رابعة نورالدين وزير
بعد مخاضٍ عسيرٍ بالانتخابات التشريعية، كان الصوماليون على موعدٍ مع انتخاب رئيسٍ جديدٍ لبلدهم من قِبَلِ البرلمان، وسط تنافس عددٍ كبيرٍ من المرشحين على الفوْز بمنصب الرئيس العاشر للبلاد؛ حيث عانى الصومال منذ أواخر 2020، من حالة الاحتقان السياسي؛ نتيجة خلافاتٍ بين الحكومة من جهة، ورؤساء الأقاليم والمعارضة من جهةٍ أُخرى، حول بعض التفاصيل المتعلقة بآلية إجراء الانتخابات، كما تسبب قرار «فرماجو» بتمديد ولايته عاميْن بأزمةٍ سياسيةٍ، انتهت بتراجعه عن القرار، ومنذ عام ونصف، قد ضاعف المجتمع الدولي دعواته إلى إنجاز الانتخابات، معتبرًا أن التأخير يشغل السلطات عن مكافحة «حركة الشباب»، التي تخوض تمردًا في البلاد، منذ 15 عامًا.
وقد انتهت جولات الانتخابات الرئاسية، بفوْز «حسن شيخ محمود» رئيسًا جديدًا للصومال، بعد انتخاباتٍ اقتصر فيها حق التصويت – فقط – على نواب البلاد، وعليه؛ فسنحاول خلال محاور هذه الورقة، الوقوف على ملامح المشهد الانتخابي، وأصداء نتائجه على المستوييْن «الداخلي، والخارجي»، ثم الوقوف على أهم ما ينتظر الرئيس الحالي من تحديات في الصومال، وسيناريوهات المشهد، فيما بعد اكتمال الإجراءات الانتخابية، سواء على الصعيد «التشريعي، أو الرئاسي».
قراءة في المشهد الانتخابي بالصومال
ملابسات العملية الانتخابية: جدير بالذكر، أنه كان من المفترض، أن تُجرى الانتخابات، العام الماضي، مع انتهاء ولاية «فرماجو»، لكن الخلافات السياسية، وعدم الاستقرار، ساهما في تأجيل التصويت، وظلَّ الرئيس في السلطة، ولكن مع تزايد الدعوات على المستوى الدولي، كما سبقت الإشارة، اتخذ الصومال خطواتٍ نحو إجراء الانتخابات التشريعية والتي تمَّت في 3 مايو 2022، هذا بدوْره أدَّى إلى حدوث انفراجةٍ – بصورةٍ كبيرةٍ- بانتخاب أعضاء «مجلس النواب – مجلس الشيوخ»، وبدْء عقْد جلساتهم، على الرغم من تعقُّد المسار بشكلٍ كبيرٍ، وبعدها تمَّ تحديد موعد إجراء الانتخابات الرئاسية؛ ليكون منتصف شهر مايو 2022.
بدايةً: يعتمد الصومال على نظام انتخابي فريد؛ حيث تسمى انتخابات غير مباشرة؛ إذ ينص الدستور المؤقت في مادته الـ«89» على أن يتم انتخاب رئيس البلاد خلال جلسة مشتركة بين مجلسيْ البرلمان الفيدرالي «الشعب، والشيوخ»، وعليه؛ أعلنت لجنة «تنظيم الاستحقاق الرئاسي»، المكونة من «17» عضوًا من مجلسيْ البرلمان، القائمة النهائية والمختصرة للمرشحين، وتضم «39» مرشحًا، من بينهم امرأة واحدة، وكانت المنافسة على أشُدِّها بين الرئيس «فرماجو»، المنتهية ولايته، ومعارضيه الذين نجحوا في اقتناص مقاعد عديدة في انتخابات البرلمان، بمجلسيْه، والمكون من «329» عضوًا، والذي سيتولى انتخاب الرئيس لـ«4» سنوات قادمة، وبين الرئيس الحالي «حسن شيخ محمود»، والتي انتهت بفوْزه على الأول بأغلبية «214» صوتًا، مقابل «110» أصوات، في جولة إعادة ثالثة.
جراء الوضع المُتأزِّم في الداخل الصومالي، فقد تمَّت العملية الانتخابية، في ظلِّ إجراءات أمنية مشددة، تمَّ على إثرها، إغلاق مدينة «مقديشيو»، كما تمَّ منْع المواطنين من النزول إلى الشوارع، وأُقيمت الانتخابات داخل مطار العاصمة «مقديشيو»؛ تجنُّبًا لأيِّ تحركاتٍ من «حركة الشباب» قد تعيق سيْر العملية الانتخابية.
أبرز ردود الفعل حول اكتمال الانتخابات الرئاسية: لاقت العملية الانتخابية في الصومال أصداء إيجابية على المستوييْن «الدولي، والإقليمي»؛ حيث رحَّبت المنظمات الدولية، منها «الأمم المتحدة، والاتحاد الأوروبي»، وغيرهما، كما رحَّبت معظم دول المنطقة أيضًا، في إطار دعْم استقرار وأمن الصومال، الذي يمثِّل امتدادًا لأمن واستقرار كافة الدول الإفريقية، ولا يمكننا غضُّ الطرف عن الاستجابة الداخلية، فعلى الرغم من أن الدورة الأولى من التصويت شهدت أصوات انفجارات قُرْب مطار «مقديشيو»، ولكنها لم تُعرْقِل إجراءات التصويت، ولم تعلن أيُّ جهةٍ مسؤوليتها، ومع إعلان النتائج، بدأ مؤيدو «حسن شيخ محمود» بالنزول إلى الشوارع والاحتفال، كما استقبل الشارع الصومالي الخبر بشكلٍ إيجابي؛ فلم تشهد البلاد احتجاجات على النتائج، أو غيرها من مظاهر الاعتراض.
ثانيًا: «حسن شيخ محمود» يؤدي اليمين.. ماذا ينتظره؟
لعل ما اتسمت به فترة حكمه الأولى «2012- 2017»، من استقرار سياسي، وبناء علاقات قوية مع الداخل والخارج، واتباع سياسة تصفير الأزمات، وتعزيز نظام الحكم المبني على الفيدرالية، إضافةً إلى جهوده في محاربة «حركة الشباب» الإرهابية، وحصل على اعتراف الولايات المتحدة الأمريكية بحكومة الصومال، كذلك أسهم في إعادة إحياء النظام التعليمي في البلاد، وعمل على هيكلة المؤسسات الحكومية بشكلٍ متطورٍ، كما تطور النظام المالي، والعلاقات الدبلوماسية، خلال رئاسته، إضافةً إلى برنامجه الانتخابي الذي حَظِيَ بقبولٍ لدى النخب السياسية في الصومال، والذي استطاع من خلاله، أن يقدم نفسه كفرصة ومنقذ للصومال، في ظلِّ ما يعانيه من أزمات، كان أبرز العوامل التي ساهمت في تعزيز فُرَص نجاحه في الانتخابات الرئاسية.
بعد أن أدَّى الرئيس الصومالي اليمين الدستورية، وفي أول خطبة له أمام البرلمان الصومالي، أكَّد على تعهُّدِه بالعمل على تقريب المسافات بين الصوماليين، وأنه لن ينتقم من أنصار النظام السابق، وأكَّد أنه سيقود البلاد وفق قوانين ودستور البلاد، وسيتمُّ حلُّ جميع الخلافات في دائرة القانون، والسعيْ نحْو فرْض الاستقرار السياسي؛ للمُضي قُدُمًا بالبلاد نحو التنمية والتطوير.
كما أعلن عدة محاور ضمن خطة عمل تخصُّ حكومته، خلال فترة «مائة يوم» من تولِّيه المنصب، واشتملت هذه الخطة على ما يلي:
- سيجري تغييرات كبيرة على المؤسسة الأمنية في البلاد؛ حيث يرى أنها تعمل وفقًا لقوانين وتشريعات قديمة، عفا عليها الزمن، وتحتاج إلى تحديثٍ وتطويرٍ بشكلٍ مستمرٍ، مع التأكيد على ضرورة تغيير هيكلة هذه الأجهزة، وفقًا للنظام الفيدرالي في البلاد.
- الانتهاء من برنامج الإعفاء من الديون الخارجية؛ حيث أكد أنه في مراحله النهائية، ويحتاج إلى الاستكمال.
- معالجة القضايا الأمنية في «مقديشيو»، على أن تتضمن تحسين أمن العاصمة، بالانطلاق – أولًا- من أمْن محافظتيْ «شبيلي الوسطى، والسفلى».
ماذا ينتظر الرئيس الصومالي الجديد؟
لا شكَّ أن الرئيس الصومالي ينتظره الكثير من التحديات من بينها:
- النشاط الإرهابي لـ«حركة الشباب»، وكسْر شوكتها «عسكريًّا، واقتصاديًّا»، والأولويةُ لتجفيف مصادر تمويلها، وهذا لن يحدث إلا ببناء قدرات جيش صومالي قوي، يستطيع تسلُّم المسؤولية الأمنية كاملة من قوات حفظ السلام الإفريقية، نهاية 2024.
- تجنُّب حالة الاستقطاب السياسي الحاد، وكسْب ثقة الشعب بالحكومة، وأساليب حكم الرئيس، إضافةً إلى السعيْ نحْو تجاوز الفجوة التي خلقها النظام السابق مع أحزاب المعارضة، والعمل على تجديد المنظومة السياسية في البلاد، وهو ما يضمن العبور إلى برِّ الأمان، مع ضرورة تحسين العلاقات مع الولايات الفيدرالية، التي ستلعب دوْرًا فاعلًا في تنفيذ السياسة الجديدة، وخلْق حالة توازنٍ ترعى المصالح مع الدول والمنظمات الدولية، ومراجعة أخطاء الفترة الماضية، وتصحيحها بما يخدم مصالح الطرفيْن.
- إضافةً إلى التحدي الأصعب، المتمثل في استكمال دستور البلاد، وتحويله من دستور مؤقت إلى دائم، وذلك عبْر استفتاء شعبي، خلال السنوات الأربع المقبلة .
- استكمال مسار الإعفاء من الديون، وخلْق الوظائف، ورفع المستوى المعيشي للفئات المهمشة، ومحاربة الفساد.
- محاولة وضع خطة؛ لتجنيب البلاد الآثار المدمرة للتغيُّر المناخي، وخطر المجاعة؛ حيث إن هناك ما يزيد عن «7.7» مليون صومالي يحتاجون إلى مساعدات إنسانية هذا العام، منهم «4.3» مليون متأثر بالجفاف، وأكثر من «270» ألف نازح، ويخشى موظفو الطوارئ من تكرار المجاعة المدمرة، في عام 2011، والتي أوْدَتْ بحياة «260» ألف شخص، نصفهم من الأطفال، كما أجبر النقص الحاد في المياه العائلات على الهجرة إلى المراكز «الحضرية، وشبه الحضرية»؛ ما أضاف «2.9» مليون شخصٍ قد نزحوا بالفعل؛ بسبب الصراع، وتغيُّر المناخ، وارتفعت أسعار المياه في بعض المناطق الأكثر تضررًا، بنسبةٍ تصل إلى «72%» .
ختامًا: يعتبر إجراء الانتخابات نجاحًا في حدِّ ذاته، ولكن هذا النجاح أو التطور، لا ينفي مطلقًا حجْم التعسُّر الذي يطغى على المشهد العام؛ حيث يقع على عاتق الرئيس الجديد مهمة توحيد الفرقاء، واستكمال الدستور، ومواجهة «حركة الشباب المسلمين»، وتحجيم نشاطاتها، وغيرها من المهام، التي سبق توضيحها، كما أن الصعوبة لا تكمن فقط في طبيعة المهام الملقاة على عاتقه، بل في الظروف التي تحيط بها، فمن جانبٍ، نجد أن دول الجوار الإقليمي للصومال تمُرُّ بأوضاعٍ داخليةٍ متأزِّمة، وعدم استقرار؛ ما يعني أنها لا تلقي اهتمامًا بتعزيز ودعم الصومال في الوصول إلى الاستقرار الداخلي، إلا في إطار الحفاظ على مصالحها أولًا، وبقدرٍ لا يسمح له بالانخراط في حلِّ مشكلات الصومال، فضلًا عن القوى الدولية التي بدأت تُعيدُ حساباتها، بشأن أجندات مكافحة الإرهاب، ودعم الاستقرار في دول المنطقة، خاصةً الصومال؛ حيث إن المتغيرات الدولية تفرض عليها ضرورة تبنِّي أجندات أُخرى، وإعادة ترتيب أولوياتها، بصورةٍ مستمرةٍ؛ لضمان حماية مصالحها ووجودها، وعليه؛ فالصعوبة تكْمُنُ في أن الصومال من المفترض أن يعتمد على ذاته بصورةٍ كبيرةٍ؛ لحلِّ مشكلاتٍ، لطالما عانت منها البلاد لعقود.