مروة سماحة حشيش
المقدمة
تحظى الانتخابات الكينية «الرئاسية، والتشريعية» باكتراثٍ واسعٍ على الصعيديْن «المحلي، والقارِّي»؛ نتاج عدة أسباب، أهمها: الخلافة المرتقبة للرئيس، أوهورو كينياتا، الذي تنحَّى عقب دوامه في المنصب لفترتيْن رئاسيتيْن، ونظرًا لتداعياتها البارزة على مسار الديمقراطية وتجديده، علاوةً على ذلك، تداعياتها على الصعيد الإقليمي، الكامنة في فرصة إضفاء فائدة النمذجة، في حال أصبحت العملية الانتخابية «عادلة، وشرعية»؛ لتعزيز المعايير الديمقراطية في المنطقة، فضلًاعن ذلك، تحظى كينيا بالاقتصاد الأكثر ديناميكية في المنطقة؛ فَتُعَدُّ ثامن أكبر اقتصاد أفريقي، وثامن أكبر دولة، من حيث عدد السكان في القارة، وفي هذا الصدد، تُعَدُّ كينيا بمثابة حِصْنٍ للاستقرار في منطقة مجاورة، تواجه مجموعةً من التحديات الأمنية، كالتالي: «حركة الشباب في الصومال، ومناخ عدم الاستقرار المحتدم في جنوب السودان، والاستبداد السياسي في “أوغندا، وتنزانيا”، والحرب الأهلية الفتَّاكة بإثيوبيا»، وتجْدُر الإشارة إلى أن معظم التحديات التي تواجه الدول المجاورة، تتعلق بعملية الحوْكَمة؛ لذا فإن للانتخابات الفعَّالة في كينيا تأثيرًا، سيطال من هم خارج حدودها أيضًا، وهذا يفسر الآمال الأفريقية بالانتخابات الكينية، المُقرَّر عقْدُها، في التاسع من أغسطس 2022.
مسار انتخابات الرئاسة الكينية وسياقها
وسط ترتبيات أمنية مُحْكَمة، انعقدت الانتخابات الرئاسية الكينية، في التاسع من أغسطس الجاري 2022، وانطلاقًا من ذلك، توجَّه أكثر من 22 مليونًا كينيًّا، يوم الثلاثاء، الموافق التاسع من أغسطس، إلى صناديق الاقتراع؛ لاختيار رئيسٍ للبلاد، من بين أربعة متنافسين، وكان أشهرهم وأكثرهم حِدَّة في التنافس، وليام روتو «النائب السابق لكيناتيا في الانتخابات السابقة»، وأودينجا «المتنافس الرئيسي لانتخابات 2017»، وتلك هي المرة الخامسة له في ترشُّحه للانتخابات الرئاسية، ووضع على عاتقها آمال كثيرة، وتجْدُر الملاحظة، بأن «أودينجا» يحظى بدعمٍ كبيرٍ فعَّالٍ من «كينياتا»، من الناحية «المادية، والانتخابية» على السَّواء، وعلى هذا الصدد، فقد تنبَّأ البعض بفوْز «أودينجا» في الانتخابات الرئاسية؛ بسبب قاعدته ذات النفوذ السياسي، والعريقة في كينيا.
وعلى الرغم من أن هذه الانتخابات تاريخية، بكل المقاييس، وعلى جميع المستويات؛ فهي انتخابات ديمقراطية، أعطت للشعب فرصةً؛ لمتابعة الاقتراع على «شاشات التليفزيون، ومنصَّات التواصُل الاجتماعي»، إلا أن ذلك لم يتغلب على مخاوف الكينيين المتعلقة بالانتخابات؛ حيث إن العديد من الانتخابات الكينية مرتبطة بشكلٍ كبيرٍ بالعنف، فدائمًا ما يُعبِّر الكينيون عن عدم رضاهم بنتائج الانتخابات، بإحداث «الفوضى، والشغب»، وخير شاهدٍ على ذلك، التنافس الانتخابي الذي نشب عام 2007، والذي نتج عنه مصرع قرابة 1200 قتيل، و 650 ألف نازحٍ، وفي بعض الأحيان، أخذ هذا العنف صبغةً عِرْقيةً؛ حصيلةً للاستقطاب، وإشعال فتيل العداوات.
الإعلان عن نتائج الانتخابات وتصاعُد وتيرة العنف من جديد
عقب ستة أيام، من بدْءِ الانتخابات بكينيا، أعلن رئيس اللجنة المستقلة للشؤون الانتخابية «وافولا شيبوكاتي»، يوم الإثنين، الموافق 15 من أغسطس الجاري، عن فوْز «وليام روتو» بالانتخابات الرئاسية، بحوالي 7.18 مليون بمثابة «50.49%»، مقابل 6.94 مليون صوت أيْ «48.85%»؛ لمنافسه «رايلا أودينجا»، ويُعتبرُ السيد «روتو ليس» من إثْنِيَّةِ «الكيكويو»، التي ظلَّت مسيطرةً على السُّلطة لمدة عشرين عامًا، وكان «كينياتا، و أودينجا» من هذا المجتمع، وعقب الإعلان عن النتائج، وعَدَ «روتو» صاحب الخمسة وخمسين عامًا، بالعمل مع كافة الفئات والقادة في كينيا، وأكَّد على ما كنفه برنامجه الانتخابي، من تهْدئة الصراعات في كينيا، والتعاون للمُضيّ قُدُمًا، والدفع بعجلة الاقتصاد؛ لإحداث التنمية، التي من شأنها، تقليل حِدَّة «الفقر، والبطالة»، التي يعاني منها الشباب الكيني، ولا سيما بعد «جائحة كورونا»، وفي ظل الأزمة «الروسية – الأوكرانية»، وحظيت تلك النتائج بقبولٍ «دوليٍّ، وإقليميٍّ» واسع، على الرغم، من أنها لم تكن متوقعة بشكلٍ كبيرٍ، وهنَّأت السفارة الأمريكية الشعب الكيني، على ممارسته حقَّ التصويت.
وكان لنشْأَة «روتو» البسيطة دوْرٌ كبيرٌ في مصداقيته، بالنسبة لكثيرٍ من الناخبين، حيث إنه جاء من طبقةٍ متوسطةٍ من عامة الشعب، وهذا أمرٌ مُسْتَحْدَثٌ في التاريخ الرئاسي الكيني، فكل من سبقوه كانوا من أعْرَق العائلات الأرُسْتُقْرَاطِيّة .
وفي مقابل هذا، كان هناك رد فعلٍ ثوريٍّ من جانب أنصار «أودينجا» على تلك النتائج، وزعموا ببطلانها، وخرجوا يحتجون على ذلك، في عِدَّة أحياء شعبية، في العاصمة «نيروبي»، وتمَّ «إشعال النيران، وقطع الطرق، والقيام بأعمال شغب كثيرة»، وبعض تلك الأعمال، زُعِم بأنها بقيادة الرئيس السابق، والذي «زاد الطينة بلَّة»، هو رفْض نتائج الانتخابات، والإدعاء بأنها غير طبيعية، وتفتقر للشفافية، من جانب أربعةٍ من المفوضيين، من أصل سبعة، وقد نتج عن ذلك، تصاعُد وتيرة العنف في البلاد، وتنبَّأ البعض، أن تلك الأجواء تُعدُّ شرارةً؛ لإعادة أحداث 2007، المليئة بالعنف، وانطلاقًا من ذلك، قام «أودينجا»، بالطعن في نزاهة نتيجة الانتخابات للمرة الثانية، على وتيرة انتخابات 2017، فالدستور الكيني يكْفُلُ الطَّعْن في نتائج الانتخابات، وإحالة القضية إلى المحكمة العليا، في الأيام السبعة، التي تلي الإعلان بالفائز.
تداعيات الانتخابات الكينية على منطقة شرق أفريقيا
تُولِي مجموعة شرق أفريقيا أهميةً كبيرةً؛ لتعزيز الديمقراطية، المتمثلة في الانتخابات الكينية، التي ستضمن الاستقرار السياسي في المنطقة، فلا يمكن لأي دولةٍ أن تتوقع تحقيق «النمو الاقتصادي، والسلام»، دون ختْم الشرعية من مواطنيها، ومن ناحيةٍ أُخرى، تُعدُّ بمثابة اختبارٍ مهمٍ؛ لاستقرار أكبر اقتصاد في شرق أفريقيا، بعد أن ذبُل مرتيْن، من الانتخابات الثلاثة؛ بسبب أعمال «العنف، والشغب»؛ الناتجة عن الشكِّ في نزاهة الانتخابات الرئاسية، علاوةً على ذلك، فإن «نيروبي» عاصمة كينيا، تُمثِّل مركز نظام بيئي لـ«الابتكار، والتكنولوجيا»؛ لذلك يُعْنَى بها شرق أفريقيا بشكلٍ حافلٍ، والجدير بالذكر، أن الانتخابات الكينية، ومسارها نحو الديمقراطية، كانت نموذجًا عظيمًا بالنسبة لدول شرق أفريقيا، خاصةً «أوغندا، وتنزانيا»، الذين يعانون من «القمع، والاستبداد»، من قِبَلِ حكومتهم، لدرجة تجعلهم لا يجرؤون على انتقاد مُرشَّحٍ، أو الانحياز له، فالانتخابات الكينية كانت مصباح أملٍ؛ للخروج من ظُلْمَة القهر.
وعلى الرغم من عدم تجلِّي رؤى كلٍّ من «أودينجا، وروتو» في برنامجهما السياسي، بخصوص السياسة الخارجية، إزاء شرق أفريقيا، التي كانت شبه متوترة في عهد «كينياتا»، إلَّا أن هناك العديد من المبادئ المكفولة من كلا الطرفيْن، التي من شأنها، تعزيز السياسة الخارجية بين الطرفيْن، كالتالي: «عدم الانحياز، واحترام وِحْدَة وسيادة الأراضي، والتعايُش السلمي، والدبلوماسية “الاقتصادية، والتجارية”» .
سيناريوهات المستقبل
السيناريو الأول: استمرار وتيرة العنف السياسي وتصاعدها
في هذا السيناريو، سيتم بُطْلان طلب «أودينجا» بالطعن في الانتخابات؛ وذلك لأن العملية الانتخابية كانت تُذَاعُ على الهواء مباشرةً، على «شاشات التليفزيون، ومنصَّات التواصل الاجتماعي»، فلا مجال للتلاعُب، وعلاوةً على ذلك، ستقوم العديد من الدول، وخاصةً من شرق أفريقيا، بمساندة ذلك القرار؛ حيث من مصلحتها، وجود «روتو» بدلًا من «أودينجا»، وسيُسْفر عن ذلك، فوضى عارمة في البلاد من قِبَلِ مناصري «أودينجا»، بدعمٍ منه، ومن الرئيس السابق، ولن تتمكن البلاد من السيطرة على حالة الفوضى، وستعيش البلاد في حالةٍ من «الاستقطاب، والفراغ السياسي»، وسيكون الاختلاف «الإثْنِي» بداخل كينيا عاملًا من أهم عوامل تأجيج «الصراع، والعدواة»، وستتكرر أحداث 2007 من جديد، وهذا السيناريو ليس مُسْتَبْعَدًا نهائيًّا.
السيناريو الثاني: التدخُّل «الدولي، والإقليمي» وإعادة الانتخابات مرَّةً أُخرى
في هذا السيناريو، سيتدخل كُلٌّ من «الأمم المتحدة، والاتحاد الأفريقي»، فضلًا عن المساعي الحميدة، من قِبَلِ «إثيوبيا، والصومال»؛ للحدِّ من ذلك الصراع المحتدم، في ظل «انعدام الأمن الغذائي بكينيا، والغلاء المتزايد»، وسيتم إعادة الانتخابات مرَّةً أُخرى، تحت مراقبةٍ دوليةٍ، واعتماد النتيجة الأخيرة، وسيادة الاستقرار في المنطقة، وهذا السيناريو الأكثر احتمالية.
السيناريو الثالث: إحكام قبضة «روتو» على السُّلطة والتوصُّل إلى تسويةٍ مع جماعة «الكيكويو».
في هذا السيناريو، سيقوم «روتو» بالسيطرة على البلاد، والمبادرة بتسويةٍ سياسيةٍ، يكون من خلالها، زيادة سلطات جماعة «الكيكويو» في السُّلطة التشريعية، في مقابل إخماد «العنف، والاحتجاجات»، وهذا السيناريو أقل السيناريوهات احتماليةً؛ لأنه سيزيد من نفوذ «الكيكويو»، وبالتالي، سينقضُّون عليه، ويخلعونه عندما تزداد قوتهم، ولن يقوم «روتو» بالاتفاق على تسويةٍ، مُفادها «قطع رأسه».