تمديد الهدنة في اليمن نحو سلام دائم

بقلم البروفيسور أيمن سلامة: أستاذ القانون الدولي العام

شَكّل اتفاق الهدنة في اليمن الذي أسسته ورعته منظمة الأمم المتحدة في الثاني من أبريل هذا العام أول بارقة أمل في الوقف النهائي لكافة العدائيات العسكرية في الحرب الضروس التي عصفت بالبلد المكلوم منذ ما يربو على السبعة أعوام، وكان المتحاربون في اليمن عقدوا مفاوضات استمرت ثلاثة أشهر برعاية ووساطة منظمة الأمم المتحدة أفضت لإبرام اتفاق الهدنة، وأجمع المراقبون على أهمية استمرار الجهود لإنهاء الصراع المسلح وجعل الهدنة الفاعلة توطئة لاتفاق سلام شامل في اليمن

ماهية اتفاق الهدنة

الهدنة في معناها القانوني اتفاق يتم بمقتضاه وقف عمليات القتال بين الأطراف المتحاربة، وهو اتفاق سياسي عسكري يؤدى غالبا إلى وقف القتال لفترة طويلة نسبيا، مقارنة باتفاق وقف إطلاق النار، وان كانت الهدنة لا تعنى إنهاء حالة الحرب.

إن اتفاق الهدنة عمل ذو طابع سياسي بجانب صفته العسكرية، يلجأ إليه المتحاربون توطئة لعقد الصلح؛ لذلك فالذي يملك عقد الهدنة حكومات الدول المحاربة ذاتها، ويتولى الأمر في شأن الهدنة وفى تحديد شروطها ممثلون عن أطراف الاتفاق يعينون خصيصا لذلك، ولا تصبح الهدنة ملزمة إلا إذا أقرتها حكومات الدول الأطراف فيها.

وكما تشمل الهدنة وقف جميع العمليات الحربية بين طرفي النزاع المسلح في جميع الميادين، وهو ما يعرف بالهدنة العامة، حيث استخدم مجلس الأمن مصطلح الهدنة العامة في قراره بتاريخ 16 نوفمبر عام 1948 بشأن الحرب الإسرائيلية العربية، وقد تقتصر الهدنة -أيضا- على مناطق معينة وهى ما تعرف بالهدنة المحلية، وعادة ما يحدد للهدنة أجل تنتهى بانقضائه، ويكون لكلا الفريقين المتحاربين العودة للقتال إن لم يتفقا على الصلح.

ويتحدد مضمون الهدنة من قبل أطرافها، وهو قد يشمل، إضافة للأعمال المحظورة، إنشاء مناطق منزوعة السلاح كما تم فى اتفاق الهدنة الشهير عام 1953 بعد انتهاء الحرب الكورية، والذى أنشا المنطقة منزوعة السلاح شمال وجنوب خط العرض 38، وإنشاء مناطق دفاعية

إن أى إخلال جسيم بشروط الهدنة الواردة فى اتفاقها من جانب أحد الطرفين يعطى الطرف الآخر الحق فى نقضها ويعتبرها منتهية، وله فى حالة الضرورة القصوى أن يستأنف القتال مباشرة، وفضلا عن ذلك فان هذا الانتهاك ومخالفة شروط الهدنة، يرتب المسؤولية الدولية على الدولة المخالفة بوصفها ارتكبت مخالفة لالتزاماتها الدولية، أما إذا كان الإخلال من الأفراد من تلقاء أنفسهم وبإرادتهم المحضة أى دون تلقى أوامر قيادية عليا من رؤسائهم، فللطرف الآخر أن يطلب فقط معاقبة المسئولين، ودفع تعويض عن الإضرار التى نتجت عن هذا الإخلال.

إن العدوان الذى شاركت فيه إسرائيل ضد مصر عام 1956 فى حرب السويس، أو ما يعرف فى الأدبيات المصرية بالعدوان الثلاثى، يعد المثال الصارخ للإخلال الجسيم لاتفاقات الهدنة، حيث كانت إسرائيل قد أبرمت اتفاقا للهدنة مع مصر فى فبراير عام 1949، حيث تعهد الدولتان بعدم القيام بعدوان ضد الآخر.

والهدنة مهما طال أمدها لا تعنى إلا مجرد وقف القتال بين أطرافها ولا تنهى قانونا حالة الحرب القائمة بينهم، فحالة الحرب لا تنتهى قانونا إلا بتوقيع معاهدة سلام مثل التى أنهت الحرب بين إسرائيل ومصر والتى أبرمتها الدولتين فى مارس 1979، ومعاهدة وادى عربة عام 1994 التى أنهت الحرب بين إسرائيل والأردن.

إذا كانت اتفاقيات الهدنة تعد محطة انتقالية تعبرها الدول للوصول للمحطة النهائية التى تتطلع وتطمح لها الشعوب و  الدول ، وهى إبرام معاهدات السلام، فمن المؤكد أن تناول كافة القضايا المصيرية المهمة وهى فى الغالب مبعث النزاع، يفضى أجلا أو عاجلا إلى تحقيق السلام الشامل العادل، عن طريق إبرام معاهدات السلام.

ماهية اتفاق وقف اطلاق النار

تدعو الضرورة أثناء القتال بشكل عام إلى وقفه توقيفا مؤقتا، وذلك لأغراض مختلفة من بينها إغاثة الجرحى الموجودين فى الميدان، ونقل جثثهم ودفنهم؛ لذا فوقف القتال، خلافا للهدنة، إجراء عسكري مؤقت وليس له صفة سياسية، ولا ينص فى ذلك الاتفاق على شروط ذات طابع سياسي..

ورغم أن الغالب أن يتم الاتفاق بين المتحاربين وبإرادتهم السياسة الحرة، إلا أنه وفى الآونة الأخيرة وفى الحالات التى من شأن استمرارها تهديد للسلم والأمن الدوليين، نجد أن مجلس الأمن يقوم بإصدار قراراته فى شأن حفظ السلم والأمن الدوليين وإعادتهما لنصابهما، وتتضمن مثل هذه القرارات الأمر بوقف إطلاق النار من جانب المتحاربين.

ومن أشهر الحالات التى اضطلع فيها مجلس الأمن بهذه المهمة إصدار المجلس العديد من قراراته فى هذا الشأن فى حرب أكتوبر عام 1973، والحرب اللبنانية الإسرائيلية عام 2006.

تبادل مصطلحي الهدنة ووقف اطلاق  النار

عمليا ، يستخدم  بالتبادل عدد من  المصطلحات مثل : الهدنة ، ووقف إطلاق  النار ، و الوقف  المؤقت لإطلاق  النار أو للعمليات  العدائية ، و الوقف  المؤقت لإطلاق  النار أو  الوقف  المؤقت للأعمال العدائية يتسم بعدم الرسيمة  الشكلية ، ويمكن من  التوصل إلي اتفاق أكثر رسمية ، وقد تفسر عبارة ” الوقف المؤقت لإطلاق  النار ” بحسبانها مرادفة لعبارة ” الوقف  المؤقت للأعمال العدائية ” أو وقف إطلاق  النار ، وعلي هذا الأساس ، تفسر هذه العبارة بأنها وقف متفق عليه للقتال ، محليا كان أم عاما ، خلال فترة زمنية من عمر  النزاع المسلح ، وليس بالضرورة أن ينهي هذا الأمر النزاع المسلح القائم بين الأطراف  المتحاربة سواء بحكم القانون de jure   أو بحكم  الواقع de facto .

لماذا تمديد الهدنة في  اليمن ؟

جَلي أن الهدنة في اليمن شكلت أداة فاعلة عملت ى تخفيف الظروف الإنسانية البائسة التي يكابدها اليمنيون كما انخفضت الأعمال العدائية وانخفضت الخسائر في صفوف المدنيين إلى أدنى مستوى منذ فترة طويلة و ذلك وفقا للمصادر الرسمية لمنظمة الأمم المتحدة.

توازي الحدث الأبرز في مسيرة الحرب اليمنية – اتفاق الهدنة – مع أحداث جد مهمة لا تقل أهمية عن الاتفاق المنجز، حيث مثل إنشاء مجلس قيادة رئاسي جديد في 7 أبريل، والذي يعكس مجموعة أوسع من الجهات السياسية الفاعلة في اليمن، فضلا عن الإعلان عن حزمة مساعدات اقتصادية بقيمة 3 مليارات دولار خلال المشاورات التي عقدها مجلس التعاون الخليجي قد وضعا اليمن على مسار إيجابي مهم، ولاقت الخطوتين استحسان و ترحيب اليمنيين والمجتمع الدولي دون استثناء ، وصارت سفن الوقود قادرة على الرسو في موانئ الحديدة، مما يخفف النقص الذي أدى إلى ارتفاع تكاليف الغذاء والرعاية الصحية.

طَلي أن الضوء الذي لاح في نهاية النفق يستدعي تكثيفه من خلال تجديد اتفاق الهدنة، و تمتين آليات ذلك الاتفاق تمهيدا لإبرام اتفاق سلام شامل ينهي بشكل دائم الحرب في اليمن، ولا نبالغ القول حين نتحدث عن الآثار النفسية و السياسية و الاجتماعية الإيجابية سواء علي الصعيد الشعبي أو النخبوي السياسي و التي يمكن أن توحد اليمن من جديد بعد الانقسامات الكبيرة في صفوف اليمنيين و التي بلغت ذات المنتهي الذي آلت إليه الحرب الأهلية في  اليمن عام 1994.

لا مِرية أن اتفاقات الهدنة  التي يبرمها المتحاربون تهدف لتحقيق أغراض إنسانية كثيرة في المقام الأول، فقد حقق اتفاق  الهدنة الكثير من  المكاسب الإنسانية و  الاقتصادية و الاجتماعية و  السياسية لليمنيين ، حيث أدي  إلى تسهيل حركة الأفراد والبضائع والمساعدات الإنسانية من خلال استئناف الرحلات الجوية التجارية من مطار صنعاء والعمل على إعادة فتح الطرق في تعز ومناطق أخرى، و اصبح  الوصول إلى المجتمعات التي تعيش بالقرب من الخطوط الأمامية  للقتال ، بما في ذلك في تعز ، أسهل ، وتمكن  الأشخاص الذين يحتاجون إلى السفر إلى الخارج للحصول على رعاية طبية أو لأسباب أخرى من القيام بذلك في النهاية ، و لكن يجب  الإشارة في ذات المقام إلي أن  اتفاقات  الهدنة  فلحت في حالات كثيرة مماثلة للحالة اليمنية في تعزيز الثقة بين  المتحاربين وبناء الزخم نحو برام اتفاق سلام شامل”.

مكاسب موازية لاتفاق الهدنة

إن حزمة الدعم الاقتصادي البالغة 3 مليارات دولار التي تم الإعلان عنها خلال المشاورات اليمنية الأخيرة ، والتي دعا إليها مجلس التعاون الخليجي ، وتشمل دعم الوقود ، والمساعدة الإنمائية، ووديعة جديدة بقيمة ملياري دولار في البنك المركزي اليمني – مقسمة بين المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة – من شأنها أن تساعد على استقرار العملة اليمنية ، و بالفعل ، استعاد الريال اليمني 25 في المائة من قيمته منذ ذلك الإعلان ، مما يعني أن المواد الغذائية والسلع الأساسية الأخرى – التي يجب استيرادها كلها تقريبًا – صارت  في  معظمها في متناول الجميع.

ختاما، يهدف المتحاربون سواء في النزاعات المسلحة الدولية أم غير الدولية لتحقيق أهداف عديدة من ابرام اتفاقات الهدنة ، وتتصدرها  دوما الأهداف  الإنسانية، ولكن يجب علي أطراف هذه الاتفاقات العمل بجد وحسن نية لجعل اتفاقات الهدنة  المبرمة توطئة من أجل ابرام اتفاق سلام شامل ينهي حالة الحرب ويرسي لسلم دائم يرض كافة الأطراف ويحقق السلم و الأمن للجميع.

 

كلمات مفتاحية