أبعاد إعادة انتشار الوجود الإيراني في سوريا

إعداد: رضوى رمضان الشريف

يفسح انشغال روسيا بالعملية العسكرية في أوكرانيا مجالًا أكبر للوجود الإيراني في سوريا؛ حيث يتعالى عددٌ من الأصوات، حول انسحاب القوات الروسية من بعض مواقعها في سوريا، وتسليمها للميليشيات الإيرانية، فحسب بعض المصادر، أخلت روسيا – حتى الآن- نحو 50 نقطةً لها في سوريا، وسلَّمتها للحرس الثوري الإيراني، وحزب الله اللبناني.

وبالرغم من عدم توفُّر معلومات رسمية – من كلا الطرفين- تؤكد وجود تنسيقات حول تلك القضية، إلا أن سحْب القوات الروسية من بعض النقاط في الداخل السوري، والذي بدا واضحًا، يُثير القلق في المنطقة، وخاصةً إسرائيل بالدرجة الأولى، فذكرت صحيفة «جيروزاليم بوست» الإسرائيلية، أن روسيا تنقل وحدات من سوريا؛ لدعْم قواتها في أوكرانيا، مضيفةً، بأن إيران قد تستفيد من سحْب القوات الروسية، عن طريق نقْل وحداتها إلى المناطق التي سينسحب منها الرُّوس، وفي أثناء ذلك، فتحت أيضًا الزيارة النادرة للرئيس السوري، بشار الأسد، إلى إيران في الثامن من مايو، باب التكهنات أمام منْح إيران مساحةً أكبر في الساحة السورية.

البُعْد الأول: تراجع التنسيق «الروسي  – الإسرائيلي» في سوريا

سبق أن أنشأت إسرائيل «آلية تفادي التضارب» مع روسيا، بعد تدخُّلها في سوريا إلى جانب قوات النظام السوري، والتي تؤكد فيها، حرص إسرائيل على تفادي المواقع الروسية المتواجدة في الأراضي السورية، حال توجيه ضربات إسرائيلية ضد مواقع تمركُز الميليشيات الإيرانية – أما الآن- فيُعتبر مصدر القلق الرئيسي لإسرائيل، هو عرْقلة العلاقات «الإسرائيلية – الروسية» ،الحسَّاسة بشأن سوريا، فإسرائيل كانت ترى بأن توازن القوى المختلفة في سوريا ضرورة؛ حتى لا تنفرد إيران وحدها بسوريا.

ولكن أدَّت الأزمة الأوكرانية إلى تراجُعٍ ملحوظٍ في التنسيق بين روسيا وإسرائيل في سوريا، على خلفية دعْم إسرائيل للجانب الأوكراني، رغم حديثها عن مساعي وساطةٍ لها لحلِّ الأزمة، وما يُثير القلق الإسرائيلي، هو أن روسيا تقوم بتخفيض قواتها في سوريا، ومن بينها، مئات المرتزقة من مجموعة «فاغنر»؛ لتعزيز وجودها في أوكرانيا، بينما يُستبدل الإيرانيون والميليشيات الموالية لإيران بالجنود الرُّوس المُنسحبين.

البُعْد الثاني: إعادة ترتيب الأوراق بين روسيا وإيران

قد تتلخص دوافع موسكو بتقليص وجودها في سوريا؛ لرفع عدد قواتها في أوكرانيا من جهة، وخلْق ورقة ضغطٍ على الغرب وإسرائيل من جهةٍ أُخرى، وذلك بتوسيع رقعة سيطرة إيران على سوريا.

كما أن تسليم روسيا بعض مواقع تمركُزِها في سوريا، وتسليمها لإيران – إن كان صحيحًا- لتأخذ مكانها في بسْط السيطرة، ومحاربة «داعش» في البادية السورية، بحسب بعض التصريحات، أمر ستكون له تداعيات كثيرة، ولاسيما على التحالف الدولي، الذي سيجد نفسه في مواجهةٍ مباشرةٍ مع الميليشيات الإيرانية.

ورغم التفاهمات «الأمريكية – الروسية» بالالتزام بقواعد الاشتباك في سوريا، إلا أن روسيا ترى تسليم عشرات المواقع التابعة لها للميليشيات الإيرانية، لا يُعدُّ خرقًا للتفاهمات، بل يُحقِّق أهدافًا روسيةً، بالضغط على الغرب في الملف الأوكراني.

أما بالنسبة لإيران، يبدو أنها تريد التوسع والانتشار أكثر داخل الأراضي السورية، وترحب بأيِّ عرْضٍ بهذا الشأن، فهذا يخدم مصالحها، ويعطيها مرونةً أفضل للحركة بين العراق ولبنان عبر سوريا، وربما سيُشتِّت الانتشار الإيراني في مناطق متعددة، فإسرائيل قد وجَّهت الكثير من الضربات الجوية في سوريا ضد الحرس الثوري الإيراني بمواقعه المعروفة.

أما في إطار زيارة الرئيس السوري، بشار الأسد، لطهران، يمكن القول: إن «بشار الأسد» يبحث عن جهاتٍ تستطيع تثبيت حكمه، والأقرب لهذه المهمة بعد روسيا هي إيران، الحليف الإقليمي له، ولكنها تبدو مهمة صعبة للغاية؛ حيث وجود إسرائيل وتركيا، المستعدة دائمًا للتدخل، وتنفيذ العمليات داخل الأراضي السورية، خاصةً تركيا التي تملك – بالفعل- قواتٍ منتشرةً في بعض المناطق شمال سوريا.

يرى «بشار الأسد»، أن إطالة أمَد الصراع في أوكرانيا، قد يؤدي إلى تراجُع أو تخلِّي روسيا عن دعْم بعض الوحدات العسكرية السورية، التي ساهمت في استعادة النظام؛ لتوازنه أمام فصائل المعارضة، فضلًا عن تشكيل وحدات أُخرى جديدة، مثل «الفيلق الخامس»، و«الفرقة السادسة»، و«الفرقة 25» .

وانطلاقًا من ذلك، فإن الزيارة التي قام بها «بشار الأسد»، في 8 مايو، تُشكِّل حاجةً إيرانيةً خلال هذه المرحلة الراهنة، بقدْر الحاجة نفسها التي تُشكِّلها للأسد ونظامه، فهي تصبُّ في إطار تنسيق المواقف للتعامل مع التطورات، والمستجدات المتوقعة، على الصعيديْن «الإقليمي، والدولي»، وما فيها من إعادة ترتيب الأوراق، ومناطق، وحدود النفوذ بين القوى الفاعلة والمؤثرة في معادلاتها، فالنظام الإيراني يعمل على تثبيت معادلة دوْره، ومساحة نفوذه في الإقليم؛ استعدادًا لوضعها على طاولة أيِّ تسوية «إقليمية، أو دولية»، وهي رسالة للأطراف الإقليمية المعنية بمواجهة النفوذ الإيراني، وأن المعادلة الأهم التي يجب أن تُؤخذ في الاعتبار، أن إيران لن تسمح بإدخال أيّ تعديل يؤثر أو يؤدي إلى تقليص نفوذ المحور الذي يقوده، والممتد من العراق، مرورًا بسوريا، ووصولًا إلى لبنان، إضافةً إلى اليمن.

في النهاية، وبالرغم من أن ما يحدث في أوكرانيا من ضغطٍ «عسكري، واقتصادي» كبير على روسيا، يترك خلفه تداعيات إيجابية – في المحصلة- على توسُّع النفوذ الإيراني في سوريا بشكلٍ كبيرٍ، إلا أنه لا يجب الجزْم بأن روسيا تنوي الانسحاب الكُلِّي من سوريا؛ حيث تعلم موسكو أهمية وجودها في سوريا؛ كونها تُمثِّل ركيزةً أساسيةً لنفوذها في المنطقة، فهي لا تزال تُشكِّل قاعدة عملياتية متقدمة، ورئيسية مهمة للرُّوس، وإبقاء الرُّوس على حضورهم العسكري، ينْبُع من قلقٍ روسيٍ عميقٍ من عودة الانخراط الأمريكي في سوريا بشكلٍ أكثر جدية وفاعلية؛ ما يهدد مصالح ومكتسبات روسيا في سوريا.

ويتوقع في حال قيام روسيا بسحْب قواتها من سوريا بأعدادٍ أكبر، بأن تُكثِّف إسرائيل من ضرباتها الجوية ضد مواقع تمركُز الميليشيات الإيرانية في سوريا، وهذه المرة بحرية أكبر، وبالتالي، ستُكثِّف إيران هي الأخرى، من خلال أذرعتها المختلفة، بتوجيه ضرباتها الجوية المتنوعة، أُسوةً بما تمَّ ضد مواقع استخباراتية، تابعة لإسرائيل في العراق، وكذا الهجوم الإيراني الأخير في أربيل.

ومما لا شكَّ فيه، أن تكثيف المناوشات المتبادلة بين إيران وإسرائيل، ستقوم بتأجيج بُؤَر الصراع المختلفة من جديدٍ في المنطقة، خاصةً بعد أن بدأ مسار يأمل بالوصول إلى تسويات مع العواصم الإقليمية، حول بعض الملفات المتأزمة، مثل الرهان على استمرار إيجابية اتفاق وقْف إطلاق النار في اليمن، وتمرير الاستحقاقات الدستورية في العراق، في إطار تفاهماتٍ مع الجهات المعنية بتلك الأزمة.

كلمات مفتاحية