بقلم د/أحمد الشحات: مدير مركز شاف للدراسات المستقبلية
بالرغم من إعتبارنا الأزمة السورية هي الأكثر تعقيداً في المشهد الإقليمى العربى خاصة والشرق أوسطى بشكل عام ، إلا إنها من وجهة نظرى جعلت الشعب السورى مهمشاً في تلك المعادلة الصفرية فلا تحقيق لإستقراره الوطنى أو أمنه القومى بأبعاده الداخلية من جانب ولا حل للأزمة بشكل حاسم على المستوى الدولى والإقليمى من جانب أخر ، وأصبح مسار قضيته وسيناريوهاتها المحتملة بيد الأخرين وباتت ضيف ثقيل على كل الموائد السياسية ، وسط إغفال وتهميش لمصالحة وأهدافه ، فأصبحت سوريا في تلك السنوات العشرة العجاف ساحة لإستعراض القوة وتحقيق المصالح ، حيث شهدت الكثير من التعقيدات الداخلية والتدخلات والإنقسامات بين السادة الدوليين واللاعبين الإقليميين ، فوجدت سوريا نفسها وتطور أزمتها أمراً مفصليا يتوقف عليه مستقبل توازنات القوى بالمنطقة ، كما أصبحت سوريا دون أن تدرك أزمة كاشفة فيما يتعلق بهيكل النظام الدولى الجديد ومدى قدرة روسيا والصين على تحدى الإدارة الأمريكية قى ضوء حماية مصالحها ونفوذها من الهيمنة الأمريكية ومحاولات واشنطن الدائمة للانفراد بإدارة الشأن الدولى والإقليمى.
وقد أدت الأزمة السورية في مراحلها المختلفة لظهور العديد من الأطراف الدولية والقوى الإقليمية برز دورها في زيادة حدة الإستقطاب للقوى الداخلية المتصارعة، ونشوء توازنات داخلية وشبكات مصالح جديدة في ظل إمتداد أمد الصراع، فضلاً عن إضفاء الطابع المذهبى والطائفى والدينى عليه، وكانت بيئة حاضنة لظهور كيانات إرهابية ساهمت بشدة في تنامى حالة عدم الاستقرار الأمني بالمنطقة بشكل عام . بالإضافة إنها كانت سبباً جوهريا فى ظهور تحالفات إقليمية جديدة داخل النظام العربى تقودها دولتان مركزيتان، هما إيران حليفة النظام السورى, وتركيا حليفة المعارضة، ومن جانب أخر أدركت دول الخليج خاصة السعودية وقطر الداعمين للمعارضة أن موازين القوى فى منطقتهم هى معادلة صفرية، حيث أن أى خسارة لإيران تعنى مكسباً تكتيكياً وإستراتيجياً لدول الخليج .
وفى سياق متصل فقد ساهم التدخل العسكرى الروسى فى سوريا في قلب دفة العمليات العسكرية بشكل كبير لمصلحة قوات النظام السورى وأستعدل الخلل فى التوازن الإستراتيجى للأزمة، وغير المعطيات الأساسية للمسارات السياسية القائمة والمحتملة في فلك تصورات القيادة الروسية للأوضاع المستقبلية لسوريا ، وذلك وسط حرص الولايات المتحدة للوصول للضمانات الكافية لتحقيق مصالحها ومخططاتها في إطار تلك الأزمة .
وختاماً: وأنا أتناول هذا الطرح لدولة تعد عظيمة ورقماً هاماً في تاريخنا العربى والأقليمى ، وبعد رصدى لعشر سنوات مرت على الحرب في سوريا، والأزمة تراوح مكانها، وسط إحباطات متتالية، وتغيرات سياسية مرتبكة، وتفاؤلات زائفة ، وجدت أن الأزمة السورية أفرزت أسماء دول ومصالح ومخططات قوى مختلفة ، و تغيرات سياسية عديدة وتقلبات وصراعات عسكرية بأطراف متغيرة، لم أجد الشعب السورى ومصالح دولتة في النوايا الحقيقية لمسارات التسوية، مع إكتفاء المجتمع الدولى بإستعراض صورة متعاطفة لشعب يعاني التشرد والنزوح في الداخل والخارج ، وفى هذا الإطار يستمر مسلسل التهميش لشعب أثبت تميزه وإختلافة على مدى التاريخ داخل حدوده الوطنية قبل الأزمة وداخل وخارج دولنا العربية خاصة بعد الأزمة .
وأنتظر موقف عربى رسمي يتبنى عودة سوريا إلى حضن الجامعة العربية خاصة بعد الإنفراجات السياسية الأخيرة والتحركات الدبلوماسية الإماراتية المحمودة تجاه سوريا.
ويبقى السؤال مطروحا على المستوى الدولى والإقليمى : هل مازال من الممكن إيجاد نهاية عادلة للأزمة السورية يخرجها من حالة التهميش ويدركها في خانة أصحاب الحق والمصير ؟