رضوى رمضان الشريف
قام اللبنانيون في الخارج، بالتصويت في الانتخابات النيابية، المزمع إجراؤها داخل البلاد، في منتصف الشهر الحالي، وأُجريت الانتخابات في الخارج على دفعتيْن، الجمعة الموافق 6 مايو، في تسع دول عربية، وفي إيران، بينما انتخب المغتربون في 48 دولة أخرى، الأحد الموافق 8 مايو.
وتُجرى الانتخابات النيابية مرةً كل أربع سنوات، وأعطى التصويت الأخير في «2018» مقاعد الأغلبية لـ«حزب الله» المدعوم من إيران وحلفائه.
أدت سنوات من الاضطرابات السياسية والاحتجاجات ضد الفساد المنهجي، ابتداءً من الانتفاضة الشعبية العارمة، في خريف 2019، إلى حالةٍ من الشلل السياسي، ومنذ ذلك الحين، استمر الوضع في التدهور؛ بسبب سلسلةٍ من الأحداث الكارثية، بما في ذلك جائحة «COVID-19» العالمية، وانهيار الليرة اللبنانية وانفجار ميناء بيروت، في أغسطس 2020.
وفي إطار ذلك، وبانتظار إجراء الانتخابات النيابية في الداخل اللبناني، 15 مايو المقبل، ينظر الكثير إلى الانتخابات النيابية كفرصة؛ للتغلب على الوضع الراهن، أو إحداث تغيير حقيقي، رغم إدراكهم، أن حظوظ المرشحين المعارضين والمستقلين لإحداث تغيير سياسي ضئيلة، في بلدٍ يقوم على المحاصصة الطائفية، وأنهكته أزمات متراكمة.
المؤشرات الحالية
المؤشر الأول: يوجد خيبة كبرى، تكمن إزاء الآلاف من اللبنانيين، الذين خرجوا في 2019 وهاتفوا بالتغير؛ حيث يُلاحظ الآن، حالة واسعة من التشرذم؛ ففي 15 دائرة انتخابية في لبنان، يوجد 103 لائحة من الحراك المدني، ويُشار أن عدد تلك اللوائح تأتي بارتفاع ملحوظ، مقارنةً بالانتخابات النيابية الماضية، في العام 2018؛ إذ بلغ العدد حينها 77 لائحة فقط!
وتنافس تلك اللوائح يضعف حظوظها في أكثر من دائرة انتخابية، أبرزها دائرة «بيروت الثانية» التي تتنافس فيها ست لوائح لهذا الحراك، قبل انسحاب لائحة «بيروت مدينتي»؛ لصالح لوائح المجتمع المدني، أو ما يُعرف بـ«لوائح الثورة»، وإن بقيت حظوظ اختراق قوى التغيير ضئيلة، مع تعدد لوائحها، وتشتّت أصواتها، مقابل تماسك لوائح السلطة وأحزابها، ويدل ذلك على أن الأمل بالتغيُّر قد ضعُف .
المؤشر الثاني: تُجرى الانتخابات في غياب أبرز مكوِّن سياسي سُنِّي، بزعامة رئيس الحكومة السابق، ورئيس تيار المستقبل، سعد الحريري، الذي أعلن عزوفه عن خوض الاستحقاق.
كما قاما رئيسا الوزراء الحالي، نجيب ميقاتي، والسابق، فؤاد السنيورة، بإعلان عزوفهما عن الترشح، وقبلهما، أعلن رئيس الوزراء السابق، تمام سلام، الأمر ذاته.
ويضع كل ما سبق السُنة أمام واقع غير مسبوق، وهو خوضهم الانتخابات من دون زعامة رئيسية، أو تقليدية، فبالرغم من وجود حملات واسعة في لبنان؛ للتوعية بمخاطر الانكفاء عن التصويت على التمثيل السنّي، وما قد يُسببه من خلل في توازنات المعادلة الوطنية من جهة ثانية، إلا أن الوضع السياسي السُني سيقود إلى مزيدٍ من الوهن.
المؤشر الثالث: تأتي قوة حزب الله السياسية متمثلة في «حركة أمل» – العمود الفقري للشيعة- التي يرأسها الأمين العام لحزب الله «السيد حسن نصر الله»، ويعد «نصر الله» هو الحكم النهائي المتفق عليه بالإجماع؛ حيث توفيقه في أبريل الماضي، بين رئيس تيار «المردة»، « سليمان فرنجية» ورئيس التيار الوطني الحر «جبران باسيل» في الضاحية الجنوبية لبيروت، يدل على قدرته على فرض الإجماع، حتى بين أعضاء الطوائف البعيدة في المناطق البعيدة، وعلاقاته المستقرة أيضًا مع «حركة أمل» تضمن ولاءً لطائفته، كما أن انتماءه إلى إيران وسوريا والمقاومة، يضمن له القدرة بالتسلل إلى ما تبقى من طوائف ومناطق لبنان، ويساعده في ذلك ضعْف هذه الطوائف والمناطق وتشرذمها.
سيناريو ما بعد الانتخابات
سيناريو ما بعد الانتخابات النيابية لن يكون كما قبلها؛ حيث إن معالم المرحلة ستأتي على قياس نتائج التصويت، وحجم الكتل النيابية، وتركيبة المجلس النيابي الجديد، والذي سيُظهر حجم التراجع لدى العديد من التيارات والأحزاب الكبيرة.
السيناريو الأول:
في حالة فوْز حزب الله وحلفائه من تحقيق أغلبية نيابية، سيتلو ذلك تشكيل حزب الله للحكومة وتعيين الرئيس، ومن ثم يمكن القول: إن إيران قد حققت انتصارًا كبيرًا في لبنان.
وبالتالي، سيحقق حزب الله وحلفاؤه مكاسب كبيرة، تضيفهم إلى العديد من المكاسب الأخرى التي حققوها بالفعل.
السيناريو الثاني:
لنفترض بالمقابل، أن نتيجة الانتخابات لم تكن لصالح حزب الله وحلفائه، وفي هذه الحالة، لن يقبل حزب الله بنتيجة الانتخابات والحكومة التي تنتجها، ولا بالمرشح الرئاسي الذي تختاره الأغلبية البرلمانية الجديدة، وكرد فعل متوقع، لن تقف إيران هي الأخرى مكتوفة الأيدي وتقبل بنتائج الانتخابات النيابية.
إذن يمكن القول: إن في السيناريو الأول، يديم الانتصار الانتخابي لحزب الله الوضع الراهن الذي تمَّ تشكيله بقوة السلاح، أما في السيناريو الثاني، فيجدد الانتصار الانتخابي معضلة المنتصرين فقط – وهي معضلة متعددة الوجوه والأشكال.
وهكذا، في السيناريو الأولى، وبسبب قوة السلاح وعوامل أخرى بشكل أساسي، يصعد المنتصر إلى قمته؛ «حزب الله» يحقق انتصارًا كاملًا، ويترجمه مباشرة إلى سلطة، وصنع قرارٍ سياسيٍ .
أما في السيناريو الثاني، يشرع المنتصرون في رحلة لم يتم تحديد وجهتها بعد.
في النهاية.. يجب التشديد بأن الانتخابات النيابية التي تُجرى قبل عدة أشهر من الانتخابات الرئاسية، هي التي ستحدد مصير الرئاسة في لبنان، والجهة التي ستفوز في هذه الانتخابات ستكون هي الممسكة بالسلطة التشريعية – وأيضًا بالسلطة التنفيذية- إن صح القول.