رابعة نورالدين وزير
على وقع استمرار اشتداد الأزمة الأوكرانية، أصبح الخوف يخالج العديد من الأوساط حول مصير سوريا، باعتبارها ليست بعيدةً عن الصراع الروسي الأوكراني، وهو ما أكد عليه المسؤولون السوريون مرارًا، فمن الطبيعي، أن الأزمة أثَّرت على الاقتصاد العالمي، وسوريا أحد مكونات النظام العالمي، وبالتالي، فهي ليست بعيدةً عن التأثر بالأزمة، خاصةً فيما يخص قطاع الكهرباء، وتوريد العديد من المحاصيل والحبوب، ومن أهمها «القمح»، ولا نستبعد إمكانية وصول التداعيات إلى قطاعات «النقل، وأسواق المال، والتأمين، والإمداد الدولي»، إلى جانب أسواق المواد الأولية والسلع الإستراتيجية، كمشتقات الطاقة؛ لذا فإن حدوث ارتفاع كبير في تكاليف التوريد، قد يضعف قدرة توريد مشتقات الطاقة، ومنها الوقود الخاص بإنتاج الكهرباء؛ ما ينعكس سلبًا على البلاد.
وبالتأكيد، نجد في أغلب الأحداث والتطورات العالمية، لا بد من الحديث عن انعكاسات ذلك على سوريا، مهما بعد موقع الحدث جغرافيًّا، وبالتالي، فليس بجديد طرحه على أثر الأزمة الحالية؛ حيث تعتبر روسيا من أهم وأكبر القوى تواجدًا في سوريا؛ لذا فأي حدث يؤثر عليها إيجابًا أو سلبًا، سوف يفرض تبعاتٍ على دورها في سوريا كذلك.
لذا سنحاول خلال السطور التالية، الوقوف على أهم تداعيات الصراع «الروسي – الأوكراني» على سوريا، من عدة جوانب، من بينها «الوضع الاقتصادي- الاستقرار السياسي- مستقبل الدولة».
أولًا: أين تقف سوريا في الأزمة بين روسيا وأوكرانيا؟
في سياق النزاع الدولي بين روسيا وحلف الناتو؛ جراء اتهام «موسكو» للحلف بعدم الاكتراث بمخاوفها الأمنية، تجاه مد مظلته العسكرية شرقًا، والوصول لحدودها المباشرة، حال قبول عضوية أوكرانيا به، وبغض النظر عما آلت إليه الأمور في الوقت الحالي، ما يعنينا هو الوقوف على موضع سوريا في هذه الأزمة حاليًا؛ لذا نستعرض موقف سوريا من الأزمة ككل بالنسبة لبعض المعطيات القائمة بالفعل، وهي كالتالي:
تراجع الاهتمام الروسي بالملف السوري لا يعني تراجعًا في الأهمية
بدايةً، فقد أعلن النظام السوري دعمه وتأييده للجانب الروسي في هذا الصراع، وقد سبق هذا الإعلان زيارة لوزير الدفاع الروسي للقاعدة العسكرية “حميميم” باللاذقية بسوريا، ومن ثمَّ اجتماعه بالرئيس السوري قبل الغزو لأوكرانيا، بما يعتبر تعبيرًا عن مكانة سوريا كامتداد للأمن القومي الروسي؛ حيث إن القاعدة السابق ذكرها، تعتبر خط دفاع روسيٍّ متقدمٍ في البحر المتوسط؛ لمواجهة «الناتو»، الذي يتمتع بوجود قوى في قاعدة «إنجيرليك» الجوية، بجنوب تركيا، أحد أعضاء الحلف.
ومنذ أن بدأ الغزو الروسي لأوكرانيا، نلاحظ تراجعًا في اهتمام الجانب الروسي بملف الأزمة السورية، خاصةً الجانب العسكري منها، ونشاط القوات العسكرية الروسية في كثيرٍ من أماكن تمركزها في الداخل الروسي، فنجد انخفاضًا في حدة الضربات الجوية على مناطق الحدود «السورية – العراقية»؛ حيث بقايا تنظيم الدولة، كما تراجعت معدلات الاستطلاع الجوي في البادية السورية، وقلَّت كذلك تحركات الدوريات العسكرية الروسية، بالقرب من مناطق الوجود العسكري الأمريكي، في مناطق الشمال الشرقي، وفى مناطق النقاط الأمنية «الروسية – التركية» المشتركة في شمال الحسكة.
لا يمكننا القول: إن هذا التراجع في الاهتمام بسوريا ينطوي على تراجع فعلي، في طريقة إدارتها لأبعاد الأزمة؛ لأنها ما زالت على أرض الواقع تتحكم في دفة الأمور، وبالتالي، فإن هذه الفترة مؤقتة، ولا تنطوي حتى الآن عن تغير جذري؛ حيث يخدم روسيا في ذلك، طبيعة الاهتامات الأمريكية، في ظل الإدارة الحالية، والتي تتجه إلى عدم التدخل في مزيد من الصراعات، مع التركيز على ملفات بعينها، كـ«ملف المساعدات، والإرهاب، وحماية الأمن الإسرائيلي»، الأمر الذي يتيح لروسيا هامش مناورة، فى معالجة الصراع السوري؛ سواء على مستوى مسارات التفاوض السياسية المتوقفة، أو على مستوى التحركات العسكرية على الأرض.
التفاعل الأمريكي الروسي حول الصراع الأوكراني.. كيف يقوي شوكة روسيا في سوريا؟
في تناولنا للملف السوري، لا يمكن الإغفال عن التفاعل «الأمريكي – الروسي» وارتداده على سوريا، على خلفية حالة التوتر التي تشهدها العلاقات بين الطرفين، فيما يخص الأزمة الأوكرانية، فبالطبع، سيؤثر ذلك على تفاعلهم حول ملف الأزمة السورية، فمن الممكن، أن يتحول توافقهما حول مسار التفاوض السوري، بشأن اللجنة الدستورية، وبرعاية روسية، إلى حالة من النفور، أو التشدد من الجانب الروسي، والتي ستنعكس بالطبع على حلفاء الولايات المتحدة الأمريكية من «الأكراد»، وفي مختلف المناطق التي تتمتع بحق الإدارة الذاتي، والمناطق التي يتم دعمها على المستوى العسكري واللوجيستي، منها «قوات سوريا الديمقراطية»، كما يتوقع أن تمارس روسيا ضغوطًا على القوات الأمريكية المتواجدة في المناطق الشمالية في سوريا، بما يزيد الضغط على «قوات سوريا الديمقراطية»، ويجعلها بلا غطاء عسكري أو سيأسي، في مواجهة النظام السوري، بالإضافة إلى ما يترتب على ذلك من ترويعٍ للمواطنين، وتهديد استقرار هذه المنطقة، التي تمثل نفوذًا أمريكيًّا في سوريا.
التفاعل التركي حول الصراع «الأوكراني – الروسي».. كيف يؤثر على موانئ سوريا في الصراع؟
باعتبار تركيا أحد أهم القوى الفاعلة في الصراع السوري، فلا يمكن فصل تفاعلها حول الصراع الأوكراني، وتأثير ذلك على ملف الأزمة السورية، فقد أبدت موقفًا حذِرًا ومتباينًا في الوقت نفسه، من ذلك الغزو؛ ففي بداية الصراع «الروسي- الأوكراني» لم تغلق تركيا ممراتها أمام السفن الروسية، ولكن مع تتابع الضغوط الأوروبية والأمريكية، اضطرت إلى تفعيل اتفاقية “مونترو- 1936” – اتفاقية تكفل لتركيا حق التحكم في مضيقي «البسفور والدردنيل» – بما يعني غلق تلك الممرات الإستراتيجية فى وجه السفن العسكرية الروسية؛ ما يُعدُّ تطورًا نوعيًّا في الموقف التركي من الغزو الروسي لأوكرانيا، وبصرف النظر عن احتمالية أن يكون ما سبق له تداعيات حادة وسلبية على العلاقات «الروسية – التركية» على المدى الطويل، وبصرف النظر – أيضًا – عن دوافع تركيا لقبول هذه الضغوط، والتي تتمثل في رغبتها بالحصول على مزيد من المرونة، تجاه مطلبها بالانضمام للاتحاد الأوروبي، فضلًا عن رغبتها في التأثير على الموقف الأمريكي الداعم للقوات السورية الديمقراطية، بما يراعي تخوفات تركيا الأمنية من وجود كيان كردي مسلح على حدودها الجنوبية.
وبالتالي، فنلاحظ أن الموقف التركي سابق التوضيح، أدى بالفعل إلى اعتماد روسيا على الممرات والموانئ السورية ممثلة في؛ «اللاذقية، وطرطوس»، باعتبارهما يمثلان قواعد عسكرية خلفية لروسيا، وبالتالي، فموقف تركيا أدى بالفعل إلى التأثير على مكانة سوريا، ولعبها دورًا مهمًا من خلال ممراتها السابقة، ولكن بالفعل، سيؤثر موقف تركيا على علاقتها بروسيا، خصوصًا أن حجم المصالح والتهديدات التي تربط الجانب التركي والروسي في سوريا أكبر من الولايات المتحدة وتركيا، خاصةً أن روسيا من الممكن أن توجه غضبها لمناطق نفوذ تركيا في الشمال السوري، بما يهدد أمن تركيا القومي.
التفاعل الإسرائيلي حول الصراع «الأوكراني – الروسي» لخدمة مصالحها في سوريا
يعتبر التفاعل الإسرائيلي حول الأزمة «الروسية – الأوكرانية»، فحالة الحذر الشديدة التي أبدتها حكومة «نفتالي بينيت» – وربما ضمنيًّا، لا تستطيع الحكومة الإسرائيلية التلميح بموقف قد يستفز– جاءت مدفوعة بمخاوف «تل أبيب» من قيام «موسكو» بتقييد الضربات العسكرية المستمرة، التي تقوم بها إسرائيل ضد الأهداف الإيرانية، في العمق السوري، وبشكل عام، فإن هذا التفاعل إنما يرجع جزئيًّا على الأقل إلى حاجتها للعمل مع الوجود العسكري الروسي في سوريا.
بعد أن تناولنا تأثير تفاعل القوى الكبرى حول الصراع «الروسي – الأوكراني» وانعكاساته على ملف الأزمة السورية، وأهميتها في الصراع الحالي، ننتقل للحديث حول بعض النتائج المباشرة على وضع الاقتصاد والاستقرار في الداخل السوري في السطور التالية:
ثانيًا: التكلفة الاقتصادية للصراع الروسي الأوكراني على سوريا
عند الحديث عن الوضع الاقتصادي السوري، ومدى تأثره بالأزمة الحالية، يمكننا تناوله من خلال متغيرين هما:
– حجم التبادل التجاري بين سوريا وأوكرانيا، خاصةً في ظل الموقف السوري المؤيد للجانب الروسي، وبالأرقام، وفقًا للحكومة السورية في «دمشق»، فإن حجم التبادل التجاري بين سوريا وأوكرانيا في تزايد منذ «عام 2018 حتى عام 2020»؛ حيث وصل حجم التبادل إلى 186.6 مليون دولار، مقابل صادرات سورية لأوكرانيا لا تتجاوز 0.14%، من إجمالي الصادرات السورية للعالم، ووصل حجم الاستيراد السوري من أوكرانيا من 49& من إجمالي البضائع المصنعة، 26.7 من الوقود، والأغذية 18.9%؛ ما يعني أن الجانب السوري يعتمد في جزء كبير من استيراده على أوكرانيا، وبالتالي، فإن تأثيرات الأزمة الأوكرانية في العلاقات التجارية بين البلدين، ستكون محصورة بالسلع والبضائع المستوردة.
– تأثر الاقتصاد السوري بمجمل التداعيات التي طالت الاقتصاد العالمي، نجد ارتدادات الأزمة على انهيار قيمة الليرة السورية؛ حيث انخفضت أمام الدولار إلى مستوى 3930 ليرةً أمام الدولار الواحد، ويعزى سبب انهيار الليرة إلى اعتماد النظام السوري بعلاقاته التجارية على روسيا، بالإضافة إلى العلاقات المصرفية المرتبطة بالتحويلات المالية، وبالطبع، فإن العقوبات الغربية الكبيرة التي فرضت على المؤسسات والبنوك الروسية، وعزلها جزئيًّا عن النظام المالي العالمي، سيؤثر بشكل أكبر على التعاملات المالية للنظام، كما أدى تأثر الاقتصاد العالمي إلى ارتفاع أسعار السلع الاستهلاكية والمواد الغذائية في الأسواق، وتجاوز الارتفاع الـ40% لبعض السلع، وهو ما يؤدي إلى انخفاض القوة الشرائية، مع تدهور أوضاع المواطنين بالداخل، وبالتالي، فإن سوريا أمام مأزق حقيقي، فيما يخص الوضع الاقتصادي، خاصةً مع تراجع مستوى الدعم الإنساني الذي تتلقاه، والذي يتأثر بالفعل بالأزمات الدولية.
ثالثًا: هل يدفع تجنيد المرتزقة السوريين إلى مزيد من التدهور الاقتصادي؟
وفقًا لما نشر من أنباء، عن قيام الحكومة الروسية بإعداد قوائم من أكثر من 40 ألف مقاتل، ينتمون إلى مجموعات موالية لقوات النظام؛ ليكونوا على أهبة الاستعداد للمشاركة في الحرب الأوكرانية إلى جانب الجيش الروسي، مقابل دعوة الرئيس الأوكراني لمتطوعين؛ للقتال إلى جانب القوات الأوكرانية، وعلى الرغم من قيام لجنة المصالحة الوطنية، التابعة للحكومة السورية، بنفي ما تردد إلا أن الأنباء ما زالت تواصل الانتشار من قِبَلِ بعض مؤسسات المجتمع المدني السوري، وعند الحديث عن إمكانية تجنيد بعض المرتزقة للقتال بجانب أي الطرفين، فهو أمر قد يعرض سوريا لمزيد من فرض العقوبات الاقتصادية، على غرار عقوبات “قانون قيصر”، التي لاتزال قائمة.
كما يحمل إرهاصات مخيفة، تؤشر على دخول الأزمة الأوكرانية في المسار نفسه الذي دخلته الأزمة السورية، وهو ما يعني تحول الأزمتين إلى بؤر صراعية، يلعب فيها العديد من الفاعلين الدوليين، كما يجعلها بيئة جاذبة للمقاتلين من خارج الأراضي، على نحوٍ يعني فتح بؤر جديدة للإرهاب على المستوى الدولي من ناحية، وفي قلب أوروبا من ناحية ثانية، وربط الأزمة الأوكرانية بمتغيرات العلاقة بين روسيا والولايات المتحدة والدول الأوروبية في ملفات الشرق الأوسط من ناحية ثالثة.
رابعًا: مستقبل سوريا في ظل الصراع المحتدم.. حصد النتائج
عند الحديث عن مآلات الصراع «الروسي – الأوكراني»، فلا يوجد سيناريوهات مرجحة، فيما يتعلق بالجانب السوري، وإنما هذ متغيرات تتباين في إمكانية حدوثها، تبعًا لتغير مواقف الأطراف الرئيسية للصراع، وأمد الصراع ذاته؛ لذا سنحاول صياغة مستقبل سوريا في ظل المعطيات الحالية:
– في حال ما انتهى الصراع بانتصار عسكري روسي على الأرض، وما يتبعه من انتصار سياسي على الولايات المتحدة والدول الأوروبية، فإنه قد ينعكس إيجابًا على رؤية روسيا للحل السياسي في سوريا لصالح النظام، وهي رؤية ظلت تتأرجح وفقًا لتأرجح حالة التوافق والتفاهمات بين روسيا والولايات المتحدة وتركيا.
– بالطبع سوريا من أكثر المتأثرين اقتصاديًّا بالصراع، ولكن استمرار أمده قد يؤدي إلى انشغال الجانب الروسي لفترة من الزمن – لاسيما إذا طال أمد عملياتها العسكرية في أوكرانيا- بمعالجة أزماتها الداخلية، بما يترتب عليه ترك سوريا في مهب المواجهة مع أوروبا والولايات المتحدة والعقوبات الاقتصادية المرشحة للتزايد؛ ما يؤدي إلى مزيد من الارتفاع في الأسعار، ومزيد من الانهيار في سعر الليرة السورية.
– إن ارتباط الملف السوري بكلٍّ من الولايات المتحدة وتركيا يجعلنا أمام احتمال استخدام روسيا البطاقة السورية؛ لإرسال رسائل إلى كلا البلدين، من خلال تحريك الملف العسكري، وسيكون هناك ضغط على البلدين في سوريا.
– نميل إلى القول: إن روسيا تريد أن تضع سوريا في في قلب معركة غزو أوكرانيا بشكل غير مباشر، وتحديدًا حينما وصل وزير الدفاع الروسي، فبراير 2022، إلى دمشق؛ ليتفقد بنفسه سير مناورات وتدريبات البحرية الروسية، في قاعدة طرطوس الروسية، على ساحل البحر المتوسط.
– في حال تحول الملف الأوكراني لحالة استنزاف لروسيا، وقد تتوجه الأخيرة نحو توسعة ساحة المواجهة مع الناتو وأوروبا في سوريا وليبيا.
ختامًا: من كل ذلك يمكن القول: نحن في خضم مرحلة تعيد رسم خارطة العالم، انطلقت بشكلها العلني على حدود أوكرانيا، لكنها مرحلة طويلة زمنيًّا، وذات مطبات وتقلبات ومحطات وساحات عديدة ومتعددة، بل ومتباعدة، أدت بدورها إلى جعل ملف الأزمة السورية طرفًا في الصراعات الدولية، المرتبطة بكل من «روسيا، والولايات المتحدة، وأوروبا»، وفى مقدمتها الغزو العسكري الروسي لأوكرانيا.