سودان ما بعد 30 يونيو.. صراع عصي يقود الدولة لمزيد من الهشاشة

رابعة نورالدين وزير

بحلول الذكرى الثالثة لثورة 30 يونيو السودانية، وبعد أن قرَّر الشعب السوداني، النزول للشوارع هذه المرة، بشكلٍ مختلفٍ، في 30 يونيو 2022، لكن هذه المرة، ليس لمجرد الاحتفال به كيومٍ من أيامهم المجيدة – على ما كان الحال في العامين الماضيين «2020- 2021» – بل بوصفه يوم استعادة المهمة التي حققها في عام، الذي تجدَّد في 25، لكن حين يخرج الشعب السوداني هذه المرة، لن يكون هدفه خلْق أوضاع تُفْضي إلى المشاركة مع المكوِّن العسكري في أي سلطة أو حكومة مقبلة، بل فقط من أجل تأمين العملية السياسية، وضمان مشاركة العنصر المدني بالكامل فيها، وسط إجراءات واستعدادات على المستوى الحكومي، سواء من ناحية قطْع الإنترنت، أو نشْر قواتٍ من الشرطة أو غيرها من مظاهر الاستعداد.

وبالتالي، فإن السودان كان على موعد مع تحرُّكٍ جديدٍ في مسيرته نحو تحقيق الديمقراطية، خلال اليوميْن الماضييْن، فهل من الممكن البناء على ما حدث؟ وهل تعتبر مُخْرجات تحركات 30 ونيو 2022 إيجابية ومفيدة للسودان والسودانيين على المدى البعيد؟

أولًا: ملابسات تحركات 30 يونيو 2022 وما الذي يجعلها مختلفة هذه المرة؟

كان يوم 30 يونيو، بالنسبة للشعب السوداني يمثل – هذه المرة- يومًا لأداء مهمة محددة ومُجرَّبة، تتمثل في إفساح الطريق للقوى المدنية؛ لأخذ دوْرٍ في العملية السياسية، وإذا جاز لنا أن نقارن بين وضْع القوى الثورية غداة 30 يونيو 2019 ووضعها اليوم، سنجد هناك فرْقًا واضحًا، بين قوى ثورية كانت في ذلك اليوم على قلب رجلٍ واحدٍ، يقودها تحالف واحد، هو تحالف «قوى الحرية والتغيير»، بينما نجد وضْع القوى الثورية والسياسية اليوم منقسمًا على نفسها «على الرغم من وحدة الهدف»؛ الأمر الذي سيعني لنا من وجهة نظرٍ إستراتيجيةٍ، أن ثمَّة عَطَبًا يكتنف العقل الحزبي والسياسي سيكون – وفق الحالة التي يعبر عنها هذا العقل اليوم، على خلفية الانقسام الثوري- واعدًا بمشكلاتٍ كثيرةٍ غدًا، ولربما يكون هذا الجزء تحديدًا، هو ما أسفر عن المُخْرجات التي سنقف أمامها خلال السطور التالية.

ولعل أهم الأسباب التي تجعل الأزمة السودانية عَصِيَّةً على الحلِّ، أنها لازالت مكانها؛ حيث لم تستطع لا البعثة الأممية التابعة للأمم المتحدة، ولا الآلية الثلاثية التي تشارك فيها مع كلٍّ من الاتحاد الإفريقي ومنظمة الإيجاد، منذ مارس الماضي «2022»، أن تجد مَخْرجًا يقود إلى حكومة سودانية متوافق عليها، وذلك تحت مظلة فترةٍ انتقاليةٍ مؤطرةٍ، بضمانات محايدة لعملية انتخابية، يترقبها الجميع، تهدف لتأسيس شرعية سياسية جديدة، بعد أن أسقطت ثورة ديسمبر 2018، شرعية النظام السوداني القديم.

ويمكن القول: إن الأسباب الرئيسية لتصاعُد مركبات الأزمة السودانية مسؤول عنها – على نحوٍ متساوٍ- أطراف المعادلة الدولية والإقليمية، المنوط بها حل الأزمة، وذلك إلى جانب الأطراف السياسية المحلية، من حيث تطلعاتها السياسية، وكذلك طبيعة تحالفاتها ومصالحها، التي أدَّت الاختلافات والخلافات بينها، إلى إفشال المساعي الرامية لإيجاد حلٍّ حتى وقتنا الحالي.

ويبدو أن عوامل فشل الطرف الدولي، تعود بشكل أساسي إلى المفهوم الذي تستند إليه البعثة الأممية كمُحدِّدات عمل لها في الأزمة السودانية، والتي نشأت طبقًا لقرار مجلس الأمن رقم 2524، على أن تستغرق مهمتها عامًا اعتبارًا من يناير 2021، وتكون قابلة للتمديد، ذلك أن مُحدِّدات عمل البعثة الأممية تمَّت بلورتها في إطارٍ فضفاضٍ ومقولاتٍ عامةٍ، وهي دعم عملية التحوُّل الديمقراطي في السودان، كما خضع رئيس البعثة لكثيرٍ من الضغوط السياسية من أطراف الأزمة السودانية؛ للتأثير في مسارات عمل الأمم المتحدة، ومن ذلك انتقادات رئيس المجلس السيادي، الفريق أول عبد الفتاح البرهان، قبل عدة شهور، وبالطبع جعلت هذه الضغوط رئيس البعثة ينأى بنفسه عن بلورة مشروع توافق سياسي سوداني، يتم طرحه كمقترحٍ على الأطراف، طبقًا للخبرات الدولية في مثل هذه الأزمات، وذلك على الرغم من إنجازه لعملية تشاورٍ سياسيٍ واسعٍ، تمت خلال ثلاثة شهورٍ ماضيةٍ، عبْر 110 اجتماعات، مع 800 فاعلٍ سياسي واجتماعي سودان؛ حيث تلقى حوالي 80 مقترحًا مكتوبًا من الأطراف الأساسية في العملية السياسية السودانية.

وبالطبع، فإن ما سبق طرحه، عاد بشكلٍ سلبيٍ على الشارع السوداني، الذي ينتظر منذ عدة أشهر حلًّا للأزمة السياسية؛ لذا كانت مسيرة 30 يونيو، هذه المرة بصيص أملٍ للشعب السوداني، يسعى من خلالها؛ للحصول على حلٍّ جذريٍ لأزمته.

ثانيًا: السودان بين استعداد أمنية مكثفة وآمال شعبية معلقة

بدايةً:

جاءت المظاهرات استجابةً لدعوةٍ أطلقتها لجان مقاومة سودانية وتنظيمات نقابية وأحزاب سياسية، حثَّت فيها السودانيين، على المشاركة بكثافة في الاحتجاجات، تحت اسم «مليونية 30 يونيو»، وخلال السطور التالية، سنتناول أسباب فشل هذه التحركات، وأهم الاستعدادات الأمنية، وأبرز ردود الفعل.

فشل القوى السياسية في التجمع تحت مظلة واحدة:

بعد أن أطلقت القوى الحزبية الرئيسية دعوات لكوادرها، بالمشاركة في مليونيه 30 يونيو 2022، ونظَّمت ندوات سياسية وحشودا دعائية، بمشاركة أمهات عددٍ من ضحايا الاحتجاجات، اللاتي رددن شعارات تطالب بالقصاص، ولكن كما عهدنا القوى السياسية السودانية في عدم وجود توافق بينها رغم وحدة الهدف، وإن كان ظاهريًّا فقط؛ حيث أعلن تحالف ميثاق التوافق الوطني، الذي أيَّد إجراءات المجلس السيادي، حشد أنصاره للمشاركة في مليونيه 30 يونيو؛ للحفاظ على مكاسب الثورة، ولحمايتها من الاختطاف، والاتفاقات الثنائية، وهو ما من شأنه أن يربك المشهد السياسي في البلاد.

حيث إن هذا الإعلان، يمكن قراءته في ضوْء الرغبة في تشتيت الجهود، وليس المشاركة الجدية في المواكب، خاصةً أن الاستعدادات التي أجرتها لجان المقاومة وتحالف التغيير والحزب الشيوعي، تؤكد أن المشاركة ستكون كبيرةً، وتفوق التوقعات كما حدث بالفعل.

الاستعدادات الأمنية:

بدأت حملات تفتيشٍ للسيارات على نحوٍ غير معتاد، صحبتها تحضيرات جدية؛ لإغلاق الجسور الرئيسية التي تربط مدن العاصمة الثلاث، بإنزال حاويات ضخمة ووضعها جانبًا، إضافةً إلى إغلاق العديد من الطُّرق؛ لمنع تدفُق المتظاهرين الذين أعلنوا أن وجهة المواكب ستكون القصر الرئاسي، إضافةً إلى قطْع خدمات الاتصالات والإنترنت.

ردود الفعل حول التحركات في السودان:

أكدت الجهات الدولية المختلفة، ممثلةً في «بعثة الأمم المتحد في السودان، ومنظمة الأمم المتحدة، والولايات المتحدة الأمريكية، وبريطانيا» تأكيدات على ضرورة كفْل حرية التعبير والتظاهر لدى المواطنين، مع التأكيد على أن أي مظهرٍ من مظاهر العنف ضد المتظاهرين، لن يتم التهاون معه.

ثالثًا: هل نجحت تظاهرات 30 يونيو في تحقيق أهدافها؟ وهل يطول أمد الصراع؟

أدَّت التحرُّكات السودانية في 30 يونو 2022، إلى سقوط عددٍ من الضحايا؛ حيث أكدت لجنة أطباء السودان المركزية، مقتل تسعة سودانيين بالرصاص الحي، خلال التظاهرات، مُحمِّلةً القوات الأمنية السودانية مسؤولية مقتلهم.

لا يمكن إيجاد حلٍّ في ظل نخبة مقسمة:

وبالنظر إلى نتائج تحركات 30 يونيو، نجد أنه لم يتحقق أي من أهدافها، ومن المتوقع أيضًا، أن يطول أمد الحل لفترةٍ ليست قريبةً؛ حيث إن النخبة السياسية في السودان منقسمة، وتختلف وجهات نظرها، وزوايا التفاوض معها بشكلٍ كبيرٍ، وبالتالي، فهي نخبة غير قادرة على إنقاذ الوضع في البلاد، والخروج بالعملة السياسية من الجمود، ولعل اختلاف وجهات النظر لدى هذا المكون، هو أهم أسباب تعثُّر الوصول إلى حلٍّ حتى وقتنا الحالي، ومع استمرار هذا الاختلاف، فلا يتوقع أن نجد حلًّا في ظلِّ نخبةٍ مقسمةٍ.

استمرار التحركات يصدر سيناريو الدولة الهشة:

إن استمرار التعثُّر الذي يطغى على ملف الأزمة في السودان، في ظلِّ المتغيرات الداخلية، سواء على صعيد الرضاء الشعبي، أو استمرار الاحتجاجات والتظاهرات، وفي ظلِّ الأوضاع الاقتصادية المتردية، وفشل مكوِّني السلطة في الوصول لأرضية مشتركة، حول آلية التفاوض والحل، فضلًا عن الوضع المضطرب المتوتر مع إثيوبيا، واستمرار نشْر القوات الأمنية على الحدود فيما بين الطرفيْن، كل هذه المتغيرات تجتمع معًا، وتؤكد أننا أمام دولةٍ تتجه لمزيدٍ من الهشاشة، وصراع سيطول أمده، في ظلِّ عدم وضوح أجندات الدول الكبرى تجاهه.

ختامًا: من الواضح، أن حلَّ الأزمة السودانية لا يمكن أن يحدث دون حوار وطني رشيد، بين مختلف القوى السياسية، ولكن استمرار الاختلاف بين هذه القوى، وعدم قدرتها على تحديد بوْصلةٍ للتفاوض، يزيد من تعقيد المشهد في السودان، خاصةً مع المتغيرات الداخلية «استمرار التظاهرات – الأزمة الاقتصادية»، أو المتغيرات الإقليمية «التوتر مع إثيوبيا- مجاورة السودان لمناطق الصراع؛ ما يجعلها بؤرةً لمزيدٍ من الأزمات»؛ لذا فإن الوضع في السودان عَصِيٌّ على الحل، ومن المتوقع، أن يطول أمدُه لفترةٍ من الزمن، خاصةً وأن هذا الصراع لا يلقى الاهتمام الدولي بصورةٍ كبيرةٍ؛ ما يجعلنا أمام سودان أكثر هشاشةً من ذي قبل.

كلمات مفتاحية