قمة «طهران»: تعاون مؤقت أم بادرة لنظام عالمي جديد؟

رضوى رمضان الشريف

اتجهت الأنظار إلى قمة «طهران» التي عقدت للمرة الأولى، منذ عاميْن، والتي جمعت رؤساء البلدان الضامنة لوقف النار في سوريا، واستهلَّ الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، نشاطه في العاصمة الإيرانية، بلقاءٍ جمعه مع الرئيس، إبراهيم رئيسي، انتقل بعده الطرفان لعقْد اجتماعٍ مع المرشد الإيراني، علي خامنئي، وفي وقتٍ لاحقٍ عقد «بوتين» اجتماعًا منفصلًا مع الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، سبق انطلاق أعمال القمة الثلاثية، المخصصة للشأن السوري.

ومع أن التركيز الرسمي في قمة قادة «روسيا، وتركيا، وإيران»، انصبّ على الوضع في سوريا، على خلفية حاجة الأطراف الثلاثة إلى تعزيز التنسيق، وضبط التحركات المشتركة، في مواجهة التطورات التي شهدها هذا البلد، خلال العاميْن الأخيريْن، فإن تشابك الملفات المطروحة أمام كل بلد على المستوييْن «الثنائي، والثلاثي»، منح القمة أهمية إضافية، انعكست في ترتيب جدول الأعمال للرؤساء، وفي اتساع دائرة النقاشات؛ لتشمل فضلًا عن العلاقات الثنائية بين «روسيا، وتركيا»، و«روسيا، وإيران»، ملفات «إقليمية، ودولية»، على رأسها، الموضوع الأوكراني، وتعقيدات أزمة الغذاء، وآليات إمداد شحنات الحبوب والأسمدة، وملف إيران النووي والوضع «الإقليمي، والدولي» على خلفية الحرب في أوكرانيا.

توفر زيارة «بوتين» لـ«طهران» فرصةً؛ لتعميق العلاقات مع إيران، أحد الحلفاء الدوليين القلائل المتبقين لـ«موسكو»، والمستهدفة الأخرى بالعقوبات الاقتصادية الغربية، فبعد لقائه مع «رئيسي»، أكد «بوتين» أن العلاقات بين «إيران، وروسيا»: «تتطور بوتيرة جيدة»، فالبلدان يعزِّزان العلاقات في مجالاتٍ عديدةٍ، مثل «الأمن الدولي، والتجارة»، و«تسوية الأزمة السورية».

أيضًا وفَّرت القمة تعميق للعلاقات بين «موسكو» مع «أنقرة»، خاصةً أن «أنقرة» كانت قد رفضت فرض عقوبات على «موسكو» منذ أن شنَّ «بوتين» غزْوَه لأوكرانيا، في 24 فبراير، مع سعي حكومة «أردوغان» للعب دور الوسيط؛ لذا فيمكن القول: إن القمة وفَّرت فرصةً للرئيس التركي؛ لإتمام اتفاقٍ مبدئيٍّ بين القادة «الرُّوس، والأوكرانيين»؛ لضمان تصدير 22 مليون طن من الحبوب.

بجانب أن هناك علاقات جيدة بين «طهران، وأنقرة»، بالرغم من وجود كثير من الاختلافات، حول الشؤون الإقليمية، إلا أن الطرفيْن قادران على التعايش السياسي.

مُخْرجات القمة

• الملف السوري

في بيانٍ مشتركٍ بختام القمة الثلاثية، أكدت «إيران، وروسيا، وتركيا» التصميم على مواصلة التعاون «للقضاء على الإرهابيين» في سوريا.

وأعربت الدول الثلاث عن تصميمها «على مواصلة تعاونها القائم؛ للقضاء في نهاية المطاف على الأفراد والمجموعات الإرهابية»، مُعْربةً عن «رفْض كل المحاولات لخلق وقائع جديدة على الأرض؛ تحت ذريعة مكافحة الإرهاب، بما يشمل مبادرات الحكم الذاتي غير القانونية، والتصميم على الوقوف في وجه الأجندات الانفصالية؛ الهادفة لتقويض سيادة ووحدة أراضي سوريا، إضافةً إلى تهديد الأمن القومي للدول المجاورة».

أما بخصوص التهديدات التركية لشنِّ عملية عسكرية في شمال سوريا، تعمَّد «الكرملين» توجيه إشارات «عامة» حول الوضع السوري، من خلال إشارته، إلى التركيز على عملية التسوية السورية بـ«صيغة أستانة» التي ترعاها «روسيا، وتركيا، وإيران»، وإنها في مركز الاهتمام، خلال زيارة الرئيس «بوتين» إلى «طهران»، لكن كان هناك إشارات روسية واضحة، برزت حول مسعى «بوتين»؛ لإقناع «أردوغان» بتأجيل العملية العسكرية، أو التراجع عنها.

بدوره، قال المبعوث الخاص للرئيس الروسي إلى سوريا، ألكسندر لافرنيتيف: إن «موسكو» تتوقع أن تُسفر قمة ثلاثي «أستانة» في إيران، عن حلِّ المشكلة السورية، عبْر الحوار، وأضاف المبعوث الروسي، في حديث تليفزيوني، بأن روسيا تبذُل جهودًا؛ لإقناع القيادة التركية، بعدم اللجوء إلى أساليب القوة؛ لحل المشكلات العاجلة، بل تحاول القيام بذلك، من خلال المفاوضات، ومن خلال الحوار بين الأطراف المعنية وذات العلاقة.

• عقْد تعاون نفطي مع روسيا

وقَّعت شركة الغاز الروسية «غازبروم» وشركة النفط الوطنية الإيرانية (NIOC) مذكرة تفاهُم، بشأن التعاون، فقد وقَّعت شركة روسية عقْد تعاون نفطي مع إيران، بقيمة أربع مليارات دولار، في العاصمة الإيرانية «طهران».

ونقلت وكالة الأنباء الإيرانية الرسمية «إرنا»، عن الرئيس التنفيذي لشركة النفط الوطنية الإيرانية، محسن مهر، أن توقيع مذكرة تفاهُم بشأن التعاون الإستراتيجي بين «إيران، وروسيا»، يُعدُّ أكبر استثمار إستراتيجي في تاريخ صناعة النفط الإيرانية.

وتشمل المذكرة تطوير شركة «غازبروم» الروسية سبعة حقول نفطية إيرانية، منها حقلا «كيش» و«فارس» الشمالييْن، وحقل «بارس» الجنوبي، كما تشمل الاتفاقية أيضًا تبادُل منتجات الغاز والبتروكيماويات بين «روسيا، وإيران»، واستكمال مشاريع إنشاء الغاز الطبيعي المُسَال، وإنشاء خطوط أنابيب الغاز للتصدير.

وأوضح «مهر» أن قطاع النفط الإيراني يحتاج إلى استثمارات، بقيمة 160 مليار دولار؛ لزيادة إنتاجية حقول النفط والغاز.

• وثيقة تفاهُم مشتركة بين «طهران، وأنقرة»

وقَّع مسؤولو «إيران، وتركيا» ثماني وثائق ومذكرات تفاهُم، حول مختلف القضايا «السياسية، والاقتصادية، والرياضية، والثقافية» بحضور رئيسيْ البلديْن.

وتشمل الوثائق ومذكرات التفاهم التي تمَّ التوقيع عليها، من قِبَلِ مسؤولي البلديْن، الخطة الشاملة للتعاون طويل الأمد، بين «إيران، وتركيا»، والاتفاقية في مجالات تطوير «الضمان الاجتماعي، والرياضة»، ودعم المشاريع الاقتصادية الصغيرة، والتعاون «الإذاعي، والتليفزيوني»، والتعاون بين منظمة الاستثمار، والمساعدة «الاقتصادية، والفنية» الإيرانية، ومكتب الاستثمار للرئيس التركي.

أيضًا أكَّد الرئيس الإيراني، في مؤتمر صحفي، مع نظيره التركي، أن مستوى العلاقات «التجارية، والاقتصادية» بين «تركيا وإيران»، «غير كافٍ»، داعيًا إلى رفْع حجم التبادل التجاري إلى 30 مليار دولار؛ إذ يبلغ في الوقت الحاضر، نحو سبع مليارات دولار.

وأضاف «رئيسي» أنه بحث مع «أردوغان» تعزيز التبادل التجاري في مختلف المستويات، مشيرًا إلى أنهما بحثا مسألة تمديد توريد الغاز الإيراني إلى تركيا، وكانت «إيران، وتركيا» وقَّعتا عام 2000 اتفاقية؛ لتوريد الغاز الإيراني إلى تركيا، حتى عام 2025.

• أزمة تصدير الحبوب الأوكرانية

أفاد البيان الرئاسي الروسي، بأن أبرز محاور اللقاء الثنائي مع الرئيس، رجب طيب أردوغان، هي الجوانب الرئيسية للتعاون «الروسي – التركي»، والتقدم المُحْرَز في تنفيذ المشاريع الرائدة في المجال «التجاري، والاقتصادي»، وآليات العمل المشترك في الوضع حول أوكرانيا.

في هذا الإطار، رأى «الكرملين» أن تسوية قضية تصدير الحبوب الأوكرانية من موانئ البحر الأسود، وفقًا لمُخْرجات المفاوضات التي عُقدت أخيرًا في «إسطنبول» بين الوفود العسكرية لـ«روسيا، وتركيا، وأوكرانيا، وممثلي الأمم المتحدة»، تُشكِّل أحد العناصر الرئيسية؛ لمواصلة التنسيق مع «أنقرة».

ملاحظات مهمة

• الملاحظة الأولى: يتزامن انعقاد قمة «طهران» مع انتهاء جولة «بايدن» في المنطقة؛ حيث كان بناء جبهة متراصة ضد إيران، وفي وجه روسيا، عبْر الطاقة والعقوبات، على رأس جهود التحشيد التي بذلها البيت الأبيض، وميزان النجاح أو الإخفاق في «تل أبيب، وبيت لحم، وجدّة» يتصادف أيضًا مع ميزانٍ مقابلٍ في «طهران».

لذا يمكن القول: إن قمة «طهران» عُقِدَت في وقتٍ شديد الحساسية، بالتزامن مع زيارة الرئيس الأمريكي للمنطقة، وحالة التحشيد الإقليمي ضد إيران.

• الملاحظة الثانية: إلى جانب مهمة قمة «طهران» في تثبيت قواعد الاشتباك والنفوذ بين الفاعلين الثلاثة في الساحة السورية، فإنها تؤسس لمرحلةٍ جديدةٍ من التعاون «الاقتصادي، والتجاري، والمالي» بين هذه الدول، تحديدًا فيما يتعلق بخطوط النقل البري، القادرة على ربط تركيا بـ«موسكو» عبْر إيران، بالإضافة إلى تعزيز الدور الذي تلعبه «أنقرة» كنقطة التقاء لخطوط الغاز «الروسي، والإيراني» باتجاه الغرب.

• الملاحظة الثالثة: يسعى «بوتين» من خلال قمة «طهران» على تعزيز التحالف مع النظام الإيراني، ورفْع مستوى التنسيق في الملفات المشتركة بشكل أوسع وأعمق، سواء ما يتعلق بمنطقة الشرق الأوسط، أو منطقتيْ «القوقاز، وآسيا الوسطى» وما بينهما «الهضبة الإيرانية».

• الملاحظة الرابعة: يبدو أكيدًا أن «موسكو، وطهران» تتّجهان إلى تعميق تعاونهما «الاقتصادي، والتجاري»، في ظلّ الحصار الغربي، المشدّد على كليْهما، وتراجُع احتمالات انتهائه قريبًا، وحاجة «موسكو» إلى طُرُق التجارة الجديدة المهمّة للغاية لاقتصادها، كما أن هناك أيضًا احتمال توسّعٍ للعلاقات العسكرية بين الجانبَيْن، ووصولها إلى حدود تزويد «إيران، روسيا» بمسيّرات حربية، من شأنها تدعيم العمليات العسكرية الروسية في أوكرانيا.

خلاصة القول: مهّدت «موسكو» للقمة بتوجيه رسائل إلى الغرب؛ حيث تركيز «الكرملين» بالتأكيد على عُمْق العلاقات مع «طهران»، والرغبة الروسية في تعزيز التعاون طويل الأمد في المجالات المختلفة، كان مُتعمَّدًا في ظل السجالات القائمة حاليًا في الغرب، حول السياسات الإيرانية، والتهديدات الإسرائيلية المتواصلة لـ«طهران».

القمة هي فرصة لـ«بوتين»؛ لإظهار أنه لا يزال لديه حلفاء دوليون، فيمكن القول: إن القمة منصة لانطلاق حِلْفٍ جديدٍ، سيضم هذه المرة، كُلًّا من« تركيا، وإيران، وروسيا»، وقد تنضم الصين لهذا التحالف، وفي المقابل، هناك ضرورة لوجود توازن عربي في التحالف مع «موسكو، وبكين» أيضًا، على غرار التحالف مع «واشنطن».

 

 

 

 

 

 

كلمات مفتاحية