في تنويع مصادر الواردات الخاصة بها، وللوصول إلى أفضل الصفقات فيما يتعلق بحجم التبادل التجاري، ولم تنحصر العلاقات في المجال الاقتصادي، بل اتسعت لتشمل مجالات أُخرى، على المستويين (التكتلات أو الدول)، وهو ما سنتناوله خلال السطور التالية:

أ- التكتلات

علاقة مصر بالنمور الآسيوية

شكَّلت زيارة الرئيس السيسي لدول “آسيا” عام 2015، نقطةً فاصلةً في حجم العلاقات بين دول التكتل ومصر؛ حيث إن مصر كانت لها علاقات مع دول التكتل في العديد من المجالات، ومن بينها؛ إدارة وتطوير الموانئ، وتحسين جودة التعليم العام والفني، وإدارة الموارد المائية وتحلية المياه، وقد تم توقيع مذكرات تفاهم لإنشاء محطتين الأولى للكهرباء، والأُخرى لتحلية مياه البحر بمنطقة العين السخنة، بالاتفاق مع الحكومة السنغافورية، كما وقعَّت الحكومة المصرية مذكرة التفاهم والصداقة مع مجموعة النمور الآسيوية عام 2016، والتي تستهدف تنمية الحوار السياسي والاقتصادي بينهما.

ووفقًا لنشرة التجارة الخارجية الصادرة عن الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء عام 2020، فقد وصل حجم التبادل التجاري بين أكبر التجمعات الاقتصادية حول العالم؛ حيث سجل إجمالي التبادل التجاري بين مصر وأهم دول العالم، نحو 5 مليار و338 مليون دولار، كانت الدول الآسيوية في صدارة القائمة، واستحوذت على ملياري و189 مليون دولار، واستحوذت الصين على 760 مليون دولار، يليها الهند بنحو 192 مليون دولار، ثم اليابان بواقع 83 مليون دولار.

علاقة مصر بدول تجمع الخمسة عشر

تعد مجموعة الـ(خمسة عشر) أحد النماذج التعاونية المهمة بين دول الجنوب، كنواةٍ لمشروعات تعاون إقليمي، وتعتبر مصر من الدول الأفريقية المؤسسة للتجمع، والتي تربطها علاقات تجارية واقتصادية وثيقة بدول التجمع، فقد وصل حجم التجارة البينية بين مصر والتكتل في عام 2018 11.3% من إجمالي حجم التجارة الخارجية لمصر، وقد وصلت قيمة التجارة الخارجية لمصر مع دول المجموعة 105.5 مليار جنيه عام 2018، ووصل حجم الصادرات المصرية لـ 19.5 مليار جنيه، وحجم الواردات 86.3 مليار جنيه، وعلى الرغم من أن هناك تزايدًا في حجم الواردات المصرية من دول المجموعة مقابل تراجع الصادرات، إلا أن ما يعنينا من هذه الأرقام هو الوقوف على حجم العلاقات بين الطرفين.

علاقة مصر بتجمع بريكس (Brics)

تسعى مجموعة “بريكس” إلى بناء منصة أوسع للتعاون المفتوح، وخلْق وضع جديد للتنمية المشتركة بين أسواق الدول الناشئة والنامية، وتحرص  مصر على المشاركة في  الحوار الإستراتيجي حول تنمية الأسواق الناشئة والدول النامية؛ حيث شاركت مصر كضيف في قمة البريكس، التي استضافتها الصين في سبتمبر 2017، بدعوة من الرئيس الصيني، وتعتبر تعبيرًا عن عمق العلاقات بين (مصر والصين)، وبين مصر ودول المجموعة؛ حيث صدّرت مصر لدول البريكس “جلود، وأثاث، وحاصلات زراعية، وقطن خام، وأسمدة نيتروجينية”، فيما استوردت منهم (سيارات، وأجهزة إلكترونية، وقطع غيار سيارات، ومولدات كهربية)؛ إذ بلغ حجم تجارة مصر مع دول بريكس عام 2016 نحو 20 مليار دولار، استحوذت الصين على المرتبة الأولى منها بنحو 11 مليار دولار، واستمر حجم التبادل التجاري بين الجانبين في الارتفاع؛ ليتجاوز الـ 46 مليار دولار لعام 2020.

كما وصل عدد الشركات المستثمرة من دول المجموعة في مصر الى 2318 شركه بقيمة رؤوس أموال تصل إلى ما يقرب من ملياري دولار، تعمل في عدة قطاعات اقتصادية حيوية، منها (قطاع الصناعة، والخدمات، والإنشاءات، والاتصالات، والتكنولوجيا).

علاقة مصر بمجموعة دول آسيا الوسطى

كثيرًا ما يتم الإغفال عن هذا الجزء من القارة الآسيوية، عند دراسة وتحليل العلاقات المصرية الآسيوية، ولكننا بصدد تناوله؛ حيث تعد هذه المجموعة قلب آسيا، الذي يربط القارتين الآسيوية والأوروبية، فيما يعرف بالكتلة الأوراسية، تحتوي تلك الدول على أكبر احتياطيات نفطية في العالم بعد الخليج العربي، ففي كازاخستان يوجد حقل (تنجيز)، الذي يعد أكبر حقول النفط في آسيا الوسطى، ويعتمد اقتصادها على النفط؛ إذ يشكل 56% من قيمة صادراتها و55% من ميزانية الدولة، بالإضافة إلى ذلك، تحتل تركمانستان المرتبة الرابعة في احتياطي الغاز الطبيعي، إلا أن هذا القطاع يواجه مشكلة ضعف حجم الاستثمارات فيه؛ نتيجةً لضعف البُنى الاقتصادية في تلك الدول، الأمر الذي أدى إلى قيام بعض القوى الكبرى بتوجيه استثماراتها نحو هذا القطاع، كـ(الولايات المتحدة، وروسيا، والصين)، ولا تقتصر أهميتها على امتلاك النفط والغاز الطبيعي، بل يوجد بها احتياطيات ضخمة من (الذهب، واليورانيوم، وغيرهما من المعادن المهمة).

وفي علاقة مصر بهذا التكتل، نجد البعد الديني والتعليمي هو الغالب على العلاقات، ولعل أحد مظاهر هذا التعاون، بناء مركز مبارك الإسلامي في مدينة بـ(كازاخستان)، بتكلفة تجاوزت 15 مليون دولار أمريكي، وكلية مبارك للدراسات العربية في العاصمة التركمانستانية (عشق آباد9، بالإضافة إلى المنح الدراسية المقدمة من الأزهر الشريف، وإرسال الأئمة والمحاضرين على نفقته الخاصة إلى المؤسسات الدينية، التابعة لتلك الدول، ومنذ 1993 تلقى أكثر من 150 من الطلاب الكازاخستانيين تعليمهم في الجامعات المصرية المختلفة، على حساب الجانب المصري، وإذا ما تحدثنا عن حجم التبادل الاقتصادي بين مصر وجمهوريات هذه المنطقة، فنجد أنه ضئيل، ولا يكاد يصل لأكثر من 12 مليون جنيه، طبقًا لآخر إحصاء صادر، ولعل انحسار العلاقات الاقتصادية يرجع إلى بُعْد المسافة، أو افتقاد تلك الدول لمسطحات مائية مشاطئة؛ ما يدفع للتبادل التجاري بالنقل الجوي، أو عبر جيرانها الجغرافيين، على غرار طاجكستان، التي تعتمد على موانئ روسيا وأوكرانيا المطلة على البحر الأسود، وهو ما يرفع في مجمله تكلفة التبادل التجاري مع تلك الدول، وإحجام رجال الأعمال عن التعاون معها، الأمر الذي أدى إلى إحجام رجال الأعمال المصريين عن الدخول إلى أسواق جمهوريات آسيا الوسطى.

العلاقات المصرية مع دول مجلس التعاون الخليجي

تمثل كل من مصر ودول مجلس التعاون الخليجي مراكز قوى أساسية في الشرق الأوسط والمنطقة العربية، وقد لعب كلٌّ منها أدوارًا محورية في تاريخ المنطقة، وتشكيل توازناتها؛ حيث إن للعلاقة بينهم أبعادًا ثقافية وديموغرافية واقتصادية وثيقة، تجعل منها عُمْقًا إستراتيجيًّا أساسيًّا لهذه الدول، لا يمكن تجاوزه عند رسم أي سياسة خارجية، أو الحديث عن نظرة تنموية، تأخذ البعد الإقليمي في الاعتبار.

وفيما يتعلق بحجم العلاقات الاقتصادية، فقد أصدر المركز الإحصائي الخليجي دراسة عام 2021، توضح حجم التبادل التجاري، وعمق العلاقات الاقتصادية بين الطرفين، فقد وصل حجم التبادل التجاري 16.4 مليار دولار، كما بلغت الصادرات المصرية إلى الدول الأعضاء بالمجلس، لتسجل نحو 446 مليون و492 ألف دولار.

ولم يقتصر التعاون على المستوى الاقتصادي فقط، بل تنوع؛ ليشمل مجالات أُخرى، منها (العسكري)، فتعد مصر أحد الدول العربية التي تملك قوة عسكرية متطورة وضخمة، مقارنة ببقية الدول العربية؛ ما جعلها تمثل إحدى القوى العربية المهمة في المنطقة، وقد شاركت القوات العسكرية المصرية في العديد من المناورات مع عدد من الدول التابعة للمجلس، ومن بينهم (السعودية)،  أبرزها «رعد الشمال»، ومناورات تبوك البرية، وفيصل الجوية، ومرجان البحرية.

 

ب- على مستوى الدول

العلاقات المصرية الصينية

لطالما ارتبطت (مصر والصين) بعلاقات وطيدة؛ للدوافع السابق توضيحها، ولكن تمتعت العلاقات المصرية بطبيعة خاصة؛ وذلك يرجع لثلاثة أسباب، كما تم توضيحها في كتاب العلاقات المصرية الصينية الصادر عن الحكومة الصينية عام 2016، أولها: التاريخ الحضاري للدولتين، وثانيها: حالة العزلة التي فُرضت على الصين، ما بين عامي 1949 و1978، أي معظم فترة الزعيم الصيني “ماو تسي تونغ”، وثالثها: أن مصر فتحت العالم العربي وأفريقيا للصين، وبناءً على ذلك، كان أي مسؤول صيني كبير، قبل أن يزور أي دولة أفريقية أو عربية، يزور مصر للتعرف على وجهة نظرها.

اتخذت حكومات الدولتين العديد من خطوات تعزيز التعاون الاقتصادي والتجاري على مدار السنوات السابقة؛ ما أسفر عن التوصل إلى حوالي 63 اتفاقية، تنظم العلاقات الاقتصادية والتجارية بين مصر والصين، ووقَّع الجانبان في يناير 2016، مذكرة تفاهم حول كيفية تعزيز التعاون في إطار مبادرة “الحزام والطريق”، وقد نتج عن هذه المذكرة دخول العديد من المنتجات الزراعية المصرية كـ(البرتقال والعنب) للسوق الصينية، بشكل تدريجي، وتم إطلاق مشاريع تعاونية كبرى؛ تهدف إلى تحسين مستوى المرافق وشبكات توزيع الكهرباء.

واتسع حجم التجارة بين البلدين؛ إذ ارتفعت الصادرات المصرية للصين بنحو 40.2% خلال الفترة المذكورة سلفًا من 0.43 مليار دولار خلال 2010 إلى 0.603 مليار دولار خلال 2020، فيما قفزت الواردات المصرية من الصين بحوالي 84.6% من 4.9 مليار دولار في 2010 إلى 9.05 مليار دولار عام 2020، ولا تقتصر العلاقات الاقتصادية بين (مصر والصين) على حجم التبادل التجاري فحسب، بل تمتد لتشمل استثمارات متبادلة بين الدولتين؛ حيث بلغ حجم الاستثمارات الصينية في مصر في عام 2019، نحو 7 مليارات دولار، وفرت حوالي 40 ألف فرصة عمل للمواطنين المصريين، وتصل العلاقات الاقتصادية بين البلدين إلى التعاون (المالي والنقدي) كذلك؛ حيث قام البنك المركزي المصري، وبنك الشعب الصيني بتوقيع اتفاقية ثنائية؛ لمقايضة عملتي البلدين في عام 2016، بقيمة بلغت 18 مليار دولار؛ لتحفيز التعاون الثنائي في هذا المجال.

وعلى صعيد التعاون في المجال السياحي، تم تفعيل اتفاقية الترويج المتبادل بين مدينتي (شنغهاي والأقصر) والهيئة المصرية؛ لتنشيط السياحة في مايو 2018؛ ليزور مصر في عام 2021، أكثر من نصف مليون سائح صيني، بحسب بيان صادر عن السفارة الصينية في القاهرة.

كما شكلت فترة رئاسة مصر للاتحاد الأفريقي نقلة مهمة بالنسبة للصين، فقد مثَّلت مصر بوابتها للعبور الآمن للقارة الأفريقية، وهو ما ظهر جليًّا في دعم مصر ومشاركتها في منتدى (الصين أفريقيا)، وذلك في إطار حرصها على توفير وتطوير أدوات وقدرات الاتحاد ومفوضياته؛ لتلبية تطلعات الشعوب الأفريقية، وتعزيز أُطُر التنمية المستدامة؛ لتوفير مزيد من فرص العمل للشباب الأفريقي.

العلاقات المصرية الهندية

ارتبطت كلٌّ من (مصر والهند) بعلاقات طيبة تاريخيًّا، ولكن من أهم المحطات الفاصلة التي دعمت هذه العلاقات، هو وجود أهداف ومبادئ مشتركه للحركة الوطنية؛ من أجل مقاومة الاحتلال والاستقلال عن بريطانيا، وفي الوقت الحالي، فالهند هي الشريك التجاري الحادي عشر لمصر، على المستوى الدولي، وتعد السوق الهندية العاشرة عالميًّا في استقبال الصادرات المصرية، وتعتبر الهند عاشر أكبر مصدر للسوق المصرية؛ حيث يبلغ حجم التبادل التجاري بين البلدين بنهاية 2018 نحو 4 مليارات دولار.

ووفقًا لبيان صادر عن السفارة الهندية بالقاهرة في أكتوبر 2021، فقد وصل حجم التجارة الثنائية بين بلاده ومصر 3.8 مليار دولار 2021، بنسبة زيادة سنوية قدرها 80% مع زيادة الصادرات المصرية إلى الهند، بنسبة 63%؛ لتصبح الهند أكبر وجهة تصدير للصادرات المصرية، كما نجح الاقتصاد الهندي في جذب المزيد من الاستثمارات الأجنبية، التي بلغت 81.97 مليار دولار (2020 – 2021)، وعلى الرغم من عمق العلاقات بين البلدين، إلا أن كلًّا منهما ما زال بحاجة إلى تنويع سلة التجارة وزيادة الاستثمارات الثنائية.

العلاقات المصرية الباكستانية

تعتبر باكستان أحد أهم الوجهات الآسيوية للتعاون المصري في كثير من المجالات؛ حيث تسعى مصر لفتح أسواق تصديرية جديدة للمنتجات المصرية؛ لتحقيق الاستفادة لكافة الأطراف، وكذلك زيادة الاستثمارات الأجنبية المباشرة بين الدولتين في العديد من المجالات، وخاصةً أن هناك العديد من الاتفاقيات الدولية بين البلدين؛ لدعم سبل التعاون الثنائية الاقتصادية المصرية الباكستانية؛ ما يحتاج إلى تنسيق جيد؛ لخلق فرص بين رجال الأعمال من كلا البلدين.

ووفقًا لبيان صادر على لسان السفير الباكستاني في يونيو 2021، فقد وصل حجم التجارة بين باكستان ومصر إلى 365.6 مليون دولار في (2019 – 2020)؛ حيث وصلت حجم صادرات باكستان لمصر إلى 80.6 مليون دولار وحجم الواردات من مصر 284.9 مليون، ويشكل قطاع المنسوجات بأنواعها، مثل (الغزل والمنتجات القطنية) جزءًا كبيرًا من الصادرات الباكستانية لمصر، بالإضافة إلى قطاع الدواء والأدوات الجراحية والقفازات الطبية والمنتجات الرياضية، فيما تقوم مصر بتصدير الغاز الطبيعي والقطن، وما زالت الاجتماعات والمباحثات بين الطرفين قائمة لدعم العلاقات وتوسيعها.

العلاقات المصرية اليابانية

ذكر تقرير الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، الصادر أكتوبر 2021، تم التأكيد على انخفاض قيمة التبادل التجاري بين مصر واليابان إلى 557,2 مليون دولار مقابل 633,2 مليون دولار عام 2020، بنسبة انخفاض قدرها 12%، وارتفعت قيمة الصادرات المصرية لليابان مسجلة 116,1 مليون دولار مقابل 110,4 مليون دولار عام 2020 بنسبة ارتفاع قدرها 5,1%، كما انخفضت قيمة الواردات المصرية من اليابان لتسجل 441,1 مليون دولار مقابل 522,8 مليون دولار، وسجلت قيمة الاستثمارات اليابانية بمصر ارتفاعًا لتسجل 33 مليون دولار مقابل 25,3 مليون دولار، خلال العام (2018 – 2019) بنسبة ارتفاع قدرها 30,4 %، وأخيرًا بلغت قيمة تحويلات المصريين العاملين باليابان 5,7 مليون دولار.

العلاقات المصرية التايوانية

وفقًا لبيان صادر عن مكتب تايوان الاقتصادي بالقاهرة عام 2021، فقد اعتبرت مصر هي الشريك التجاري الخمسين لتايوان، والوجهة الـ43 في التصدير، وبلغ إجمالي التجارة الثنائية بين مصر وتايوان 507 ملايين دولار أمريكي في عام 2020 بزيادة قدرها 10.9% عن عام 2019، وبلغت الصادرات المصرية إلى تايوان 125 مليون دولار أمريكي، بزيادة قدرها 92.81%، مقارنةً بعام 2019، بينما بلغت الصادرات التايوانية إلى مصر 382 مليون دولار أمريكي بانخفاض 2.6%، مقارنة بعام 2019، وشملت مجالات التعاون بين البلدين قطاعات رئيسية، منها (قطاع صناعة البلاستيك، وقطع الغيار، والحديد، والمنسوجات، والملابس، والكهرباء، ومعدات إعادة التدوير)، وغيرها من الصناعات التي تسعى مصر على زيادة حجم الاستثمارات فيها، ويوجد تعاون بين مصر وتايوان في مجال تكنولوجيا المعلومات؛ حيث تشارك تايوان بخبراتها في مجال القرى الذكية التي تتجه إلى مصر مؤخرًا.

العلاقات المصرية مع كوريا الجنوبية

إن مصر رغم بُعْدها الجغرافي كانت موقع “إعلان القاهرة”، الذي منح الاستقلال لكوريا في 27 نوفمبر 1943؛ لتبدأ العلاقات الرسمية بين البلدين باعتراف مصر رسميًّا باستقلال كوريا الجنوبية عام 1948، وقد شهدت العلاقات الثنائية طفرةً بعد زيارة الرئيس عبد الفتاح السيسي إلى كوريا الجنوبية عام 2016؛ حيث اتفق القادة على رفع العلاقات إلى مرتبة الشراكة الإستراتيجية الشاملة فى كافة مجالات التعاون؛ حيث أسفر عنها توقيع 9 اتفاقيات ومذكرات تفاهم، تضمنت اتفاق إطاري؛ لتنظيم إتاحة القروض الكورية لمصر، بالتعاون بين وزارة التعاون الدولي والصندوق الكوري للتعاون الاقتصادي والتنموي.

فقد توجت الشراكة باختيار سيول للقاهرة الشريك الإستراتيجي لخطط التعاون الإنمائي لدولة كوريا الجنوبية بمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا للفترة (2021 – 2025)، وعلى المستوى الاقتصادي والاستثماري، يوجد نحو 170 شركة كورية عاملة في مصر، منها 33 شركة كبرى تغطي مجموعة واسعة من القطاعات، منها (الإلكترونيات) كشركة سامسونج وإلـ جى، والنقل والطاقة والمنسوجات كـ Seong-An و Ulhwa  والبناء والخدمات والسيارات، تعمل على توفير فرص عمل لأكثر من 4500 شخص، ويبلغ حجم الاستثمارات الكورية فى مصر حوالي 800 مليون دولار.

ووفقًا لبيان صادر عن سفارة كوريا الجنوبية في مصر 2021، فقد وصل حجم التبادل التجاري بين البلدين إلى ١.٥ مليار دولار خلال 2020؛ نظرًا لظروف وباء كورونا، ولكن في (٢٠٢١) خلال الفترة من شهر (يناير إلى نوفمبر)، شهد زيادة سنوية كبيرة؛ حيث وصل حجم التبادل التجاري إلى ٢.١ مليار دولار، كما تعاون البلدان في إنشاء الكلية المصرية الكورية لتكنولوجيا الصناعة والطاقة بجامعة بني سويف التكنولوجية.

العلاقات المصرية الإيرانية

لا شك في أن إيران ومصر دولتان مهمتان ومؤثرتان في منطقة الشرق الأوسط؛ لتمتعهما بإمكانيات مادية وثقافية وسياسية وإستراتيجية مميزة؛ ولهذا فإن كلًّا منهما ينظر إلى الآخر بعين الاهتمام، رغم أي خلاف بينهما، فإيران تتفهم أهمية مصر المستندة إلى موقعها بين الدول العربية والإسلامية، وما تمتلكه من إرث حضاري وثقافي عريق، ومكانة جيوسياسية واقتصادية خاصة، كما تتفهم مصر أيضًا أهمية إيران لموقعها الجغرافي البارز في منطقة الخليج، وقربها من آسيا الوسطى وجمهوريات القوقاز، وامتلاكها موارد هائلة من النفط والغاز، واتساع أسواقها التي يمكن أن تستقبل البضائع المصرية، ومكانتها بالنسبة للتجمعات والكيانات الشيعية في العالم.

ولذا فمع إدراك الطرفين لأهمية كلٍّ منهما، تستمر العلاقات فيما بينهما، فوفقًا لآخر بيان صادر على لسان السفير الإيراني 2018، فقد وصل حجم التبادل التجاري بين الطرفين 200 مليون دولار، ولطالما كانت العلاقات بين مصر وإيران منحصرة؛ لاختلاف أهداف ودافع كلٍّ منهما؛ ما انعكس على حجم التعاون الاقتصادي والتجاري، وحتى التمثيل الدبلوماسي بين البلدين.

العلاقات المصرية الماليزية

إن مصر وماليزيا مهتمتان بتطوير العلاقات فيما بينهما، في مختلف المجالات؛ استنادًا إلى عمق العلاقات التاريخية فيما بينهما، والتي تمتد إلى ثلاثينيات القرن الماضي، خاصةً وأن ماليزيا تتميز بخبرات صناعية طويلة، وتعتمد على أحدث أنواع التكنولوجي، فوفقًا لبيان صادر عن السفارة المايزية بالقاهرة 2021، فإن مصر تعتبر أكبر شريك تجاري لبلاده في منطقة شمال أفريقيا، وأن حجم التبادل التجاري بين البلدين 500 مليون دولار، كما تقدر الاستثمارات الماليزية في مصر بحوالي 60 مليون دولار، موزعة على 26 شركة، تعمل في مجالات (البترول، والغاز، والكهرباء، والمقاولات، والتجارة، والسياحة، وتكنولوجيا المعلومات).

وفي حديثنا عن العلاقات المصرية الماليزية، لا يمكننا غض الطرف عن البعد الديني؛ حيث إن مصر تستقدم الطلاب الماليزيين الراغبين في الدراسة بالأزهر الشريف كل عام، بما يقارب 12 ألف طالب وطالبة سنويًّا، كما تستقدم (مصر وماليزيا) الطلاب من كلا الدولتين، عن طريق المنح الدراسية.

العلاقات المصرية الإندونيسية

إن العلاقات المصرية الإندونيسية تتميز بالاستقرار والتعاون المثمر في جميع المجالات عبر التاريخ؛ حيث كانت الدولة المصرية من أولى الدول اعترافًا باستقلال إندونيسيا، وكان أول سفير لإندونيسيا في مصر، هو محمد رشيدي، خريج الأزهر الشريف، كما تهتم مصر اهتمامًا كبيرًا بدولة إندونيسيا؛ لما لها من ثقل على مستوى دول العالم الإسلامي، من خلال تقديم الدعم العلمي اللازم للدارسين والدارسات من إندونيسيا، ودعمهم علميًّا وفكريًّا، ويصل عدد الطلاب الإندونيسيين في الأزهر الشريف إلى أكثر من 5 آلاف طالب وطالبة.

وبخلاف البُعْد الديني للعلاقات بين (مصر وإندونيسيا)، هناك بعد ثقافي، يتعلق بالخلفية الدينية المشتركة بين البلدين، فضلًا عن وجود مستوى من التبادل التجاري والعلاقات الاقتصادية؛ حيث وصل حجم التجارة بين البلدين 1.1 مليار دولار 2021، مقابل 761مليون دولار، بنسبة زيادة تصل إلى 47.5%، ووفقًا لبيانات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، بلغ إجمالي الصادرات الإندونيسية من قطاع الزراعة إلى مصر ليصل إلى 749 مليون دولار؛ ليمثل 72% من إجمالي قيمة الصادرات الإندونيسية إلى مصر، والتي بلغت 1.03 مليار دولار.

أهم النتائج والتوصيات

– تسعى مصر للاندماج والتعاون مع الكيانات والتكتلات الاقتصادية، باعتبارها سمة مميزة وطفرة في مجال التعاون الاقتصادي، وتحاول من خلال هذا النشاط المتزايد الاستفادة من هذه الكيانات والتسويق للسوق المصري لجذب الاستثمارات، وفتح أسواق جديدة في مصر.

– مؤخرًا تسعى مصر لتنويع أدواتها على ساحة العلاقات الدولية، وتراعي عدم الانحسار في العلاقات السياسية فقط أو الاقتصادية، بل تنوعها لتشمل الاستفادة من كافة التجارب في مختلف المحالات.

– تتميز السياسة الخارجية المصرية بمزيد من الرشادة والانضباط، والسعي إلى موازنة القوى، من خلال إقامة علاقات طيبة ووطيدة على كافة المستويات ومع العديد من الحلفاء؛ لتجنب الاعتماد على حليف واحد؛ ما يجعلها على مسافة واحدة من كل الدول، كما يجعلها حليفًا مفضلًا للكثيرين.

– تحتاج مصر في تنويع صادراتها إلى الدول، كما أنها بحاجة إلى تعظيم دور تجارة مصر الخارجية السلعية لدعم النمو الاقتصادي.

كلمات مفتاحية