هل يمثل تشكيل المجلس الرئاسي انفراجةً للأزمة اليمنية أم تعقيداً لها؟

 رضوى رمضان الشريف

في أقل من أسبوعين، تسارعت الخطوات المؤشرة لتغيرات جديدة، في موازين الحرب اليمنية، وبدأت تلك الخطوات، بهدنة وقف إطلاق النار، التي دخلت حيِّز التنفيذ، في 2 أبريل، وتستمر لمدة شهرين بين جميع الأطراف، ومن ثمَّ المشاورات (اليمنية-اليمنية)، التي قامت الرياض باستضافتها، في الفترة (30 مارس – 7 أبريل)، وأخيرًا وليس آخرًا، الإعلان عن تشكيل مجلس قيادةٍ رئاسيٍ، يرسم مرحلةً سياسيةً جديدةً للبلاد.

جذب انتباه الكثير في الداخل اليمني، وفي المنطقة، “التغيير الملحوظ”، الذي أعلنه الرئيس اليمني، عبدربه منصور هادي؛ حيث أصدر في السابع من أبريل، قرارًا جمهوريًّا، يقضي بإقالة نائبه، علي محسن الأحمر، من منصبه، وتشكيل مجلسٍ رئاسيٍ، ونقل كامل صلاحيات الرئاسة إليه.

كما نصَّ القرار، على تشكيل هيئةٍ للتشاور والمصالحة، وفريق قانوني، وآخر اقتصادي، وأكد على استمرار ولايتي (مجلس الشورى، والنواب)، ويجدد الثقة بالحكومة المُشكَّلة، بموجب اتفاق الرياض.

ويتشكل المجلس الرئاسي، من 8 أعضاء، برئاسة رشاد العليمي، وعضوية كل من (سلطان علي العرادة، وطارق محمد صالح، وعبد الرحمن أبو زرعة، وعثمان حسين مجلي، وعيدروس قاسم الزبيدي، وفرج سالمين البحسني، وعبد الله العليمي باوزير).

ومن مهام المجلس، إدارة الدولة سياسيًّا وعسكريًّا وأمنيًّا، فضلًا عن توليه مهمة التفاوض مع جماعة “الحوثي”؛ لوقف إطلاق نارٍ دائمٍ في عموم البلاد، والجلوس على طاولة المفاوضات؛ للتوصل إلى حلٍّ سياسيٍ نهائيٍ وشاملٍ، تنتهي بموجبه صلاحيات ومهام مجلس القيادة.

كما نصَّ قرار (هادي) أيضًا على إنشاء هيئة تجمع مختلف المكونات، تحت مسمى “هيئة التشاور والمصالحة”، مهمتها دعم ومساندة مجلس القيادة الرئاسي، وتعزيز جهوده، وتهيئة الظروف المناسبة؛ لوقف الاقتتالات والصراعات بين كافة القوى، وبحسب القرار، فإن الهيئة تنتخب رئاستها التنفيذية من بين أعضائها، في أول جلسة تعقدها، بناءً على دعوةٍ من رئيس مجلس القيادة، الذي يحق له تعيين من يراه لعضوية الهيئة، على ألا يزيد العدد عن مائة عضوٍ.

ما هي دلالات تلك الخطوة؟

دلالة التكوين

يتشكل المجلس الرئاسي من مكونات مختلفة، ذات خلفيات سياسية، غير متجانسة، تمثل الطَّيْف اليمني؛ فعلى رأس المجلس الرئاسي، يترأس الدكتور “رشاد العليمي”، الذي دائمًا ما عُرف بقربه من الجميع، وليس لديه عداوة مع مختلف الأطراف والأحزاب اليمنية، الأمر الذي جعله شوكة الميزان في أي خلافات تقع، ويسعى فورًا إلى حلِّها.

ويضم تشكيل المجلس، ممثلين آخرين عن أهم أربع تشكيلات عسكرية: (القوات المشتركة بقيادة “طارق صالح”، وقوات العمالقة بقيادة “عبد الرحمن المحرمي”، وقوات المجلس الانتقالي بقيادة “عيدروس الزبيدي”، وقوات المنطقة العسكرية الثانية في حضرموت بقيادة “فرج البحسني”.

يمتلك أعضاء المجلس خلفيةً عسكريةً وأمنيةً، وقام معظمهم بخوض قتال مباشر مع الحوثيين، وبالتالي، قد يوصف ذلك التحوُّل، بأنه الأكثر تأثيرًا في الإجراءات الداخلية، في التكتل المعادي للحوثيين منذ بداية الحرب.

دلالة التوقيت

جاء الإعلان عن تشكيل المجلس، تزامنًا مع توقيت ختام المشاورات (اليمنية-اليمنية)، التي استضافتها الرياض في الفترة (30 مارس – 7 أبريل)، وقام أعضاء المجلس، ورئيسه، بالمشاركة في جلسة الختام، التي كان من أهم مخرجاتها، رسم خارطة طريقٍ للمستقبل، والانتقال من حالة الحرب والتفكك إلى السلام، وبدْء عمل المجلس الرئاسي؛ للدخول في مفاوضات، تحت إشراف الأمم المتحدة، مع جماعة الحوثي.

وفي وسط ترحيبٍ سعوديٍ بقرار الرئيس اليمني، ولدعم الخطوة، قامت الرياض بتقديم حزمة من المساعدات الاقتصادية، بمبلغ 3 مليارات دولار، تتضمن ملياري دولار، مناصفةً بينها وبين الإمارات، تُخصص للبنك المركزي اليمني.

كما دعت الرياض إلى عقد مؤتمر دولي؛ لحشد الموارد المالية اللازمة؛ لدعم الاقتصاد اليمني، والبنك المركزي، وتوفير المشتقات النفطية، وحثَّت مجلس القيادة الرئاسي اليمني على بدْء التفاوض مع الحوثيين، تحت إشراف الأمم المتحدة؛ للتوصل إلى حلٍّ سياسيٍ نهائيٍ.

خلق الإعلان عن تلك الحزمة الاقتصادية المقدمة من الرياض، عند جزء من اليمنيين تفاؤلًا كبيرًا، في تحسن الأوضاع، واتجاهها نحو الانفراج، بينما تراود الجزء الآخر مخاوف، من أن يصبح تشكيل المجلس الرئاسي محطةً جديدةً من محطات الصراع؛ تؤدي لمزيد من الانقسام أكثر من ذي قبل.

رفض حوثي

اعتبرت جماعة الحوثي على لسان متحدثها، “محمد عبد السلام”، أن تشكيل مجلس القيادة الرئاسي اليمني “محاولة يائسة”؛ لإعادة ترتيب صفوف من وصفهم بـ”المرتزقة”، متهمًا دول التحالف، الذي تقوده المملكة العربية السعودية في اليمن بالدفع نحو التصعيد.

كما وصفت الجماعة، بأن تلك الإجراءات لا تتسم بالشرعية، كونها صادرة من جهة غير شرعية، ولا تملك أيَّ صلاحية (لا دستورية، ولا قانونية)، وصدرت خارج اليمن شكلًا ومضمونًا، والشعب اليمني ليس معنيًّا بما يقرره الخارج في شؤونه الداخلية.

انفراجة أم تعقيد؟

من المبكر تقييم إيجابية أو سلبية تلك الخطوة، بتشكيل مجلس رئاسي جديد؛ لكون كل عضو من أعضاء المجلس يأتي من خلفية سياسية مختلفة؛ ما يصعب توافقهم على قرار معين.

كما لا يمكن اعتبار المجلس بمكوناته المختلفة، السابق ذكرها، يمثل جميع أطياف اليمن؛ لسبب واحد، وهو أن العنصر الرئيسي للمعارضة؛ أي (جماعة الحوثي)، ليس طرفًا في هذا المجلس، بل إن مواقفه ترفض هذه الصيغة، وتشكك بها.

وفي الخلفية، تعد الولايات المتحدة حاضرةً بقوة؛ حيث يوجد ورقة مساومة معقدة بين إيران والولايات المتحدة، منوطة بالاتفاق النووي، من المرجح، أن يكون المحدد الرئيسي حول نجاح أو فشل مفاوضات المجلس مع الحوثيين، سيكون مبنيًا على مخرجات الاتفاق النووي بين إيران والولايات المتحدة؛ فأي تقدم في هذا الملف سيكون له انعكاس إيجابي على الوضع اليمني، خاصةً حول الخلاف الحاصل بين واشنطن وطهران، بشأن الحرس الثوري الإيراني.

مستقبل هذا المجلس، وقدرته على إنهاء النزاع، في ظل موقف حوثي يرفضه حتى الآن، أو يتحفظ عليه، وينتقد تشكيلته، سيكون رهينًا بالدرجة الأولى على المستوى الإقليمي، بملف الاتفاق النووي.

وعلى الهامش، يوجد أيضًا بعض المخاوف، من إعادة سيناريو المشهد الليبي؛ حيث تستحضر هذه التغيرات التي شهدها الملف اليمني الترتيبات التي أجرتها الدول الراعية للملف الليبي، والتي انتهت إلى تشكيل المجلس الرئاسي، في نهاية عام 2021، وأفرزت قيادات جديدة، وأطاحت ببعض الشخصيات التي كان قد أفرزها اتفاق الصخيرات، عام 2015، والتي لم تنهِ الصراع الدائر في ليبيا، بقدر ما أدخلتها في مراحل جديدة، تزيد المشهد تعقيدًا إلى الآن.

كلمات مفتاحية