حسام عيسى: باحث في العلوم السياسية و العلاقات الدولية
رؤيةً سياسيةً للأحداثِ الراهنةِ
رؤيةٌ تاريخيةٌ عنْ فقدانِ حقِ تقريرِ مصيرِ الدولِ العربيةِ
لقدْ احتلتْ الدولةُ العثمانيةُ الدولَ العربيةَ منذُ بدايةِ القرنِ السادسِ عشر ، حيثُ كتبَ المؤرخُ البريطانيُ ” بروسْ ماسترْ ” في كتابةِ ” أصولِ الهيمنةِ الاقتصاديةِ في الشرقِ الأوسطِ ” الذي يوضحُ كيفَ نهبتْ ثرواتُ الدولِ العربيةِ منْ جانبِ الدولِ الكبرى وخاصةً منْ دولِ أوروبا الغربيةِ وفي كتابةَ ” عربِ الإمبراطوريةِ العثمانيةِ ” الذي يوضحُ بدايةَ الاحتلالِ الدولةِ العثمانيةِ للدولِ العربيةِ والتي شملتْ الشامَ ( سوريا والعراقِ ) وشبهَ الجزيرةَ العربيةَ ودولَ شمالِ أفريقيا ( المغربُ والجزائرُ وتونسُ وليبيا ) ومصرُ والسودانُ منذُ عامِ 1516 م ، حيثُ استمرَ هذا الاحتلالِ حواليْ أربعمائةِ عامٍ وحتى 1914 م ، وبدايةَ الحربِ العالميةِ الأولى ، تلكَ الحربِ التي قسمتْ دولُ العربيةِ على المنتصرينَ في الحربِ بريطانيا وفرنسا وإيطاليا وروسيا ، وكانتْ اتفاقيةُ سايكسْ / بيكو عامِ 1916 م التي وزرعتْ إسرائيلُ بينَ الدولِ العربيةِ لفصلِ ما بينهمْ بقرارِ 1917 م ، وكانَ ذلكَ حتى عامِ 1945 ونهايةِ الحربِ العالميةِ الثانيةِ ، ثمَ تقسيمِ الدولِ العربيةِ على المنتصرينَ ما بينَ الاتحادِ السوفيتيِ والحلفاءِ الغربيينَ بزعامةِ الولاياتِ المتحدةِ ، ومعَ العدوانِ الثلاثيِ على مصرَ 1956 ، أعلنتْ الولاياتُ المتحدةُ حقَ زعامةِ الدولِ الغربيةِ ، وقسمتْ الدولُ العربيةُ ما بينَ الولاياتِ المتحدةِ والاتحادِ السوفيتيِ ، وفيها سلبتْ ثرواتِ الدولِ العربيةِ منذُ الحربِ العالميةِ الأولى وبعدَ الحربِ العالميةِ الثانيةِ منْ قبلُ كلٍ منْ بريطانيا وفرنسا وإيطاليا ، ونهبتْ لصالحِ الدولِ المسيطرةِ وحرمتْ الدولُ العربيةُ منْ حقِ تقريرِ المصيرِ في حكمِ شعوبهمْ واستفادةِ الشعوبِ منْ ثرواتهمْ ، ثمَ جاءَ تحررُ الشعوبِ العربيةِ وكانتْ أولَ الدولِ المستقلةِ مصرَ عامَ 1952 م ، وآخرها دولةُ الإماراتِ العربيةِ المتحدةِ عامَ 1971 م .
انحسارُ الدولِ العربيةِ بينَ الدوليِ العظمى
ثمَ دخلتْ المنطقةُ العربيةُ في تنافسٍ وصراعٍ على منْ يستحوذُ على الدولِ العربيةِ ما بينَ أمريكا والاتحادِ السوفيتيِ منذُ نهايةِ الحربِ العالميةِ الثانيةِ وحتى انهيارِ الاتحادِ السوفيتيِ 1991 م ، وفي تلكَ الفترةِ حصلتْ الدولُ العربيةُ على استقلالِ أراضيها ولكنْ كانَ حقُ تقريرِ المصيرِ الكاملِ منقوصا بشكلٍ كبيرٍ للتأثرِ بإحدى الدولِ الكبرى وذلكَ لضعفِ الدولِ العربيةِ اقتصاديا وعسكريا حتى تستطيعَ الوقوفَ ضدَ تلكَ الدولِ الكبرى الأقوى عسكريا واقتصاديا ، ثمَ زعامةُ وهيمنةُ الولاياتِ المتحدةِ الأمريكيةِ على العالمِ وفرضِ نفسها بالقوةِ العسكريةِ والاقتصاديةِ على الدولِ العربيةِ وخاصةَ بعدَ غزوِ العراقِ عامَ 2003 م ، منْ أجلِ فرضِ السيطرةِ على الدولِ العربيةِ والسيطرةِ على ثرواتها ، فيما يعرفُ على الدولِ العربيةِ بتقديمِ ثرواتهمْ وسلبِ جزءٍ منْ لإرادتهمْ السياسةَ مقابلِ الحمايةِ الأمريكيةِ .
الثوراتُ العربيةُ وأثرها على استراتيجيةِ الدولِ العربيةِ
ثمَ جاءتْ الثوراتُ العربيةُ بتحريضٍ منْ الولاياتِ المتحدةِ لتغيرِ الأنظمةِ السياسيةِ لتنفذَ المصالحَ الأمريكيةَ بداخلِ الدولِ العربيةِ ، بدايةَ منْ تونسَ ثمَ ضربَ أمريكا لليبيا ودعمِ الإخوانِ الإرهابيةِ في مصرَ ودعمِ داعشْ في سوريا واليمنِ ، منْ أجلِ سلبِ الدولِ العربيةِ الإرادةِ السياسيةِ والسيطرةِ على ثرواتهمْ ومحوِ حقِ تقريرِ المصيرِ .
* لقدْ سردتْ مجلةَ السياسةِ الدوليةِ في عددها رقمَ 184 لعامِ 2011 م وصف دقيقٍ ومحايدٍ للثوراتِ العربيةِ موضحةً فيها كيفَ أديرتْ تلكَ الثوراتِ بدوافعَ أمريكيةٍ وعددَ منْ أجهزةِ المخابراتِ الدوليةِ لتغيرِ الأنظمةِ السياسيةِ في الدولِ العربيةِ ، مما أثرَ ذلكَ على النخبِ والقياداتِ والشعوبِ بشكلٍ في مجملهِ سلبيٍ في نظرةِ الشعوبِ للدولةِ الأمريكيةِ وفي القياداتِ السياسيةِ للدولِ العربيةِ .
* ولقدْ أوضحتْ الدكتورةُ نادية محمودْ مصطفى في كتابها ” الثوراتِ العربيةَ في ظلِ النظامِ الدوليِ ” ، حيثُ أكدتْ عدمَ رضى القياداتِ السياسيةِ والشعوبِ على النظمِ الحاكمةِ والرفضِ للتبعيةِ للدولِ الكبرى وخاصةً الدولةَ الأمريكيةَ .
* كما يوضحُ الدكتورُ فتوحْ أبو دهبْ هيكلٍ في كتابةِ ” تأثيرِ الثوراتِ العربيةِ في النظامِ الإقليميِ العربيِ ” ، وفيهِ يثبتُ أنَ تلكَ الثوراتِ أحدثتْ زلزالاً في النظمِ السياسيةِ وفي ترتيبِ أولوياتها الاستراتيجيةِ وأسسَ وضعُ المناهجِ في علاقاتها الدوليةِ ، حيثُ أثرتْ تلكَ الأحداثِ على مصيرِ الدولِ عربيةً وأكدتْ على أنَ مصيرها واحدٌ ومصالحها واحدةٌ لذا عليهمْ أنْ تتوحدَ وتلكَ الدولُ وتتكاملُ ، كما أثرتْ في خلقِ تقاربِ بينَ الدولِ القياديةِ بالمنطقةِ العربيةِ .
* كما قالَ الدكتورُ هنديٌ محمدْ عبدِ المولى في كتابةِ ” الأمنِ القوميِ العربيِ المسارِ والمصيرِ ” الذي يشرحُ كيفَ أثرتْ الأفعالُ الأمريكيةُ في الدولِ العربيةِ منْ غزوِ العراقِ إلى التلاعبِ بالأنظمةِ العربيةِ عامَ 2011م، مما أثرَ ذلكَ على الأمنِ القوميِ العربيِ ، مما دفعَ القياداتِ العربيةَ بإعادةِ استراتيجيةِ الأمنِ القوميِ للدولِ العربيةِ .
* وأظهرَ الكاتبُ ” جونْ أرَ برادلي ” في كتابةِ ” ما بعدَ الربيعِ العربيِ ” حينَ أظهرَ بالنتائجِ أنَ تلكَ الثوراتِ أتتْ بإرادةِ خارجيةٍ لتنفذَ مصالحَ الدولِ الداعمةِ لها ، وأنها لمْ تقمْ منْ أجلِ قيمِ الحريةِ والإنسانيةِ والديمقراطيةِ وإنما تمَ تدبيرها منْ أجلِ مصالحَ اقتصاديةٍ للدولةِ المهيمنةِ أمريكا .
* وكما أوضحَ ” فرانسسْ فوكوياما ” في كتابةِ ” صراعِ الحصاراتِ ” حينَ أوضحَ في نظريتهِ أنَ القادمَ هوَ صراعُ القومياتِ المختلفةِ وبينَ المعتقداتِ منْ أجلِ البقاءِ والاستمرارِ ، وحيثُ أكدَ القادمُ هوَ صراعُ الغربِ منْ أجلِ السيطرةِ وعلى الجانبِ الأخِ صراعَ الشرقِ منْ أجلِ البقاءِ ، أيُ صراعِ إثباتِ الذاتِ ، ومنْ لهُ القوةُ الذاتيةُ القادرةُ على البقاءِ هوَ منْ يستمرُ فيما هوَ قادمٌ .
منْ هذهِ القراءاتِ نستخلصُ :-
– أنَ ما فعلتهُ القوى الكبرى في الدولِ العربيةِ على مرِ العصورِ ، أرسخَ حقائقَ لدى قياداتِ الدولِ العربيةِ وشعوبها ، هوَ سعيُ تلكَ القوى الكبرى إلى تحقيقِ مصالحها على حسبِ الدولِ العربيةِ .
– أنَ ما فعلتهُ القوى الكبرى منْ نهبِ ثروراتْ الدولُ العربيةُ على مدارِ الأربعمائةِ عامِ السابقةِ ، كانَ لهُ تأيرْ على القياداتِ العربيةِ في السعيِ إلى التنميةِ الذاتيةِ للدولِ العربيةِ في الخمسينَ عاما التاليةِ بعدَ الاحتلالِ.
– لقدْ كانتْ ثوراتُ العربيةِ عامَ 2011 م ، الأثرُ البالغُ في إدراكِ القياداتِ العربيةِ أنَ مستقبلهمْ واحدٌ وأهدافهمْ واحدةٌ وأعدائهمْ واحدةٌ لذا سعوا إلى التوحدِ الاستراتيجيِ في بناءِ المستقبلِ المشتركِ والأهدافِ الجماعيةِ لحمايةِ أمنهمْ القوميِ المشتركِ .
– لقدْ استطاعتْ كلا منْ مصرَ والسعوديةِ والإماراتِ منْ العملِ المشتركِ منْ البناءِ والتنميةِ الذاتيةِ المشتركةِ لتوحيدِ الدولِ العربيةِ لتحقيقِ التنميةِ لدولهمْ ومصالحهمْ المشتركةِ ، منْ أجلِ الصمودِ ضد
– التحدياتُ الدوليةُ منْ المهيمنِ الأمريكيِ الذي يريدُ تحقيقَ مصالحةِ الذاتيةِ دونَ المصالحِ الدولِ العربيةِ وبينَ تنافسِ الدولِ الكبرى روسيا والصينِ في مزاحمةِ المهيمنِ الأمريكيِ .
– لقدْ أوضحَ الصراعُ الروسيُ والدولُ الغربيةُ في أوكرانيا وما تبعهُ منْ مؤتمراتِ وزياراتِ بينَ رؤساءَ وملوكِ الدولِ المعنيةِ ، أنَ للدولِ العربيةِ قياداتٍ لها أهدافٌ مشتركةٌ ومصالحُ مشتركةٌ واستراتيجيةُ عملٍ مشتركةٍ أنتجَ عنْ وحدةٍ في الرؤيةِ السياسيةِ العالميةِ تسعى إلى تحيقيقْ مصالحهمْ الذاتيةُ .
– لقدْ أثبتتْ القياداتُ العربيةُ أنَ للدولِ العربيةِ قيادةً غيرَ تابعةٍ للغربِ أوْ إلى الشرقِ ولكنَ تلكَ القيادةِ تابعةً إلى المصلحةِ المشتركةِ لشعوبِ الدولِ العربيةِ وأنها تسعى إلى تحقيقِ مصالحهمْ معَ كلِ القوى الكبرى الولاياتُ المتحدةُ الأمريكيةُ وروسيا الاتحاديةُ والصينُ الشعبيةُ .
– أنَ الموقفَ الموحدَ للدولِ العربيةِ الذي أفصحَ عنهُ مؤتمرُ التنميةِ بجدة يثبتُ أنَ للمنطقةِ قيادةً لها قوةٌ جيوسياسيةٌ وقوةُ جيواقتصاديةَ تؤثر في استراتيجياتِ الدولِ الكبرى لكلٍ منْ الصينِ وروسيا وأيضا على الدولةِ المهيمنةِ الأمريكيةِ .
– أنَ سعيَ الدولِ الكبرى والدولةِ المهيمنةِ الأمريكيةِ للتقاربِ إلى الدولِ العربيةِ يثبتُ أنَ منْ يستطيعُ أنْ يؤثرَ على تغيرِ النسقِ العالميِ هوَ الدولُ العربيةُ بإمكانياتها الاقتصاديةِ وموقعها الاستراتيجيِ وقوةُ تماسكِ قيادتها الذي أنتجَ قوةً عسكريةً قادرةً على إحداثِ تغيراتٍ في موازينِ القوى العالميةِ وتؤثرُ على الاقتصادِ العالميِ .
– لقدْ أعلنتْ الدولُ العربيةُ عنْ قوتها الإقليميةِ بداخلِ النسقِ العالميِ وأنها رقم واضحٌ ومؤثرٌ في المعادلةِ الدوليةِ للقوى العالميةِ .
– أنَ موقفَ الدولِ العربيةِ الموحدِ سوفَ يؤثرُ على النسقِ العالميِ ويغيرهُ منْ قطبٍ مهيمنٍ أمريكيٍ إلى نسقٍ عالميٍ متعددٍ الأقطابِ بداخلة الولاياتِ المتحدةِ الأمريكيةِ والصينِ الشعبيةِ وروسيا الاتحاديةِ وأنَ النسقَ العالميَ يقبلُ أيَ قوةٍ تستطيعُ أنْ تحققَ ذاتها ، وانْ النسقِ العالميِ يتقبلُ أكثرَ منْ قوى كبرى ومتعددةٍ وأنْ يقبلَ بقطبِ آخرَ مثلٍ الهندِ والاتحادِ الأوروبيِ .