ماهي رسائل قمة طهران: رؤية استشرافية

 رضوى رمضان شريف

يلتقي الرئيس الإيراني، إبراهيم رئيسي، كُلًّا من الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، والرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، الثلاثاء 19 يوليو، في «طهران»، في قمةٍ، ستتناول الملف السوري، وتتخللها محادثات ثنائية.

تأتي القمة المرتقبة، في مسعى لوضع حدٍّ للتهديدات التركية الأخيرة، بالتوغُّل في شمال سوريا؛ بغرض إقامة منطقة آمنة، خالية من «وحدات حماية الشعب» الكردية، و«حزب العمال الكردستاني»، بعمق 30 كلم شمال سوريا، وقد كثَّفت قوات سوريا الديمقراطية، المدعومة من التحالف الدولي، بقيادة واشنطن؛ لمحاربة تنظيم «الدولة الإسلامية» (داعش)، محادثاتها مع التحالف وروسيا على السواء.

تشكّل هذه القمة – بشكل خاص- حدثًا بارزًا، فبجانب أنها أول لقاء يعقد وجهًا لوجه بين رؤساء «تركيا، وإيران، وروسيا»، منذ عاميْن، تأتي القمة متزامنة مع سلسلة من التطورات الإقليمية والعالمية.

وعلى الهامش، تأتي تلك الزيارة بعد أيامٍ قليلةٍ من الجوْلة الأولى للرئيس الأمريكي، جو بايدن، لمنطقة الشرق الأوسط، زار فيها إسرائيل والضفة الغربية والمملكة العربية السعودية، وفي وسط ردود فعل أوَّلية، عقب إعلان الزيارة المرتقبة للرئيس الروسي لـ«طهران»، أكد مستشار الأمن القومي الأمريكي، جيك سوليفان، أن محاولات تعزيز العلاقات مع إيران وسط الصراع الأوكراني تمثل «تهديدًا كبيرًا».

وتأتي تصريحات «سوليفان» في الوقت الذي أشار فيه باعتقاد الولايات المتحدة، تعتقد أن إيران تستعد لتزويد روسيا بما يصل إلى عدة مئات من الطائرات بدون طيار، بما في ذلك بعض الطائرات ذات القدرة على حمل الأسلحة؛ الأمر الذي رفض «الكرملين» التعليق عليه.

بالرغم من أنه ليس من الواضح بعْدُ، إنْ قامت إيران فعلًا بتسليم تلك الطائرات المُسيَّرة إلى روسيا، إلا أن هذا القرار – حال صحته- يعبِّر عن الكيفية التي تنظر بها روسيا إلى إيران؛ للحصول على قدرات يتم توظيفها خلال حربها في أوكرانيا.

ومن أهم الرسائل التي تهدف بها القمة هي الآتي:

 تكاتف اقتصادي

روسيا جادة في توسيع علاقاتها الاقتصادية مع إيران، ومن المتوقع، أن التخطيط لهذا الهدف سيكون على رأس جدول أعمال «بوتين» في لقائه بقيادات إيران في تلك القمة.

وكان رئيس اللجنة الاقتصادية في مجلس الشورى الإيرانى، بور إبراهيمي، زار «موسكو» بصحبة محافظ البنك المركزي؛ تمهيدًا لزيارة «بوتين»، وأعلن عن التوصُّل إلى اتفاقيات بين إيران وروسيا، تتعلق بتوسيع الاستثمار المشترك وتطوير التعاون النقدي والمصرفي.

 فرصة للقاء

تعتبر المحادثات في إيران فرصة بالنسبة لـ«بوتين» للقاء «أردوغان» على أرض محايدة؛ حيث كان من الصعب على «بوتين»، في الوقت الحالي، القيام بزيارة مباشرة إلى تركيا، خاصةً أن «أردوغان» طلب من «بوتين» عدة مرات، إجراء محادثات مع «زيلينسكي» على الأراضي التركية، إلا أن زيارته لتركيا في هذه الحالة ستكون مرتبطة تمامًا بأوكرانيا، وهو أمرٌ غير مناسب لـ«الكرملين».

وعلى مدى الأشهر الماضية، التزم «أردوغان» بخط واحد فيما يتعلق بعلاقة بلاده مع كلٍّ من «روسيا، وأوكرانيا»، وبينما كان يجري الاتصالات مع «بوتين»، يتجه سريعًا لاتباع ذات الخطوة مع «زيليسنكي»، ومنذ اليوم الأول لبدْءِ الحرب الروسية على أوكرانيا، أعلنت «أنقرة» أنها ستبقى في موقف المتوازن بين «موسكو، وكييف»، على اعتبار أنها ترتبط بعلاقات مشتركة مع كليْهما، وكانت آخر محطات «أنقرة» على صعيد الأزمة المتعلقة بالحرب الروسية على أوكرانيا، اتجاهها للقيام بدورٍ محوريٍّ في المفاوضات التي ترعاها الأمم المتحدة؛ من أجل استئناف إيصال شحنات الحبوب المتوقفة في الموانئ الأوكرانية.

قد تكون تلك القمة هي فرصة مناسبة لمحادثات ثنائية، فلدى «بوتين، وأردوغان» الكثير لمناقشته بخصوص الحرب الدائرة في أوكرانيا؛ لأن «موسكو، وأنقرة»، وعلى الرغم من المنافسة في العديد من المناطق، أبرزها سوريا، إلا أنهما تعتمدان على بعضهما في المشاريع الاقتصادية، خاصةً أن تركيا مهمة للغاية بالنسبة للشركات الروسية المتوسطة والكبيرة الخاضعة للعقوبات.

 الحصول على ضوء أخضر

بالرغم من أن الخطوة التركية للتوغُّل في شمال سوريا لا تروق لكُلٍّ من «دمشق، وموسكو، وطهران» – بجانب واشنطن- باعتبارها مزعزعة للاستقرار، إلا أن «أردوغان» يأمل من تلك القمة، بالحصول على ضوء أخضر من شركائه في «أستانا»، فمن غير المرجح، أن يبدأ توغُّله العسكري بدون مباركة «روسية – إيرانية»؛ حيث ذلك التوغُّل من شأنه أن يعقِّد وجود «روسيا، وإيران» ونفوذهما السياسي في سوريا، ويخاطر بمواجهة بين القوات التركية وقوات الحكومة السورية.

كما أن تركيا كعضو في حلف «الناتو»، ترغب بإرسال رسائل إلى أمريكا، بإظهار أنها تقف على مسافة واحدة من روسيا، عدو الحلف الذي شُكِّل في الأساس؛ لتحجيم نفوذه، فأولوية أمريكا الحالية، هي الحفاظ على وحدة حلف «الناتو»، إلا أن تركيا وعلاقتها الجدلية مع «واشنطن»، ترسل في إشارة غير مباشرة، بأنها تملك البديل في سوريا.

 الاتفاق النووي

بالرغم من دعاوي «موسكو» السابقة؛ لإعادة إحياء الاتفاق النووي، إلا أنه في ظل المتغيرات الدولية الجديدة، ستحرص «موسكو» على أن تكون مُخْرجات إحياء الاتفاق النووي – حال استئنافه- يصبُّ في خدمة المصالح الروسية؛ حيث تتعامل «موسكو» مع عودة إيران- في حالة رفع العقوبات عنها، ونجاح إحياء الاتفاق النووي- إلى سوق النفط العالمية في هذه المرحلة الدقيقة من تداعيات الأزمة الأوكرانية، باعتبارها تهديدًا إستراتيجيًّا لِما تبقّى من مصالحها، وما تملك من أوراق تراهن على استخدامها؛ لابتزاز الدول الأوروبية، وتحديدًا ورقة قطاع الطاقة، بشقّيْه «النفط، والغاز».

ذلك بجانب مخاوف «موسكو»، بأن تكون إيران الموالية للغرب – في حالة رفْع العقوبات عنها- هي أسوأ نتيجةٍ محتملةٍ بالنسبة إلى «موسكو»؛ بمعنى أن إيران الموالية لأمريكا هي أسوأ من إيران النووية بالنسبة لروسيا.

بالتالي، لا شكَّ بأن روسيا تدعم إيران، بفرض كافة شروطها على طاولة المفاوضات، برفع جميع العقوبات عنها، وهو أمرٌ سترفضه أمريكا قطعيًّا، وتعلم «موسكو» ذلك.

إظهار عدم العزلة الدبلوماسية

يلاحظ وجود نبرة إيجابية حيال القمة المرتقبة، وهو ما بدا في حديث نائب وزير الخارجية الروسي، ميخائيل بوغدانوف، الذي اعتبرها «حدثًا مهمًا للغاية»؛ حيث ستكون هذه ثاني زيارة يجريها «بوتين» إلى الخارج، منذ أرسل قواته إلى أوكرانيا، أواخر فبراير، بعدما زار طاجيكستان، أواخر يونيو الماضي.

يسعى «بوتين» إلى أن يُظهر أنه ليس في عزلة دبلوماسية، ففيما يتجلى في اجتماعاته الثنائية مع «أردوغان» والقادة الإيرانيين، هو بالتأكيد النموذج الأكثر أهمية، الذي يجب مراقبته، فمن الواضح، أن تركيا وإيران تبرزان أنفسهما باعتبارهما من أكثر العلاقات أهميةً في السياسة الخارجية والدبلوماسية الروسية.

خلاصة القول: بجانب أن العقوبات التي يفرضها الغرب على كلٍّ من «موسكو، وطهران» بمثابة دافع للرُّوس للاهتمام بالتعامل «الاقتصادي، والتجاري» مع إيران، إلا أن مثل هذا التجمع الثلاثي يأتي في إطار حرص تلك الدول على تحقيق أهدافها ومصالحها، في ضوء مخططاتهم الإستراتيجية، خاصةً في ظل المتغيرات الدولية الحادة، خلال المرحلة الراهنة.

 

 

كلمات مفتاحية