التقارب المصري التركي …. فرص رفع مستوى التمثيل الدبلوماسي بين البلدين

رابعة نورالدين وزير

منذ أيام، تصاعدت أنباء، حول إمكانية قيام الجانب التركي، تعيين سفيرٍ لدى مصر، وهو أمر لم تشهده العلاقات الدبلوماسية بين الطرفين، لأكثر من 9 سنوات، فبعد أن قررت مصر، في 23 نوفمبر 2013، تخفيض مستوى العلاقات الدبلوماسية مع تركيا، من مستوى السفير إلى مستوى القائم بالأعمال، ونقل سفير جمهورية مصر العربية لدى تركيا نهائيًّا، ودخول العلاقات بين الطرفين لمرحلة جديدة، تنطوي على تقليص التعاون على المستوى السياسي، واقتصارها على الجانب الاقتصادي؛ لتوتُّر العلاقات، بعد أن أتاحت تركيا الفرصة للهجوم على مصر، عبر منصات إعلامية، تُبث منها، وبعد اتباعها لسياسات ترفضها مصر، بحكم مبادئ القانون الدولي، التي تقضي باحترام حق الجوار، وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للغير، ولكن مؤخرًا، بدأت العلاقات تشهد مسارًا جديدًا، عبر تصريحات من الجانبين، ولذلك يمكننا القول: إن العلاقات المصرية التركية، قد تشهد نوعًا من التهدئة، خلال عام 2022، دون الوصول إلى الصورة الكاملة، هذه هي الفرضية التي نحاول الإجابة عن إمكانية تحققها، خلال السطور التالية.

لا صوت يعلو فوق صوت المصلحة…لماذا تتصاعد الأصوات حول مصالحة (مصرية – تركية)؟

منذ فترة كبيرة، تتوالى علينا من خلال وسائل الإعلام المختلفة، تصريحات من مسؤولين أتراك، يؤكدون فيها على تاريخية العلاقات بين مصر وتركيا، وأهمية مصر في منطقة الشرق الأوسط وأفريقيا، وقد أتت هذه التصريحات من مستويات سيادية عليا، شملت وزير الدفاع، ووزير الخارجية التركي، وحتى رأس النظام التركي، ولم تلقَ هذه البيانات والتصريحات ردود فعل صريحة من المسؤولين المصريين، فهل بدأت تركيا تعيد حساباتها، وتطمح لإعادة فتح مجال التفاوض والتقارب مع الجانب المصري؟

يمكننا المرور على بعض الأحداث والسياقات، التي من خلالها يمكننا الإجابة عن هذا التساؤل، ففي مارس 2021، في مؤتمر صحفي بين وزير الخارجية التركي، ونظيره الجورجي، تم الإعلان عن رغبة تركيا، في إعادة المفاوضات مع الجانب المصري، وإعادة ترسيم الحدود في البحر المتوسط، وتلا ذلك، تصريح وزير الدفاع التركي، في أحد المناورات العسكرية في بحر “إيجا”، الذي أكد فيه، على تاريخية العلاقات بين البلدين، وبيان ألقاه، المتحدث الرسمي باسم الرئاسة التركية، في الفترة نفسها، يؤكد على رغبته في عودة العلاقات بين مصر وتركيا، إضافةً إلى المتحدث باسم حزب العدالة والتنمية، وإعلان الخارجية التركية، في 12 مارس 2021، عن مواصلة تركيا جهودها الدبلوماسية؛ لتصحيح العلاقات مع مصر، وتلاه تصريح على لسان الرئيس التركي، كل هذه التصريحات؛ غرضها تهدئة الوضع مع مصر، ولكن ظلت مصر ملتزمة الصمت، ومتمسكة بموقفها، المتمثل في ضرورة احترام قواعد القانون الدولي، وقواعد حسن الجوار، وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للبلاد، وهو ما أكده بيان وزير الخارجية المصري، أمام البرلمان المصري، منتصف مارس 2021، كما تمَّ التأكيد بعودة العلاقات، مَقْرون بإحداث تغيير حقيقي في السياسة التركية، تجاه مصر والشرق الأوسط، جاء ذلك عقب تكثيف تركيا رسائلها الودّية، تجاه مصر، على مختلف المستويات، في محاولة لتحسين الأوضاع المتوترة، منذ العام 2013.

ولعل التوقيت الذي بدأت فيه تركيا مسار التقارب مع مصر، وبعض الدول في الشرق الأوسط، من بينهم (الإمارات- السعودية- إسرائيل)، ليس منفردًا، ولكنه يأتي في سياقٍ عامٍ في المنطقة، من أمثلته (المصالحة الخليجية بعد قمة العلا، وتطور العلاقات القطرية المصرية، وكذلك الحوارات المباشرة وغير المباشرة بين المملكة العربية السعودية وإيران، وظروف الصراع الروسي الأوكراني).

ولنتناول بشيء من التفصيل الموقف المصري من تركيا وشروط إعادة العلاقات

تتمثل الدوافع المصرية في بعض المواقف تجاه السياسات التركية فيما يلي:

– رفض مصر التواجد العسكري التركي في ليبيا: حيث إن وجود قوات عسكرية تركية في ليبيا “غير شرعي”، لا سيما أنه ارتكز على اتفاقيات مع حكومة الوفاق السابقة، التي لم تكن مختصة بمثل تلك المسائل، وفقًا لبنود اتفاق الصخيرات، الذي ينص على “أن هناك إجماعًا دوليًّا على خروج كافة القوات الأجنبية من الأراضي الليبية؛ من أجل استقرار البلاد، واستعادة وحدتها”.

– عدم التدخل في الشؤون الداخلية للجوار: عدم التدخل في الشؤون الداخلية، والالتزام بمبادئ حسن الجوار، وعدم السماح بأي نشاط على أراضي الدولة، في إطار زعزعة استقرار دولة أخرى، وهذه هي المبادئ المستقرة في ميثاق الأمم المتحدة.

– دعم الجانب التركي لبعض التنظيمات المدرجة على قوائم الإرهاب، من قِبَلِ الحكومة المصرية؛ لقيامها بأنشطة تهدد استقرار وأمن البلاد، ودعمه إعلاميًّا لبعض القنوات، التي تبث على أرضه، ضد مصر، إضافةً إلى رفض تسليم بعض الشخصيات المطلوبة للمحاكمة، وفقًا للقانون المصري.

بعد الوقوف على الموقف المصري من دعوات الجانب التركي؛ لتقوية التقارب، ننتقل إلى دوافع الجانب التركي فيما يلي:-

– كان انتخاب (بايدن) رئيسًا للولايات المتحدة الأمريكية، إيذانًا بغلْق عهد (ترامب) وما رافقه من أزمات وتوترات وأساليب السياسة الخارجية من جهة، ومن جهة ثانية، فإن سياساته المعلنة، وفي مقدمتها، تخفيف الاهتمام بالمنطقة، واستمرار الانسحاب النسبي التدريجي منها، والمفاوضات مع إيران، دفعت مختلف الدول الإقليمية – ومعظمها من حلفاء الولايات المتحدة- بإعادة النظر في سياساتها ومواقفها وتحالفاتها.

– وعلى الصعيد المحلي، فإن اقتصادات معظم دول المنطقة – إن لم نقل كلها- تعاني من تداعيات جائحة كورونا، التي تدخل حاليًا فيما يبدو مرحلة جديدة، ولربما تمايزت تركيا في هذا الإطار بحساسية أكبر؛ بسبب الظروف التي يمر بها اقتصادها مؤخرًا، ولا سيما ما يتعلق بنسبة الفائدة وسعر صرف الليرة، إضافةً إلى أنها مقبلة على انتخابات مصيرية في 2023، وربما قبل ذلك.

– شعور النظام التركي بالعُزْلة؛ حيث إنها منذ عام 2015، تعتبر في عُزْلة عن جيرانها، ورفض الاتحاد الأوروبي طلب انضمامها للاتحاد، إضافةً إلى توقيع الولايات المتحدة الأمريكية عقوبات عليها؛ جراء صفقة الصواريخ الروسية، ووقْف تصدير طائرات طراز “إف 35” لها، فضلًا عن موقف الإدارة الأمريكية الحالية من النظام التركي.

– تصاعد الدور المصري في منطقة شرق المتوسط، بدعوة مصر لدول المنطقة؛ لتقسيم ثروات المنطقة، (الطاقة)؛ ما أدى إلى تحوُّل الشراكة إلى منظمة دولية، بحلول أغسطس 2020، وانضمت له معظم دول شرق المتوسط، ولم تستطع تركيا المشاركة.

– تراجع رهانات تركيا في ليبيا، بدءًا بتولي “عبد الحميد الدبيبة”، رئاسة وزراء البلاد، والذي جعل مصر أولى محطات زيارته الخارجية، فبراير 2021، بالإضافة إلى خلافات النظام التركي مع بعض الدول العربية، من بينها (الإمارات، والسعودية، والبحرين)، وتنافسه مع الجانب الروسي في العديد من المناطق المؤججة بالصراعات في المنطقة، ومن بينها (سوريا- ليبيا)؛ ما يجعل خيار العودة لخطب وُدّ دول المنطقة العربية خيارًا إستراتيجيًّا لها؛ تماشيًا مع الظرف الدولي والإقليمي.

– تردي الأحوال الاقتصادية؛ الناتجة عن إقحام نفسها في الصراعات الدائرة في المنطقة، وما ترتب على ذلك، من تكلفة (عسكرية، واقتصادية) باهظة، تحمَّل أعباءها الشعب التركي، وانخفضت قيمة العملة الرسمية، بنسبة 100%، منذ عام 2015 وحتى بداية 2022، وارتفاع معدل التضخم لـ16% خلال 2021، وما تلا ذلك، من ارتفاع الأسعار، وحدوث عجز في الميزانية، بمقدار 20 مليار دولار، وهو أكبر نسبة عجز في تاريخها، وتراجع الناتج المحلي الإجمالي، بمقدار الربع؛ ما يعني، أن تركيا تواجه أزمة اقتصادية أيضًا، وهنا ننتقل لعنصر آخر.

– الأهمية التجارية للعلاقات المصرية، حيث إن النظام التركي ما زال يعيش في وعكة اقتصادية، وبالتالي، فإنها في حاجة إلى رفع مستوى التعاون الاقتصادي بشكل ما؛ لتعويض جزْءٍ من الخلل؛ حيث التبادل التجاري بين البلدين، فتأتي تركيا في المرتبة الخامسة، من حيث الدول المصدرة لمصر، بمعدل نمو قدره 12.06% 2021، وبلغت صادرات تركيا لمصر نحو 3.5 مليار دولار، مقابل 3.1 مليار دولار في 2020، كما بلغ حجم الصادرات غير البترولية المصرية في 2021، وفق تقارير حكومية، 32.3 مليار دولار، وحجم الصادرات البترولية 12.9 مليار دولار، كما تعتبر مصر أكبر شريك تجاري لبلاده في أفريقيا، وحجم التجارة بين البلدين، تجاوز 6 مليارات دولار، في 2021، ولعل هذه الأرقام توضح أسباب استمرار التعاون التجاري بين البلدينرغبتها في الحصول على حصة من ثروات شرق المتوسط، متمثلة في الطاقة؛ ما دفعها لعقْد اتفاق بإعادة ترسيم الحدود مع حكومة الوفاق الليبية، متجاهلةً دول حوض شرق المتوسط؛ ما دفع مصر لإعادة ترسيم حدودها مع (قبرص، واليونان)؛ لحفظ حقوقها.

وانطلاقًا من هذه الأسباب، فقد سعت تركيا لانتهاج سياسة خارجية؛ لإعادة العلاقات مع جيرانها، كما يلي:

محاولات تركيا لفكِّ العُزْلة، باتباع سياسة خارجية براغماتية

بعد أن أدركت تركيا تبعات عُزْلتها عن المنطقة، التي استمرت لفترة كبيرة، وعانت من تبعاتها على عدة مستويات، فقد عملت على إعادة ضبط سياستها الخارجية بشكل كبير في (الشرق الأوسط، وشمال أفريقيا)، فقد خفَّفت تدريجيًّا من سياستها الخارجية الحازمة لأكثر من عام؛ حيث أصبحت تدرك بشكل متزايد، الحاجة إلى نزع فتيل التوترات، وكسْر عُزْلتها الإقليمية، وإصلاح العلاقات مع المنافسين الإقليميين، على الصعيد الدولي.

على الصعيد الدولي: يبدو أن البراغماتية قد سادت في السياسة الخارجية لتركيا، إلى جانب الطموح لاستعادة المكانة الإقليمية والعالمية، وهذا بدوره، يشكل أساس جهود وساطة (أنقرة) في الحرب (الروسية – الأوكرانية)؛ حيث تستفيد من علاقاتها الإيجابية، مع كلا البلدين، بينما تحاول عدم تنفير الجانب الروسي.

على الصعيد الإقليمي: فقد اتخذت تركيا أيضًا خطوات؛ لإعادة ضبْط سياستها الخارجية، القائمة على العسكرية تدريجيًّا، وكذلك إعادة ضبْط العلاقات مع منافسيها العرب الرئيسيين، في ظلِّ هذه الخلفية، أدى اضطراب الأنشطة الاقتصادية والتجارة؛ بسبب جائحة “كوفيد -19″، والحاجة اللاحقة إلى التعافي المالي، وإلى تغذية الحوافز؛ للتغلب على النزاعات والتوترات الإقليمية؛ لذا كانت جهود (أنقرة) الدبلوماسية، موجهة بشكل أساسي إلى (مصر، وإسرائيل، والمملكة العربية السعودية، والإمارات العربية المتحدة)، وكانت النتائج متباينة حتى الآن؛ حيث أعادت جولتان من المحادثات مع مصر، فتح الاتصالات الثنائية بعد ثماني سنوات من الجمود، ومع ذلك، يبدو أن المسار الطويل والضيق للمصالحة، يجعل الاستعادة الكاملة للعلاقات الثنائية أمرًا غير مرجح في المستقبل المنظور.

على العكس من ذلك، أدَّت زيارة رئيس الحكومة الإسرائيلي إلى تركيا لبدايةٍ جديدةٍ في العلاقات الثنائية؛ حيث نُوقش خلاله (ملف الطاقة، ومشروع إسرائيل لإمداد أوروبا بالطاقة عبر خط غاز)، فقد حاول الجانب التركي إقناع الرئيس الإسرائيلي، بتمرير خط الأنابيب، المزمع إنشاؤه، عبر الأراضي التركية، ومنها إلى أوروبا، ولم تتوقف الزيارات بين الطرفين، وعلى الرغم من عدم ظهور نيةٍ للتعاون، إلا أن استمرار الزيارات مؤشر على مرحلة جديدة من العلاقات بينهما.

في حين تبين أن الإمارات أول من رحَّب بالتقارب التركي، فكانت زيارة ولي العهد الإماراتي، محمد بن زايد آل نهيان، إلى تركيا، في نوفمبر 2021، وهي الأولى منذ ما يقرب من عقْد، بمثابة ختْمٍ لعملية التقارب، التي بدأت قبل أَشْهُر، ولا شك أن المصالح الاقتصادية المتبادلة كانت القوة الدافعة الرئيسية وراء المصالحة المذكورة، بينما تراهن الإمارات بشكل متزايد على الدبلوماسية الاقتصادية؛ لتعزيز انتعاشها بعد الوباء – بينما تحاول أيضًا الترويج لنفسها كلاعب؛ لتحقيق الاستقرار في المنطقة – في الوقت الذي تبحث فيه تركيا عن استثمارات جديدة، وشركاء اقتصاديين؛ للحفاظ على اقتصادها الهشّ، ومحاولة “أردوغان” تحسين صورته في ضوْء الانتخابات البرلمانية والرئاسية، لعام 2023؛ حيث يعلم الرئيس أن الدعم الانتخابي له ولحزبه”AK” يعتمد إلى حد كبير على التعافي الاقتصادي؛ لذا فقد تم توقيع العشرات من اتفاقيات التعاون – بما في ذلك (الطاقة، والتجارة، والبيئة)، علاوةً على ذلك، خصَّصت الإمارات صندوقًا، بقيمة 10 مليارات دولار، للاستثمارات الإستراتيجية في تركيا، وفي وقتٍ لاحقٍ، تم توقيع اتفاقية مقايضة، بقيمة 5 مليارات دولار تقريبًا؛ لدعْم احتياطيات البنك المركزي التركي من العملات، إضافةً إلى هبوط الليرة، وسط أزمة عُمْلة حادة.

أما بالنسبة للمملكة العربية السعودية: في هذا السياق المتطور، لا يزال من غير الواضح، ما إذا كانت المملكة العربية السعودية ستتبع خُطَى الإمارات، وتبدأ عملية التقارب، فقد رفعت زيارة وزير الخارجية التركي إلى الرياض، في مايو 2021، ووزير التجارة السعودي، ماجد بن عبد الله القصبي، إلى إسطنبول، في نوفمبر، التوقعات بشأن المصالحة الوشيكة بعد سنوات من التوترات.

لذا تساهم الحسابات الاقتصادية في تحديد أجندة تركيا تجاه المملكة العربية السعودية، ومع ذلك، وعلى عكس الإمارات لم يلتقِ (أردوغان) بعْدُ بنظيره السعودي، وقد يستغرق الأمر وقتًا أطول، ولكن يبدو أن المسار قد تم تتبعه بالفعل، على الرغم من أن بعض العُقَد لم يتم حلّها بعْدُ، ومع ذلك، يبقى أن نرى ما إذا كانت عملية المصالحة التركية مع الدول الإقليمية ستمثل عودةً إلى مبدأ “صفر مشاكل مع الجيران”، الذي ميَّز العقْد الأول من نهج السياسة الخارجية لحزب العدالة والتنمية.

بعد تحليل اتجاهات السياسة الخارجية التركية في الوقت الحالي، ما يعنينا هنا، هو الإجابة عن الفرضية التي طرحت في مقدمة الورقة، والمتعلقة بإمكانية رفع مستوى التمثيل الدبلوماسي مع مصر، وعودة العلاقات فيما بينهما من عدمه، وهو ما نتناوله فيما يلي:

هل من الممكن أن يرتفع مستوى التمثيل الدبلوماسي بين البلدين؟

مؤخرًا، بدأ الحديث حول تعيين الحكومة التركية مبعوثًا دبلوماسيًّا لها في مصر، ولكن نفت الحكومة التركية ذلك، فهل يمكننا الحديث عن إمكانية رفع مستوى التمثيل في المستقبل؟

السيناريو الأول: المصالحة وتصفير المشكلات

يقضي هذا السيناريو، بإمكانية عودة العلاقات بين مصر وتركيا؛ لما كانت عليه في السابق، ورفع مستوى التمثيل الدبلوماسي، ولكن تحقُّق هذا السيناريو، مقرونٌ بشكل أساسي وكامل، بتنفيذ تركيا للاشتراطات المصرية سالفة الذكر، ويعتبر هذا السيناريو مستبعدًا بشكل كبير، أو غير قابل للتحقُّق على المدى القصير، ولكن حدوثه وارد؛ لأنه لا خلاف يدوم في السياسة، وما يجعل إمكانية تحققه في المدى القصير غير وارد، هو انشغال الجانب التركي بالأزمات الاقتصادية الخانقة التي تعيشها البلاد، بالإضافة إلى قُرْب موعد الانتخابات الرئيسية والبرلمانية؛ ما يجعل الحكومة في حاجة؛ لتقويم سياساتها الداخلية بشكل عاجل؛ لضمان مقاعد في الانتخابات المقبلة، وما يؤكد إمكانية تحققه أيضًا، هو تصاعد الدعوات التركية لعودة العلاقات مع الجانب المصري، وبدْء اتخاذ خطوات، فيما يتعلق بالمحتوى الإعلامي الذي يبث فيها.

السيناريو الثاني: استمرار العلاقات الاقتصادية وجمود ما دونها

يذهب هذا السيناريو، بإمكانية أن يقتصر التقارب بين الطرفين، على تنويع وتكثيف مستوى العلاقات الاقتصادية بين البلدين؛ لاعتماد كلٍّ منهما على الآخر، في عدة قطاعات، منها (النفط، والغاز الطبيعي، والمنسوجات) وغيرها، وهو ما تؤكده الأرقام؛ حيث زاد حجم التبادل التجاري بين البلدين، بمقدار 1.3 مليار دولار، خلال عام 2021، بما يزيد عن الربع في 2020، ولعل ما يرجح هذا السيناريو (الوضع الاقتصادي لتركيا، ورغبتها في تصحيح الأوضاع داخليًّا)؛ لكسب رضا الشعب مع قُرْب الانتخابات.

السيناريو الثالث: جمود العلاقات

يذهب هذا السيناريو، إلى إمكانية جمود العلاقات بين البلدين، عند مستواها الحالي، وعلى الرغم من أنه سيناريو تشاؤمي مستبعد، إلا أنه ما زال مطروحًا أيضًا، في ظلِّ الوضع الداخلي والعالمي، الذي يؤثر – بشكل مباشر، وغير مباشر- على الطرفين.

ختامًا: تبدو فرص التقارب بين تركيا أكبر اليوم مما كانت عليه من قبل؛ للأسباب التي فصَّلناها، والتي جعلت جميع الأطراف أكثر رغبة في التغيير، بيد أنه لا ينبغي المبالغة في تقييم ما حصل حتى اللحظة، على الرغم من أهميته، فما تمَّ هو إعلان تهدئة، وفتح قنوات التواصل والحوار؛ لإدارة (الخلافات، والاختلافات)، التي ما زالت وستظل قائمة، ولم يصل الأطراف بعْدُ لمرحلة التعاون الكامل، فضلًا عن التحالف، وليس مرجًحا أن يصلوا لها قريبًا جدًا، ورغم ذلك، فنحن بالتأكيد إزاء مرحلة جديدة في المنطقة، عنوانها (التهدئة النسبية) بعد الاستقطاب الحاد، وسيكون لها – بالتأكيد – تداعياتها على السياسات الخارجية للدول المعنية.

 

 

 

كلمات مفتاحية