الدراسة متاحة للتحميل
بقلم د/أحمد الشحات: مدير مركز شاف للدراسات المستقبلية
تسارعت الخطوات نحو إتمام إتفاقيات التقارب والتطبيع بين إسرائيل والدول العربية منذ نهاية العام السابق، وسط رعاية أمريكية خالصة و ترحيب غربى كبير وتجاوب عربى محدود نسبياً ، وهى خطوات تترافق
مع مساعى واضحة لبناء أبعاد جديدة مختلفة لطبيعة الصراع العربى الإسرائيلي . مع إعتبار توقيع تلك الإتفاقيات في العلن تحول جيوسياسى حاد، ربما يؤدى إلى إعادة صياغة التحالفات بالمنطقة ، كما يشكل هذا التقارب المباشر تغيراً حقيقياً للثوابت العربية كونه يختلف عن تاريخ العلاقات مع إسرائيل ومكانتها في الذاكرة الوطنية العربية .
في هذا الإطار تناولت الدراسة بدايةً من الأهداف الإسرائيلية من التقارب أو التطبيع مروراً بأبرز مظاهره وكذا إنعكاساتة على الأمن القومى العربى إنتهاءً بالسيناريوهات المتوقعة والتوصيات.
الأهداف العامة الإسرائيلية من التقارب أو التطبيع :
1. تثبيت وجود إسرائيل، وتأمينه دولياً: كدولة ذات سيادة على أرض فلسطين، في محيطها العربي، والإقليمي، وهو ما عبَّر عنه ديفيد بن جوريون ” إن رغبتنا الوحيدة هي خلق الظروف الدولية التي ستقوي من أمننا القومي”. وما زالت إسرائيل تدرك أنه بعد 74 عاماً أن كيانها يشكل جسمًا غريبًا زُرع في محيط مُعاد له، وإن فرض وجودها وضمان بقائها يتطلب الحصول على الشرعية الدولية من خلال الإعتراف بها وقبولها، فلذلك تسعى لإيجاد مناخ عربي، وإقليمي، ودولي يقبل وجودها من خلال التقارب والتطبيع، والاعتراف بها كأمر واقع، وبالتالي اعتبارها جزءاً من منظومة المجتمع الدولي، كدولة طبيعية في المنطقة.
2. ضمان أمن إسرائيل: الذي لن يتحقق في ظلّ المواقف المعادية من الدول العربية، ولتدارك هذا الخطر يجب إنهاء مصطلح الصراع العربي – الإسرائيلي، وتحقيق أمنها عبر اختراق دول عربية ذات شأن، وإقامة علاقات معها تؤمّن وجودها، ويقول بن جوريون: ” إن الأسلوب الآخر لضمان أمن إسرائيل ، يكون عن طريق إقامة علاقات صداقة مع جميع الدول وخاصة دول آسيا وإفريقيا “، وأمن إسرائيل هنا بالمفهوم الإسرائيلي يعني التفوق العسكري والاقتصادي على الدول العربية، بالدبلوماسية السياسية، والسبيل لتحقيق ذلك إقامة علاقات صداقة معها تشكل فيها إسرائيل رأس الحربة.
3. تحويل القضية الفلسطينية جوهر الصراع إلى شأن إسرائيلي داخلي، تتفاوض حوله إسرائيل مع قلة فلسطينية، والوصول إلى حلّ لا يخرج عن إطار الحكم الذاتي، وهو ما تعمل عليه إسرائيل من خلال تطبيق الرؤية الأمريكية ” صفقة القرن”.
4. امتداد النفوذ الاقتصادي والسياسي الإسرائيلي في المنطقة: إسرائيل لا تقبل من التطبيع أن يعطيها الأمن وينهي حالة الحرب فقط ، بل تريد نفوذاً حقيقياً يعطيها دور الريادة والمحورية لتصبح دولة الاستقطاب الأولى في المنطقة، وفعلياً استطاعت إسرائيل الوصول إلى هذا الهدف بشكل نسبى منذ سنوات التسعينيات.
5. متطلبات العولمة وشروط الإنضمام إلى المعاهدات الدولية، وضرورة دمج الإقتصاديات المحلية والوطنية والإقليمية في شبكة عالمية، وضعف مكانة الدولة المركزية لصالح ما هو غير حكومي، الذي ألقى بظلاله على الدول العربية، التي وجدت نفسها منخرطة في تفاصيله ومخرجاته، وأصبح التطبيع مع إسرائيل جزءاً من التمويل الأجنبي والقروض الممنوحة، مما سمح لإسرائيل إستغلال هذه الثغرة والاندماج في الأسواق العالمية والعربية بشكل مباشر وغير مباشر، حيث كان من شروط الإنضمام لمنظمة التجارة العالمية، تحرير الأسواق، وفتحتها أمام المنتجات العالمية، عبر إتفاقية الكويز، مما ساعدها على تطبيع علاقاتها في المجال الإقتصادى مع العديد من الدول العربية، وضمان سيطرتها الإقتصادية النوعية، وفق الشروط الأمريكية للدول العربية.
أبرز مظاهر التطبيع
تصدرت مصر المشهد بتوقيعها اتفاقية السلام مع إسرائيل 1979م وأستردت من خلالها أرضها المغتصبة ووضعت القضية الفلسطينية على طاولة المفاوضات الدولية، وتلتها منظمة التحرير الفلسطينية 1993م، والأردن 1994م. ظل الموقف العربي مُتماسكًا نوعًا ما بخصوص تطبيع العلاقات مع إسرائيل، رغم وجود خلفية تاريخية لعلاقات سرية لدول عربيةً عديدة مع إسرائيل، ففي الأونة الأخيرة أخذت خطوات التطبيع منحى مُتسارعًا
وعلنيًا يشمل مجالات شتى تُوجت هذه الخطوات بتطبيع رسمي للإمارات والبحرين كأول دولتين خليجيتين مع إسرائيل أواخر 2020م . ثم تبعهما المغرب والسودان سُمّيت رسميًا بالمعاهدات أو الإتفاقات الإبراهيمية.
وبشكل عام هذا التطبيع ليس وليد اللحظة بل كان هناك تسريبات مستمرة منذ سنوات عن علاقات سرية ولقاءات ومشاركات علنية لقيادات ورياضين وفنانين إسرائيلين في هذه الدول، غير أن العملية المتكاملة قد بدأت بإعلان المبادئ في واشنطن بين كل من الإمارات وإسرائيل برعاية أميركية في أغسطس 2020 وبتوقيعه بينهما، مع انضمام البحرين كذلك 15سبتمبر في نفس العام .
وعلى مدار العقدين السابقين تم فتح العديد من المكاتب التمثيلية والتجارية بين عدد من الدول العربية وإسرائيل، وجميع هذه العلاقات كان الرابح بها هو الطرف الإسرائيلي فقط، فقد حققت إسرائيل هدفين في آن واحد من تطبيع علاقاتها مع الدول العربية، الهدف الأول هو: ترسيخ وجود وتأثير إسرائيل في المنطقة العربية، وزعزعة التمسك بالثوابت العربية،الهدف الثاني: وهو الأرباح التي تحققها إسرائيل نتيجة العلاقات التجارية مع الدول العربية.
على سبيل المثال أشار التقرير الذى أصدرته دائرة الإحصاء المركزية بإسرائيل، على أن حجم التجارة بين إسرائيل والدول العربية زاد بشكل ملحوظ في الأشهر السبعة الأولى من عام 2021، مقارنة بنفس الفترة من عام 2020. وارتفع بنسبة 234 %، على أثر تطبيع العلاقات وفق اتفاقيات إبراهيم، في سبتمبر العام الماضي.
وجاء في التقرير ذاته الذي نشرته وزارة الخارجية الإسرائيلية ، أن التجارة مع الإمارات العربية المتحدة، في نفس الفترة من عام 2021وصلت إلى 613.9 مليون دولار. ومع الأردن 224.2 مليون دولار، ومع مصر إلى 122.4 مليون دولار، ونمت التجارة مع المغرب إلى 20.8 مليون دولار. وأما البحرين وصلت إلى 300 ألف دولار.
وحسب خبراء الاقتصاد فإن السياحة وحدها تصل إلى عدة ملايين، حيث إن أكثر من 230 ألف إسرائيلي دخلوا الإمارات في الأشهر السبعة المذكورة. وأكد الخبراء الإسرائيلين إن الإمارات أصبحت من
أهم 20 دولة تتفاعل تجارياً مع إسرائيل، وتوقعوا أن يصل حجم التبادل التجاري معها إلى 5 مليارات دولار في غضون سنتين إلى ثلاث سنوات، وتتقدم بذلك على دول كبيرة مثل روسيا والبرازيل وتركيا.
عسكريًا، تُشارك دول عربية عديدة، في تمارين عسكرية إلى جانب إسرائيل، من أهمها تمرين
“العلم الأحمر ” Red Flag؛ وهو تمرين متقدم على القتال الجوي، تُشرف عليه القوات الجوية الأميركية. وفي (مارس 2017 – أبريل 2019)، شارك سلاح الجو الإماراتي في تدريبات عسكرية تعرف بإسم “إينيو هوس ” Iniohos في اليونان، شاركت فيها إسرائيل أيضًا .
ومن بوابة التهديد الإيراني، ازدادت علاقات إسرائيل مع بعض دول الخليج العربية متانةً. ففي أغسطس 2019، صرح وزير الخارجية الإسرائيلي حينذاك ” يسرائيل كاتس” ، بأن إسرائيل جزء من “التحالف الدولي لأمن وحماية الملاحة البحرية وضمان سلامة الممرات البحرية”، الذي أنشأته الولايات المتحدة، بمشاركة دول عربية وبريطانيا وأستراليا وألبانيا، ويهدف إلى تعزيز أمن وسلامة السفن التجارية التي تمر عبر الممرات البحرية.
ومن ناحية برزت في نهاية شهر مارس الماضى ” قمة النقب” في إسرائيل، بمشاركة وزراء خارجية أمريكا والإمارات والبحرين والمغرب ومصر، وخرجت توصياتها بالتأكيد على نبذ الإرهاب ودعم السلام ، وهى قمة وزارية وصفها محللون سياسيون عرب بــ”الحدث غير المسبوق” لطبيعة الأطراف المشاركة ممن وقعت في وقت سابق اتفاقات سلام مع إسرائيل، مع الإشارة بإن القمة ستعقد بشكل دوري سنويا، وستسعى لتشكيل محور إقليمي عربي إسرائيلي في مواجهة الإرهاب والتهديدات التي تتعرض لها المنطقة.
إنعكاسات وهواجس لحالة التقارب مع إسرائيل يجب تداركها
للتطبيع العربي الإسرائيلي إنعكاسات حادة على المنطقة ويثير العديد من الهواجس التي تفرض نفسها ، وبإعتبارها دولة محتلة للأراضي العربية، وأنها تمثل تهديد استراتيجي ودائم للأمن العربي، والتاريخ والتجارب والوقائع منذ عقود تثبت ذلك بوضوح . خصوصًا في ظل حالة الضعف النسبى التي يشهدها الوطن العربي من إنقسامات وعدم القدرة على توحيد الشعوب وتجاوز التحديات الداخلية ، و لقد أثر أيضًا تطبيع بعض الدول العربية على موقف الدولة الفلسطينية ، حيث تزايد التعنت الإسرائيلي تجاه مسار السلام وشعورها أن إنخراطها في الوطن العربي ما هو إلا مسألة وقت فقط، و تحول المساومة إلى السلام مقابل السلام بدلًا من السلام مقابل الأرض .
وإن التفكير ببناء علاقة مع إسرائيل من باب التكتيك والمناورة ، أو الإعتماد عليها في العلاقة مع الغرب، أو للوقوف مع العرب في قضايا فرعية وربما تكون غير موضوعية .
ويمكننا القول بأن تداعيات تقارب أو تطبيع بعض الدول العربية مع إسرائيل وتسارع وتيرته، يشكل الرافعة الأساسية لإسرائيل للمضي قدماً في تعنتها ورفضها لإعطاء الفلسطينيين أي حقوق، ويعمل على زيادة التغول الإسرائيلي في الأرض الفلسطينية، وعربياً تكون إسرائيل دولة صديقة في العالم العربي، ويتبدل مفهوم العداء إلى صداقة وعلاقات طبيعية، وأن العدو الرئيسي لبعض الأطراف العربية هو الإسلام السياسي أو إيران أو الإرهاب وليس إسرائيل ، لتستغل إسرائيل تلك التحولات في صياغة مفاهيم جديدة لطبيعة الصراع في الشرق الأوسط، ولتكون القضية الفلسطينية آخر أولويات تلك الدول.
فمن الناحية السياسية : تهدف إسرائيل في المقام الأول إلى إنتزاع اعتراف الدول العربية بيهودية الدولة الإسرائيلية ، وما يتبع ذلك من تداعيات تساهم في تنفيذ مخططاتها وأهدافها بالمنطقة .
وأن تساعد على مزيد من تحييد القضية الفلسطينية كمحدد رئيسى للعلاقات العربية الإسرائيلية، ومن المحتمل أن يساهم التطبيع فى التراجع النسبى للوزن الإستراتيجي لدول الثقل السياسي العربي التي كانت متمثلة في مصر وسوريا والعراق في التفاوض مع إسرائيل وحلول دول أخري متحالفة مع اليمين الإسرائيلي و اليمين الأمريكي، كذلك تراجع قدرة فلسطين فى الـتأثير في المجتمع الدولى بسبب إفتقارها إلى الأدوات المؤثرة والمصالح التي يمكنها تقديمها ، فيما كانت في السابق مكسبا لأي دولة تتبني القضية الفلسطينية .
من جانب أخر تكمن الخطورة ليس فقط في الإعتراف بإسرائيل وإقامة علاقات دبلوماسية معها، بل في تبني البعض للرواية التي تزعم بأن إسرائيل كانت دوما تسعى للسلام وأن المقاطعة العربية والمقاومة الفلسطينية هما العائق أمام تحقيق سلام يعم المنطقة والعالم .
عسكريًا : تري الدول الخليجية المتقاربة مع إسرائيل أن العدو الأول هو إيران وهي المهدد لأمنها الوطني وأصبحت ترى أن التحالف مع إسرائيل هو الحل للحفاظ على أمنها، مما يمثل إنقلابا كاملا للمعادلات والموازين، مما يمثل إستفزازاً لإيران يعظم من توجهاتها العدائية تجاه دول الخليج خاصةً ، بالإضافة إلى تحديد إسرائيل للقدرات العسكرية والدفاعية للدول العربية ومحاصراتها في شراء السلاح ومنعها من إمتلاك أسلحة معينة حتى تكون إسرائيل هي الدولة الوحيدة المتفوقة والمسيطرة عسكريًا، خوفًا من إختلال ميزان القوي بالمنطقة ، أيضًا إستمرار تفرُّد إسرائيل بامتلاك الأسلحة النووية والاستراتيجية والنوعية والمتطورة والهامة، وكذلك السماح بفتح الممرات المائية وأعالي البحار والمياه الإقليمية العربية أمام سفن وبحرية إسرائيل، مع التمهيد الإسرائيلى لطرح أفكار إقامة قواعد عسكرية وأمنية في بعض الدول العربية مستقبلاً، مما سيتيح المجال لإسرائيل للتفوق الاستراتيجي وفرض المزيد من الهيمنة في المنطقة، والتجسس والتغلغل في المجتمعات والكيانات العربية.
وعلى الصعيد الاقتصادي : يتوقع أن يكون للتحولات الجارية تداعيات بالغة الخطورة على النظام الاقتصادي العربي ككل، لأن قدرة الإقتصاد الإسرائيلي على إختراق بنى وهياكل إقتصاد الدول المطبّعة أكبر بكثير من قدرة إقتصاد هذه الدول على إختراق بنى وهياكل الإقتصاد الإسرائيلي، ولأنّ تنامي العلاقات الإقتصادية بين إسرائيل وهذه الدول يمكن أن يشكل عقبة أو يضع المزيد من العراقيل أمام عملية التكامل الاقتصادي في العالم العربي،بالإضافة إلى إلغاء المقاطعة العربية على المنتجات الإسرائيلية و فتح السوق العربية أمام المنتجات الإسرائيلية الزراعية والصناعية والتجارية، والعمل من أجل الإستفادة من المقدرات المائية والثروات العربية وإنشاء مزيد من المشاريع الصناعية والتنموية والاستثمارية، مع إستغلال الأيدي العاملة العربية بإعتبارها أيدي عاملة رخيصة يمكنها أن تسهم في إزدهار المشاريع و الإستثمارات الإسرائيلية.
الجانب الثقافي و الفكري الأيدولوجي
من أخطر ما يمكن أن يؤدي إليه التقارب أو التطبيع هو التأثير على النسق العقيدي للشعب العربي حيث أنها تضرب فكرة العروبة في الصميم وتؤدي إلى تهميشها تمامًا، وما يساعد على ذلك هذا الإختراق الإسرائيلى الفكري والإجتماعي والثقافي والفني والإعلامي للمجتمعات العربية، حيث أنه من أهم ما تهدف إليه إسرائيل التغلغل فكريًا داخل الوطن العربي وتصوير نفسها في صورة الدولة المحبه للسلام المعادىة للإرهاب والدولة الصديقة التي تنبذ العنف مع إظهار أن الشعب الفلسطيني هو الإرهابي، وتركيز الضوء على ذلك من خلال وسائل الإعلام إرتباطاً بأن اليهود يمتلكون أكبر المحطات الإعلامية التي يستطيعون من خلالها الترويج لذلك، أيضًا من الممكن أن تسعي إسرائيل للمطالبة بتغيير وحذف موضوعات من المناهج التعلىمية في العالم العربي التي تحث على مهاجمة إسرائيل وتبرزها بصورة سيئة وتعلى من الحالة العدائية تجاهها .
ويثار التساؤل في إطار المقايضة والمصالح المشتركة هل حققت الدول العربية مكتسبات حقيقية من التقارب والتطبيع مع إسرائيل مؤخرا؟
تأمل الدول العربية من تقاربها مع إسرائيل أن يساهم ذلك فى تحقيق السلام فى الشرق الأوسط، وأن أختلفت دوافع التطبيع من دولة عربية إلى أخرى، ففى حالة كل من دولة الإمارات والبحرين، وقف النفوذ الإيرانى هو السبب الأساسى. ولم تفلح العلاقات المستترة ولا العلنية مع إسرائيل فى الحد من النفوذ الإيرانى .
ورغم كل نشاط الأجهزة الإستخباراتية الإسرائيلية وكل العقوبات التى فرضتها إدارة ترامب السابقة ، تزمع إيران تصعيد تخصيب اليورانيوم، كما تزايدت هجمات حزب أنصار الله المدعوم من إيران فى اليمن على المملكة السعودية، وحافظت إيران ومعها حزب الله على التواجد فى سوريا، كما يزداد نفوذ حزب الله فى لبنان. مما يرجح مواصلة إيران سياساتها المعادية لكل دول الخليج المناوئة لها، ولن تجرؤ إسرائيل فى ظل أى إدارة أمريكية أن تشن حربا على إيران لوقف برنامجها النووى، وهو ما لم تفعله فى ظل إدارة ترامب التى تعد الأكثر إنحيازاً لإسرائيل.
كما رضخت الحكومة السودانية للضغوط الأمريكية وقبلت بتطبيع العلاقات مع إسرائيل لكى تسقط عنها الولايات المتحدة وضعها على قائمة الدول المساندة للإرهاب، وهو ما يسمح للسودان بإستئناف علاقات اقتصادية طبيعية مع المؤسسات المالية الدولية ومع جميع الدول الكبرى، وحصلت حكومة المغرب على إعتراف الحكومة الأمريكية بمغربية الصحراء الغربية، كما أن مثل هذا الاعتراف قد يقوى عزم الحكومة الجزائرية على الإستمرار فى إثارة التوتر فى إقليم الصحراء رفضا للسيادة المغربية عليها.
من جانب أخر لم تساهم خطوات التطبيع في تحجيم التوتر بين إسرائيل والفلسطينيين والسوريين واللبنانيين لإصرار إسرائيل على الإحتفاظ بأراض فلسطينية وسورية تحت إحتلالها وتواصل تهديدها لهم ، فضلا عن مواصلة إسرائيل سياساتها العدائية ضد الشعب الفلسطيني والتوسع في الإستيطان وسلب الحقوق المشروعة .
وسيظل التطبيع معضلة الشعوب العربية
مما لاشك فيه أن هناك مسافة كبيرة بين قبول الشعوب العربية لفكرة التطبيع مع إسرائيل وأفكار وتوجهات الحكومات التي تتحرك وفق موائمات سياسية مختلفة وضغوط تفرض عليها قرارات تصب في المصالح المشتركة ، رغم إدراكها بماهية الرأي العام الشعبى المرتبط بذاكرة تاريخية عدائية مترسخة تجاه إسرائيل .
وحتى تكون إسرائيل مقبولة كجزء لا يتجزأ من المنطقة ومعترفا بها هكذا فانه لا بد من توفر القبول الشعبي بها. ولا بد من تحقيق اختراقات تجعل التفاعل بينها وبين مختلف فئات الشعب العربي ممكنا. وفي ظل العداء الواسع لإسرائيل في الوطن العربي لم تكن وسائل الإقناع العادية متوفرة .
لقد أصبح التقارب والتطبيع الإسرائيلي العربي أمرًا واقعًا، وأصبحت الدول المطبعة تحاول بطرق عديدة إدخاله في جوانب كثيرة لديها وخاصة الجانب الإجتماعي وتوجية أنصاب الإعلام إلى أنه أمر طبيعي ومحاولة جذب الدول الأخري الغير المطبعة إلى التطبيع والعمل على تحسين العلاقات.
السيناريوهات المحتملة لمستقبل حالة التقارب والتطبيع بين الدول العربية وإسرائيل :
قد يكون من الصعب الجزم بمسارات مستقبل التطبيع العربي مع إسرائيل مع الإدارة الأمريكية الحالية، ونظراً للمتغيرات التي قد تحدث بالمنطقة العربية وجوارها الإقليمي وعلى الصعيد الدولي، وفيما يلي السيناريوهات المتوقعة :
السيناريو الأول: توسع دائرة التطبيع : يتوقع هذا السيناريو إنضمام بعض الأنظمة العربية لقائمة الدول المطبعة مع إسرائيل، كجهود ثنائية بين إسرائيل وتلك الدول، حيث يعتمد السيناريو على فرضية أن التطبيع تحول إلى مصلحة مشتركة، والسعى لتبنى إجراءات تهدف لكسر الحواجز التي منعت التطبيع مسبقاً، لكي تفتح باب التطبيع أمام الدول الأخرى.ويفترض هذ السيناريو إقدام بعض القيادات العربية على التطبيع، امتثالاً للضغوط الإسرائيلية والأمريكية، خاصة في ظل تصاعد التوترات المحلية والتهديدات الإيرانية، وتنامى خوف الدول الخليجية من إيران . يعزز هذا السيناريو دخول دول المنطقة في مشاكل عديدة تهدد أمنها القومي، وهذا السيناريو حال تحقيقة سيمثل نقطة إيجابية فارقة لإسرائيل تجاه تحقيق أهدافها بالمنطقة .
السيناريو الثاني: جمود التطبيع : يفترض هذا السيناريو توقف موجة التطبيع بين دول عربية جديدة مع إسرائيل ، إرتباطاً بعدم وضوح الرؤية لإدارة بايدن في تعاملها مع هذا الملف حتى الأن ومدى تحمسها له بخلاف ما حدث بعهد إدارة ترامب، حيث تبدو إدارة بايدن معنية بالتعامل مع كثير من التحديات الداخلية وأولويات السياسة الخارجية. ويتوقع هذا السيناريو أن تركز إدارة بايدن على إحياء المفاوضات بين الفلسطينيين وإسرائيل، والحث على ضرورة تقديم الطرفين تنازلات مشتركة. ويعزز تحقيق هذا السيناريو حال تبين ضعف مكاسب التطبيع أو عودتها بنتائج سلبية.
السيناريو الثالث: إنكماش التطبيع ( تراجع الدول المطبعة ) : يتوقع هذا السيناريو الذي يعد أقلها حظوظاً في التحقق، أن تساهم مجموعة من الأحداث والعوامل في تراجع بعض الدول التي أقدمت على التطبيع عن استمرارها فيه، بسبب إحتمالية حدوث تجاوزات متوقعة من إسرائيل يعقبها إحتجاجات شعبية ، كحرب تشنها على الفلسطينيين تثير الرأي العام العربى وهذا السيناريو من الصعب حدوثه خلال المنظور القريب .
السيناريو الرابع : فشل التطبيع كليًا : يعد هذا السيناريو الأكثر قبولا لدى الشعوب العربية على الأقل خلال المرحلة الراهنة. ويأتي هذا السيناريو من واقع ترسيخ فكرة أن إسرائيل ما زالت هي العدو الأول للدول العربية في ضوء سوابق تاريخية عميقة بأعتبارها مغتصبة ومحتلة للأراضي الفلسطينية ، وفى ذات الوقت يضعُف حدوث هذا السيناريو بسبب إنشغال الدول العربية بالقضايا الداخلية وتراجع التفاعل الأيجابى مع تطورات القضية الفلسطينية . وهذا السيناريو مستبعد خلال المرحلة الراهنة .
وأخيراً توصيات الدراسة : في ضوء ما سبق يمكن تقديم مجموعة من التوصيات فيما يتعلق بمستقبل العلاقات بين الدول العربية مع إسرائيل، في ضوء السياسات التطبيعية الجديدة، كما يلي:
1. أهمية رسم ملامح استراتيجية عربية جديدة لإدارة العلاقات الإسرائيلية العربية تعلى من المصلحة القومية للعرب وتحقق الأهداف المرجوة منها .
2. ضرورة دعم صمود الدول العربية أمام الضغط الأمريكي للتطبيع مع إسرائيل بعيداً عن القضية الفلسطينية وتكثيف تحركاتها وتوحيد موقفها الداعم للشعب الفلسطيني في المحافل الإقليمية والدولية المختلفة لإستخدامه كأوراق ضغط أو مقايضة لتحقيق خطوة إيجابية في مسار السلام .
3. ضرورة العمل على تفنيد الروايات والمقولات التي يسعى البعض إلى ترسيخها من أن تطبيع العلاقات وتقويتها مع إسرائيل هو الطريق إلى حل ما تعانيه الدول العربية من مشاكل داخلية، أو إلى تقوية علاقاتها مع القوي الدولية الفاعلة، مع ضرورة ربطها بأن تتبنى إسرائيل خطوات إيجابية تعطى مؤشر لحسن النوايا . والتأكيد على أهمية دراسة الأهداف الحقيقية للمشروع الإسرائيلى وما يرمي إلىه من التطبيع مع الدول العربية.
4. يجب إنهاء كافة أشكال الخلاف الفلسطيني الداخلي وصولاً إلى مشروع وطني للمقاومة بكافة أشكالها، قائم على أسس ومرتكزات وأهداف محددة وواضحة تؤكد الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني، وأن تغلب المصلحة الوطنية على المصالح الفصائلية .
5. ليس على الدول العربية في ظل التحولات العدة التي تشهدها على كافة المستويات أن تبني علاقاتها وتؤسس لمشاريع إستراتيجية دون النظر إلى ميزان القوة الداخلية، سياسياً أو اقتصاديًا أو إجتماعياً فيه مخاطر مستقبلية متعددة، فمعظم دولنا العربية بحاجة إلى مواجهة التحديات الداخلية وتعزيز بناء الأنظمة السياسية على أسس متينة تٌمكنها من إدارة علاقاتها الخارجية ومواجهة تحدياتها المختلفة .
6. ضرورة التأكيد على مفهوم الوحدة العربية، فهي التجسيد العملي لرابطة ثقافية حضارية عقائدية جمعت العرب في الماضي، وباتت شرطاً لإستقلالهم في الحاضر، وضرورة لنهضتهم في المستقبل.
7. أهمية المحافظة على العلاقات العربية البينية ، من خلال تشجيع الأنشطة والفعالىات السياسية والإعلامية والثقافية والعلمية التي تركز على عملية التطبيع وآثاره على العالم العربي، وإنعكاسه على القضية الفلسطينية .