ملامح زيارة أردوغان للمملكة العربية السعودية فى ضوء السياسات التركية المتأرجحة

WhatsApp Image 2022 04 11 at 12. 1 ملامح زيارة أردوغان للمملكة العربية السعودية فى ضوء السياسات التركية المتأرجحة

 

اللواء الدكتور / أحمد الشحات

[email protected]

 

قام الرئيس التركي ” أردوغان “، نهاية الأسبوع الماضى، بزيارة إلى المملكة العربية السعودية، والتي تعد الأولى منذ نحو خمس سنوات، بعد توتر حاد ساد علاقات البلدين بسبب قضايا عدة  أبرزها قضية مقتل الصحفي جمال خاشقجي، في إطار المساعى لاستعادة دفء علاقات أنقرة والرياض، خاصة مع الوضع الاقتصادي الصعب الذي تعانيه تركيا، مما أثر على قيمة عملة البلاد التي تدنت إلى مستويات قياسية.

علاقات غير مستقرة

شهدت العلاقات بين تركيا والسعودية العديد من القضايا الخلافية ولعل أبرزها خلال مواقفها من الصراعات الإقليمية بسوريا وليبيا واليمن، ثم في عام 2017، حين أعلنت بعض الدول العربية ومنها السعودية قطع علاقاتها الدبلوماسية مع قطر، فاختارت تركيا بالمقابل دعمها ووقوفها إلى جانب قطر،. كما شكل احتضان تركيا لقيادات من جماعات الإخوان المسلمين وقنواتها المحرضة وعناصر أخرى معارضة للدولة المصرية نقطة خلاف محورية بينهما، إذ اعتبرت الرياض الأمر “رعاية للإرهاب” وتشجيعا للإسلام السياسي في المنطقة، خاصة وأن هيئة كبار العلماء في السعودية صنفت جماعة الإخوان المسلمين “منظمة إرهابية”.

وكانت النقطة القاصمة وأدت إلى تصاعد حدة الخلاف بين البلدين، حادث اغتيال الصحفي السعودي”جمال خاشقجي” في أكتوبر 2018 داخل قنصلية بلاده بمدينة إسطنبول وتنامى تداعيات المواقف التركية في ردود أفعالها تجاه الأزمة .

 مرحلة جديدة من العلاقات :

أعرب الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في إطار الزيارة عن ثقته برفع العلاقات مع السعودية إلى مستويات عالية، وفتح الباب أمام تطوير العلاقات، مؤكداً بأن الدولتين تربطهما علاقات تاريخية وثقافية وإنسانية، لافتاً باستمرار سعي البلدين لتعزيز علاقاتهما القائمة على الثقة والاحترام المتبادلين مع تأكيده بأهمية إستقرار وأمن دول الخليج ضد كافة أنواع الإرهاب،مع إعتقاده بأن تعزيز التعاون في مجالات تشمل الدفاع والتمويل هو مصلحة مشتركة للدولتين.حيث تأتي زيارة أردوغان تتويجا لتحركات دبلوماسية متواصلة منذ أكثر من عام عبر اتصال هاتفي أجراه “أردوغان ” مع العاهل السعودي في مايو من العام الماضي، ثم إرسال وزير خارجيته ، في زيارة رسمية إلى الرياض للقاء نظيره السعودي لتنسيق مستوى التعاون والاعداد للزيارة .

مع إعلان الخارجية التركية أنها تأمل أن أنقرة تأمل بأن تساهم الزيارة في ترسيخ عهد جديد في العلاقات بعد جهود مكثفة لإصلاحها بعدما شابها من توتر في السنوات الماضية، وأن تنهي هذه الزيارة بشكل كامل مقاطعة غير رسمية فرضتها السعودية على الواردات التركية في العام 2020، حيث خفضت المقاطعة الواردات التركية للمملكة بنسبة 98%.. 

تغير في توجهات وسياسات أنقرة:

من جانب أخر تتسم ملامح السياسة الخارجية التركية بشكل عام مؤخراَ بالتناقض في المواقف فتارة تتبنى مواقف متشددة ضد دول بعينها في المنطقة وتارة أخرى تحاول اتخاذ إجراءات للتقارب مع نفس الدول دون مبرر واضح. وكل ذلك أتى بالطبع وسط أهداف واضحة للسياسة الخارجية التركية ترتبط بحماية مصالحها على المستوى العالمي والإقليمي وسعى لانعكاسها على الوضع الداخلي .

كما أصبحت أنقرة مؤخرًا أكثر انخراطًا ونشاطًا في الشرق الأوسط. ويعتقد أن هذا التغيير يعني انسحاب مستتر لتركيا من الغرب ولو بشكل مؤقت في ضوء حالة التوتر الحالية إرتباطاً بالصراع في أوكرانيا من جانب وتغير الأولويات من جانب أخر، كون سياساتها بتحقيق مخططاتها في المنطقة يتعارض مع اندماجها الغربي. ومع ذلك ، يعتقد البعض الآخر أن مزيجًا من الأمن والتنبؤ بالطاقة والاعتبارات العقلانية والمصالح الوطنية أجبر تركيا على دفع سياستها الخارجية تجاه الشرق الأوسط.

ولا شك أن سياسة أردوغان التصادمية جعلته يدخل في مشاكل متعددة مع دول المنطقة على سبيل المثال سوريا، التي كانت أقرب الدول العربية إلى تركيا جغرافيا وسياسيا واقتصاديا وثقافيا وكانت العلاقات سابقاً شاملة وتأخذ الطابع الإستراتيجى، تم إلغاء تأشيرة الدخول بين البلدين.

من خلال رصد التحركات التركية الأخيرة، يتضح أن الطابع الإقتصادى سيطر عليها سواء زيارة أردوغان السابقة لدولة الإمارات ولاحقاً توجهة للمملكة العربية السعودية وبين الحين والأخر تسريب نوايا للتقارب مع مصر، فالإقتصاد التركي لا يستطيع الاستغناء عن العالم سواء على المستوى الإقليمى أو الدولى ،على العكس من الاقتصاد الروسي، الذي لديه المقومات من مواد خام ومدخلات تصنيع وغيرها، وكذلك الصين التي تستطيع التصنيع وتسويق منتجاتها محليا نظرا للحجم الهائل من السكان، فالصين لا تحتاج إلى أسواق خارجية على العكس من روسيا حال تعرضت لأزمة مثل الذي حدث معها بعد الحرب في أوكرانيا. كما أن النفط والغاز والاستثمارات والتكنولوجيا جميعها من الخارج، إضافة إلى أنه يحتاج إلى الأسواق الخارجية من أجل تسويق منتجاته .

ملامح إقتصادية بين الدولتين فى إطار الإنتقال من التراجع للتحسن المضطرد :

تعتبر السعودية وتركيا قوتان اقتصاديتان في المنطقة، لكن الأزمة الأخيرة التي لحقت الاقتصاد التركي، دفعت أردوغان إلى البحث عن منافذ بديلة لتجاوزها وتجنب الأسوء، ومنها السعودية، وتوقع مجلس الغرف التجارية السعودية ارتفاع واردات المملكة من تركيا خلال الفترة القريبة المقبلة، في إشارة دالة على التحسن المضطرد للعلاقات بين البلدين، عقب فترة ركود تجاري بينهما، تخللها قرار الرياض وقف استيراد المنتجات التركية وحجبها عن الأسواق السعودية، وإقصاء شركات البناء التركية العملاقة من المشاركة في أي مشاريع سعودية، إضافة إلى تقليص أعداد رحلات الحج والعمرة، وهو الأمر الذي فاقمته جائحة فيروس كورونا. فضلا عن امتناع السياح السعوديين عن زيارة تركيا، الأمر الذي شكل ضربة قاسية لقطاع السياحة التركية.

وقبل مقتل خاشقجي وبروز تداعيات تلك الأزمة، كانت الاستثمارات السعودية في تركيا قد بلغت نحو ملياري دولار.بينما كانت تقدر استثمارات تركيا في السعودية بنحو 660 مليون دولار. وكانت أكثر من 200 شركة تركية تعمل في السعودية، وفقاً لوزارة الخارجية التركية.

في حين اشترى مواطنون سعوديون أكثر من 3500 عقار في تركيا، قبل عام من قتل خاشقجي وتحديداً عام 2017.ثم شهدت السوق العقارية التركية تراجعاً كبيراً، يقدر بحوالى 46% عما كانت علية سابقاً، وأدى خروج المستثمرين السعوديين بشكل خاص والخليجيين بشكل عام من القطاع العقاري التركي عبر تسييل استثماراتهم، واتجاههم إلى أسواق في دول أخرى، في الإطاحة بالقطاع العقاري التركى، إضافة إلى إلغاء أو تجميد عشرات المشروعات الإنشائية ، بينما تحاول عشرات الشركات من أجل دفع ديونها بالعملات الأجنبية بعد التراجع الكبير في سعر صرف العملة المحلية.

ويعاني  الاقتصاد التركي منذ سنوات، وتعرضت الليرة لأزمة في أواخر 2021 مما دفع التضخم للارتفاع لأكثر من 60%. وقد تسعى أنقرة لاتفاق مع الرياض مستقبلاً على غرار اتفاقات قائمة لمبادلة العملة مع الصين وقطر وكوريا الجنوبية والإمارات تبلغ قيمتها 28 مليار دولار إجمالا.

وفي الربع الأول من العام الحالي وبالتزامن مع التمهيد لإعادة تطبيع العلاقات زادت التجارة بين البلدين بنسبة 25 بالمئة، مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي.

وبحسب بيانات معهد الإحصاء التركي (TUIK)، بلغت واردات تركيا من السعودية 693 مليوناً و 945 ألف دولار في أول شهرين من عام 2022، فيما بقيت الصادرات عند مستوى 20 مليوناً و 442 ألف دولار. إلا أن الصادرات ارتفعت إلى 58 مليون دولار في مارس/ آذار، لتصل في الأشهر الثلاثة الأولى إلى 78 مليون دولار. بينما بلغت صادرات تركيا للسعودية في الأشهر الثلاثة الأولى من العام الماضي 74 مليوناً و 834 ألف دولار، بينما بلغت قيمة الواردات في الشهرين الأولين من العام الماضي 313 مليوناً و 739 ألف دولار.

في ضوء ماسبق – تشير الزيارة والتحركات التركية الأخيرة في ضوء المعطيات المتاحة إلى العديد من الدلالات والتي يتمثل أبرزها في الأتى :

1. تأتى مساعي أردوغان لتجاوز الخلاف مع السعودية، ضمن إطار تحركاته على المستوى الإقليمى مؤخراً لتحسين علاقة بلاده مع عدد من دول المنطقة، على رأسها مصر والإمارات العربية المتحدة وإسرائيل، في مواجهة عزلة دبلوماسية متزايدة أدت إلى تراجع كبير في الاستثمارات الأجنبية وأثرت سلبا على الاقتصاد المحلي.

2. إدراك أردوغان بأن الاستثمارات والسياحة الخليجية والأسواق الخليجية، إضافة إلى المواد الخام الخليجية من نفط وغاز وغيره هي المخرج الرئيسي لأزمة بلاده الإقتصادية؛ لذلك بدأ في عمل استدارة استراتيجية مع الإمارات ثم مع السعودية إضافة إلى الكويت وعمان والبحرين ، فضلاً عن تميز علاقته مع قطر. الأمر الذى يتضح معه إن العامل الاقتصادي هو الأولوية الأولى والمحرك الأساسي للزيارة، وقد تساهم الزيارة في تهيئة الأرضية المناسبة لفتح صفحة جديدة في العلاقات، إلاّ أن إزالة الرواسب الناجمة عن أزمة خاشقجي تتطلب المزيد من الجهد لإعادة ترميم الثقة بين القيادتين السعودية والتركية. مع الوضع في الإعتبار وجود الدولتين ضمن مجموعة العشرين بما يجعلهما رقم هام في الاقتصاد العالمى وخاصة على الصعيد الإقليمى.

3. يُمكن التنبؤ بأن العصر الجديد في العلاقات السعودية التركية سيتطور في المرحلة المقبلة، مدفوعاً بشكل رئيسي برغبة البلدين في التعاون الإقليمي لاحتواء النفوذ الإيراني الذي يُتوقع أن يكتسب زخماً أكبر مع اتجاه إدارة بايدن إلى إعادة إحياء الاتفاق النووي مع طهران ورغبتها في دفع حلفائها في المنطقة إلى تشكيل تكتل لتولي مسؤوليات أكبر في إدارة الوضع الإقليمي في المستقبل.

4. تعتبر الاعتبارات المرتبطة بالاقتصاد والأمن والوضع الإقليمي هي المحفزة لحث تركيا والسعودية إلى فتح صحفة جديدة في علاقاتهما في ضوء المصالح المشتركة المرتبطة بحاجة تركيا إلى عودة الاستثمارات السعودية وإنهاء الحظر السعودي غير الرسمي على البضائع التركية. ويمثل مصلحة للسعودية كون تركيا منفذ مهم على صعيد طرق إمدادات التجارة العالمية وأمن الطاقة العالمي.

5. مواصلة تركيا مساعيها لتصدير فكرة مراجعة سياساتها إقليمياً، كما وصف وزير خارجيتها عام 2022 بأنه “عام التطبيع” لتركيا، في إطار حرصها على العودة الي سياسة تصفير المشاكل ، في محاولة لتجاوز حقائق علي الارض وهي تواجدها العسكري في دول عربية وهي سوريا، العراق ،ليبيا ،الصومال ،السودان ،بالاضافة الي التعاون العسكري مع دولة قطر .

6. شكّل التحول الذي طرأ على السياسة الأمريكية في المنطقة عقب تولي الرئيس جو بايدن السلطة حافزاً إضافياً لدى القوى الإقليمية الفاعلة ومنها السعودية كفاعل إقليمي مؤثر وكذا تركيا لمحاولة التفاهم ولإيجاد صياغات مشتركة تساهم في إدارة الوضع الإقليمي خاصة بعد التراجع النسبي للدور الأمريكي.

 ختاماَ : إن التغيير في سياسة أنقرة في الشرق الأوسط هو انعكاس لعوامل خارجية – إقليمية ودولية ، وكذلك القضايا الداخلية المتعلقة بالأمن والاقتصاد. الأمر الذي بدأت معه تركيا في تغيير موقفها واستئناف علاقاتها المعادية سابقاً. يُمكن التنبؤ بأن العصر الجديد في العلاقات العربية التركية وخاصة الخليجية سيتطور خلال المرحلة المقبلة ولكنه يرتبط بشكل أساسي في تراجع تركيا عن مواقفها السابقة ومواصلة مساعيها لتجاوز نقاط الخلاف مع القوى الإقليمية الفاعلة.

كما يمكن القول إن المعطيات التي تنتجها تطورات السياسة الخارجية التركية باتت تفرض خيارات محدودة على تركيا، لا سيما أن رهانات تركيا في جانب هام من سياستها الخارجية كشفت عن عدم فهم دقيق، سواء لطبيعة قضايا وأزمات المنطقة وتعقيداتها بما وضعها في مأزق شديد يتطلب مراجعة سياساتها ومواقفها على الصعيد الإقليمي ، أو في علاقتها مع القوى الكبرى، وهو ما ألحق خسارة نسبية بموقع وموضع تركيا خارجياً وأن حاولت استدراكه مؤخراً بمحاولة لعبها دور الوسيط للمحادثات الروسية الأوكرانية الأخيرة من جانب، وبروز محاولات التغير في توجهاتها تجاه دول المنطقة من جانب أخر .

 

كلمات مفتاحية