الأخوان في تونس: انشقاق حزبي وتخبط سياسي

رضوى رمضان الشريف

لم يعُدْ لـ«حركة النهضة»، الذراع السياسية لـ«جماعة الإخوان المسلمين» في تونس، أيّ نصيب من اسمها، على ما يبدو، فأصبحت الحركة في حالةٍ من التخبُّط، دون أيّ مؤشرٍ على النهوض مجددًا؛ حيث ذكرت مصادر تونسية، أن قيادات منشقة عن حزب «حركة النهضة» في تونس، تستعد لإطلاق حزبٍ جديدٍ، تخوض من خلاله غمار الانتخابات البرلمانية المنتظرة، في ديسمبر المقبل، وفي تلك الأثناء يواصل «راشد الغنوشي» رئيس «حركة النهضة»، تبرئة نفسه من جرائمه، الجاري التحقيق القضائي فيها، بإعلانه، الاستعداد للتخلِّي عن رئاسة الحركة، إذا ما تقدم طرفٌ «بتسويةٍ» لأزمة تونس.

وتأتي حالة التخبُّط السياسي، التي تعاني منها «حركة النهضة»، بالتزامن مع قيام الرئيس التونسي، قيس سعيد، باتخاذ خطوات إصلاحية عميقة في تونس، بدأت من 25 يوليو 2021، ووصلت إلى الاستفتاء على دستورٍ جديدٍ، يتبعه إعداد قانون للانتخابات وتنظيم عمل الأحزاب والمنظمات، وشروط تمويلها، ثم تختم الخارطة السياسية بانتخابات برلمانية مبكرة.

مناورة إخوانية

في محاولة بائسة لـ«حركة النهضة»؛ للرجوع إلى المشهد السياسي التونسي مجددًا، يقوم رئيسها بشخصنة الحركة، واختزالها في شخص «الغنوشي»؛ حيث أبدى «الغنوشي» في مقابلةٍ خاصةٍ، مع وكالة «الأناضول» التركية، 11 أغسطس، استعداده «التخلِّي عن رئاسة الحركة»، في حال «تقدم أيّ طرف بتسويةٍ للمشكل التونسي»، غير أنّ أحدًا لم يطرح أيّ تسوية تضم «حركة النهضة»، أو تشير إلى احتمالية عودتها إلى المشهد السياسي، ولا سيّما في ضوْء سخطٍ شعبيٍ، انعكس نسبيًّا في الإقبال على الاستفتاء على دستورٍ جديدٍ، الذي يُبشر بـ«جمهورية جديدة»، بدون «حركة النهضة» وأذرعها، فضلًا عن رفْض الشعب التونسي لدعوات الحركة السابقة للمشاركة في تظاهرات ضد الرئيس، قيس سعيّد، والدستور الجديد في 23 يوليو الماضي.

ويُذكر، أنه بعد حوار «الغنوشي»، واستعداده التخلِّي عن رئاسة الحركة، في سبيل إعادتها إلى المشهد السياسي التونسي، سارع إلى التراجُع عن ذلك الاستعداد، قائلًا: إنّ الحركة لن تبادر «بالتنازل عن موقعها»، متسائلًا: «لمصلحة من؟ ولرغبة من؟».

وبين التصريحيْن، قد يصبح أكثر وضوحًا، سعي «الغنوشي» لإجراء عملية تجميل لـ«حركة النهضة»، التي اهتزت صورتها بشدة مؤخرًا، على خلفية تورُّطها في عددٍ من الجرائم، التي تمسّ أمن تونس.

طريق مغلق

ذلك بجانب، الخلافات الداخلية التي تغرق فيها الحركة، منذ أكثر من عام؛ حيث أعلن عشرات من قياداتها استقالتهم، خلال الأشهر الأخيرة؛ اعتراضًا على استمرار «الغنوشي» في رئاستها.

وتسابق القيادات الإخوانية المُنشقَّة عن «حركة النهضة» الزمن؛ لتشكيل الحزب الجديد؛ لتخوض به غمار الانتخابات البرلمانية المنتظرة، في ديسمبر المقبل، والذي تقف عقبات قانونية أمام «حركة النهضة»؛ للمشاركة فيها؛ نتيجة التحقيق مع قيادات بها.

وتنتظر الساحة السياسية في تونس، إصدار القانون الذي ستجري على أساسه الانتخابات البرلمانية المقبلة، في 17 ديسمبر المقبل، ومن المتوقع، أن ينص القانون الانتخابي الجديد المُرْتقب في تونس بمعايير مغايرة، تسُدُّ ثغرات ونواقص، كان الإخوان يستغلونها؛ لتشكيل مشهد برلماني على قياس أجندتهم.

ويستعدّ الرئيس، قيس سعيّد، لإصدار مرسوم حول القانون الانتخابي الجديد، وطريقة انتخاب الغرفتيْن التشريعيتيْن؛ «البرلمان، والمجلس الوطني» للجهات والأقاليم، وشروط الترشّح للانتخابات التشريعية.

ومن المتوقع، أن يضع القانون الجديد شروطًا مختلفة عن سابقه؛ من أجل أن يفرز الاقتراع المنتظر مشهدًا خاليًا من العيوب؛ الناجمة عن إخلالاتٍ بالتطبيق، أو استغلالٍ لبعض الثغرات.

وبخصوص الانتخابات البرلمانية المقبلة، من المنتظر أن ينص القانون الانتخابي الجديد، على عدم التصويت على القوائم، مثلما كان معمولًا به في السابق، وسيتم تعويض ذلك بالتنصيص، على أن الاقتراع سيكون على الأفراد، وفي دورتيْن، وِفْقَ متابعين للمشهد السياسي التونسي.

ومن بين هذه الشروط، منْع مشاركة «الأحزاب، والأفراد» الذين تلقوا دعمًا خارجيًّا، سواء «ماليًّا، أو سياسيًّا»، عبر ما يعرف بـ«اللوبينغ»، أيْ إبرام عقود دعاية مع وكالات ضغط أجنبية، وهو ما يحظره القانون التونسي.

إجمالًا:

ينبع استعداد «الغنوشي» للتخلِّي عن رئاسة «حركة النهضة» من إدراكٍ واسعٍ لحقيقة أنّ الدستور الجديد أغلق كافة الأبواب أمام عودة «حركة النهضة»، التي يتهمها التونسيون بالمسؤولية عن «العشرية السوداء»، التي فاقمت أزمات الاقتصاد التونسي، وسلّمت تونس لأجندات خارجية على يد «حركة النهضة» ومسؤوليها.

كما تأتي تصريحات «الغنوشي» المتخبطة في أعقاب سلسلةٍ من الفشل الذريع للحركة، فمناورة «الغنوشي» لم تخلُ كالعادة من تحريض التونسيين ضد الرئيس التونسي، قيس سعيّد، فقد ادّعى رئيس الحركة، أنّ «أغلبية الشعب التونسي في حالة مقاومة» للمسار الذي أعلنه الرئيس، قيس سعيّد، لكنّه تجاهل، أنّ دعوات «حركة النهضة» للتظاهر ضد الرئيس التونسي، لم تلقَ استجابةً من الشعب التونسي، الذي عبّر في المقابل، عن دعمه للرئيس التونسي في مواجهة «حركة النهضة»، من خلال صناديق الاقتراع، التي شهدت نسبة تأييدٍ للدستور الجديد، الذي يُمهِّد للتخلُّص من «حركة النهضة»، بـ«94.6%»، وهو فوْزٌ فسّره المراقبون، على أنّه ضوْء أخضر لـ«سعيّد»؛ للمضي قُدُمًا في مواجهته مع «حركة النهضة»، التي تواجه اتهامات كذلك، بالتورُّط في ملف الاغتيالات السياسية، التي طالت عددًا من النشطاء في 2013.

أما بالنسبة للخلافات الداخلية بين قيادات الحركة، فهي حقيقية، ولا يمكن إنكارها، ولكن تونس أمام مناورة إخوانية لاستغلال هذه الحالة، وتصديرها للعلن؛ لتأسيس كيانٍ سياسيٍ على خلفيتها، بديل لـ«حركة النهضة»، يحمل أفكارها، ولكنه لا يحمل ثقل جرائمها، التي سدّت أمام الحركة مجال العمل السياسي.

فلا شكَّ بأن الحزب الجديد – حال تشكُّلِه – سيحرص على عدم الجهر بأيديولوجيته؛ لتجنُّب غضب الشارع التونسي، ولتفادي حالة النفور الكبير ضدها.

 

كلمات مفتاحية